الموضوع: السميع
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 07:26 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (السميع
السميع على ثلاثة أوجه: يكون السميع من وصف الذات بأن المسموعات لا تخفي عليه كما قلنا في البصير والعليم والقدير في أحد وجوهها. فيكون من مدح الذات غير متعلق بالمسموع، ويخالف في هذا الوجه السامع لأن السامع لا بد متعلق بمسموع موجود فلا سامع إلا لمسموع موجود في الحال.
وقد يكون السميع موصوفًا بهذا الوصف ولا مسموع وإنما يراد به أن المسموعات إذا وجدت لا تخفى عليه فيكون من وصف الذات كما ذكرت لك في عليم وقدير وما أشبه ذلك.
والوجه الثاني: أن يكون السميع بمعنى مسمع أي: يسمع غيره فيتعلق بمفعول كما يكون عليم بمعنى معلم وأليم بمعنى مؤلم ووجيع بمعنى موجع، يقال: ضرب وجيع أي موجع. قال عمرو بن معد يكرب يتشوق اخته ريحانة، وكان أسرها الصمة أبو دريد بن الصمة فقال:
أمن ريحانة الداعي السميع = يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد بالسميع هاهنا: المسمع، وقد يكون سميع بمعنى سامع فيتعلق بالمفعول، كما قلنا إنه قد يكون عليم بمعنى عالم وقدير بمعنى قادر وكذلك فعيل وفعول وفعال ومفعال وفعل، هذه الأوجه كلها قد تكون بمعنى فاعل فيقال: ضروب بمعنى ضارب وكذلك ضريب وضراب ومضراب وضرب، كل هذه الأوجه تجري مجرى فاعل إلا أن في فعيل خلافًا قد مضى ذكره، وأنشد الفراء:
دعاني إليها القلب إني لذكرها = تبوع فما أدري أرشد طلابها
فهذه ثلاثة أوجه في السميع يجوز وصف الله جل اسمه بها من أنه يكون من مدح الذات في حال، وقد يكون بمعنى المسمع، ويكون بمعنى السامع.
وقد يكون السامع في صفات الله عز وجل بمعنى المجيب فقال: سمع الله دعاءك أي أجابه كما يقال سمع الله لمن حمد أي أجابه وقد قال الشاعر:
دعوت الله حتى خفت ألا = يكون الله يسمع ما أقول
أي لا يجيب دعائي. ويقال: سمعت الشيء أسمعه سمعًا وسماعًا، والسمع مصدر سمعت، والسمع أيضًا سمع الإنسان وهي الجارحة المسموع بها سميت بالمصدر كما ذكرت لك في البصير.
وقال العلماء: في قول الله عز وجل: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة}: في توجيه السمع ثلاثة أقوال: «أحدها أن السمع في الأصل مصدر سميت به الجارحة فوحد كما يوحد المصدر كقولك: حديثكم يعجبني، وعلم إخوتك ينفعني وما أشبه ذلك».
والآخر أن يكون المعنى ختم الله على مواضع سمعهم فحذف المواضع ودل السمع عليها لأن المضاف قد يقوم مقام المضاف إليه في مثل قولهم صلى المسجد، وهم يريدون أهل المسجد، واجتمعت اليمامة أي أهل اليمامة، وما أشبه ذلك.
ويقال: إنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها = فبيض وأما جلدها فصليب
إما يريد جلودها فوحد لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد.
وقال آخر في مثله:
لا تنكر القتل وقد سبينا = في حلقكم عظم وقد شجينا
يريد في حلقوكم. ومثله قول الآخر:
كأنه وجه تركيين قد غضبا = مستهدف لطعان غير تذبيب
وإنما يريد وجهين فقال «وجه تركيين» لأنه قد علم أنه لا يكون لاثنين وجه واحد ومثله كثير جدًا.
وقد يكون السمع بمعنى ثالث فيكون بمعنى الاستماع، «يقال: سمعك حديثي يعجبني أن استماعك إلى حديثي يعجبني، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورًا تسمع إلى صوت صائد وكلاب:
إذا توجس ركزًا مقفر ندس = بنبأة الصوت ما في سمعه كذب
أي ما في استماعه كذب، أي هو صادق الاستماع، والندس: الحاذق يقال: ندس كما يقال حذر، ويقظ ويقظ».
والنبأة: الصوت الخفي وكذلك الركز.
والمصادر ينوب بعضها عن بعض كما يقال: العطية بمعنى الإعطاء والكرامة بمعنى الإكرام، والموعظة بمعنى الوعظ، كذلك يكون المسع بمعنى التسمع والاستماع.
قال الفراء: يقال: عجبت من طعامك طعامنا، وشرابك شرابنا، فقال: معناه عجبت [من] طعمك طعامنا، وشربك شرابنا.
قال: وكذلك تقول: عجبت لدهنك لحيتك في كل يوم بضم الدال وأنت تريد: لدهنك بفتح الدال.
قال: وكان الكسائي لا يجيزه إلا بفتح الدال، وهي عند الفراء سواء.
وقال: كذلك تقول: عجبت لسمنك شاءك، وأنت تريد لاسمانك شاءك. وكذلك كل المصادر التي تخرج من الأفعال وإن كانت على غير ألفاظها في القياس جرت كلها مجرى واحدًا.
والسمع بكسر السين وإسكان الميم ذكر الإنسان بالجميل. يقال: ذهب سمعه في الناس أي ذكره، وللسمع أيضًا: ولد الذئب من الضبع ويقال: تسمعت الشيء تسمعًا، وأسمعت استماعًا. وينشد لصخر أخي الخنساء:
لعمري لقد أيقظت [من كان] نائمًا = وأسمعت من كانت له أذنان
واستسمعت استسماعًا، واستسمعت: تطلبت الاستماع. وقد يكون التسمع بمعنى الاستماع. وأسمعت غيري الخبر وغيره إسماعًا، وقد يكون أسمعته في مجاز الاستعمال يجري مجرى السب والشتيمة كما استعمل السماع في الغناء، وإنما هو في الأصل مصدر. قال لبيد في التسمع بمعنى الاستماع يصف بقرة وحشية:
وتسمعت دار الأنيس فراعها = عن ظهر غيب والأنيس سقامها
وتقول العرب: سماع يا هذا بوزن فعال مكسور الآخر بمعنى اسمع مني كما يقال: دراك بمعنى أدرك. ونزال بمعنى انزل. وقد يقولون أيضًا سماعًا يا هذا بالنصب بمعنى اسمع. قال الشاعر:
سماع الله والعلماء أني = أعوذ حقو خالك يا ابن عمرو
يريد: أسمع الله والعلماء، فوضع المصدر موضع الفعل الناصب له.
والسمع اسم الأذن كما ذكرت لك ولكنه اسم مذكر فأما الأذن فهي مؤنثة ويقال للأذن، الحاضرة. ومن كلام العرب: «إذا تكلمتم فاحذروا الحواضر».
فإذا كانت الأذن لطيفة يقال لها: صمعاء وحشر، فإذا كانت عظيمة قيل لها: شرافية، ويقال لداخل الأذن الصماليخ ولوسخها الأنف، ولوسخ الظفر المجتمع بينه وبين لحم الأصبع التف، ويقال فلان أصم أصلخ إذا كان لا يسمع شيئًا، ورجل أقطع إذا كان أصم، فإذا كانت الأذن عظيمة فهي الحذنة وأنشد أبو عبيدة:
يا ابن التي حذنتاها باع
وإذا كانت كثيرة الشعر: الزبعرة.
ويقال للرجل إذا كان سيء الخلق زبعري. فإذا قطعت الأذن فاستؤصلت قيل لها: صلماء.
ويقال: أسمعت الدلو: إذا كانت كبيرة فقبضت من أسفلها قبضة ثم شددتها لتخفف فيستقي بها حينئذ الشيخ والصبي. قال الشاعر:
ونعدل ذا الميل إن رامنا = كما عدل الغرب المسمع
ويقال: المسمعان عروتان تكونان في موضع هذه القبضة من داخل فتجمعان فيتضيق الدول. وأنشد:
سألت زيدًا بعد بكر خفا = والدلو قد تسمع كي تخفا
يقول: سألته حاجة كبيرة فلم يقضها، فسألته حاجة صغيرة. ويقال للحبل الذي يشد بعد العقد الأول الكرب، وذلك أن الدلو. ربما انقطع حبلها الأول فيمسكها الكرب ويمنعها من السقوط ومنه قول الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم = شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
العناج: الحبل الأول، والكرب: الحبل الثاني، ويقال للصخرة التي يقوم عليها الساقي: القبيلة والمنزعة، فإذا كانت تزلق قيل لها مدحض، وزرنح، ويقال للصخرة التي تكون في أسفل البئر: الراعوفة، ويقال للصخرة التي في الشطوط يغمرها الماء الاتان ويقال أيضًا: الحنضل، ويقال لطي البئر: الزبر والضرس لها ويقال للخزف الذي يجعل في طيها ليقوي الأعقاب الأجر، ويقال لرأس البئر إذا كان ضيقًا: السك، فإذا كان واسعًا فهو جلواخ وإذا كانت البئر فوق رابية قيل لها جمجمة، فإذا كانت مندفنة فهي سدم). [اشتقاق أسماء الله: 75-82]


رد مع اقتباس