الموضوع: العليم
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 28 شعبان 1438هـ/24-05-2017م, 10:07 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (العليم
قول القائل من العرب: العليم والعالم صفتان مشتقان من العلم. فالعالم اسم الفاعل من علم يعلم فهو عالم، والعليم من أبنية المبالغة في الوصف بالعلم وهو بمنزلة قدير من القادر.
وقد يتعلق عليم بالمفعول بحرف خفض كما قال عز وجل: {عليم بذات الصدور} فهذا في التأويل بمنزلة قولك: عالم بذات الصدور أي يعلمها، وذات الصدور أسرارها. فعليم وعالم في هذا سواء. وعلى مذهب سيبويه الذي ذكرناه لو قيل: عليم ذات الصدور في الكلام فعدي بغير حرف كان جائزًا، كما يجيز «هذا ضريب زيدًا» كما تقول «ضارب زيدًا».
وقد يأتي عليم على تأويل آخر يفارق فيه «علم»، وهو أن يراد بعليم مدح الذات بالعلم فيراد به أن ذاته عالمة لا يجوز عليه الجهل فيصير من باب ظريف، وشريف وكريم، ألا ترى أنك إذا قلت: «زيد ظريف» فلست تريد أنه فعل ظرفًا به وبغيره، إنما تصفه في ذاته بالظرف، وكذلك القول في كريم، وشريف ليس يراد بوصف الموصوف به أنه فعل كرما وشرفًا بغيره أو به إنما يوصف في نفسه بذلك فيخرج حينئذ عن حدود التعدي، ويفارق تأويل «فاعل»، ولذلك قال سيبويه: إذا بني فعليل من فعل متعد وأريد به إيقاع الفعل تعدى وجرى مجرى «مفعال»، و«فعال» وما أشبههما في المبالغة في إيقاع الفعل، وإذا بني من فعل غير متعد لم يتعد لأن أجل أحواله أن يكون بمنزلة الفعل الذي منه بني. وإذا بني من فعل متعد ولم يرد إيقاع الفعل وصرف إلى وصف الذات والمدح لم يتعد. هذا معنى مذهبه وإن لم يكن بألفاظه. وهذا كلام صحيح وإن كان أصحابه قد خالفوه فيه. وكذلك مذهب «عليم» في الوجه الثاني الذي ذكرته لك من مدح الذات بالعلم وأنها مخالفة لذات ما يجهل أو يجوز عليه الجهل لا أنه يراد به إيقاع الفعل.
فأما عالم فمتعلق بالمعلوم فهو موافق لعليم في الوجه الأول، ومخالف له في الوجه الثاني. وقد يكون المعلوم موجودًا وغير موجود في حال العلم به لأن العلم قد يتقدم بأشياء قبل كونها، وذلك يقع من الآدميين بالعرف والعادات، والاستدلال من نحو علم الإنسان باليوم الذي يلي يومه مستقبلاً أي يوم هو وبالشهر الذي يلي شهره وما أشبه ذلك، مما يكثر تعداده، وقد قال الشاعر وهو طرفة:
وأعلم علمًا ليس بالشك أنه = إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
وإذا لزمان مستقبل. وكعلم الإنسان إذا رأى نخلة قد أطلعت أنها ستثمر، وإذا رآها تناثر طلعها أنها لا تثمر، وقد يجوز أن تأتي عليها آفة تهلك ثمرها فلا تثمر إلا إن ذلك يعلم على العرف والعادة الجارية في ذلك كما أنه جائز أن تكون النخلة التي قد تناثر طلعها يطلع الله تعالى عز وجل فيها طلعًا ثانيًا فتثمر. وكما أنه جائز أيضًا أن لا يلي شهره شهر، ولا يومه يوم إن أراد الله عز وجل إفناء العالم ذلك الوقت. وقد يكون العلم بالشيء بعد عدمه كيف كان حين وجوده.
وإنما دللنا من طريق اللغة والعرف على أن العلم ببعض الأشياء قد يقع قبل كونها بالدلائل والعرف، فإذا كان ذلك من الآدميين جائزًا، وفي كلام العرب سائغًا مستفيضًا جاز أن يقال: إن الله عز وجل كان عالمًا بالأشياء قبل كونها كيف تكون بمشيئته عند كونها، وإن لم تكن موجودة حين علمه بها، فيكون العالم قد تعلق بمعلوم غير موجود في حال العلم به لأن [علم] الله عز وجل ليس كعلم الآدميين، وهو يعرف الأشياء على حقائقها بغير استدلال ولا سبب عز وجل وعلا علوًا كبيرًا. فأما قول زهير:
وأعلم ما في اليوم والأمس قيله = ولكنني عن علم ما في غد عمي
فإنما أراد أن ينفي علم الغيوب عن نفسه، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. وإنما تلك أشياء قد جرى العرف والعادات بمعرفتها بالاستدلال والعلامات.
ويقال: «رجل أعمى العين» و«عمي القلب» فلذلك قال: «ولكنني عن علم ما في غد عمي».
وقد يكون علمت بمعنى «عرفت» فيتعدى إلى مفعول واحد كما قال عز وجل: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} تأويله: لا تعرفونهم الله يعرفهم، وكذلك تقول لصاحبك: «قد علمت خبرك» تريد: قد عرفت خبرك.
وإذا كان «علمت» بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين، ولم يجز الاقتصار على أحدهما دون الآخر لأنه حينئذ يدخل في جملة أفعال الشك واليقين الداخلة على المبتدأ والخبر نحو: ظننت، وعلمت، وحبست، وخلت وما أشبه ذلك مما تمام الفائدة فيه في المفعول الثاني.
وقد تدخل أن المثقلة وأن المخففة على «علمت» وبابه فتنوب بما بعدها عن المفعولين كقولك: «ظننت أنك عالم، وعلمت أنك تقوم» «وأظن أن يخرج زيد». وكذلك ما النافية تنوب بما يقع بعدها عن المفعولين كقولك: «قد علمت ما يخرج زيد». «وعلمت ما زيد خارجًا». وينشد:
قد علمت سلمى وجاراتها = ما قطر الفارس إلا أنا
خرقت بالسيف سرابيله = والخيل تجري زيما بيننا
وقد يكون العلم مصدر علمت وهو الأصل كقولك: «علمت علمًا» كما تقول: «حمدت حمدًا»، «وشكرت شكرًا»، و«جهلت جهلاً».
وقد يكون العلم: المعلوم كما نقول: «هذا علم فلان» أي معلومه، و«فلان كثير العلم»، و«فلان أوسع علمًا من فلان»، إنما يراد به من ضروب العلم التي قد علمها. وكذلك المعلوم يكون اسمًا واقعًا على ما علم وهو الأصل.
وقد يقع موقع المصدر كالمعقول، والميسور الواقعين مكان العقل واليسار. ومثل ذلك الخلق قد يكون مصدرًا وقد يكون المخلوق نفسه. وقد استعملت العامة في كلامها جمع علم قياسًا فقالوا: علم وعلوم. وقال أبو عمر الجرمي: لم تجمع العرب العلم علومًا وهذا كلام مولد.
والمصادر لا تجمع إلا قليلاً فالمجموع منها شاذ خارج عن القياس. فقالت العرب العقول والاشغال والحلوم فجمعوا، ولم يجمعوا العلم علومًا. والقول عندي فيما قال أبو عمر عن السماع والقياس، كما قال وهو الصحيح -: ولكن وجه جمع العلم علومًا في القياس هو أنه يذهب به إلى المعلوم لا إلى الفعل نفسه. وكان ابن كيسان يقول في أماليه وكتبه: العلوم والاشغال إذا اختلفت أنواعها جمعت، فأما أن يكون سمع أو قاس.
ويقال في جمع عليم: علماء، كما يقال في حليم: حلماء، وفقيه: فقهاء، وظريف: ظرفاء لأن ما كان على فعيل نعتًا غير مضاعف ولا معتل اللام فأكثر ما يجمع على «فعلاء» و«فعال»، ففعلاء ما ذكرنا، وفعال نحو: كبير وكبار وكبراء. قال الله عز وجل: {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} «ونحو لئيم ولئام [ولؤماء] وكريم وكرام وكرماء، وصبيح وصباح، وجميل وجمال، لم يستعمل في شيء هذا أفعلاء» يقال: ظريف وظرفاء وظراف، وأكثر ما يستعمل ظراف في المؤنث على ما حكى الجرمي، وقد يستعمل في المذكر.
وحكى الجرمي: «رجال ظروف» وهذا شاذ وقد كسر منه شيء في المونث على فعائل قالوا: امرأة صبيحة، ونسوة صبائح، وظريفة وظرائف، وصحيحة وصحائح. وما كان منه مضاعفًا كسر على «فعال» و«أفعلاء». قالوا: شديد، وشداد، وأشداء. قال الله عز وجل: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون}. وقالوا: «شحيح، وأشحاء؛ وشحاح، وأشحة». وقال: أشحة عليكم. وقالوا: لبيب، وألباء فلم يجاوزوا ذلك. وما كان معتلاً كسر على «أفعلاء» ولم يجاوز ذلك كقولك: غني، وأغنياء، وشقي، وأشقياء.
قال سيبويه: وليس يمتنع شيء من هذا إذا كان للآدميين المذكرين من أن يجمع بالواو والنون، ولا من الألف والتاء إذا كان لمؤنث نحو قولك: عليمون، وحليمون، ولبيون. وفي المؤنث حليمات، وعليمات.
وما كان على «فعيل» اسمًا كسر في أقل العدد على «أفعلة» والكثير على «فعل» و«فعلان»، وربما انفرد به أحدهم، وربما اجتمعتا فيه قالوا: رغيف وأرغفة، ورغف، ورغفان. وكثيب، وثلاثة أكثبة، والكثير كثب، وكثبان. وقالوا: عسيب وعسبان، وعسب. وعصيب وعصب، وعصبان. ولم يجمع على أقل العدد. وقالوا: صليب، وصلب وصلبان، وقضيب، وقضب، وقضبان. وحكى الجرمي عن الأصمعي قضبان بكسر القاف. وقالوا: فصيل، وفصلان. وحكى سيبويه أن بعضهم يقول «فصلان» بكسر الفاء وهو شاذ. وقالوا: ظليم، وظلمان بالكسر لا غير. وقالوا: قري، وثلاثة أقرية، والكثير قريان وهي مدافع الماء إلى الروضة. وقالوا: سري، وثلاثة أسرية، والكثير سريان وهو النهر.
وأخبرنا الزجاج قراءة عليه قال: أخبرني المبرد عن المازني عن الجرمي قال: حدثني نوح بن قيس الطاحي من طاحية بإسناد لا أحفظه عن ابن عباس قال في قول الله عز وجل: {قد جعل ربك تحتك سريا} قال: هو جدول. أما سمعت قول الشاعر:
سلم ترى الدالي منه أزورا = إذا يعج في السري هرهرا
السلم: الدلو.
وقالوا في المضاعف: سرير، وأسرة، وسرر. وحزيز، وأحزة والكثير حزان بكسر أوله، وهو ما غلظ من الأرض. وحكى سيبويه: حزان بضم الحاء، وقال الجرمي: سألت الأصمعي عنه فلم يعرفه. فهذا قياس جمع عليم وما كان في وزنه اسمًا ونعتًا.
وأما جمع عالم جمع السلامة فغير ممتنع فيه في الآدميين عالمون للمذكرين. وعالمات للمؤنث. وأما جمعه جمع التكسير فإن فاعلاً يكسر على أوجه، قالوا: ضارب، وضرب، وضراب. وصائم، وصوم، وصوام. وشاهد، وشهد، وشهاد. وقال الجرمي: قالوا شاهد، وشهد. كما قالوا: تاجر، وتجر. وراكب، وركب ثم جمعوا الشهد فقالوا: الأشهاد. وقال الله عز وجل: {ويوم يقوم الأشهاد}. وقالوا: ناصر، ونصر، ثم جمعوا النصر فقالوا أنصار، وطائر، وطير، وأطيار كذلك.
وقد جمع على «فعلان»، قالوا: راع، ورعيان. وراكب، وركبان وصاحب وصحبان، وصحابة. وقد جمع على «فعلاء» وهو قليل شاذ، قالوا: شاعر وشعراء. وقد جمع على «فعلة» ما كان معتل اللام خاصة، وقالوا: قاض وقضاة، وغاز، وغزاة، ورام، ورماة، وداع، ودعاة، وهذا جمع اختص به المعتل.
فإن كان مؤنثًا جمع على «فواعل» نحو: ضاربة، وضوارب، وقاتلة وقواتل، وقد قيل في المذكر فارس، وفوارس، وهالك في الهوالك. في كسر عالم على أحد هذه الوجوه لقيل: علام، وعلم أو سائر ذلك من الوجوه التي ذكرنا، ولكنه لم يجمع جمع التكسير فيما أعلمه، فلا نقدم عليه إلا بأن تثبت به رواية صحيحة، ولا يجمع غلا جمع السلامة كما استعملته العرب.
فأما علماء فليس بجمع عالم إنما هو جمع عليم كقولك: ظريف، وظرفاء، وقد يجوز أن يتأول متأول فيقول: علماء جمع عالم على مذهب شاعر وشعراء، والوجه الأول أطرد وأقيس.
وإذا كان فاعل اسمًا فأكثر ما يكسر على «فواعل» وقد جمع بعضه على «فعلان» قالوا: كاهل وكواهل وهو موصل العنق بالظهر، وقالوا: غارب وغوارب، وحاجر وحجران، وهو مكان يستنقع فيه الماء، وفالق وفوالق وفلقان. والفالق ما بين الجبلين والمطمئن بين الربوتين. وقد جاء بعضه على «فعلان» بكسر الأول، قالوا: حائط وحيطان، وغائط وغيطان، وهو الوادي الأفيح الواسع المطمئن.
قال الجرمي: وأخبرني أبو عبيدة أن بعض العرب يقول: «هذا باز» كما يقول «هذا قاض ورام»، ويقول في جمعه «بزاة» كما يقول «قضاة» و«رماة». ومنهم من يقول: «هذا باز» فيعرب الزاي ويقول: جمعه «بيزان» كما قالوا تاج وتيجان وساج وسيجان وهو الطيلسان.
والعلام بمنزلة عليم في المبالغة في الوصف بالعلم إلا أن علامًا يتعدى إلى مفعول بإجماع البصريين، وعليم فيه من الاختلاف ما أخبرتك به.
ويقال أيضًا: رجل علامة فتزاد الهاء للتوكيد في المبالغة كما قيل: نسابة.
فأما العلام بضم العين وتشديد اللام فالحناء الذي يختضب به.
وقال الخليل: والعلام: الباشق الذي يصاد به.
والعلم بفتح العين واللام: شق في وسط الشفة العليا، يقال منه: علم الرجل يعلم علمًا فهو أعلم، وامرأة علماء، وينشد بيت عنترة:
وحليل غانية تركت مجدلاً = تمكو فريصته كشدق الأعلم
يصف رجلاً طعنه فشبه سعة طعنته بسعة شدق بعير أعلم. وكل الجمال علم لأنها مشقوقة المشافر من فوق. فأما من قال: الأعلم هاهنا رجل فمخطئ لأن العلم إنماي كون في الشفة، وشدق الأعلم والصحيح سواء.
ويقال: «أعلمت الرجل»: شققت شفته العليا، وإذا كان الرجل مشقوق الشفة السفلى فهو أفلح.
والعلم: الجبل، ومنه قول الله عز وجل: {وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام}. شبه السفن بالجبال. والعلم: ما ينصب في الطريق ليهدي به والعلم علم الثوب. وهو رقمه، والعلم: الراية التي إليها مجمع الجند، وقد قرئ: {وإنه لعلم للساعة} بالفتح فيما حكاه الخليل قال: يعني خروج عيسى عليه السلام أنه علامة للساعة.
والعليم: البحر. وقال بعضهم: العليم: البئر الكثيرة الماء.
واختلف العلماء في العالمين فقال بعضهم: هم كل ذي روح يعقل نحو الإنس، والجن، والملائكة، والشياطين. وقيل أهل كل عصر عالم ذلك العصر، والعالمون جمعه وقيل: هو واقع على جميع المخلوقات.
وقال الزجاج: العالمون [جمع للآدميين] المذكرين فلذلك غلب عليه فجمع بالواو والنون والياء والنون.
وقالوا في قوله {وفضلناهم على العالمين} أراد عالمي عصرهم. وقيل: العالمون: كل ذي روح ممن يعقل وما لا يعقل.
ويقال: علمت الشيء أعلمه علمًا، وأعلمته غيري إعلامًا، وعلمت غيري تعليمًا، وتعلمت تعلمًا. ويقول بعض العرب تعلم: بمعنى «اعلم» في الأمر. قال الشاعر:
تعلم أن بعد الغي رشدًا = وأن لتالك الغمر انقشاعًا
وقال آخر:
تعلم أن خير الناس طرًا = قتيل بين أحجار الكلاب
وحكى سيبويه: إن من العرب من يكسر أوائل الفعل المستقبل فيما كان على فعل يفعل طلبًا لكسرة «فعل» إلا الياء فيقول: «أنت تعلم»، «وأنا أعلم»، «ونحن نعلم»، وكذلك يقول: أخال، وتخال، وما أشبه ذلك. وينشد:
عمدًا فعلت ذاك بيد أني = أخال إن هلكت لم تزني
وكذلك ينشد أيضًا:
فلبثت بعدهم بعيش ناصب = وأخال أني لاحق مستتبع
ولا يكسرون الياء، لا تقول: «هو يعلم»، «ويخال» استثقالاً للكسرة في الياء فلا يكسر هذه الياء من يؤخذ بلغته). [اشتقاق أسماء الله: 50-60]


رد مع اقتباس