الموضوع: إلّا
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 05:23 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب: مواضع "إلاّ"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: مواضع "إلاّ"
اعلم أن لها ستة مواضع:
تكون استثناءً: كقولك: «قام القوم "إلا" زيدًا».
وتكون نعتًا: بمعنى "غير" فتجري ما بعدها على ما قبلها، كما تجري "غيرًا" إذا أردت بها النعت، فتقول: «قام القوم "إلا" زيد»، فترفع ما بعد "إلا" في الموجب، لأنها نعت بمعنى "غير"، كما تقول: «قام القوم "غير" زيد»، فترفع "غيرًا" بعد الموجب إذا أردت به النعت لا الاستثناء، قال الله عز وجل: {لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا}، ومعناه: غير الله، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكل أخٍ مفارقه أخوه .... لعمر أبيك إلا الفرقدان
فرفع «الفرقدين» بعد "إلا" في الموجب، لأنه جعلها نعتًا لـ «كل» بمعنى "غير" تقديره: وكل أخٍ غير الفرقدين مفارقه أخوه لأنه قال هذا في الجاهلية قبل أن يسلم، وكان يظن أن الفرقدين لا يتفرقان، كما قال لبيد في الجاهلية أيضًا:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع .....وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

وتكون تحقيقًا وإيجابًا بعد الجحد: كوقلك: «ما قام "إلا" زيد»، و«ما في الدار "إلا" زيد»، و«ما أعطيت زيدًا "إلا" درهما»، و«ما قبض من زيدٍ "إلا" درهم»، فـ "إلا" في هذه المواضع تحقيق وإيجاب.
وتكون بمعنى "لكن" كقولك: «والله إن لفلان مالًا، "إلا" أنه شقي»، معناه: لكنه شقي، ومن كلام العرب: «ما نفع "إلا" ضر وما زاد "إلا" نقص». تقديره: "لكن" ضر و"لكن" نقص، ومنه قوله تعالى: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}، معناه: "لكن" أنزلناه تذكرة، وقوله: {فبشرهم بعذابٍ أليم إلا الذين آمنوا}، معناه: "لكن" الذين آمنوا، وقوله: {لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر}، معناه: "لكن" من تولى وكفر، وقوله: {فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك}، معناه: "لكن" من ارتضى من رسول فإنه يسلك، وقوله: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}، أي: "لكن" من رحم يعصم أو معصوم، وقوله: {لا عاصم} في تأويل معصوم، أي: لا معصوم اليوم من أمر الله "إلا" من رحم، وقد يجيء المفعول على «فاعل» ألا ترى قوله: {من ماءٍ دافقٍ}، قال الفراء: معناه مدفوق، وقوله: {في عيشة راضية}، أي: مرضية، وأنشد للحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها....واقعد، فإنك أنت الطاعم الكاسي
معناه: المكسو، وقد قالوا: «هذا سر كاتم»، أي مكتوم؛ لأن الشر لا يكون كاتمًا، وقالوا: الراحلة، وإنما هي المرحولة
وقال الخليل رحمه الله معنى «عيشة راضية»، و«طاعمٍ كاسٍ» أي ذات رضا وذو طعام وكسوة، كما قالوا: «رجل لابن وتامر» أي ذو لبنٍ وتمر.
ومن ذلك قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس}، معناه:
"لكن" قوم يونس، وقوله: {الذين خرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله}، أي: "لكنهم" يقولون: ربنا الله، وهذا الضرب في القرآن كثير.
ومثل ذلك في الشعر قول شهاب المازني:
من كان أسرع في تفرق فالج .... فلبونه جربت معًا وأغدت
إلا كناشرة الذي ضيعتم ....كالغصن في غلوائه المتنبت
أراد: "لكن" هذا كناشرة، وقوله: «كالغصن» يمدحه، أي ضيعتموه وهو كالغصن، و«فالج» قبيلة تفرق أكثرها.
وقال الأعشى في مثله:
كلا، وبيت الله، حتى ينزلوا .... من رأس شاهقةٍ إلينا الأسودا
ثم قال:
إلا كخارجة المكلف نفسه .....وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
أراد: لكنه كخارجة، و"الكاف" "ها" هنا زائدة، كقوله عز وجل: {ليس كمثله شيء}، والمعنى: ليس مثله شيء، وقال آخر:
كذب الشباب علي إلا أنني .... أقصرت عن لذاته فقلاني
معنى "إلا": لكن.

والموضع الخامس: تكون "لا" بمعنى "واو" النسق.
كقوله عز وجل: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم}، معناه: والذين ظلموا منهم، و{الذين} في موضع خفض نسقًا على الناس، وقال عز وجل: {إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم}، وقال بعض النحويين: "إلا" ها هنا بمعنى "واو" النسق، كأنه قال: لا يخاف لدي المرسلون، ومن ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء، فإني غفورٌ رحيم، وقال بعضهم: إن "إلا" في هاتين الآيتين بمعنى "لكن" كأنه قال: "لكن" الذين ظلموا فلا تخشوهم على الانقطاع من أوله، وكذلك قوله: {إني لا يخاف لدي المرسلون}، تم الكلام، ثم قال: "إلا" من ظلم بمعنى: "لكن" من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوءٍ فإني غفور رحيم.

والموضع السادس: تكون "إلا" بمعنى "إمَّا" كقولك: «"إما" أن تكلمني و"إلا" فأسكت»، المعنى: "إما" أن تكلمني، و"إما" أن أسكت). [الأزهية: 173 - 178]


رد مع اقتباس