عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 12 جمادى الأولى 1435هـ/13-03-2014م, 06:22 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

علاج الوسوسة

قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ):(وعلاجُ وَسوستِه بثلاثةِ أشياءَ:
واحدُها: الإكثارُ من ذِكْرِ اللهِ.
وثانيها: الإكثارُ من الاستعاذةِ باللهِ منه، ومِن أنْفَعِ شيءٍ في ذلك قراءةُ هذه السورةِ.
وثالثُها: مخالَفَتُه والعزْمُ على عِصيانِه). [التسهيل: 227]
قالَ مُحَمَّد جَمَال الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ):(السابعةُ: قالَ الإمامُ الغزاليُّ في الإحياءِ أيضاً في بيانِ تَسَلُّطِ الشيطانِ على القلْبِ بالوَسواسِ ومعنى الوَسوسةِ وسَببِ غَلَبَتِها ما مثالُهُ:
اعْلَمْ أنَّ القلبَ في مِثالِ قُبَّةٍ مَضْرُوبَةٍ لها أبوابٌ تَنْصَبُّ إليهِ الأحوالُ مِنْ كلِّ بابٍ، ومثالُهُ أيضاً مِثالُ هَدَفٍ تَنْصَبُّ إليهِ السِّهامُ مِن الجوانبِ، أوْ هوَ مِثالُ مِرآةٍ مَنصوبةٍ تَجتازُ عليها أَصنافُ الصُّوَرِ المُخْتَلِفَةِ، فتَتَرَاءَى فيها صُورةٌ بعدَ صورةٍ ولا يَخْلُو عنها، أوْ مِثالُ حَوْضٍ تَنْصَبُّ فيهِ مِياهٌ مُختلِفَةٌ مِنْ أنهارٍ مَفتوحةٍ إليهِ.
وإنَّما مَداخِلُ هذهِ الآثارِ المُتَجَدِّدَةِ في القلْبِ في كلِّ حالٍ، إمَّا مِن الظاهِرِ فالحَوَاسُّ الخَمسُ، وإمَّا مِن الباطنِ فالخيالُ والشهوةُ والغضَبُ والأخلاقُ المُرَكَّبَةُ مِنْ مِزاجِ الإنسانِ؛ فإنَّهُ إذا أَدْرَكَ بالحواسِّ شيئاً حَصَلَ منهُ أَثَرٌ في القلْبِ.
وكذلكَ إذا هَاجَتِ الشهوةُ مَثَلاً بسببِ كَثرةِ الأَكْلِ وسببِ قُوَّةٍ مِن المِزاجِ، حَصَلَ منها في القلبِ أَثَرٌ، وإنْ كَفَّ عن الإحساسِ فالخيالاتُ الحاصلةُ في النفْسِ تَبْقَى ويَنْتَقِلُ الخيالُ مِنْ شيءٍ إلى شيءٍ، وبحَسَبِ انتقالِ الخيالِ يَنتقِلُ القلْبُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ آخَرَ.
والمقصودُ أنَّ القلْبَ في التغَيُّرِ والتأَثُّرِ دائماً مِنْ هذهِ الأسبابِ.
وأَخُصُّ الآثارَ الحاصلةَ في هذهِ الخواطِرِ، وأَعْنِي بالخواطِرِ ما يَحْصُلُ فيهِ مِن الأفكارِ والأَذْكَارِ، وأعنِي بهِ إدراكاتِهِ عُلُوماً، إمَّا على سبيلِ التَّجَدُّدِ، وإمَّا على سبيلِ التذَكُّرِ؛ فإنَّها تُسَمَّى خواطرَ مِنْ حيثُ إنَّهُ تَخْطِرُ بعدَ أنْ كانَ القلبُ غافلاً عنها.
والخواطِرُ هيَ المُحَرِّكَاتُ للإراداتِ؛ فإنَّ النيَّةَ والعزْمَ والإرادةَ إنَّما تكونُ بعدَ خُطورِ المَنْوِيِّ بالبالِ لا محالةَ، فمَبدأُ الأفعالِ الخواطرُ، ثمَّ الخاطرُ يُحَرِّكُ الرغبةَ، والرغبةُ تُحَرِّكُ العزْمَ، والعزْمُ يُحَرِّكُ النِّيَّةَ، والنيَّةُ تُحرِّكُ الأعضاءَ.
والخَوَاطرُ المُحَرِّكَةُ للرغبةِ تَنقسمُ إلى ما يَدْعُو للشرِّ، أَعْنِي إلى ما يَضُرُّ في العاقبةِ، وإلى ما يَدعو إلى الخيرِ، أعنِي إلى ما يَنفعُ في الدارِ الآخرةِ، فهما خَاطرانِ مُختلِفانِ. فافْتَقَرَا إلى اسمَيْنِ مُختَلِفَيْنِ، فالخاطِرُ المحمودُ يُسَمَّى إلهاماً، والخاطرُ المذمومُ، أعني الدَّاعِيَ إلى الشرِّ، يُسَمَّى وَسْوَاساً.
ثمَّ إنَّكَ تَعلمُ أنَّ هذهِ الخواطِرَ حادثةٌ، ثمَّ إنَّ كُلَّ حادثٍ فلا بُدَّ لهُ مِنْ مُحْدِثٍ، ومهما اختَلَفَتِ الحوادثُ دَلَّ ذلكَ على اختلافِ الأسبابِ.
هذا ما عُرِفَ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تعالى في ترتيبِ المُسَبَّباتِ على الأسبابِ، فمَهْمَا استَنارَتْ حِيطانُ البيتِ بنُورِ النارِ، وأَظْلَمَ سَقْفُهُ واسودَّ بالدُّخَانِ، عَلِمْتَ أنَّ سببَ السَّوَادِ غيرُ سببِ الاستنارةِ، وكذلكَ لأَنْوَارِ القلْبِ وظُلمتِهِ سَببانِ مُختلِفانِ، فسببُ الخاطرِ الداعي إلى الخيرِ يُسَمَّى مَلَكاً، وسببُ الخاطِرِ الداعي إلى الشرِّ يُسَمَّى شَيطاناً، واللُّطْفُ الذي يَتَهَيَّأُ بهِ القلبُ لقَبولِ إلهامِ الخيرِ يُسَمَّى تَوْفِيقاً، والذي بهِ يَتَهَيَّأُ لقَبولِ وَسواسِ الشيطانِ يُسَمَّى إغواءً وخِذلاناً؛ فإنَّ المعانِيَ المُخْتَلِفَةَ تَفْتَقِرُ إلى أَسَامٍ مختلِفَةٍ.
والمَلَكُ عبارةٌ عنْ خَلْقٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تعالى، شأنُهُ إفاضةُ الخيرِ، وإفادةُ العلْمِ، وكَشْفُ الحقِّ، والوعْدُ بالخيرِ، والأمرُ بالمعروفِ، وقدْ خَلَقَهُ وسَخَّرَهُ لذلكَ.
والشيطانُ عِبارةٌ عنْ خَلْقٍ شأنُهُ ضِدُّ ذلكَ، وهوَ الوعْدُ بالشرِّ، والأمْرُ بالفحشاءِ، والتخويفُ عندَ الهَمِّ بالخيرِ بالفَقْرِ. فالوَسوسةُ في مُقابَلَةِ الإلهامِ، والشيطانُ في مُقابَلَةِ المَلَكِ، والتوفيقُ في مُقابَلَةِ الخِذلانِ.
ثمَّ قالَ الغزاليُّ: ولا يَمْحُو وَسوسةَ الشيطانِ مِن القلبِ إلاَّ ذِكْرُ ما سِوَى ما يُوَسْوِسُ بهِ؛ لأنَّهُ إذا خَطَرَ في القلبِ ذِكْرُ شيءٍ انْعَدَمَ منهُ ما كانَ مِنْ قَبْلُ، ولكنَّ كلَّ شيءٍ سِوَى اللَّهِ تعالى، وسِوَى ما يَتَعَلَّقُ بهِ، فيَجوزُ أيضاً أنْ يكونَ مَجالاً للشيطانِ.
وذِكْرُ اللَّهِ هوَ الذي يُؤْمَنُ جانبُهُ، ويُعْلَمُ أنَّهُ ليسَ للشيطانِ فيهِ مَجالٌ، ولا يُعالَجُ الشيءُ إلاَّ بضِدِّهِ، وضِدُّ جميعِ وَساوِسِ الشيطانِ ذِكْرُ اللَّهِ بالاستعاذةِ، والتبَرُّؤُ عن الحَوْلِ والقُوَّةِ، وهوَ معنى قَوْلِكَ: أَعوذُ باللَّهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العظيمِ، وذلكَ لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ المُتَّقُونَ الغالبُ عليهم ذِكْرُ اللَّهِ تعالى.
وإنَّما الشيطانُ يَطُوفُ عليهم في أوقاتِ الفَلَتَاتِ على سبيلِ الخِلسةِ، قالَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
ثمَّ قالَ: فالوَسوسةُ هيَ هذهِ الخواطرُ، والخواطرُ مَعلومةٌ، فإِذَنِ الوَسواسُ معلومٌ بالمُشاهَدَةِ، وكلُّ خاطِرٍ فلهُ سَبَبٌ، ويَفتقِرُ إلى اسْمٍ يُعَرِّفُهُ، فَاسْمٌ سببُهُ الشيطانُ، ولا يُتَصَوَّرُ أنْ يَنْفَكَّ عنهُ آدَمِيٌّ، وإنَّما يَختلفونَ بعِصيانِهِ ومُتابعتِهِ، فقَدِ اتَّضَحَ بهذا النوْعِ مِن الاستبصارِ معنى الوَسوسةِ والإلهامِ، والمَلَكِ والشيطانِ، والتوفيقِ والخِذلانِ، انْتَهَى).[محاسن التأويل: 9/ 582-584]


رد مع اقتباس