باب: مواضع "ذا"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: مواضع "ذا" اعلم أنه لها أربعة مواضع:
تكون بمعنى «صاحب» كقولك: «رأيت رجلًا "ذا" مالٍ» تريد صاحب مالٍ.
وتكون للإشارة إلى الحاضر، كقولك: «من "ذا"؟» و«جاءني "ذا"» و«مررت "بذا"»، و«رأيت "ذا"»، تريد: هذا، فتحذف التنبيه، وتقول: «من "ذا" قائمًا؟» «من» مبتدأ، و"ذا" خبره، وهي إشارة إلى الحاضر، و«قائم» نصب على الحال، كأنه سأل عمن عرف قيامه ولم يعرفه.
وتكون بمعنى «الذي» كقولك: «من "ذا" قائم؟» و«من "ذا" خيرٌ منك؟» تريد: من الذي هو قائمٌ، ومن الذي هو خيرٌ منك، فـ "من" في موضع رفع بالابتداء، و"ذا" خبر الابتداء، وهي اسمٌ ناقص بمعنى "الذي"، وقولك: «هو خيرٌ منك» ابتداءٌ وخبر في صلة "الذي" وقال سيبويه: أكثر ما يستعمل هذا على الإنكار، أي: ما أحد خيرًا منك، كما تقول: «من "ذا" أرفع من الخليفة؟» الغرض: ما أحدٌ أرفع من الخليفة، ولم ترد أن تشير إلى إنسان قد عرفت فضله على المسئول، ولم تعرفه فتسأل عنه ليعلمكه، ولو أردت ذلك لنصبته فقلت: «من "ذا" خيرًا منك؟» كما نصبت: «من "ذا" قائمًا؟» حين سألت عمن عرفت قيامه ولم تعرفه.
والموضع الرابع: تكون "ذا" لغوًا بعد "ما" كقولك: «"ماذا" أردت؟ أخيرًا أم شرًا» فـ "ما" و"ذا" اسم واحدق بمعنى "ما"، و"ذا" لغوٌ، و"ما" في موضع نصب بوقوع الفعل عليها، والمعنى: أي شيءٍ أردت، ونصبت: «أخيرًا» على البدل من "ما"، وإن جعلت "ما" اسمًا و"ذا" اسمًا بمعنى "الذي" ثم أبدلت رفعت بالبدل، فقلت: «"ماذا" أردت: أخيرٌ أم شرٌ» تجعل "ما" رفعًا بالابتداء، و"ذا" خبر الابتداء، و«أردت» صلة "ذا"، و«أخيرٌ أم شر» بدلٌ من "ما"، كأنك قلت: "ما" الذي أردت: أهو خيرٌ أم شرٌ.
ومثله قول لبيدٍ:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ..... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
جعل "ذا" بمنزلة "الذي" فلذلك رفع، كأنه قال: "ما" الذي يحاوله؟ أنحب – أي أنذر – فيقضى، أم ضلال؟
واعلم أن "ذا" إذا كانت بعد "ما" فهي على وجهين: تكون بمعنى "الذي" وتكون لغوًا.
وإذا كانت بعد "من" فهي على وجهين: تكون بمعنى "الذي" وتكون للإشارة إلى الحاضر، ولا تكون لغوًا.
تقول في الإشارة: «"من ذا" قائمًا»، بالنصب.
وتقول في معنى "الذي": « "من ذا" قائم» بالرفع، تريد: "من الذي" هو قائم، وتقول: «"من ذا" رأيت أزيدٌ أم عمروٌ؟» "من" في موضع رفع بالابتداء، و"ذا" خبر الابتداء بمعنى "الذي" و«رأيت» صلة "ذا"، و«أزيدٌ أم عمروٌ» بدل من "من"). [الأزهية: 205 - 207]