عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 12:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون}
هذه آية تعديد نعمة الله على الناس في البيوت، فذكر أولا بيوت التمدن وهي التي للإقامة الطويلة، وهي عظم بيوت الإنسان، وإن كان الوصف بالسكن يعم جميع البيوت، و"السكن" مصدر يوصف به الواحد، ومعناه: يسكن فيها وإليها، ثم ذكر تعالى بيوت النقلة والرحلة.
وقوله: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا} يحتمل أن يعم به بيوت الأدم وبيوت الشعر وبيوت الصوف" لأن هذه هي من الجلود لكونها ثابتة فيها، نحا إلى ذلك ابن سلام، ويكون قوله: {ومن أصوافها} ابتداء كلام، كأنه قال: "جعل أثاثا"، يريد الملابس والوطاء وغير ذلك، ويحتمل أن يريد بقوله: {من جلود الأنعام} بيوت الأدم فقط، ويكون ومن أصوافها عطفا على قوله: {من جلود الأنعام}، أي: جعل بيوتا أيضا، ويكون قوله: "أثاثا" نصبا على الحال، و"تستخفونها" أي تجدونها خفافا، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: "ظعنكم" بفتح العين، وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي بسكون العين، وهما لغتان وليس بتخفيف، و"ظعن" معناه رحل، والأصواف للغنم، والأوبار للإبل، والأشعار للمعز والبقر، ولم تكن بلادهم بلاد قطن وكتان، ولذلك اقتصر على هذا، ويحتمل أن ترك ذكر القطن والحرير والكتان إعراضا عن السرف; إذ ملبس عباد الله الصالحين إنما هو الصوف، وأيضا فقد أشير إلى القطن والكتان في لفظة السرابيل. و"الأثاث": متاع البيت، واحدها أثاثة، هذا قول أبي زيد الأنصاري، وقال غيره: الأثاث: جميع أنواع المال، ولا واحد له من لفظه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والاشتقاق يقوي هذا المعنى الأعم; لأن حال الإنسان تكون بالمال أثيثة، تقول: "شعر أثيث، ونبات أثيث" إذا كثر والتف. وقوله: {إلى حين} يريد به وقتا غير معين، وهو بحسب كل إنسان، إما بموته، وإما بفقد تلك الأشياء التي هي أثاث،
[المحرر الوجيز: 5/392]
ومن هذه اللفظة قول الشاعر:
أهاجتك الظعائن يوم بانوا ... بذي الزي الجميل من الأثاث؟). [المحرر الوجيز: 5/393]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا} الآية. نعم عددها عليهم بحسب أحوالهم وبلادهم، وأنها الأشياء المباشرة لهم; لأن بلادهم من الحرارة وصهر الشمس بحيث للظل غنى عظيم ونفع ظاهر. وقوله: {مما خلق} يعم جميع الأشخاص المظللة. و"الأكنان": جمع كن، وهو الحافظ من المطر والريح وغير ذلك. و"السرابيل": جميع ما يلبس على جميع البدن كالقميص والقرقل، والمجول والدرع والجوشن والحفتان ونحوه. وذكر وقاية الحر إذا هو أمس في تلك البلاد على ما ذكرنا، والبرد فيها معدوم في الأكثر، وإذا جاء في الشتوات فإنما يتوقى بما هو أكثف من السربال من الأثاث المتقدم الذكر، فبقي السرابيل لتوقي الحر فقط، قاله الطبري عن عطاء الخراساني، ألا ترى أن الله تعالى قد نبههم إلى العبرة في البرد ولم يذكر لهم الثلج لأنه ليس في بلادهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الثلج شيء أبيض ينزل من السماء ما رأيته قط، وأيضا فذكر أحدهما يدل على الآخر، ومنه قول الشاعر:
وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني؟
[المحرر الوجيز: 5/393]
وهذه التي ذكرناها هي بلاد الحجاز، وإلا ففي بلاد العرب ما فيه برد شديد، ومنه قول متمم:
إذ القشع من برد الشتاء تقعقعا.
ومنه قول الآخر:
في ليلة من جمادى ذات أندية.
البيتين، وغير هذا، والسرابيل التي تقي البأس هي الدرع، ومنه قول كعب بن زهير:
شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل
[المحرر الوجيز: 5/394]
وقال أوس بن حجر:
ولنعم حشو الدرع والسربال.
فهذا يراد به القميص:
و "البأس": مس الحديد في الحرب. وقرأ الجمهور: "يتم نعمته"، وقرأ ابن عباس: "تتم نعمته"، على أن النعمة هي التي تتم، روي عنه "تتم نعمه" على الجمع. وقرأ الجمهور: "تسلمون" من الإسلام، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "تسلمون" من السلامة، فتكون اللفظة مخصوصة في بأس الحرب، وما في "لعل" من الترجي والتوقع فهو في حيز البشر المخاطبين، أي: لو نظر الناظر هذه الحال لترجى منها إسلامهم). [المحرر الوجيز: 5/395]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون}
هذه الآية فيها موادعة نسختها آية السيف، والمعنى: إن أعرضوا فلست بقادر على خلق الإيمان في قلوبهم، وإنما عليك أن تبين وتبلغ أمر الله ونهيه). [المحرر الوجيز: 5/395]

تفسير قوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قرعهم ووبخهم بأنهم يعرفون نعمة الله في هذه الأشياء المذكورة، ويقولون إنها من عنده ثم يكفرون به تعالى، وذلك فعل المنكر للنعمة الجاحد لها. هذا قول مجاهد، فسماهم منكرين للنعمة تجوزا; إذ كانت لهم أفعال المنكرين من الكفر برب النعم، ولشركهم في النعم الأوثان على وجه ما، وهو ما كانوا يعتقدون للأوثان من الأفعال من النفع والضر، وقال السدي: النعمة هنا: محمد عليه الصلاة والسلام. ووصفهم تبارك وتعالى بأنهم يعرفون
[المحرر الوجيز: 5/395]
معجزاته وآيات نبوته وينكرون ذلك بالتكذيب، ورجحه الطبري، ثم حكم على أكثرهم بالكفر وهم أهل مكة؛ لأنه كان فيهم من قد داخله الإسلام ومن أسلم بعد ذلك). [المحرر الوجيز: 5/396]

رد مع اقتباس