جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   جمهرة معاني الحروف (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1057)
-   -   إلّا (http://jamharah.net/showthread.php?t=26214)

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 01:00 AM

إلّا
 

عناصر الموضوع:
-شرح مقاتل بن سليمان البلخي (ت: 150هـ)
-شرح هارون بن موسى الأزدي النحوي (ت: 170هـ)
-شرح يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت:200هـ)
-شرح أبي بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ)
-شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ)
- شرح أبي الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ)
- شرح إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ)
-شرح أبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني (ت: 478هـ)
-شرح أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ)
- شرح أحمد بن عبد النور المالقي(ت:702ه)
- شرح إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ)
- شرح الحسن بن قاسم المرادي(ت:749ه)
- شرح عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري(ت:761ه)

علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)
-شرح ابن نور الدين الموزعي (ت: 825هـ)
- شرح عبد الله بن محمد البيتوشي(ت:1211ه)

-شرح محمدعبد الخالق عضيمة(ت:1404ه)

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:14 PM

"إلا" مشددة
قال مقاتل بن سليمان البلخي (ت: 150هـ): ("إلا" مشددة
"إلا": منه استثناء، ومنه ما يشبه الاستثناء وهو مستأنف الكلام.
على أربعة أوجه:
الوجه الأول: "إلا"، يعني: الاستثناء. فذلك قوله في الزخرف: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو}، ثم استثنى من الأخلاء، فقال: {إلا المتقين} [67] منهم، وأنهم ليسوا بأعداء بعضهم لبعض. وقال في الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} الآية، ثم استثنى فقال: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} [68-70]، فإنه لا يلقى آثاما ولا يخلد في العذاب. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: "إلا"، يعني: الاستثناء، وليس باستثناء، ولكنه مستأنف للكلام. فذلك قوله في الأعراف، حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن القيامة، فقال الله عز وجل: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا}، البتة، فانقطع الكلام ثم استأنف: {إلا ما شاء الله} [188] فإنه يصيبني ما شاء. وقال في يونس، حين سألوا: متى ينزل العذاب: {قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا} البتة، وانقطع الكلام ثم استأنف: {إلا ما شاء الله}، فإنه يصيبني ذلك، {لكل أمة أجل} [49]، بالعذاب، إلى آخر الآية. وقال إبراهيم في سورة الأنعام: {ولا أخاف ما تشركون به}، البتة، استأنف: {إلا أن يشاء ربي شيئا} [80]، فيصيبني ما شاء ربي عز وجل. وقال شعيب في الأعراف: {وما يكون لنا أن نعود فيها}، يعني: في ملة الشرك، ثم أستأنف وقال: {إلا أن يشاء الله ربنا} [89]، شيئا فيدخلنا فيها. وقال في الدخان: {لا يذوقون فيها الموت}، البتة، ثم استأنف فقال: {إلا الموتة الأولى} [56]، التي ذاقوها في الدنيا. وقال في: الليل إذا يغشى: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى}، يعني: ما لبلال عند أبي بكر من نعمة يجزيه بها أبو بكر، حين أعتقه، ثم استأنف فقال: ما فعل ذلك: {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [الليل: 19-20]. وقال في: هل أتاك حديث الغاشية: {فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر}، البتة، وانقطع الكلام، ثم استأنف: {إلا من تولى وكفر (23) فيعذبه الله العذاب الأكبر} [الغاشية: 21-24]. وقال في: التين والزيتون: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4) ثم رددناه أسفل سافلين}، فانقطع الكلام، ثم أستأنف، وقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} [التين: 6]. وقال في: قل أوحى: {عالم الغيب}، يعني: غيب وقت العذاب، {فلا يظهر على غيبه أحدا}، متى وقت العذاب البتة، ثم استأنف: {إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} [الجن: 26-27]. وقال في سبأ: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى}، ثم استأنف: {إلا من آمن وعمل صالحا}، فإن ذلك يقرب إلى الله عز وجل، {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} [37].

الوجه الثالث: "إلا"، يعني: خبر يخبر عن شيء. فذلك قوله في الحجر: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله}، ثم أخبر عنه: {إلا بقدر معلوم} [21]. وقوله: {إن أنتم}، ثم أخبر عنهم: {إلا بشر مثلنا} [إبراهيم: 10]. وقال: {إن نحن} ثم أخبر عنهم: {إلا بشر مثلكم} [11]. وقال: {إن أنتم}، ثم أخبر عنهم: {إلا في ضلال مبين} [يس: 47]. ونحوه كثير.

الوجه الرابع: "إلا"، يعني: غير. فذلك قوله في الأنبياء: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، يعني: غير الله لفسدتا، {فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [22]. كقوله في المؤمنين: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن} [71]. نظيرها في الصافات، قوله: {لا إله إلا الله} [35]. يعني: لا "إله" غير الله. وكذلك كل: {لا إله إلا الله} في القرآن، يعني: لا "إله" غير الله. ونحو هذا كثير). [الوجوه والنظائر: 111 - 113]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:16 PM

"إلا"
قال هارون بن موسى الأزدي النحوي (ت: 170هـ): ("إلا"
تفسير "إلا" على أربعة وجوه:
فوجه منها: ما يشبه الاستثناء، ووجه منها "إلا" وهو الاستثناء، فذلك قوله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} أنهم ليسوا بأعداء بعضهم لبعض. وقال في آخر الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا} [68-70] فإنه لا يلقى إثما. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: "إلا"، فهذا الذي يشبه الاستثناء، فذلك قوله في الأعراف حين سألوه عن القيامة: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله} فإنه يصيبني "إلا" ما يشاء، فإنه يصيبني ذلك. {لكل أمة أجل} بالعذاب، إلى آخر الآية. وقال إبراهيم، صلى الله عليه وسلم في الأنعام: {ولا أخاف ما تشركون به} البتة، ثم أستأنف {إلا أن يشاء ربي شيئا} [80] فيصيبني ما يشاء ربي. وقال شعيب، صلى الله عليه وسلم، في الأعراف: {وما يكون لنا أن نعود فيها} يعني: في ملة الشرك ثم استأنف {إلا أن يشاء الله ربنا} [89] فيدخلنا فيها. وقال: {لا يذوقون فيها الموت}، ثم استأنف فقال: {إلا الموتة الأولى} التي ذاقوها في الدنيا. وقال: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} يعني: ما لبلال عند أبي بكر من نعمة يجزيه بها أبو بكر، رضوان الله عليه، حين أعتقه، ثم استأنف فقال ما فعل ذلك {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى}. وقال {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر} وانقطع الكلام، ثم استأنف: {إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر}. وقال: {ثم رددناه أسفل سافلين} فانقطع الكلام، ثم استأنف: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون}. وقال في قل أوحي إلي: {عالم الغيب} يعني: عند وقت العذاب {فلا يظهر على غيبه أحد} وقت العذاب البتة، ثم استأنف: {إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك} [26-27]. وقال في سبأ: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى}، ثم أستأنف: {إلا من آمن وعمل صالحا} فإن ذلك يقرب إلى الله {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} [37].

الوجه الثالث: "إلا" خبر يخبر عن شيء، فذلك قوله في الحجر: {وإن من شيء} ثم أخبر {إلا} وقال: {إن نحن} ثم أخبر {إلا بشر}. وقال: {إن أنتم} ثم أخبر {إلا في ضلال كبير}. ونحوه كثير.

الوجه الرابع: "إلا". يعني: غير، فذلك قوله في الأنبياء: {لو كان فيهما آلهة إلا الله} يعني: غير الله. مثلها في قد أفلح. وقوله: {لا إله إلا الله} يعني: غير الله. وكذلك كل: {لا إله إلا الله} في القرآن). [الوجوه والنظائر: 308 - 310]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:17 PM

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت:200هـ): (تفسير "إلا"
على أربعة وجوه:
الوجه الأول: "إلا" استثناء وذلك قوله في الزّخرف: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين} استثنى من الأخلاء المتّقين فقال: {إلا المتقين} منهم، فإنّهم ليسوا بأعداء بعضهم لبعض. وقال في سورة الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله {إلاّ من تاب}، استثنى من تاب. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: وهو الذي يشبه الاستثناء وليس بالمستثنى ولكنه مستأنف الكلام، وذلك قوله في سورة الأعراف حين سألوا النّبي عليه السّلام عن القيامة: متى هي؟ فقال الله له: {قل} يا محمّد {لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا}، ثمّ انقطع الكلام، ثمّ استأنف فقال: {إلاّ ما شاء الله} فإنّه يصيبني ما شاء الله. وقال في يونس حين سألوا النبي متى ينزل العذاب: {قل لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا}، وانقطع الكلام، ثم استأنف {إلاّ ما شاء الله}، فإنه يصيبني ذلك. وقال [إبراهيم] في سورة الأنعام: {ولا أخاف ما تشركون به} ثمّ استأنف فقال: {إلا أن يشاء ربّي شيئًا} فيصيبني ما شاء ربّي. وقال شعيب في سورة الأعراف: {وما يكون لنا أن نّعود فيها} يعني ملّة الشرك، ثمّ استأنف فقال: {إلا أن يشاء الله ربّنا} شيئا فيدخلنا فيها.
وقال في آخر الدّخان: {لا يذوقون فيها الموت} البتّة، ثم استأنف فقال {إلا الموتة الأولى} التي ذاقوها في الدّنيا. وقال في اللّيل إذا يغشى: {وما لأحدٍ عنده من نّعمةٍ تجزى} يعني ما لبلال عند أبي بكر {من نّعمةٍ تجزى} يجزيه بها حين أعتقه أبو بكر. ثم استأنف فقال: ما فعل ذلك {إلا ابتغاء وجه ربّه الأعلى}. وقال في هل أتاك: {لّست عليهم بمصيطرٍ}، ثم انقطع الكلام، ثم استأنف فقال: {إلاّ من تولى وكفر * فيعذّبه الله العذاب الأكبر}. وقال: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ * ثمّ رددناه أسفل سافلين}، فانقطع الكلام، ثم استأنف فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا ألصالحات فلهم أجرٌ غير ممنونٍ}. وقال في قل أوحي: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا} يعني غيب وقت العذاب يعني وقته، ثم استأنف فقال: {إلاّ من ارتضى من رّسولٍ}.
وقال في سورة سبأ: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى}، ثم استأنف فقال: {إلاّ من آمن وعمل صالحًا} فإن ذلك يقرب إلى الله، قال: {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون}.

الوجه الثالث: "إلا" يعني يخبر عن شيء وذلك قوله في سورة الحجر: {وإن مّن شيءٍ} ثم أخبر عنه فقال: {إلاّ عندنا خزائنه}، ثم أخبر عنه فقال: {وما ننزّله إلاّ بقدرٍ مّعلومٍ}. وقوله في إبراهيم: {إن أنتم} ثم أخبر فقال: {إلاّ بشرٌ مّثلنا}، وقال قولوا: {إن نّحن}، ثم أخبروا عنه، {إلاّ بشرٌ مّثلكم}. وقال في تبارك: {إن أنتم} ثمّ أخبر فقال: {إلاّ في ضلالٍ كبيرٍ}. ونحوه كثير.

الوجه الرابع: "إلا" يعني غير وذلك قوله في سورة الأنبياء: {لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله} يعني غير الله {لفسدتا فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون}. وكقوله: {لا ألاه إلا الله} لا أله غير الله. وكذلك كلّ شيءٍ: لا أله "إلا" الله، غير الله). [التصريف: 375 - 378]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:19 PM

"إلا" التحقيق
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و "إلا" تحقيق: ما خرج من القوم "إلا" زيدٌ، و: ما قدم من القوم "إلا" محمد، رفعت «زيدٌ» و «محمدٌ» لأن لهما الفعل، قال الله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}، رفع الشهداء على معنى اسم «يكن»، ورفع «أنفسهم» على التحقيق، لأنهم هم الشهداء، وكذلك تقول: لا إله "إلا" الله و: لا رجل "إلا" زيدٌ، رفعت «زيدٌ» على التحقيق، وعلى أنه لا يجوز قولك: لا رجل، حتى تقول: "إلا" زيدٌ، وإنما رفعت على التحقيق.
وإذا قدمت المستثنى على حرف التحقيق نصبت ما قبله، ورفعت ما بعده، تقول: ما لي "إلا" أباك صديقٌ.
قال الشاعر:
وما لي إلا آل أحمد شيعةٌ ....وما لي إلا مشعب الحق مشعب
وقال آخر:
والناس ألبٌ علينا فيك ليس لنا.... إلا السيوف وأطراف القنا وزر
نصب «السيوف وأطراف القنا» بأنه قدم المستثنى، وعلى أن "إلا" في المعنى "لكن"، لأن "لكن" تحقيق و "إلا" تحقيق.
فأما قول الآخر:
والحرب لا يبقى لصا (م) .... حبها التخيل والمراح
"إلا" الفتى الصبار في النجدات والفرس الوقاح
يعني: "إلا" أن يكون الفتى الصبار والفرس. ومثله:
عشية لا تغني الرماح مكانها .... ولا النبل إلا المشرفي المصمم
يعني: "إلا" أن يكون.
فأما قول الآخر:
ما رام سرك إنسانٌ فيعلمه .... إلا الصحيفة والجادي والقلما
وإنما أخبرتك بـ «لكن» لأنه خارج من الكلام الأول.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {وما لأحدٍ عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى}، فهذا استثناء من غير لفظه أيضًا، ومثله: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}، أي: أحدٌ "إلا" الله.
وأما قوله: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}، يعني: لكن من رحم، وكذلك: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم}، أي: لكن من ظلم.
وتقول: ما أتاني "إلا" زيدٌ أبو عمروٍ، إذا كان «زيدٌ» هو أبو عمرو، وجاز على البدل، كما قال الشاعر: [رجز]
ما كان من شيخك إلا عمله .... إلا رسيمه وإلا رمله
لأن الرسيم هو الرمل، فأعاد، لأنه ما زاده "إلا" توكيدًا). [المحلى: 277 - 279]

"إلا" بمعنى "الواو"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و "إلا" بمعنى "الواو" مثل قول الشاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه .... لعمر أبيك إلا الفرقدان
معناه: والفرقدان يتفرقان، ومثله قول الله تبارك وتعالى: {إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم}، معناه: والذين ظلموا منهم "فلا" تخشوهم). [المحلى: 280]

"إلا" الاستثناء
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و "إلا" الاستثناء: خرج القومُ إلى زيدًا، و: قدم القومُ "إلا" محمدًا والمستثنى إذا لم تكن له شركة في فعل القوم فهو نصب، "ألا" ترى أن زيدًا "لم" يخرج ومحمدًا "لم" يقدم، فلذلك انتصبا). [المحلى: 276]

"إلا" في معنى "لكن"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و "إلا" في معنى "لكن" قوله جل وعز: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}، نصب «تذكرة» على معنى "لكن"، لأن "إلا" تحقيق، و "لكن" تحقيق).[المحلى: 283]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:21 PM

"إلّا"
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( "إلّا" لها وجوه:
تكون تحقيقا بعد النّفي ونفيا بعد التّحقيق، كقولك: سار النّاس "إلّا" زيدا، فقد نفيت مسير زيد مع النّاس.
وتقول: ما سار اخوتك "إلّا" زيدٌ، فقد أثبت المسير لزيد من بين الاخوة.
وتقع نفيا للنكرات العامّة كقوله تعالى:{لو كان فيهما آلهةٌ إلّا اللّه لفسدتا}، معناه: لو كان فيهما آلهة غيره). [حروف المعاني والصفات: 7]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:23 PM

باب: مواضع "إلاّ"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: مواضع "إلاّ"
اعلم أن لها ستة مواضع:
تكون استثناءً: كقولك: «قام القوم "إلا" زيدًا».
وتكون نعتًا: بمعنى "غير" فتجري ما بعدها على ما قبلها، كما تجري "غيرًا" إذا أردت بها النعت، فتقول: «قام القوم "إلا" زيد»، فترفع ما بعد "إلا" في الموجب، لأنها نعت بمعنى "غير"، كما تقول: «قام القوم "غير" زيد»، فترفع "غيرًا" بعد الموجب إذا أردت به النعت لا الاستثناء، قال الله عز وجل: {لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا}، ومعناه: غير الله، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكل أخٍ مفارقه أخوه .... لعمر أبيك إلا الفرقدان
فرفع «الفرقدين» بعد "إلا" في الموجب، لأنه جعلها نعتًا لـ «كل» بمعنى "غير" تقديره: وكل أخٍ غير الفرقدين مفارقه أخوه لأنه قال هذا في الجاهلية قبل أن يسلم، وكان يظن أن الفرقدين لا يتفرقان، كما قال لبيد في الجاهلية أيضًا:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع .....وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

وتكون تحقيقًا وإيجابًا بعد الجحد: كوقلك: «ما قام "إلا" زيد»، و«ما في الدار "إلا" زيد»، و«ما أعطيت زيدًا "إلا" درهما»، و«ما قبض من زيدٍ "إلا" درهم»، فـ "إلا" في هذه المواضع تحقيق وإيجاب.
وتكون بمعنى "لكن" كقولك: «والله إن لفلان مالًا، "إلا" أنه شقي»، معناه: لكنه شقي، ومن كلام العرب: «ما نفع "إلا" ضر وما زاد "إلا" نقص». تقديره: "لكن" ضر و"لكن" نقص، ومنه قوله تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}، معناه: "لكن" أنزلناه تذكرة، وقوله: {فبشرهم بعذابٍ أليم إلا الذين آمنوا}، معناه: "لكن" الذين آمنوا، وقوله: {لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر}، معناه: "لكن" من تولى وكفر، وقوله: {فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك}، معناه: "لكن" من ارتضى من رسول فإنه يسلك، وقوله: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}، أي: "لكن" من رحم يعصم أو معصوم، وقوله: {لا عاصم} في تأويل معصوم، أي: لا معصوم اليوم من أمر الله "إلا" من رحم، وقد يجيء المفعول على «فاعل» ألا ترى قوله: {من ماءٍ دافقٍ}، قال الفراء: معناه مدفوق، وقوله: {في عيشة راضية}، أي: مرضية، وأنشد للحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها....واقعد، فإنك أنت الطاعم الكاسي
معناه: المكسو، وقد قالوا: «هذا سر كاتم»، أي مكتوم؛ لأن الشر لا يكون كاتمًا، وقالوا: الراحلة، وإنما هي المرحولة
وقال الخليل رحمه الله معنى «عيشة راضية»، و«طاعمٍ كاسٍ» أي ذات رضا وذو طعام وكسوة، كما قالوا: «رجل لابن وتامر» أي ذو لبنٍ وتمر.
ومن ذلك قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس}، معناه:
"لكن" قوم يونس، وقوله: {الذين خرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله}، أي: "لكنهم" يقولون: ربنا الله، وهذا الضرب في القرآن كثير.
ومثل ذلك في الشعر قول شهاب المازني:
من كان أسرع في تفرق فالج .... فلبونه جربت معًا وأغدت
إلا كناشرة الذي ضيعتم ....كالغصن في غلوائه المتنبت
أراد: "لكن" هذا كناشرة، وقوله: «كالغصن» يمدحه، أي ضيعتموه وهو كالغصن، و«فالج» قبيلة تفرق أكثرها.
وقال الأعشى في مثله:
كلا، وبيت الله، حتى ينزلوا .... من رأس شاهقةٍ إلينا الأسودا
ثم قال:
إلا كخارجة المكلف نفسه .....وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
أراد: لكنه كخارجة، و"الكاف" "ها" هنا زائدة، كقوله عز وجل: {ليس كمثله شيء}، والمعنى: ليس مثله شيء، وقال آخر:
كذب الشباب علي إلا أنني .... أقصرت عن لذاته فقلاني
معنى "إلا": لكن.

والموضع الخامس: تكون "لا" بمعنى "واو" النسق.
كقوله عز وجل: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم}، معناه: والذين ظلموا منهم، و{الذين} في موضع خفض نسقًا على الناس، وقال عز وجل: {إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم}، وقال بعض النحويين: "إلا" ها هنا بمعنى "واو" النسق، كأنه قال: لا يخاف لدي المرسلون، ومن ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء، فإني غفورٌ رحيم، وقال بعضهم: إن "إلا" في هاتين الآيتين بمعنى "لكن" كأنه قال: "لكن" الذين ظلموا فلا تخشوهم على الانقطاع من أوله، وكذلك قوله: {إني لا يخاف لدي المرسلون}، تم الكلام، ثم قال: "إلا" من ظلم بمعنى: "لكن" من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوءٍ فإني غفور رحيم.

والموضع السادس: تكون "إلا" بمعنى "إمَّا" كقولك: «"إما" أن تكلمني و"إلا" فأسكت»، المعنى: "إما" أن تكلمني، و"إما" أن أسكت). [الأزهية: 173 - 178]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:25 PM


"إلا"
قال إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ): (باب "إلا"
وهو على اثني عشر وجها:
أحدها: بمعنى التحقيق، {وما يخدعون إلا أنفسهم} (البقرة 9)، {وما محمد إلا رسول} (آل عمران 144)، و{ما فعلوه إلا قليل منهم} (النساء 66).
والثاني: الاستثناء، {فسجدوا إلا إبليس} {فشربوا منه إلا قليلا}.
والثالث: الاستئناف، {ما تشركون به إلا أن يشاء ربي}، وقوله: {إلا أن يشاء اللّه ربنا}، نظيرها في يونس (الآية 49)، وفي الجن (الآية 27): {إلا من ارتضى}، {إلا من تولى وكفر} (الغاشية 23)، {إلا ابتغاء وجه ربه}، وفي التين (الآية 6): {إلا الذين آمنوا}، وفي سبأ (الآية 37): {إلا من آمن}.
والرابع: بمعنى "لا"، {إلا الذين ظلموا منهم}، {إلا من ظلم ثم} (النمل 11).
والخامس: "أما"، كقوله: {إلا الذين تابوا وأصلحوا} (البقرة 160)، و{إلا من تاب وآمن} (الفرقان 70).
والسادس: بمعنى "سوى"، {إلا ما قد سلف}، وقوله: {لا يذوقون فيها الموت إلا} (الدخان 56).
السابع: بمعنى "لكن"، {إلا خطأ}.
والثامن: بمعنى "الواو"، {إلا في كتاب مبين}، وقوله: {إلا قوم يونس} (يونس 98)، وقوله: {فلا يؤمنون إلا قليلا} (النساء 46)، وقال بعضهم: هذا استثناء محقق.
والتاسع: بمعنى الخبر، كقوله: {ما أنتم إلا بشر مثلنا} (يس 15).
والعاشر: بمعنى: "غير"، كقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا اللّه} (الأنبياء 22).
الحادي عشر: "إلا" مقلوبة كقوله: {إلا الذين أوتوه من بعد}، معناه: {إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات} "إلا" {بغيا بينهم}، ومعنى "إلا" ساقط من موضعها، يثبت عند قوله: {بغيا}.
والثاني عشر: بمعنى "قد"، كقوله: {إلا ما شاء اللّه} في الأعلى (الآية 7)، والشورى (الآية 14)، والجاثية (الآية 17) ). [وجوه القرآن: 73 - 75]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:27 PM

"إلا"
قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني (ت: 478هـ) : (
تفسير "إلا"على أربعة أوجه:
الاستثناء – الاستئناف، وهو يشبه الاستثناء – خبر – غير
فوجه منها، "إلا" يعني: الاستثناء، قوله تعالى في سورة الزخرف: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} يعني منهم، فإنهم ليسوا بأعداء بعضهم لبعض، وكذلك قوله تعالى {إلا من تاب وآمن} ونحوه كثير.

والوجه الثاني, "إلا": وهو الذي يشبه الاستثناء، وليس باستثناء ولكن استئناف، قوله تعالى:{قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا} انقطع الكلام، ثم استأنف، فقال: {إلا ما شاء الله} فإنه يصيبني {ما شاء} مثلها في سورة يونس، ونظيرها في سورة الأنعام: {ولا أخاف ما تشركون به} ثم انقطع الكلام, ثم استأنف فقال: {إلا أن يشاء ربي شيئا}، وقال في قصة شعيب في سورة الأعراف: {وما يكون لنا أن نعود فيها} يعني: في ملة الشرك, ثم استأنف فقال: {إلا أن يشاء الله ربنا} يعني: فيدخلنا فيها, وقوله تعالى في سورة الدخان: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}، مثلها في سورة (والليل) {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه}، ونحوه في سورة الغاشية وسورة (والتين) وسورة الجن وسورة سبأ.

والوجه الثالث، "إلا" بمعنى الخبر: بخبر عن شيء، قوله تعالى في سورة الحجر: {وإن من شيء إلا عندنا}، فأخبر بقوله: {إلا عندنا خزائنه}، وأخبر عنه أيضا فقال: {إلا بقدر معلوم}، وقوله تعالى: {إن نحن}، ثم أخبر فقال: {إلا بشر مثلكم}، وقال: {إن أنتم}، ثم أخبر فقال: {إلا في ضلال مبين}.

والوجه الرابع، "إلا" بمعنى غير: قوله تعالى في سورة الأنبياء: {لم كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، يعني: غير الله. وقوله تعالى: {إلا الله}، يعني: غير الله، وكل لا إله "إلا" الله فهو كذلك). [الوجوه والنظائر: 78 - 79]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:29 PM

"إلا"
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ):
(باب "إلّا"
"إلّا": موضوعة في الأصل للاستثناء. قال أبو زكريّا: وللاستثناء أدوات موضوعة فأشدها استيلاء على باب الاستثناء وأكثرها استعمالا "إلّا" وهي أم الباب، و"ما عداها" من أدوات الاستثناء كأنّها أخذت، هذا الحكم من "إلّا" بطريق الشّبه، فمن الأدوات الّتي استثنى بها لشبهها "بإلا" أسماء وأفعال وحروف، فمن الأسماء: "سوى"، وفيها ثلاث لغات: فتح "السّين"، وضمّها، وكسرها. فإذا فتحت "السّين" مددتها لا غير، وإذا ضممتها قصرت لا غير، وإذا كسرتها كنت بالخيار بين المدّ والقصر. والقصر أكثر. ومنها "غير"، ومنها "بيد"، "وميد"، وهما اسمان، ومن الأفعال: "ليس"، و"لا يكون"، و"عدا"، ومن الحروف: "حاشا"، و"خلا"، وهما حرفان من حروف الجرّ، وفيهما معنى الاستثناء. وقد تقع "إلّا" بمعنى "الواو"، وأنشدوا من ذلك:
وكل أخ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلّا الفرقدان
وذكر أهل التّفسير [أن] "إلّا" في القرآن على أربعة أوجه: -
أحدها: الاستثناء. ومنه قوله تعالى في الفرقان: {ويخلد فيه مهانا إلّا من تاب وآمن}، وفي العنكبوت: {فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما}، وفي الزخرف: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلّا المتّقين}، وهو كثير في القرآن.
والثّاني: الاستئناف. ومنه قوله تعالى في الأنعام: {ولا أخاف ما تشركون به إلّا أن يشاء ربّي شيئا}، وفي الأعراف: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلّا ما شاء الله) {وفيها} (ما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء الله ربنا}، وفي اللّيل: {إلّا ابتغاء وجه ربه الأعلى}، وفي الغاشية: {إلّا من تولى وكفر}، وفي التّين: {ثمّ رددناه أسفل سافلين. إلّا الّذين آمنوا}.
والثّالث: بمعنى "غير". ومنه قوله تعالى في الأنبياء: {لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا}، وفي الدّخان: {لا يذوقون فيها الموت إلّا الموتة الأولى}.
والرّابع: بمعنى "لكن". ومنه قوله تعالى في هود: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلّا من رحم}، وفي الشّعراء: {فإنّهم عدو لي إلّا رب العالمين}، وفي سورة النّساء: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء إلّا ما قد سلف}.
قال بعضهم: معنى الآية: "لكن" ما قد سلف فاجتنبوه. وقال قوم: معناها: بعدما قد سلف فإنّكم لا تؤاخذون به. وقال بعضهم: هذه الآية بمعنى "الواو": فتقديرها ولا ما قد سلف. ومعناه: اقطعوا ما أنتم عليه من نكاح ما نكح الآباء. ولا تبتدئوا
).[نزهة الأعين النواظر: 123 - 125]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:31 PM

باب "إلا" المكسورة المشددة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "إلا" المكسورة المشددة
اعلم أن "إلا" حرف معناه الاستثناء، ولفظه موضوع لذلك كقولك: «قام القوم "إلا" زيدًا»، و«جاء زيدًا "إلا" أني لم ألقه».
وهي تنقسم [قسمين]: قسمٌ يُخرج بعض الشيء من كله وهو الذي يسمى الاستثناء المتصل، وقسمٌ بمعنى "لكن" ويسمى ما يكون له كذلك الاستثناء المنفصل والاستثناء المنقطع.
وهل يكون ما بعدها منصوبًا أو غير منصوب؟ في ذلك تفصيل لابد من بيانه.
وهو أن يقال: الاسم الواقع بعد "إلا" لا يخلو أن يكون في استثناء متصل أو استثناء منقطع.
فإن كان في استثناء متصل فلا يخلو أن يكون المستثنى مقدمًا أو لا يكون.
فإن لم يكن فلا يخلو أن تكرر "إلا" أولًا.
فإن لم تكرر فلا يخلو أن يتفرغ العامل الذي قبلها للعمل فيما بعدها أو لا يتفرغ.
فإن تفرغ فلا يخلو أن يكون ذلك العامل رافعًا أو ناصبًا أو خافضًا.
فإن كان رافعًا ارتفع الاسم بعد "إلا" كقولك: «ما قام "إلا" زيد»، «وما ضرب "إلا" عمرو»، وإن كان ناصبًا أو خافضًا فلا يخلو أن يكون معموله محذوفًا أو لا.
فإن كان محذوفًا كان الاسم بعد "إلا" منصوبًا كقولك في جواب هل ضربت أحدًا، وهل ممرتب أحدٍ: «ما ضربت "إلا" زيدًا وما مررت "إلا" زيدًا»، ومنه قول الشاعر:
نجا سالم والنفس منه بشدقه..... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا
أي: ولم ينج بشيء.
وإن لم يكن له معمول محذوف كان ما بعد "إلا" على حسب ما يطلبه العامل، كقولك: «ما رأيت "إلا" زيدًا وما ممرت "إلا" بعمرو».
وإن لم يكن قبل "إلا" عامل مفرغ لما بعده فلا يخلو أن يكون الكلام الذي قبله موجبًا أو منفيًا.
فإن كان موجبًا جاز في الاسم الواقع بعد "إلا" وجهان: النصب على الاستثناء مما قبله، نحو: «قام القوم "إلا" زيدًا»، و«رأيت القوم "إلا" زيدًا»، و«مررت بالقوم "إلا" زيدًا»، هذا هو الكثير الفصيح، ويجوز أن تجعله مع "إلا" بمنزلة "غير" تابعًا للاسم الذي قبلها، فتقول: «جاءني القوم "إلا" زيدٌ»، و«رأيت القوم "إلا" زيدًا» و«مررت بالقوم "إلا" زيدٍ».
وإن كان منفيًا فلا يخلو الاسم الذي قبلها من أن يكون منفيًا بـ "لا" التي للتبرئة وهي النافية وهي النافية وهي النافية للجنس أو "لا" يكون.
فإن كان جاز في الاسم أربعة أوجه: النصب على الاستثناء وهو الأكثر الأفصح، والرفع على البدلية من الاسم قبلها على الموضع لأنه مرفوع على الأصل، والنصب على أن تجعله مع "إلا" بدلًا على اللفظ، والرفع على أن تجعله مع "إلا" في موضع بدل على الموضع، وكلا الوجهين على أن تكون "إلا" بمعنى "غير"، نحو: لا رجل في الدار "إلا" زيدًا و"إلا" عمرًا، و"إلا" زيدٌ و"إلا" عمروٌ.
وإن لم يكن النفي بـ "لا" المذكورة فلا يخلو أن يكون فيما قبل "إلا" الباء الزائدة أو "من" الزائدة، أو لا يدخل عليه شيءٌ منهما.
فإن دخلتا جاز في الاسم الواقع بعد "إلا" أربعة أوجه: النصب على الاستثناء وهو الأفصح، والبدلية فترفعه إن كان مرفوعًا وتنصبه إن كان منصوبًا وتخفضه إن كان مخفوضًا [و] على أن تكون "إلا" بمعنى "غير" إما على اللفظ وهو الثالث، وإما على الموضع وهو الرابع، نحو «ما زيد برجلٍ "إلا" رجل سوء»، برفع «رجل» ونصبه وخفضه على التأويلات المذكورة، وتكون "ما" حجازية وتميمية، وبحسب ذلك يختلف التقدير.
ونحو قولك: «ما جاءني من أحدٍ "إلا" زيد» و«ما رأيت من أحدٍ "إلا" زيد» بالرفع والخفض في الأول، وبالنصب والخفض في الثاني.
وإن لم يكن النفي بشيءٍ من ذلك جاز في الاسم الواقع بعدها ثلاثة أوجه أحسنها البدلية بحسب ما قبلها، وبعده أن يكون منصوبًا على الاستثناء، وبعد ذلك أن تجعله مع "إلا" في تأويل "غير" على التبعية لما قبلها بحسبه من رفعٍ ونصب وخفض، نحو قولك: ما قام القوم "إلا" زيدًا و"إلا" زيدٌ، وما رأيت القوم "إلا" زيدًا، وما مررت بالقوم "إلا" زيدًا و"إلا" زيدٍ.
فإن كان الاسم بعد "إلا" مستثنى مقدمًا فلا يكون أول الكلام، ولكن قبل المستثنى منه أو قبل صفته.
فإن كان قبله لم يجز فيه "إلا" النصب، طلب العامل رفعًا أو نصبًا أو خفضًا، كقولك: ما قام "إلا" زيدًا أصحابك، وما رأيت "إلا" عمرًا إخوتك، وما ممرت "إلا" خالدًا بغلمانك، وأما قوله:
.... .... .... .... .... فلم يبق [إلا] واحدٌ منهم شفرُ
برفع «واحد» فهو على تفريغ العامل، و«شفر» بدلٌ منه وهو ضعيف جدًا.
وإن كان قبل صفته جاز فيه ما يجوز مع التأخير، "إلا" أن الوصف أحسنُ وأقوى من غيره، نحو قولك: «جاء "إلا" الصالح المسلمون».
فإن كررت [المستثنيات] فلا يخلو أن تعطفها على الأول أو لا تعطف.
فإن عطفت كان المستثنيات بها على حسب الأول نحو: قام القوم "إلا" زيدًا و"إلا" عمرًا و"إلا" خالدًا.
فإن لم تعطف فلا يخلو أن تكون المكررات هي المستثنى الأول أو لا تكون، فإن كانت فهي على حسبه في الإعراب لأنها كلها بدل منه نحو قول الشاعر:
مالك من شيخك إلا عمله .... إلا رسيمه وإلا رمله
لأن الرسيم والرمل هما العمل في المعنى.
فإن لم تكن [المكررات هي] المستثنى فلا يخلو أن يمكن استثناءُ بعضها من بعض وألا يمكن.
فإن لم يمكن فلا يخلو أن يكون العامل مفرغًا للعمل أو لا يكون، فإن كان جعلت الأول بحسبه ونصبت ما بعده على الاستثناء نحو قولك: ما قام "إلا" زيدٌ "إلا" عمرًا.
وإن لم يكن مفرغًا كانت كلها مستثناة مما استثنى منه الأول.
ثم لا يخلو أن تتأخر عن المستثنى [منه] فيكون الأول منه على حسب إعرابه لو انفرد والباقي منصوب على الاستثناء نحو: «ما قام القومُ "إلا" عمرو "إلا" زيدًا»، [أو يتقدم عليه فلا يجوز "إلا" النصب نحو قولك: قام "إلا" زيدًا "إلا" عمرًا] أحدٌ.
وإن أمكن استثناء بعضها من بعض جعلت الآخر مستثنى من الذي قبله، والذي قبله من الذي قبله، هكذا ما تكررت إلى أن تنتهي إلى الأول فيكون إعرابه على حسب إعرابه لو انفرد، والباقي منصوب لا غير، نحو قولك: عندي عشرةُ "إلا" خمسة "إلا" اثنين "إلا" واحدًا».
فإن كان منقطعًا فلا يخلو أن يتوجه العامل الذي قبل "إلا" عليه أو لا يتوجه.
فإن لم يتوجه "بإلا"، نحو «ما أخذت "إلا" الشيء الذي تركته»، ومنه قولهم: «ما زاد "إلا" نقص»، والمعنى في "إلا" معنى "لكن"، التقدير: "لكن" الذي تركت، و"لكن" الذي نقص.
وإن توجه عليه [من جهة المعنى] فلغة أهل الحجاز النصب لا غير، وبنو تميم يجرونه مجرى المتصل في جميع ما ذُكر، نحو قولك: ما جاءني أحد "إلا" حمارًا، على مذهب أهل الحجاز، و«"إلا" حمارٌ» على مذهب بني تميم، لأن معنى «جاء» يتوجه عليه.
هذا بيان إعراب الاسم الذي بعد "إلا" فتفهمه.
واعلم أن النحويين اختلفوا في الناصب للاسم المستثنى بعد "إلا" فذهب
سيبويه ومن تبعه "إلا" أن الناصب له الفعل الذي قبل "إلا" أو ما جرى مجراه بواسطة "إلا".
وذهب بعض الكوفيين إلى أن الناصب له "أن" مقدرةً بعد "إلا" تقديره عندهم في «قام القوم "إلا" زيدًا»: "إلا" أن زيدًا لم يقم، وفي «ما قام القوم "إلا" زيدًا»: "إلا" أن زيدًا ما قام، فحذف ذلك لدلالة الكلام عليه.
وذهب أبو العباس المبرد إلى أن العامل فيه "إلا" لأن النصب إنما كان بها، ولولاها لم يكن اسمٌ ولا نصب، وهي بمعنى: أستثني، وحالة محله.
والصحيح من هذه المذاهب مذهب سيوبه لأن الفعل الذي قبل "إلا" أو ما جرى مجراه هو الطالب للاسم الذي بعدها والمتضمن له، ولولاه لم يكن، والعمل إنما هو في كلام العرب للطالب المتضمن فلا عمل "إلا" بذلك.
"إلا" أن الطالب قسمان:
قسمٌ على اللزوم لابد فيه من الطلب للمطلوب ذُكر أو لم يذكر، وذلك في المصدر وظرف الزمان وظرف المكان والحال، فهذه الأربعة تطلبها جميع الأفعال أو ما يجري مجراها على اللزوم، لأنك ذكرتها أو لم تذكرها، فالعامل يطلبها ويستدعيها، إما بلفظه أو بصيغته وإما بتضمنه.
وقسم قد يكون للطالب وقد لا يكون فهو غير لازم، وينقسم قسمين:
قسم يطلبه دون واسطة كالمفعول به والمنصوب على التشبيه والتمييز، نحو: ضربت زيدًا، وهذا أحسن الناس الوجه، وطبتُ به نفسًا، وقسمٌ يطلبه بالواسطة وهو أضعفها، وذلك في نحو: «مررت بزيد»، والمفعول معه «كاستوى الماء والخشبة»، والمستثنى في نحو: قام القوم "إلا" زيدًا، ومنه عندي العطف في المفردات، نحو ضربت زيدًا وعمرًا، لأن "الواو" ليست بعاملةٍ بنفسها، ولا يتقدر معها العامل لا تنوب مناب العامل، على ما يبين في بابها.
وأما من ذهب إلى أن الناصب "أن" بعد "إلا" ففاسد لأن "أن" حرف والحروف لا تحذف ويبقى عملها، لأن عملها بحكم الشبه للفعل فزادها ذلك ضعفًا، ثم إن حذفها وحذف خبرها لا نظير له في كلامهم، مع أن هذا يلزم منه أن يكون المستثنى أبدًا منصوبًا، وقد جاء على خلاف ذلك، على ما فُصل قبلُ.
وأما من ذهب إلى أن النصب "بألا" نفسها فيفسدُ أيضًا بأنه كان يلزم "ألا" يكون ما بعدها "إلا" منصوبًا "بإلا" لأنها طالبة [له] على كل حال، وقد وجد خلاف ذلك كما تقدم، هذا مع أن الحروف لا تقع موقع الجمل"إلا" في باب الجواب كـ : "نعم" و"بلى".
وزعم بعضهم أن "إلا" تكون بمعنى "الواو" واستشهدوا على ذلك بقول الشاعر:
وكل أخٍ مفارقه أخوه .... لعمر أبيك إلا الفرقدان
قال: والمعنى: والفرقدان، لأنهما يتفارقان، والصحيح أن "إلا" هاهنا باقيةٌ على بابها من الاستثناء، لأن الشاعر إنما أخبر بما شاهد لأنه شاهد المتواخيين.
في الأرض يفارق كل واحد منهما [أخاه] بالموت، ولم يشاهد النجمين المسميين بالفرقدين متفارقين بطول حياته، فأخبر بذلك كما قال زهير:
ألا لا أرى على الحوادث باقيا .... ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وإلا السماء والجبال وربنا ..... وأيامنا معدودة [واللياليا]
لأن ذلك عنده بحسب مشاهدته، وكل شيء هالك "إلا" وجهه سبحانه وتعالى.
وأما قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله}، وقوله تعالى: {إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير}، فهي "إن" الشرطية دخلت عليها "لا النافية" في المعنى الزائدة في اللفظ، ولذلك انجزم الفعل بعدها كما ينجزم بعد "إن" التي للشرط، و"ما" الزائدة في نحو {فإما ترين من البشر أحداً} فليست من هذا الباب، فاعلمه). [رصف المباني: 85 - 93]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:32 PM

الإيجاب
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها الإيجاب:
وحرفاه: "إلا" بعد نفيٍ، أو نهيٍ، أو استفهامٍ، و"لمّا"، نحو: ما قام "إلا" زيدٌ، وهل يضرب "إلا" زيدٌ؟ ولا يضرب "إلا" زيدٌ، وكقوله تعالى: {إن كلّ نفسٍ لمّا عليها حافظ} ). [التحفة الوفية: ؟؟]

حروف الاستثناء
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها الاستثناء:
وحروفه: "إلا"، و"حاشا" عند سيبويه، و"خلا" و"عدا" إذا خفض ما بعدهما). [التحفة الوفية: ؟؟]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:34 PM



"إلا" بكسر "الهمزة" والتشديد
قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("إلا" بكسر "الهمزة" والتشديد
حرف استثناء. هذا معناها المشهور. وقد تكون بمعنى "غير"، وبمعنى "الواو" عند الأخفش، والفراء، وعاطفة تشرك في الإعراب، لا في الحكم، عند الكوفيين، وزائدة عند الأصمعي، وابن جني.

فهذه خمسة أقسام:
الأول: أن تكون حرف استثناء، نحو: قام القوم "إلا" زيداً. "إلا" هذه، التي يستثنى بها، أحكام كثيرة. ونذكر هنا ما تدعو الحاجة إلى ذكره، في سبع مسائل:
الأولى: في حد الاستثناء: وهو إخراج ب "إلا"، أو إحدى أخواتها، تحقيقاً أو تقديراً. فالإخراج جنس، و"بإلا" أو إحدى أخواتها مخرج للتخصيص بالنعت، ونحوه. والمراد بالمخرج تحقيقاً: المتصل، وبالمخرج تقديراً: المنقطع، نحو {ما لهم، من علم، إلا اتباع الظن}. فإن الظن، وإن لم يدخل في العلم، فهو في تقدير الداخل فيه. إذ هو مستخضر بذكره، لقيامه مقامه في كثير من المواضع. ولذلك لم يحسن استثناء الأكل والشرب بعد العلم، إذ لا يشعر بهما، بخلاف الظن. قال ابن السراج: إذا كان الاستثناء منقطعاً فلا بد أن يكون الكلام الذي قبل "إلا" قد دل على ما يستثنى. فتأمله، فإنه يدق.
الثانية: في المستثنى منه: وهو المخرج منه، مذكوراً كان، نحو: قام القوم "إلا" زيداً، أو متروكاً، نحو: ما قام "إلا" زيد، أي: ما قام أحد. وشرطه "ألا" يكون مجهولاً؛ فلا يصح استثناء معلوم من مجهول، نحو: قام رجال "إلا" زيداً، ولا استثناء مجهول من مجهول، نحو قام رجال "إلا" رجلاً. لأن فائدة الاستثناء إخراج الثاني من الأول، لكونه لو لم يستثن لكان ظاهره أنه داخل فيما دخل فيه الأول. وإذا كان المستثنى منه مجهولاً لم يكن كذلك.
الثالثة: في المستثنى، وهو المخرج: وهو ضربان متصل، ومنقطع. لأنه إن كان بعض الأول فهو متصل، وإن لم يكن بعضه فهو منقطع. قال ابن مالك: وذكر البعضية أولى من ذكر الجنسية، لأن المستثنى قد يكون بعدما هو من جنسه، وهو منقطع، كقولك قام بنوك "إلا" ابن زيد.
الرابعة: في مقدار المستثنى: ذهب أكثر البصريين إلى أن ما دون النصف. فلا يجوز عندهم استثناء النصف، ولا استثناء الأكثر. وذهب بعضهم إلى جواز استثناء النصف. فيجيزون: عندي عشرة "إلا" خمسة. وذهب الكوفيون إلى جواز استثناء الأكثر. ووافقهم ابن مالك. والخلاف إنما هو في الاستثناء المتصل. واستدل من أجاز استثناء النصف، بقوله تعالى: {قم الليل إلا قليلاً، نصفه}، لأن نصفه بدل من قليلاً، والضمير عائد على الليل. وأطلق على النصف قليل، والمعنى: قم نصف الليل أو أقل أو أكثر. قاله ابن خروف. واستدل من أجاز استثناء الأكثر بقوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، إلا من اتعبك، من الغاوين}. ومعلوم أن الغاوين أكثر. وتأويل المانعون هاتين الآيتين ونحوهما وأجمع النحويون على أن المستثنى لا يكون مساوياً للمستثنى منه، ولا أزيد.
الخامسة: في معنى الإخراج: قال الكسائي: الإخراج من الاسم وحده. فإذا قلت: قلم القوم "إلا" زيداً، فكأنك قلت: قام القوم الذين بعض منهم زيد. ولم تتعرض للإخبار عن زيد بقيام ولا غيره. فيحتمل أن يكون قد قام، وأن يكون غير قائم. وذهب الفراء إلى أن الإخراج من الفعل فإذا قلت: قام القوم "إلا" زيداً لم تخرج زيداً من القوم، وإنما أخرجت "إلا" وصفه من القوم. وذهب سيبويه إلى أن "إلا" أخرجت الاسم من الاسم، والفعل من الفعل. إذ لم يقم دليل على حمل الاستثناء على أحدهما دون الآخر.
فإن قلت: قام القوم "إلا" زيداً، كنت قد استثنيت زيداً من القوم، وقيامه من قيامهم. وهذا هو الصحيح: والخلاف في المتصل.
السادسة: في إعراب المستثنى "بإلا": اعلم أن المستثنى "بإلا" له حالان: أحدهما أن يفرغ له العامل، والآخر أن يشغل العامل بغيره. ويسمى الأول التفريغ، والثاني التمام.
وحكمه، في التفريغ، كحكمه لو لم يوجد "إلا"، كقولك: ما قام "إلا" زيد. فزيد فاعل قام كقولك: ما قام زيد. ولا أثر "إلا" في ذلك. ولا يكون التفريغ "إلا" بعد نفي، أو شبهه. ويكون في جميع المعمولات، "إلا" المصدر المؤكد. وأما قوله {إن نظن إلا ظناً} فمتأول على حذف الصفة، أي: "إلا" ظناً ضعيفاً. وقد قيل فيه غير ذلك.
وأما في التمام فله أقسام:
قسم يب نصبه، وهو المستثنى بعد الإيجاب، نحو: قام القوم "إلا" زيداً.
وقسم يجوز نصبه، وإبداله من المستثنى منه، والإبدال أرجح. وهو المستثنى بعد النفي وشبهه، إذا كان متصلاُ، نحو {ما فعلوه إلا قليل منهم}.
وقسم يجوز نصبه وإبداله، والنصب أرجح. وهو المنقطع، إذا وقع بعد نفي أو شبهه، بشرط أن يصح إغناؤه من المستثنى منه. نحو {ما لهم به من علم، إلا اتباع الظن}. فهذا فيه لغتان: لغة الحجازيين أن نصبه واجب، ولغة بني تميم جواز نصبه وإبداله، ويقرؤون {إلا اتباع الظن} بالرفع. قال بعضهم: والنصب عندهم أرجح. فإن لم يصح إغناؤه عن المستثنى منه تعين نصبه عند الجميع. وهو كل استثناء منقطع، لا يجوز فيه تفريغ ما قبل "إلا" للاسم الواقع بعدها. نحو: ما زاد "إلا" ما نقص، وما نفع "إلا" ما ضر.
هذا كله حكم المستثنى، إذا كان مؤخراً. فإن تقدم على المستثنى منه وجب نصبه مطلقاً. وأما نحو: مالي "إلا" أخوك ناصر، فمؤول على التفريغ، وناصر بدل. وقد اختصرت هذا الفصل، لشهرة أحكامه.
السابعة: في ناصب المستثنى: اعلم أن في ناصب المستثنى أقوالاً كثيرة:
أحدها أن ناصبه "إلا". واختاره ابن مالك. قال: وهو مذهب سيبويه، والمبرد، والجرجاني. وقد خفي كون هذا مذهب سيبويه، على كثير من شراح كتابه.
وثانيها أن الناصب ما قبل "إلا" من فعل أو غيره، بتعدية "إلا". قال ابن عصفور: وهو مذهب سيبويه، والفارسي، وجماعة. وقال الشلوبين: هو مذهب المحققين.
وثالثها أن الناصب ما قبل "إلا" مستقلاً. وهو مذهب ابن خروف. واستدل على ما ذهب إليه بما فهمه من كتاب سيبويه.
ورابعها أن الناصب أستثني مضمراً بعد "إلا". حكاه السيرافي عن المبرد، والزجاج.
وخامسها أن الناصب "أن" مقدرة بعد "إلا". والتقدير: "إلا" أن زيداً لم يقم. حكاه السيرافي عن الكسائي.
وسادسها أن الناصب "إن" المكسورة المخففة، مركباً منها ومن "لا": "إلا". حكاه السيرافي أيضاً عن الفراء.
وسابعها: أن الناصب له مخالفته للأول. ونقل عن الكسائي.
وهذه أقوال، أكثرها ظاهر البعد. وأظهرها الأول والثاني. وقد بسطت الكلام عليها، في غير هذا الكتاب. وذكر بعض المتأخرين قولاً ثامناً، وهو أن المستثنى ينتصب عن تمام الكلام. فالعامل فيه ما قبله من الكلام، بدليل قولهم: القوم إخوتك "إلا" زيداً. وليس ههنا فعل، ولا ما يعمل عمله. قال: وهو مذهب سيبويه، وهو الصحيح.
فهذا ما يتعلق بالقسم الأول من أقسام "إلا" على سبيل الاختصار.

القسم الثاني: التي بمعنى "غير": اعلم أن أصل "إلا" أن تكون استثناء، وأصل "غير" أن تكون صفة. وقد تحمل "إلا" على "غير"، فيوصف بها، كما حملت "غير" على "إلا" فاستثنى بها. وللموصوف "بإلا" شرطان: أحدهما أن يكون جمعاً أو شبهه، والآخر أن
يكون نكرة أو معرفاً "بأل" الجنسية، كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، فإن قلت: كيف يوصف "بإلا" وهي حرف؟ قلت: التحقيق أن الوصف إنما هو بها وبتاليها، لا بها وحدها. ولذلك ظهر الإعراب في تاليها. ومن قال: إن "إلا" يوصف بها، فقد تجوز في العبارة. وإنما صح أن يوصف بها وبتاليها لأن مجموعهما يؤدي معنى الوصف، وهو المغايرة.
واعلم أن "إلا" التي يوصف بها تفارق غيراً من وجهين:
أحدهما أن موصوفها لا يحذف وتقام هي مقامه؛ فلا يقال: جاءني "إلا" زيد، بخلاف "غير".
والآخر أنها لا يوصف بها "إلا" حيث يصح الاستثناء؛ فلا يجوز: عندي درهم "إلا" جيد، بخلاف "غير".

القسم الثالث: التي بمعنى "الواو". وهذا قسم نفاه الجمهور، وأثبته الفراء، والأخفش، وأبو عبيدة معمر بن المثنى. وجعلوا من ذلك قوله {لئلاً يكون للناس عليكم حجة، إلا الذين ظلموا منهم}، أي: و"لا" الذين ظلموا، وقول الشاعر:
ما بالمدينة دار، غير واحدة ... دار الخليفة، إلا دار مروانا
وقول الآخر:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك، إلا الفرقدان
أي: ودار مروان، والفرقدان. والمعنى أنهما يفترقان. ولا حجة فيما استدلوا به. وتأويله ظاهر.

القسم الرابع: التي هي عاطفة لا بمعنى "الواو"، بل تشرك في الإعراب لا في الحكم. هذا القسم لم يقل به "إلا" الكوفيون. فإنهم يجعلون "إلا" عاطفة، في نحو: ما قام أحد "إلا" زيد، مما وقع بعد النفي وشبهه. والبصريون يعربون ذلك بدلاً، كما سبق. ورد ثعلب قول البصريين، بان الأول منفي عن القيام، والثاني مثبت له، والبدل يكون على وفق المبدل منه، في المعنى.
ورد مذهب الكوفيين بأن "إلا" لو كانت عاطفة لم تباشر العامل، في نحو: ما قام "إلا" زيد. وأجيب، عما قاله ثعلب، بأن هذا من بدل البعض، وبدل البعض الثاني فيه مخالف للأول، في المعنى؛ "ألا" ترى أنك إذا قلت: رأيت القوم بعضهم، كان قولك أولاً رأيت القوم مجازاً، ثم بينت من رأيته منهم.

القسم الخامس: التي هي زائدة. هذا قسم غريب، قال به الأصمعي، وابن جني، في قول الشاعر:
حراجيح، ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف، أو نرمي بها بلداً، قفرا
أي: ما تنفك مناخة، و"إلا" زائدة، لأن ما زال وأخواتها لا تدخل "إلا" على خبرها. لأن نفيها إيجاب، فلا وجه لدخول "إلا" وهذا قول ضعيف، فإن "إلا" لم تثبت زيادتها. وقد خرج البيت على وجهين:
أحدهما أن تنفيك تامة، وهي مطاوع فكه إذا خلصه أو فصله. ومناخة حال.
والثاني أنها ناقصة والخبر قوله على الخسف، ومناخة حال من الضمير المستكين في الجار. وهذا قول الفراء.
ومن أغرب ما قيل في "إلا" أنها قد تكون بمعنى "بعد". وجعل هذا القائل من ذلك قوله تعالى: {إلا الذين ظلموا منهم}، وقوله {إلا ما قد سلف}، وقوله {إلا الموتة الأولى}.
وأما "إلا" في نحو قوله تعالى: {إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض، وفساد كبير}، و {إلا تنصروه فقد نصره الله}، فهي مركبة من "إن الشرطية"، و"لا النافية". وهي حرفان، لا حرف واحد. وأمرها واضح. والله سبحانه وتعالى أعلم). [الجنى الداني:510 - 522]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:36 PM

"إلا"
قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("إلا"
"إلّا" بالكسر والتّشديد على أربعة أوجه:
1 - أحدها: أن تكون للاستثناء، نحو: {فشربوا منه إلّا قليلا}، وانتصاب ما بعدها في هذه الآية، ونحوها بها على الصّحيح، ونحو:{ما فعلوه إلّا قليل منهم}، وارتفاع ما بعدها في هذه الآية، ونحوها على أنه بدل بعض من كل عند البصريين، ويبعده أنه لا ضمير معه في نحو: ما جاءني أحد "إلّا" زيد، كما في نحو: أكلت الرّغيف ثلثه، وأنه مخالف للمبدل منه في النّفي والايجاب، وعلى أنه معطوف على المستثنى منه، و"إلّا" حرف عطف عند الكوفيّين، وهي بمنزلة "لا العاطفة" في أن ما بعدها مخالف لما قبلها لكن ذاك منفي بعد إيجاب، وهذا موجب بعد نفي ورد بقولهم ما قام "إلّا" زيد، وليس شيء من أحرف العطف يلي العامل، وقد يجاب بأنّه ليس تاليها في التّقدير، إذ الأصل ما قام أحد "إلّا" زيد.

2 - الثّاني: أن تكون صفة بمنزلة غير، فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه فمثال الجمع المنكر:{لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا}، فلا يجوز في "إلّا" هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى، إذ التّقدير: حينئذٍ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا، وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا، وليس ذلك المراد ولا من جهة اللّفظ؛ لأن آلهة جمع منكر في الإثبات فلا عموم له فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت قام رجال "إلّا" زيدا لم يصح اتّفاقًا، وزعم المبرد أن "إلّا" في هذه الآية للاستثناء، وأن ما بعدها بدل محتجا بأن لو تدل على الامتناع وامتناع الشّيء انتفاؤه، وزعم أن التفريغ بعدها جائز، وأن نحو لو كان معنا "إلّا" زيد أجود كلام، ويرده أنهم لا يقولون لو جاءني ديار أكرمته، ولا لو جاءني من أحد أكرمته، ولو كانت بمنزلة النّافي لجاز ذلك، كما يجوز ما فيها ديار، وما جاءني من أحد ولما لم يجز ذلك دلّ على أن الصّواب قول سيبويه إن "إلّا" وما بعدها صفة، قال الشلوبين وابن الضائع ولا يصح المعنى حتّى تكون "إلّا" بمعنى "غير" الّتي يراد بها البدل والعوض، قالا وهذا هو المعنى في المثال الّذي ذكره سيبويه توطئة للمسألة، وهو لو كان معنا رجل "إلّا" زيد لغلبنا، أي: رجل مكان زيد أو عوضا من زيد انتهى. قلت وليس كما قالا بل الوصف في المثال وفي الآية مختلف، فهو في المثال مخصص مثله في قولك: جاء رجل موصوف بأنّه غير زيد، وفي الآية مؤكد مثله في قولك متعدد موصوف بأنّه غير الواحد، وهكذا الحكم أبدا إن طابق ما بعد "إلّا" موصوفها فالوصف مخصص له، وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد ولم أر من أفصح عن هذا، لكن النّحويين قالوا إذا قيل له عندي عشرة "إلّا" درهما فقد أقرّ له بتسعة، فإن قال "إلّا" درهم فقد أقرّ له بعشرة، وسره أن المعنى حينئذٍ عشرة موصوفة بأنّها غير درهم، وكل عشرة فهي موصوفة بذلك فالصفة هنا مؤكدة صالحة للإسقاط مثلها في: {نفخة واحدة}، وتتخرج الآية على ذلك، إذ المعنى حينئذٍ لو كان فيهما آلهة لفسدتا، أي: إن الفساد يترتّب على تقدير تعدد الالهة، وهذا هو المعنى المراد، ومثال المعرّف الشبيه بالمنكر قوله:
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلّا بغامها
فإن تعريف الأصوات تعريف الجنس.
ومثال شبه الجمع قوله:
لو كان غيري سليمى الدّهر غيره ... وقع الحوادث إلّا الصارم الذّكر
فإلا الصارم صفة لغيري.
ومقتضى كلام سيبويه أنه لا يشترط كون الموصوف جمعا أو شبهه لتمثيله بـ لو كان معنا رجل "إلّا" زيد لغلبنا، وهو لا يجري لو مجرى النّفي، كما يقول المبرد وتفارق "إلّا" هذه غيرا من وجهين:
أحدهما: أنه لا يجوز حذف موصوفها، لا يقال جاءني "إلّا" زيد، ويقال جاءني غير زيد، ونظيرها في ذلك الجمل والظروف، فإنّها تقع صفات، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها.
والثّاني: أنه لا يوصف بها "إلّا" حيث يصح الاستثناء، فيجوز عندي درهم "إلّا" دانق؛ لأنّه يجوز "إلّا" دانقا، ويمتنع "إلّا" جيد لأنّه يمتنع "إلّا" جيدا، ويجوز درهم غير جيد قاله جماعات، وقد يقال إنّه مخالف لقولهم في: {لو كان فيهما آلهة إلّا الله} لآية، ولمثال سيبويه لو كان معنا رجل "إلّا" زيد، لغلبنا وشرط ابن الحاجب في وقوع "إلّا" صفة تعذر الاستثناء، وجعل من الشاذ قوله:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلّا الفرقدان
والوصف هنا مخصص لا مؤكد لما بيّنت من القاعدة.

3 - والثّالث: أن تكون عاطفة بمنزلة "الواو" في التّشريك في اللّفظ، والمعنى ذكره الأخفش واالفراء وأبو عبيدة، وجعلوا منه قوله تعالى: {لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة إلّا الّذين ظلموا منهم}،{لا يخاف لدي المرسلون إلّا من ظلم ثمّ بدل حسنا بعد سوء}، أي: ولا الّذين ظلموا، ولا من ظلم، وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع.

4 - والرّابع: أن تكون زائدة، قاله الأصمعي وابن جني، وحملا عليه قوله:
حراجيج ما تنفك إلّا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا
وابن مالك وحمل عليه قوله:
أرى الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معذبا
وإنّما المحفوظ، وما الدّهر ثمّ إن صحت روايته فتخرج على أن أرى جواب لقسم مقدّر، وحذفت "لا" كحذفها في: {تالله تفتأ}،
ودلّ على ذلك الاستثناء المفرغ، وأما بيت ذي الرمة فقيل غلط منه، وقيل من الرواة، وإن الرّواية آلا بالتّنوين، أي: شخصا، وقيل تنفك تامّة بمعنى: ما تنفصل عن التّعب، أو ما تخلص منه فنفيها نفي، ومناخة حال، وقل جماعة كثيرة هي ناقصة، والخبر على الخسف، ومناخة حال، وهذا فاسد لبقاء الإشكال، إذ لا يقال جاء زيد "إلّا" راكبًا.
تنبيه
ليس من أقسام "إلّا" الّتي في نحو:{إلّا تنصروه فقد نصره الله}، وإنّما هذه كلمتان "إن الشّرطيّة" و"لا النافية"، ومن العجب أن ابن مالك على إمامته ذكرها في شرح التسهيل من أقسام "إلّا"). [مغني اللبيب: 1 / 453 - 480]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:37 PM

قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الرابع: الحروف الرباعية، ولما كان بعضها حرفًا محضًا وبعضها مشتركًا بين الأسماء والحروف وبعضها بين الكلم الثلاث كان هذا الباب ثلاثة أنواع أيضًا). [جواهر الأدب: 190]

النوع الأول الحروف المحضة
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الأول الحروف المحضة: وهي اثنا عشر حرفًا: "ألا" و"إلا" و"هلا" و"لولا" و"لما" و"أما" و"إمَّا" و"حتى" و"كان" و"كلا" و"لكن" مخففة و"لعل"، وعقدنا للبحث عنها فصولًا).[جواهر الأدب: 190]

الفصل الأول: من النوع الأول، وهو نوع الرباعية المحضة: "إلا"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الأول: من النوع الأول، وهو نوع الرباعية المحضة: "إلا": ولكونها من المحضة ولزومها الحرفية وضعت للاستثناء، وهي أصل أدواته لعموم استعمالها فيه، فإنها تأتي بعد التام والناقص من الكلام دون غيرها، وغير وإن شاركتها في ذلك لكنها غير أصلية، فلا تساويها ولإتيانها بين الموصوف وصفته، وبين الحال وصاحبها دون مشارك، ويشهد له تقدير غيرها بها عند الحل، والملحق بها على ضربين ما اتفقوا عليه، وهو ثمان كلمات: "غير"، و"سوى" وأخواتها، كالتبع لها فلا توجب تكثيرًا لغيرها، ويبدو "عدا" و"خلا" و"حاشا".وفروع هذه الثلاثة خلافًا للبصريين في الثالث، كما يأتي في فصله، و"ليس" و"لا يكون"، وعد ابن معط "إلا" أن يكون.
قال في الأغراب: وتابعه ابن أياز عليه أن الأداة "إلا" بانفراد وما بعدها مستثنى.
و"ما": اختلفوا فيه وهو خمسة: لا سيما بفروعها، و"لما"، و"بله"، و"دون"، و"ما"، فأثبتها للاستثناء جماعة، ونفاها آخرون،
واعلم أن هذه الأدوات الثلاثة عشر على ثلاثة أقسام:
منها: ما لا يستعمل "إلا" في المنقطع وهو: "بيد"، وهي لازمة للنصب والإضافة إلى "أن" المشددة ومعموليها، قال عليه السلام: «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد».
قال في الينبوع: هي بمعنى "غير"، يدل عليه الحديث، وقال الكسائي: معناه "على أني"، ففي الأغراب، وترد بمعنى "على أني"، وقد تحذف "أن" واسمها فتضاف إلى فعل مضارع، وقد ورد عنهم "ميد" بإبدال "الباء" "ميمًا".
ومنها: ما لا يستعمل "إلا" في المتصل فقط، وهو الأفعال الخمسة، فلا يقال: جاءني القوم، ولا يكون حمارًا في الأغراب؛ لأنه يلزم أن يجعل فاعل الفعل ضميرًا يعود على المتقدم، وهو عبارة عن المتأخر، وهو محال.
ومنها: ما يستعمل فيهما وهو "إلا"، وما بقي من الأدوات، ويعلم من هذا أن "عدا" وأخواتها إذا كن حروفًا يجوز استعمالها فيهما جميعًا لزوال المانع، ولا تقع "إلا" عقب العامل لا في أول الكلام لانعقاد الشبه بينها وبين "لا العاطفة"، و"واو" مع من جهتين، ومن أراد الاطلاع على أقسام هذه المباحث وأحكامها فعليه بالأغراب، فإنه يظفر فيه بما خلت عنه المطنبات من الدقائق اللطيفة والحقائق البديعة الشريفة، جزى الله مؤلفه عن المسلمين خيرًا.
فائدة: اختلفوا في بساطة "ألا" وتركبها، فالأكثرون حكموا بإفرادها، ثم اختلف هؤلاء في ناصب المنصوب بعدها على ثلاثة مذاهب.
أحدها: لجمهور البصريين، وبه قال سيبويه: أن انتصاب ما بعدها بالفعل المتقدم بتوسط "ألا"، كما أن انتصاب المفعول معه بالفعل بتوسط "الواو".
وثانيها: مذهب المبرد والزجاج أن الناصب "إلا" لنيابتها عن الفعل الذي هو استثنى.
وثالثها: مذهب الكسائي: أن الناصب أن مقدرة بعد "إلا"، والصحيح هو الأول؛ لأن الفعل لما أخذ حظه من الفاعل انتصب ما زاد عليه على الفضلة كالمفاعيل.
قال بعضهم: لا يقال: لا يجوز أن يكون العامل هو الفعل لأمرين:
أحدهما: أن الحرف المعدى يوصل معنى الفعل إلى المعدى نحو: مررت بزيدٍ وقمت بزيدٍ، وليس "إلا" كذلك لامتناع إيصالها معنى القائم في: قام القوم "إلا" زيدًا إلى زيدٍ،
وثانيهما أن العامل يقتضي المعمول مطلقًا كان بواسطة أو لا، والعامل ههنا لا يقتضي المعمول لأنا نجيب إمَّا عن الأول فبأن الحروف إنما يوصل معنى الفعل إذا كان الحرف مقتضيًا لمعنى الإيصال، و"إلا" فلا، "ألا" ترى أنك إذا قلت: رغبت عن زيد كانت الرغبة غير واصلة إلى زيد، بخلاف: رغبت فيه، وأما عن الثاني فبأن "ألا" لما كانت وصلة في معنى الإخراج من متعدد قبلها وجب أن يكون العامل في المخرج هو العامل في المخرج منه، و"إلا" لبطل معنى الإخراج، وأما عدم اقتضائه المعمول فدفع التناقض فيه من حيث أن النسبة إنما ثبتت بعد الإخراج فثبتت الصحة، واما مذهب المبرد فالباطل لاقتضائه نصب المستثنى مطلقًا لا مكان تقدير الفعل، ولأنه لو قدر في نحو: قام القوم غير زيد لفسد المعنى، ولأنه ليس تقدير استثنى أولى من تقدير امتنع، وحينئذٍ يتعين الرفع، وكذا مذهب الكسائي للزومه الإضمار المخالف للأصل، وكون الكلام في تقدير جملتين والكوفيون أكثرهم حكموا بتركب "ألا".
قال التبريزي رحمه الله في معاني الحروف: قال الفراء: الأصل في "ألا": "أن" "لا" فأسكنت "النون" وأدغمت في "اللام"، فإذا نصبت نصبت "بأن"، وإذا رفعت رفعت "بلا"، وهو فاسد؛ لأنه لا خلاف بينهم في جواز: ما قام "إلا" زيد؛ لأنه لا شيء قبله يعطف عليه، وليس في الكلام منصوب، فتكون "أن" عاملة فيه، وإذا كان كذلك فسد ما ذهب إليه وضعف أيضًا "بأن" التركيب خلاف الأصل، ولا يصار إليه "إلا" لضرورة، ولا ضرورة هنا، وبأنه وإن سلم التركيب لكن لا يلزم بقاء حكم المفردين بعده، كما في "لولا"، وإذا بطل القول بالتركب تعين الحكم بالإفراد.
تذنيب: قد عدوا "إلا" من جملة معديات الأفعال، وقد جعلها بعضهم عشرة،
أحدها: "الهمزة".
ثانيها: تضعيف "العين" في الثلاثي.
ثالثها: جعله على استعفل.
رابعها: "واو" مع.
خامسها: "إلا" في الاستثناء.
سادسها: جعل الفعل مفعولًا به مجازًا وتوسعًا.
سابعًا: حمل فعل على آخر، كقوله: إذا تغنى الحمام الورق هيجني.
أي: ذكرني.
ثامنها: جعل الصيغة عوضًا عن أخرى.
تاسعًا: حرف الجر.
عاشرها: "ألف" المفاعلة.

فائدة:"ألا" اصل أدوات الاستثناء وهي على ثلاثة أنحاء ناصبة، وهي: الأصل، ومفرغة للعامل فيما قبلها ليعمل فيما بعدها، وصفة بمعنى غير؛ لأنه لما غاير ما بعد كل منا ما قبله تعارضا فيكون ما بعده تابعًا في الإعراب لما قبلها، ومعرفة مفصل هذه المباحث وما يتعلق بهذا الباب منوطة بغير هذا الكتاب، فليطلب من موضعه والله تعالى أعلم).[جواهر الأدب: 190 - 193]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:39 PM

شرح ابن نور الدين الموزعي (ت: 825هـ)


"إلا" بالكسر والتشديد
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (وأما "إلا" بالكسر والتشديد
فإنها تستعمل على وجهين مفردة ومركبة فأما المفردة فهي أم حروف الاستثناء وتأتي على خمسة أوجه:
الأول: الاستثناء: وهو إخراج المستثنى مما دخل فيه المستثنى منه فقد يكون من موجب كقوله تعالى: {فشربوا منه إلا قليلًا منهم}، وقد يكون من منفي كقوله تعالى: {ما فعلوه إلا قليلٌ منهم}، ويكون فيها من المعنى تحقيق ما نفي عن الاسم الذي قبلها، وخالف الحنفية في هذا، وخالف المتأخرون منهم في النوعين: الاستثناء من الإثبات ومن النفي، وقالوا: الكل سواء في عدم إثبات نقيض المحكوم به بعد "إلا".
وصورة المسألة: أنا إذا قلنا: قام القوم "إلا" زيدًا، فقد اتفق الفريقان على أن "إلا" مخرجة، وزيدًا مخرجٌ، وما قبل "إلا" مخرج منه غير أنه تقدم قبل "إلا" شيئان القيام والحكم به، والقاعدة العقلية أن من خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر، فمن خرج من العدم دخل في الوجود وبالعكس.
واختلفوا في إن زيدًا هل هو مخرج من القيام وهو مذهب الشافعية والمالكية أو من الحكم به وهو مذهب الحنفية، فعندنا لما خرج من القيام دخل في عدم القيام فهو غير قائم، وعندهم خرج من الحكم بالقيام فدخل في عدم الحكم به فهو غير محكوم عليه.
لنا أنه لو كان كذلك لم تفد كلمة الشهادة الإسلام، لأنه يلزم أن يكون الله سبحانه غير محكوم له باستحقاق الألوهية، لأنه حينئذٍ مستثنى من الحكم فهو غير محكوم له بشيء من الإلاهية، وتعالى الله سبحانه عن ذلك.
ولأنه لو قال عند الحاكم، ليس له عندي "إلا" مائة درهم، يلزم أن يكون غير معترف، فلا يلزمه الحاكم شيئًا؛ لأنه نفي لغير المائة والمائة غير محكوم عليها.
وأجابوا بأن الإلاهية إنما تثبت والمائة إنما لزمت بقرائن الأحوال الدالة على ثبوت ذلك الحكم لذلك المستثنى لا باللفظ لغة بل عرفًا، وربما احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بطهور».
«لا نكاح إلا بولي» ونحو ذلك فقالوا: لو كان الاستثناء من النفي إثباتًا لزم ثبوت صحة الصلاة عند الطهور، وصحة النكاح عند وجود الولي وهو خلاف الإجماع.
والجواب: أن الاستثناء من الشروط ليس محل النزاع، فإنه لا يلزم من القضاء بالنفي لأجل عدم الشرط أن يقتضي بالوجود لأجل وجوده لما تقرر عند الجميع أن الشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم فلينتبه لذلك.
والاستثناء متصل نحو: قام القوم "إلا" زيدًا، ومنفصل نحو: ما في الدار أحد "إلا" حمارًا. وهو مقدر "بلكن" عند البصريين، ويسوى عند الكوفيين، وفي كلام التقديرين معنى المغايرة، لن رجح البصريون تقديرهم بأن "لكن" حرف، و"سوى" اسم، وتقدير الحرف بالحرف أولى من تقديره بالاسم، وقد ورد به القرآن الكريم واللسان العربي كثيرًا، قال الله سبحانه {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}.
وقال تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا}، وقال تعالى: {فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ فإنه يسلك}.
وقال الشاعر:
كذب الشباب عليَّ إلا أنني ..... أضربت عن لذاته فقلاني
والاختيار نصب المستثنى على كل تقدير لانقطاعه من الذي قبله، قال الله تعالى: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن}، وقال الشاعر:
وقفت فيها أصيلًا كي أسائلها .... عيت جوابًا وما بالربع من أحد
إلا أواري لأيا ما أبينها .... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
وبنو تميم يبدلونه مجازًا فيقولون: ما في الدار أحدٌ "إلا" حمار، ولكن ضبطهما أعني المتصل والمنفصل مشكل، فإن كثيرًا من الفضلاء يعتقد أن المنقطع هو الاستثناء من غير الجنس، وليس كذلك فإن قوله: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} منقطع، وقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةٍ عن تراض منكم}، منقطع، مع أن المحكوم عليه بعد "إلا" هو عين الأموال التي حكم عليها قبل "إلا"، فينبغي أن يعلم أن المتصل عبارة عن: الحكم على جنس ما حكم عليه أولًا بنقيض ما حكم به أولًا فمتى انخرم قيد من هذين القيدين كان منقطعًا فيكون المنقطع هو: الحكم على غير جنس ما حكم عليه أولًا، أو الحكم بغير نقيض ما حكم به أولًا، وعلى هذا يكون الاستثناء في الآيتين منقطعًا للحكم فيهما بغير النقيض، فإن نقيض {لا يذوقون فيها الموت}: يذوقون فيها الموت ولم يحكم به، وإنما حكم بالذوق في الدنيا لا في الآخرة، ونقيض {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}: كلوها بالباطل ولم يحكم به، فافهم ذلك.
واختلف أهل العلم بالأصول في المنقطع هل هو استثناء على سبيل الحقيقة أو على سبيل المجاز على مذهبين.
وفي الاستثناء مسائل:
الأولى: يجوز أن يتقدم الاستثناء على المستثنى منه، قال الكميت:
ومالي إلا آل أحمد شيعةٌ ..... ومالي إلا مشعبَ الحق مشعبُ
الثانية: يجوز استثناء الأقل من الأكثر، والكثير مما هو أقل منه، ويجوز استثناء الأكثر.
يقول الله عز وجل: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}، والغاوون أكثر بدليل قوله تعالى: {ولقد صدَّق عليهم ابليس ظنه}، مع قوله تعالى: {ولا تجد أكثرهم شاكرين}، وقال قوم: لا يجوز استثناء الأكثر.
ثم اختلف هؤلاء في المساوي فجوزه قوم ومنعه آخرون وهو قول مالك والقاضي أبي بكر الباقلاني وقول البصريين، وابعد قوم فقالوا: لا يجوز استثناء عقد تام، وإنما يجوز الكسر، فلا يجوز عشرة "إلا" واحدًا بل إلا نصف واحدٍ أو كسر من كسوره، وكذلك لا يجوز مائة "إلا" عشرة، و"إلا" ألف "إلا" مائة، لأن نسبة الواحد إلى العشرة كنسبة العشرة إلى المائة وكنسبة المائة إلى الألف، وزعموا أنه لم يقع في الكتاب والسنة إلا مذهبهم
قال الله تعالى: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا» والصحيح الأول.
الثالثة: إذا تعقب الاستثناء جملًا، فإن منع الدليل من رجوعه إلى الجمل الأخيرة رجع إلى الجملة الأولى، كقوله تعالى: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا}، وذلك لأن من أصابهم فضل الله ورحمته لا يتبعون الشيطان "إلا" كلهم ولا بعضهم، والمردود إليهم الأمر المصون بالاستنباط لا يخرج منهم أحد عن علمه، فتعين رجوعه إلى الإذاعة وقد قيل: إن الاستثناء راجع إلى الجملة الوسطى وهي المردود إليهم، وكقوله تعالى: {فاسر بأهلك بقطعٍ من الليل ولا يتلفت منكم أحدٌ إلا امرأتك} على قراءة النصب.
وإن دل الدليل على عوده إلى الجميع رجع كقول الله سبحانه: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم} إلى قوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
وإن دل الدليل على قصره على الجملة الأخيرة قصر عليها، كقوله تعالى: [فأسر بأهلك بقطعٍ من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتُك] على قراءة الرفع وتكون على هذه القراءة قد خرجت معهم ثم رجعت فهلكت، نقله بعض المصنفين عن المفسرين، وأنكر أبو عبيد الرفع على البدل من أحد لما فيه من إباحة الإلتفات لها وذلك لا يجوز، ولا يصح البدل "إلا" إذا رفعت «يلتفت» على النفي ولم يقرأ به أحد، وقال المبرد: مجاز هذه القراءة بأن المراد بالنهي المخاطب وإن كان اللفظ لغيره، فالنهي للوط عليه الصلاة والسلام أي: لا تدعهم يلتفتون "إلا" امرأتك وذلك كقوله: لا يقم أحدٌ "إلا" زيدٌ، معناه: انههم عن القيام "إلا" زيدًا، والأجود أن يقال: إن الاستثناء منقطع؛ لأن "لا" معناها النهي لا النفي، واستعمال المنقطع أحسن من التأويل.
وإن لم يدل الدليل على شيء من ذلك جاز رجوعه إلى الجميع عند الشافعية والمالكية، ويختص بالأخيرة عند الحنفية، وفصل بعضهم فقال: إن تنوعت الجملتان بأن تكون إحداهما خبرًا والأخرى أمرًا عاد إلى الأخيرة فقط، وإن لم تتنوع الجملتان في الأخرى فكذلك أيضًا، و"إلا" عاد إلى الكل، واختاره الإمام فخر الدين وتوقف القاضي أبو بكر في الجميع، وجعل الحكم للدليل، فإن دل على رجوعه إلى الجميع رجع، أو إلى البعض رجع إلى ذلك البعض، وإن لم يدل رجع إلى الأخيرة وتوقف فيما عدا ذلك.
الرابعة: إذا تكررت "إلا" بعد حرف العطف أو تلاها اسم مساو لما قبلها أو أكثر فهي زائدة للتوكيد، ويعود الاستثناء إلى أصل الكلام، كقولك: له عشرة "إلا" ثلاثة و"إلا" اثنين، وقولك: له عشرة "إلا" ثلاثة و"إلا" أربعة هذا في الأكثر، والمساوي: له عشرة "إلا" ثلاثة، و"إلا" ثلاثة؛ لأن "إلا" تقتضي الإخراج والعطف يقتضي الضم وهما متناقضان فجعل الحكم بالعطف، وفي غير ذلك لا تكون زائدة كقولك: قام القوم "إلا" زيدًا "إلا" عمرًا "إلا" بكرًا، بل تكون على حكم الاستثناء، ثم ينظر فإن كان الاستثناء لا يمكن استثناء بعضه من بعض كزيد وعمرو وبكر فالثاني تابع للأول، فإن كان المستثنى الأول داخلًا في الحكم فما بعده داخل وذلك إذا استثنى من غير موجب، وإن كان المستثنى الأول خارجًا فما بعده خارج وذلك إذا كان استثناء من موجب.
وإن كان يمكن استثناء بعضه من بعض كقولك: له عندي عشرة "إلا" اثنين "إلا" واحدًا، فقال قوم: الحكم كذلك ويكون الجميع مستثنى من أصل العدد فالمقر به ثلاثة، وقال البصريون والكسائي والجمهور: كل من الأعداد مستثنى مما قبله فيكون المقر به سبعة، وصحح هذا المذهب لحمله على الأقرب فإن الحمل على الأقرب متعين عند التردد، و"إلا" كان فيه ترجيح للبعيد على القريب، ولأن الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، ويدل له قوله تعالى: {إنا أرسلنا إلى قومٍ مجرمين إلا آل لوطٍ إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته}، فلا يجوز أن تكون مستثناة من المجرمين، وقيل: المذهبان محتملان فالمقر به محتمل للثلاثة والسبعة.
واحتج من قال بعوده على أصل الكلام أن أصل الاستثناء أن يكون عائدًا على ما صدر به الكلام فعوده على الاستثناء خلاف الأصل، ولأن أصل الكلام قابل للتنقيح والتخليص البيان فيرد الاستثناء عليه، ,وأما الاستثناء فقد تعين أنه غير مراد لإخراجه مما كان ظاهره الإرادة، فلو استثني منه عاد ناقضًا، وكلما زاد استثناؤه زاد نقضه لكلامه بخلف العود على أصل الكلام ليس فيه "إلا" نقض واحد فقط.
وذلك في معرفة التحصيل على القول الثاني طريقتان:
احداهما: أن تسقط الأول وتجبر الباقي بالثاني وتسقط الثالث، وعلى هذا كلما كثرت الاستثناءات.
والثانية: أن تحط الآخر مما قبله، ثم باقيه مما قبله وهكذا يعمل إلى الأول.

الوجه الثاني: أن تكون "إلا" بمنزلة "غير" في الوصف بالمغايرة وخلاف المماثلة ويتبع ما بعدها ما قبلها في الإعراب كما تجري "غير" إذا أردت بها النعت فتقول: قام القوم "إلا" زيد، فيرفع ما بعد "إلا" في الموجب لأنها نعت بمعنى "غير"، كما تقول: قام القوم "غيرُ" زيدٍ، فترفع "غيرا" بعد الموجب إذا أردت بها النعت لا الاستثناء قال عمرو بن معدي كرب:
وكل أخٍ مفارقه أخوه .... لعمر أبيك إلا الفرقدان
وقال الآخر:
أنيخت فألقت بلدةً فوق بلدٍ .... قليلٌ بها الأصوات إلا بغامها
وقال آخر:
لو كان غيري سُليمى الدهر غيره..... وقع الحوادث إلا الصارم الذكر
فقوله: "إلا" الصارم الذكر صفة لغيري، ومنه قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
ومن شرطها: أن يوصف بها حيث يصح بها الاستثناء فتقول: عندي درهم "إلا" دانق، كما تقول: عندي درهم "إلا" دانقًا، وحيث لا يصح بها الاستثناء ولا يجوز، فلا تقل: عندي درهم "إلا" جيد، كما لا تقل: عندي درهم "إلا" جيدًا، هكذا قاله جماعة من النحاة، وشرط ابن الحاجب فيها تعذر الاستثناء وجعل قوله:
= وكل أخٍ مفارقه أخوه =
من الشذوذ.

الوجه الثالث: أن تكون عاطفة بمنزلة "الواو" في الجمع والتشريك، ذكره الأخفش والفراء وأبو عبيدة، قال الشاعر:
وارى لها دارًا بأغدرة السيدان ..... لم يدرس لها رسم
إلا رمادًا هامدًا دفعت .....عنه الرياح خوالدٌ سحم

يريد: أرى لها دار ورمادًا، وجعلوا منه قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا}، وقوله تعالى: {لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوءٍ}، أي: "ولا" الذين ظلموا، "ولا" من ظلم وتأوله الجمهور على الاستثناء المنقطع.

الوجه الرابع: أن تكون زائدة، قاله الأصمعي، وابن جني واستدلا بقول ذي الرمة:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة .... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرًا
وزيادته غلط من ذي الرمة، وقيل من الرواة، وأن الرواية "آلًا" بالتنوين أي شخصًا، نعم تكون زائدة إذا تكررت وتلاها اسم هو بدل كل من كل، أو جاءت بعد حرف عطف، وقد وقع الأمران في قولهم:
مالك من شيخك إلا عمله .... إلا رسيمه وإلا رمله
فالرسيم بدل من العمل وهو ضرب من السير فوق الذميل، والرمل عطف على الرسيم وهو الهرولة.

الوجه الخامس: أن تكون بمعنى "إمَّا"، كقولك: "إمَّا" أن تكلمني و"إلا" فاسكت، تقديره: "إمَّا" أن تكلمني و"إمَّا" أن تسكت.
ومن تأمل ما ذكرناه وجد معانيها تؤول إلى ستة:
الإخراج فقط، ويدخل فيه التي بمعنى "غير"، وإن خالفتها في حكم الإعراب والإخراج مع التحقيق للمنفي في النفي، والاستدراك وهو الاستثناء المنقطع والتبيين، والتأكيد بالزيادة، والشرط.
وأما المركبة: فنحو قول الله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله}.
فهي مركبة من "إن الشرطية" و"لا النافية" ولهذا ترتب عليها "فاء" الجزاء).[مصابيح المغاني: 108 - 122]

جمهرة علوم اللغة 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م 05:41 PM

"إلاَّ"
قال عبد الله بن محمد بن إسماعيل الكردي البيتوشي (ت: 1211هـ): (
بالكسر والتشديد إلا جاءا ....وصفًا وعطفًا زيدًا استثناءَا
لو كان بي مصيبةٌ إلا الهوى .... لما أبادت هكذا مني القوي
كُل اجتماع لافتراق فاغنما .... يومك إل الفرقدان في السما
مالي لا أنفك إلا عبدًا .... ولم يزد مولاي إلا صدَّا
وبعضهم قال بإلا يُعنى .... العطف في الإعراب لا في المعنى
إن بعد نفي أو شبيهه حصل ..... ورد فالتالي لها إن بدل
ومن يقل إلا بمعنى بعدا ....تأتي فقد أغرب فيها جدا
وليس إلا الموتة الأولى بما..... ينهض حجة على ما زعما).
[كفاية المعاني: 285 - 286]

جمهرة علوم اللغة 29 ذو الحجة 1438هـ/20-09-2017م 02:32 PM

قسم معاني الحروف من دليل "دراسات في أساليب القرآن"
للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة


- دراسة "إلا" الاستثنائية في القرآن الكريم


الساعة الآن 10:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة