"حتى"
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ): (باب "حتّى"
قال الشّيخ أبو زكريّا: "حتّى" حرف من حروف المعاني لا يجوز إمالة "ألفها"، وإنّما تكون الإمالة في الأسماء والأفعال. وتجيء في أربعة مواضع: -
أحدها: أن تكون حرفا جارا "كإلى"، كقوله: {حتّى مطلع الفجر}، وإذا كانت جارة قيل لها غاية.
والثّاني: أن تكون عاطفة بمنزلة "الواو"، تعطف ما بعدها على ما قبلها، وتشركه في إعرابه كقولك: قدم الحاج "حتّى" المشاة. فتأتي "حتّى" لأحد معنيين: إمّا التّعظيم. أو التحقير.
فالتعظيم: مات النّاس "حتّى" الأنبياء.
والتحقير: اجترأ عليه النّاس "حتّى" الصّبيان.
ولا بد أن تكون ما بعدها من جنس ما قبلها. وأقل منه في المقدار تقول: - قام القوم "حتّى" زيد.
والثّالث: أن تكون حرفا يقطع بها الكلام عمّا قبلها ويستأنف، ويقع بعدها الجملتان المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، فمثال وقوع المبتدأ والخبر قولك: خرج القوم "حتّى" زيد غضبان.
قال الفرزدق: -
فواعجبا حتّى كليب تسبني... كأن أباها نهشل أو مجاشع
كأنّه قال: يا عجبا تسبني النّاس "حتّى" كليب تسبني.
وقال امرؤ القيس: -
سريت بهم حتّى تكل مطيهم... وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان
فهذه حروف استئناف.
والرّابع: أن تدخل على الفعل والفاعل ودخولها على ضربين: (عاملة، وغير عاملة، فالعاملة: على ضربين: _).
ضرب يكون: الفعل الأول سببا للثّاني، فتكون بمنزلة " كي " تقول: صليت حتّى أدخل الجنّة. وكلمته حتّى يأمرني بشيء. (فالصّلاة والكلام سيان لدخول الجنّة والأمر بالشّيء).
والثّاني: أن لا يكون الأول، سببا للثّاني، فيكون التّقدير "إلى أن" وذلك كقولك لا تنظرنه "حتّى" تطلع الشّمس.
والمعنى: "إلى أن" تطلع الشّمس. أو "حتّى" أن تطلع الشّمس فليس الفعل الأول سببا للفعل الثّاني في هذا لأن طلوع الشّمس ليس سببه انتظارك، وإنّما قدرت في الأول " كي" وفي الثّاني "أن"، لتفرق بين المسبّب وغير المسبّب.
وذكر بعض المفسّرين أن حتّى في القرآن على أربعة أوجه: -
أحدها: بمعنى "إلى" ومنه قوله تعالى في الذاريات: {إذ قيل لهم تمتّعوا حتّى حين}، وفي سأل سائل: {حتّى يلاقوا يومهم الّذي يوعدون}، وفي القدر: {حتّى مطلع الفجر}.
والثّاني: بمعنى "فلمّا"، ومنه قوله تعالى في هود: {حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنور}، وفي يوسف: {حتّى إذا استيأس الرّسل}، وفي الأنبياء: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج}، وفي المؤمنين: {حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب}.
والثّالث: بمعنى " كي". ومنه قوله تعالى في البقرة: {حتّى يبلغ الكتاب أجله}.
والرّابع: بمعنى "الواو". ومنه قوله تعالى في سورة محمّد صلى الله عليه وسلم: {ولنبلونكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين}).[نزهة الأعين النواظر: 243 - 246]