عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:05 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ذكر أمثلة لشرور الشيطان

قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (و إلا فشَرُّه بغيرِ الوَسوسةِ حاصلٌ أيضًا؛ فمِنْ شَرِّه أنه لِصٌّ سارقٌ لأموالِ الناسِ فكُلُّ طعامٍ أو شَرابٍ لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليه فله فيه حَظٌّ بالسَّرِقَةِ والخطْفِ، وكذلك يَبيتُ في البيتِ إذا لم يُذْكَرْ فيه اسمُ اللهِ، فيَأْكُلُ طعامَ الإنسِ بغيرِ إذنِهم، ويَبيتُ في بُيوتِهم بغيرِ أَمْرِهم، فيَدخُلُ سارقًا ويَخرُجُ مُغيرًا ويَدُلُّ على عَورتِهم، فيَأْمُرُ العبدَ بالمَعصِيَةِ، ثم يُلْقِي في قلوبِ الناسِ يَقظةً ومَنامًا أنه فَعَلَ كذا وكذا.
ومن هذا: أنَّ العبْدَ يَفْعَلُ الذنبَ لا يَطَّلِعُ عليه أحدٌ من الناسِ فيُصْبحُ والناسُ يَتَحَدَّثُون به. وما ذاك إلا أنَّ الشيطانَ زَيَّنَه له وأَلقاهُ في قَلْبه، ثم وَسْوَسَ إلى الناسِ بما فَعَلَ، وأَلقاهُ إليهم، فأَوْقَعَه في الذنْبِ، ثم فَضَحَه به، فالربُّ تعالى يَسْتُرُه، والشيطانُ يَجْهَدُ في كَشْفِ سِتْرِه وفضيحتِه، فيَغْتَرُّ العبْدُ ويقولُ: هذا ذنْبٌ لم يَرَهُ إلا اللهُ، ولم يَشْعُرْ بأنَّ عَدُوَّه ساعٍ في إذاعتِه وفَضيحتِه، وقَلَّ مَن يَتَفَطَّنُ من الناسِ لهذه الدقيقةِ.
ومن شَرِّه أنه إذا نامَ العبْدُ عَقَدَ على رأسِه عُقَدًا تَمْنَعُه من اليَقَظَةِ.
كما في صحيحِ البخاريِّ، عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ، عن أبي هُريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ: ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ مَكَانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإِلَّا أَصْبَحَ خَبيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ)).
ومِن شَرِّه: أنه يَبُولُ في أُذُنِ العبْدِ حتى يَنامَ إلى الصباحِ، كما ثَبَتَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه ذُكِرَ عندَه رجلٌ نامَ ليلَه حتى أَصْبَحَ، قالَ: ((ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ ))أَوْ قَالَ:(( فِي أُذُنِهِ)). رواه البخاريُّ.
ومن شَرِّه: أَنَّه قَعَدَ لابنِ آدَمَ بطُرُقِ الخيرِ كلِّها، فما من طرُقِ الخيرِ من طريقٍ إلا والشيطانُ مُرْصِدٌ عليه يَمنَعُه بجَهْدِه أن يَسلُكَه، فإن خالَفَه وسَلَكَه ثَبَّطَه فيه وَعَوَّقَه وشَوَّشَ عليه بالمُعارِضاتِ والقواطِعِ، فإنْ عَمِلَه وفَرَغَ منه قَيَّضَ له ما يُبْطِلُ أَثَرَه ويَرُدُّه على حافِرَتِه.
ويَكْفِي من شرِّه أنه أَقْسَمَ باللهِ ليَقْعُدَنَّ لبَنِي آدَمَ صِراطَه المُستقيمَ، وأَقْسَمَ ليَأْتِيَنَّهُم من بينِ أَيديهِم ومن خَلْفِهم وعن أيمانِهم وعن شَمَائِلِهم، ولقد بَلَغَ شرُّه أن أَعْمَلَ المَكيدةَ وبالَغَ في الحِيلةِ حتى أَخْرَجَ آدَمَ من الجَنَّةِ.
ثم لم يَكْفِه ذلك حتى استَقْطَعَ من أولادِه شُرْطَةً للنارِ، من كلِّ ألْفٍ تِسْعَمائةٍ وتسعةً وتِسعينَ.
ثم لم يَكْفِه ذلك حتى أَعْمَلَ الحِيلةَ في إبطالِ دَعوةِ اللهِ من الأرضِ، وقَصَدَ أن تكونَ الدعوةُ له وأن يُعْبَدَ من دونِ اللهِ فهو ساعٍ بأَقْصَى جَهْدِه على إطفاءِ نُورِ اللهِ وإبطالِ دَعوتِه، وإقامةِ دعوةِ الكفْرِ والشرْكِ، ومَحْوِ التوحيدِ وأَعلامِه من الأرضِ.
ويَكفي من شرِّه أنه تَصَدَّى لإبراهيمَ خليلِ الرحمنِ حتى رَمَاهُ قَوْمُه بالمَنْجَنيقِ في النارِ، فرَدَّ اللهُ كَيْدَه عليه،
وجَعَلَ النارَ على خَليلِه بَرْدًا وسَلامًا.
وتَصَدَّى للمسيحِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أَرادَ اليهودُ قَتْلَه وصَلْبَه، فرَدَّ اللهُ كَيْدَه، وصانَ المسيحَ ورَفَعَه إليه، وتَصَدَّى لزَكَرِيَّا ويَحْيَي حتى قُتِلا.
واسْتَثَارَ فِرعونَ حتى زَيَّنَ له الفَسادَ العظيمَ في الأرضِ ودَعْوَى أنه رَبُّهُم الأعلى.
وتَصَدَّى للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظَاهَرَ الكُفَّارَ على قَتْلِه بجَهْدِه، واللهُ تعالى يَكْبتُه ويَرُدُّه خاسئًا.
وتَفَلَّتَ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشِهابٍ من نارٍ يُريدُ أن يَرْمِيَه به وهو في الصلاةِ، فجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: ((أَلْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ)).
وأعانَ اليهودَ على سِحْرِهم للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذا كان هذا شأنَه وهِمَّتَه في الشرِّ فكيفَ الخَلاصُ منه إلا بمَعونةِ اللهِ وتأييدِه وإعاذتِه.
ولا يُمْكِنُ حَصْرُ أَجناسِ شَرِّه فَضْلاً عن آحَادِها، إذ كلُّ شرٍّ في العالَمِ فهو السببُ فيه). [بدائع الفوائد: 2/258-260]


رد مع اقتباس