عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 16 رجب 1434هـ/25-05-2013م, 11:20 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

نزول قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {قل من كان عدوا لجبريل إلى قوله للكافرين}
أسند الواحدي من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (أقبلت يهود إلى النبي فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك.. أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه بالرسالة أو بالوحي فمن صاحبك؟ قال: ((جبريل عليه السلام)). قالوا: ذاك الذي نزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك؛ فأنزل الله عز وجل {قل من كان عدوا لجبريل..} الآية إلى قوله {.. للكافرين}).
قلت: أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من هذا الوجه، وفي أول الحديث: (إنا نسألك عن خمسة أشياء..) وذكرها في سياقه وهي: علامة النبي، وكيف تؤنث المرأة وتذكر، وعما حرم إسرائيل على نفسه، وعن الرعد، وآخرها من صاحبك من الملائكة.. الحديث.
وعند أحمد أيضا وعبد بن حميد والطبري من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: (حضرت عصابة من اليهود رسول الله فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي. فقال: ((سلوا عم شئتم)) ..) فذكر الحديث، وفيه: (قالوا: فأخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: ((أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديداً وطال سقمه؛ فنذر لله نذرا أن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها؟)) قالوا: اللهم نعم. قال: ((اللهم اشهد عليهم))، قالوا: فأخبرنا بهذا النبي الأمي من وليه من الملائكة؟ قال: ((فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه))، قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: ((فما يمنعكم؟))، قالوا: إنه عدونا؛ فأنزل الله عز وجل الآية).
وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب بنحوه ولم يذكر ابن عباس وزاد فيه: (قالوا: فأخبرنا عن الروح. قال: ((أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني؟)) قالوا: نعم، ولكنه لنا عدو، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ولولا ذاك اتبعناك؛ فأنزل الله الآية إلى قوله: {..كأنهم لا يعلمون}).
وقال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة: (قالت اليهود: "إن جبريل يأتي محمدا وهو عدونا لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب"؛ فقال الله تعالى {من كان عدوا لجبريل..} الآية).
وأخرج الطبري من طريق القاسم بن أبي بزة: (يهودا سألوا النبي من صاحبك الذي ينزل عليك بالوحي؟ قال: ((جبريل)). قالوا: فإنه عدونا لا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال فنزلت).
وفي صحيح البخاري عن أنس قال: (سمع عبد الله بن سلام بمقدم النبي...) فذكر الحديث، وفيه: (أنه: سأله عن أشياء فقال: ((أخبرني بهن جبريل آنفا))، قال: ((جبريل؟)) قال: ((نعم)). قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة). هكذا في هذه الطريق من قول عبد الله بن سلام وهي قصة غير التي في حديث ابن عباس.
وأسند الواحدي من طريق علي بن مسهر والطبري من طريق ربعي بن علية -وهو أخو إسماعيل- عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: "نزل عمر الروحاء.." فذكر قصة فيها: "فقال عمر: (كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم فقالوا: يا ابن الخطاب ما أحد أحب إلينا منك؛ إنك تأتينا وتغشانا. قال: ومر رسول الله فقالوا: يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به. فقلت لهم عند ذلك: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه أتعلمون أنه رسول الله؟ فسكتوا، فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظم عليكم فأجيبوه. قالوا: أنت عالمنا وسيدنا فأجبه أنت. قال: أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله. قال: قلت: ويحكم فأنى هلكتم!. قالوا: إنا لم نهلك. قال: كيف ذاك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟. قالوا: لأن لنا عدوا من الملائكة وسلما وأنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة. قال: قلت: ومن عدوكم؟ ومن سلمكم؟. قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟. قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره.
قال: قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو إن الذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. قال: ثم قمت فاتبعت النبي فلحقته وهو خارج من خوخه لبني فلان فقال لي: ((يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل؟)) فقرأ {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه..} حتى قرأ الآيات.
قال: قلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر)".
لفظ الطبري وأخرجه أيضا من طريق إسماعيل بن علية عن داود نحوه.
ومن طريق مجالد عن الشعبي نحوه.
وأخرج أيضا من طريق قتادة قال: (ذكر لنا أن عمر انطلق ذات يوم إلى اليهود فلما أبصروه رحبوا به فقال لهم عمر: "أما والله ما جئت لحبكم ولا لرغبة فيكم ولكن جئت لأسمع منكم"، فسألهم وسألوه، فقالوا من صاحب صاحبكم ؟ فقال لهم: "جبريل"، فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمدا على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسلم. فقال لهم عمر: "أتعرفون جبريل وتنكرون محمدا؟!" ففارقهم وتوجه نحو النبي ليحدثه حديثهم فوجده قد أنزلت عليه {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله..} الآية.


ومن طريق السدي قال: (كانت لعمر أرض بأعلى المدينة فكان ممره على طريق مدارس اليهود فدخل فسمع منهم فقالوا: يا عمر ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك فإنك تمر بنا فلا تؤذينا. فقال عمر: أي يمين أعظم فيكم؟. قالوا: الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء. فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا عندكم؟...) فذكر نحو حديث الشعبي بطوله.

ومن طريق هشيم عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قالت اليهود للمسلمين لو أن ميكائيل الذي ينزل عليكم اتبعناكم؛ فإنه ينزل بالرحمة والغيث وإن جبريل ينزل بالنقمة والعذاب وهو لنا عدو فنزلت هذه الآية {من كان عدوا لجبريل...}.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن الدشتكي عن حصين عن ابن أبي ليلى مختصرا ولفظه: (إن يهوديا لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا. فقال عمر: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله..} إلى {..للكافرين}، قال: فنزلت على لسان عمر).
قلت: وهذا غريب إن ثبت فليضف إلى موافقات عمر، وقد جزم ابن عطية بأنه ضعيف ولم يبين جهة ضعفه وليس فيه إلا الإرسال.
ثم قال الواحدي: (قال ابن عباس: أن حبرا من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي، فسأله عن أشياء فلما اتجهت عليه الحجة قال: أي ملك يأتيك من السماء؟. قال: ((جبريل، ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه)). قال: ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل مكانه لآمنا بك؛ إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة على يدي رجل يقال له بخت نصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل في طلب بخت نصر ليقتله، فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا ليست له قوة، فأخذه صاحبنا ليقتله، فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم هو الذي أذن في هلاككم فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله؟ فصدقه صاحبنا ورجع إلينا، وكبر بخت نصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا فأنزل الله عز وجل هذه الآية).
قلت: يتعجب من جزمه بهذا عن ابن عباس مع ضعف طريقه فإنه من تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي وقد قدمت أنه هالك.
وقد أخرج الطبري من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس (أن اليهود سألت محمدا عن أشياء كثيرة فأخبرهم بها على ما هي عندهم إلا جبريل فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة، ولم يكن عندهم صاحب وحي ينزل من الله على رسله ولا صاحب رحمة فأخبرهم رسول الله فيما سألوه عنه أن جبريل صاحب وحي وصاحب نقمة وصاحب رحمة فأنكروا ذلك، وقالوا: هو عدو لنا؛ فأنزل الله عز وجل تكذيبا لهم {قل من كان عدوا لجبريل..} الآية). ثم قال الواحدي: قال مقاتل: (قالت اليهود: إن جبريل أمره الله أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآية).
قلت: جعل الواحدي هذا السبب ترجمتين من أجل الاختلاف في سبب عداوتهم لجبريل، وإن كان سبب النزول واحدا، وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: قول الجمهور إن عداوتهم لكونه ينزل بالعذاب.
ثانيها: كونه حال دون قتل بخت نصر الذي خرب مسجدهم وسفك دماءهم وسبى ذراريهم.
ثالثها: كونه عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل.
وهذا الثالث قواه الفخر الرازي من جهة المعنى؛ لأن معاداة جبريل وهو رسول الله بامتثاله أمر الله فيما ينزل به من الشدة والعذاب لا يصدر من عاقل بخلاف تجويز النسيان عليه مع من أمر بالإنزال عليه.. هذا حاصل ما رجحه به، وفاته ترجيح أن يرجح الثاني لأنه ليست مخالفة لما أمر به لا عمدا ولا سهوا بل هو راجع إلى اجتهاده ومن عادى من اجتهد فأداه اجتهاده إلى ضرر من عاداه لا يلام في المعاداة.
وقد وجدت ما يصلح معه إفراد الترجمة الثانية وهو سبب معاداتهم لرسول الله؛ لأن الأولى من جميع طرقها خاصة بجبريل عليه السلام وذلك فيما أخرجه الطبري من طريق عبيد الله العتكي -وهو أبو المنيب المروزي صدوق- عن رجل من قريش قال: (سأل النبي اليهود فقال: ((أسألكم بكتابكم الذي تقرؤون هل تجدونني قد بشر بي عيسى أن يأتيكم رسول من بعدي اسمه أحمد؟)). قالوا: اللهم وجدناك في كتبنا ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال -يعني الغنائم- وتهريق الدماء. فأنزل الله عز وجل {من كان عدوا لله وملائكته ورسله..} الآية) ). [العجاب في بيان الأسباب: 1/289-300](م)


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس