الرقية من المس
دخول الجني في جسد الإنسي
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وُجُودُ الجِنِّ ثَابِتٌ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَاتِّفَاقِ سَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، وَكَذَلِكَ دُخُولُ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ الإِنْسَانِ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ} [البقرة: 275] وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ )).
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ قُلْت لأَبِي: إنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ: إنَّ الجِنِّيَّ لا يَدْخُلُ فِي بَدَنِ المَصْرُوعِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ يَكْذِبُونَ هَذَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَمْرٌ مَشْهُورٌ فَإِنَّهُ يُصْرَعُ الرَّجُلُ فَيَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لا يُعْرِفُ مَعْنَاهُ وَيُضْرَبُ عَلَى بَدَنِهِ ضَرْبًا عَظِيمًا لَوْ ضُرِبَ بِهِ جَمَلٌ لأثَّرَ بِهِ أَثَرًا عَظِيمًا، وَالمَصْرُوعُ مَعَ هَذَا لا يُحِسُّ بِالضَّرْبِ وَلا بِالكَلامِ الَّذِي يَقُولُهُ، وَقَدْ يَجُرُّ المَصْرُوعَ وَغَيْرَ المَصْرُوعِ وَيَجُرُّ البِسَاطَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَيُحَوِّلُ آلاتٍ وَيَنْقُلُ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ وَيُجْرِي غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ مَنْ شَاهَدَهَا أَفَادَتْهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنَّ النَّاطِقَ عَلَى لِسَانِ الإِنْسِيِّ، وَالمُحَرِّكَ لِهَذِهِ الأَجْسَامِ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرُ الإِنْسَانِ.
وَلَيْسَ فِي أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ مَنْ يُنْكِرُ دُخُولَ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ المَصْرُوعِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّ الشَّرْعَ يُكَذِّبُ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى الشَّرْعِ، وَلَيْسَ فِي الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ). [مجموع الفتاوى:24/277-279]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ كالجبائي وَأَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِمَا دُخُولَ الجِنِّ فِي بَدَنِ المَصْرُوعِ وَلَمْ يُنْكِرُوا وُجُودَ الجِنِّ إذْ لَمْ يَكُنْ ظُهُورُ هَذَا فِي المَنْقُولِ عَنِ الرَّسُولِ كَظُهُورِ هَذَا وَإِنْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي ذَلِكَ. وَلِهَذَا ذَكَرَ الأَشْعَرِيُّ فِي مَقَالاتِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الجِنِّيَّ يَدْخُلُ فِي بَدَنِ المَصْرُوعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ} [البقرة: 275] وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ: قُلْت لأَبِي: إنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ الجِنِّيَّ لا يَدْخُلُ فِي بَدَنِ الإِنْسِيِّ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ يَكْذِبُونَ هُوَ ذَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَالمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ جَمِيعَ طَوَائِفِ المُسْلِمِينَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ الجِنِّ وَكَذَلِكَ جُمْهُورُ الكُفَّارِ كَعَامَّةِ أَهْلِ الكِتَابِ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ مُشْرِكِي العَرَبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلادِ الهذيل وَالهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَوْلادِ حَامٍ وَكَذَلِكَ جُمْهُورُ الكَنْعَانِيِّينَ واليونانيين وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلادِ يافث.
فَجَمَاهِيرُ الطَّوَائِفِ تُقِرُّ بِوُجُودِ الجِنِّ بَلْ يُقِرُّونَ بِمَا يَسْتَجْلِبُونَ بِهِ مُعَاوَنَةَ الجِنِّ مِنَ العَزَائِمِ وَالطَّلاسِمِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ سَائِغًا عِنْدَ أَهْلِ الإِيمَانِ أَوْ كَانَ شِرْكًا فَإِنَّ المُشْرِكِينَ يَقْرَءُونَ مِنَ العَزَائِمِ وَالطَّلاسِمِ وَالرُّقَى مَا فِيهِ عِبَادَةٌ لِلْجِنِّ وَتَعْظِيمٌ لَهُمْ وَعَامَّةُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنَ العَزَائِمِ وَالطَّلاسِمِ وَالرُّقَى الَّتِي لا تُفْقَهُ بِالعَرَبِيَّةِ فِيهَا مَا هُوَ شِرْكٌ بِالجِنِّ. وَلِهَذَا نَهَى عُلَمَاءُ المُسْلِمِينَ عَنِ الرُّقَى الَّتِي لا يُفْقَهُ مَعْنَاهَا؛ لأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشِّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الرَّاقِي أَنَّهَا شِرْكٌ). [مجموع الفتاوى:19/13]