عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 13 جمادى الأولى 1435هـ/14-03-2014م, 08:49 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الفرق بين الخاطرة والوسوسة والإلهام


قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} [الشمس: 7، 8]؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الفُجُورَ وَالتَّقْوَى لِلنَّفْسِ وَالفُجُورُ يَكُونُ بوَاسِطَةِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ إلْهَامُ وَسْوَاسٍ، وَالتَّقْوَى بوَاسِطَةِ مَلَكٍ وَهُوَ إلْهَامُ وَحْيٍ، هَذَا أَمْرٌ بالفُجُورِ وَهَذَا أَمْرٌ بالتَّقْوَى، وَالأمْرُ لا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بهِ خَبَرٌ.
وَقَدْ صَارَ فِي العُرْفِ لَفْظُ الإِلْهَامِ إذَا أُطْلِقَ لا يُرَادُ بهِ الوَسْوَسَةُ.
وَهَذِهِ الآيَةُ مِمَّا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ إلْهَامِ الوَحْي وَبَيْنَ الوَسْوَسَةِ؛ فَالمَأْمُورُ بهِ إنْ كَانَ تَقْوَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْ إلْهَامِ الوَحْيِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الفُجُورِ فَهُوَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ؛ فَيَكُونُ الفَرْقُ بَيْنَ الإِلْهَامِ المَحْمُودِ وَبَيْنَ الوَسْوَسَةِ المَذْمُومَةِ هُوَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ فَإِنْ كَانَ مَا أُلْقِيَ فِي النَّفْسِ مِمَّا دَلَّ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ تَقْوَى لِلَّهِ فَهُوَ مِنَ الإِلْهَامِ المَحْمُودِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فُجُورٌ فَهُوَ مِنَ الوَسْوَاسِ المَذْمُومِ، وَهَذَا الفَرْقُ مُطَّرِدٌ لا يَنْتَقِضُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَازِمٍ فِي الفَرْقِ بَيْنَ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فَقَالَ: مَا كَرِهَتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ مِنْهُ، وَمَا أَحَبَّتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ نَفْسِك فَانْهَهَا عَنْهُ). [مجموع الفتاوى:17/529-530]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ):(وَقَدْ تَكَلَّمَ النُّظَّارُ فِي العِلْمِ الحَاصِلِ فِي القَلْب عَقِبَ النَّظَرِ وَالاسْتِدْلالِ فَذَكَرُوا فِيهِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ فِي مُسْتَصْفَاهُ وَغَيْرُهُ: قَوْلُ الجَهْمِيَّة وَقَوْلُ القَدَرِيَّةِ وَقَوْلُ الفَلاسِفَةِ.
وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكَلامِ لا يَذْكُرُ إلا القَوْلَيْنِ: قَوْلَ الجَهْمِيَّةِ وَقَوْلَ القَدَرِيَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبهِمْ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَقْوَالِ مَنْ يَعْرِفُونَهُ تَكَلَّمَ فِي هَذَا، وَهُمْ لا يَعْرِفُونَ إلا هَؤُلاءِ، وَالمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ فُرُوعِ القَدَرِ؛ فَإِنَّ الحَاصِلَ فِي نَفْسٍ حَادِثٌ فِيهَا؛ فَالقَوْلُ فِيهِ كَالأقْوَالِ فِي أَمْثَالِهِ.
وَمَذْهَبُ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَأَبي الحَسَنِ الأشْعَرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ (المثبتة هو مذهب أهل السنة والجماعة)([1]) أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ العِبَادِ، لَكِنَّهُ لا يُثْبِتُ سَبَبًا وَلا قُدْرَةً مُؤَثِّرَةً وَلا حِكْمَةً لِفِعْلِ الرَّبِّ؛ فَأَنْكَرَ الطَّبَائِعَ وَالقُوَى الَّتِي فِي الأعْيَانِ، وَأَنْكَرَ الأسْبَابَ وَالحِكَمَ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ لِشَيْءِ سَبَبًا، بَلْ يَقُولُ هَذَا حَاصِلٌ بخَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ سَبَبًا وَهُمْ صَادِقُونَ فِي إضَافَتِهِ إلَى قَدَرِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُهُ خِلافًا لِلْقَدَرِيَّةِ لَكِنْ مِنْ تَمَامِ المَعْرِفَةِ إثْبَاتُ الأسْبَاب وَمَعْرِفَتُهَا.
وَأَمَّا القَدَرِيَّةُ مِنَ المُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِ العَبْدِ فَهُوَ فِعْلُهُ لا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَزَهُوقِ الرُّوحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَقَالُوا: هَذَا العِلْمُ مُتَوَلَّدٌ عَنْ نَظَرِ العَبْدِ أَوْ تَذَكُّرِ النَّظَرِ.
وَالمتفَلْسِفَةُ بَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: فِي أَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنَ الصُّوَرِ هُوَ مِنْ فَيْضِ العَقْلِ الفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ المَوَادِّ القَابلَةِ؛ فَقَالُوا: يَحْصُلُ فِي نُفُوسِ البَشَرِ مِنْ فَيْضِ العَقْلِ الفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ النَّفْسِ باسْتِحْضَارِ المُقَدِّمَتَيْنِ.
وَهَذَا القَوْلُ خَطَأٌ، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَالأوَّلُ أَقْرَبُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَحْقِيقُ الأمْرِ فِي ذَلِكَ.
وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بالإِنْسِ مَلائِكَةً وَشَيَاطِينَ يُلْقُونَ فِي قُلُوبهِمُ الخَيْرَ وَالشَّرَّ؛ فَالعِلْمُ الصَّادِقُ مِنَ الخَيْرِ، وَالعَقَائِدُ البَاطِلَةُ مِنَ الشَّرِّ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (لَمَّةُ المَلَكِ تَصْدِيقٌ بالحَقِّ وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تَكْذِيبٌ بالحَقِّ)، وَكَمَا قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القَاضِي: (( أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ ))
وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ المَلائِكَةَ تُوحِي إلَى البَشَرِ مَا تُوحِيهِ، وَإِنْ كَانَ البَشَرُ لا يَشْعُرُ بأَنَّهُ مِنَ المَلَكِ كَمَا لا يَشْعُرُ بالشَّيْطَانِ المُوَسْوِسِ لَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَلِّمُ البَشَرَ وَحْيًا، وَيُكَلِّمُهُ بمَلَكٍ يُوحِي بإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، وَالثَّالِثُ التَّكْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: المُرَادُ بالوَحْيِ هُنَا الوَحْيُ فِي المَنَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الفَرَجِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ المَنَامَ تَارَةً يَكُونُ مِنَ اللَّهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَهَكَذَا مَا يُلْقَى فِي اليَقَظَةِ.
وَالأنْبيَاءُ مَعْصُومُونَ فِي اليَقَظَةِ وَالمَنَامِ، وَلِهَذَا كَانَتْ رُؤْيَا الأنْبيَاءِ وَحْيًا كَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَقَرَأَ قَوْلَهُ: {إنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].
وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى رُؤْيَا كَانَتْ وَحْيًا؛ فَكَذَلِكَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُلْقِيَ فِي قَلْبهِ شَيْءٌ يَكُونُ وَحْيًا، وَالإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ نَفْسُهُ فِي يَقَظَتِهِ أَكْمَلَ مِنْهَا فِي نَوْمِهِ كَالمُصَلِّي الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ؛ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ النَّوْمِ فَلِمَاذَا لا يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ اليَقَظَةِ كَمَا أُوْحِيَ إلَى أُمِّ مُوسَى وَالحَوَارِيِّينَ وَإِلَى النَّحْلِ، لَكِنْ لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُطْلِقَ القَوْلَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ وَحْيٌ لا فِي يَقَظَةٍ وَلا فِي المَنَامِ إلا بدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الوَسْوَاسَ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ).[مجموع الفتاوى:17/530-532]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (وَالخواطرُ الواردةُ على الإِنسانِ قدْ تكونُ وَسْوَسَةً، وَقدْ تكونُ إِلْهَاماً.
وَالإِلهامُ تارةً يَكُونُ مِنَ اللَّهِ بلا وَاسطةٍ، وَتَارَةً يكونُ بوَاسِطَةِ المَلَكِ، وَيَكُونُ كلٌّ مِنْهُمَا في القلبِ، وَالوسوسةُ تَارَةً مِنَ الشيطانِ وَأُخْرَى مِنَ النفسِ، وَكِلاهُمَا يكونُ في الصدرِ، فإِنْ كانَ الإِنسانُ مُرَاقِباً دَفَعَ عَنْ نفسِهِ الضارَّ وَإِلاَّ هَجَمَت الوَارِدَاتُ عَلَيْهِ وَتَمَكَّنَتْ منهُ، وَيَتَمَيَّزُ خَيْرُ الخواطرِ مِنْ شَرِّهَا بقَانُونِ الشرعِ، على أنَّ الأمرَ مُشْكِلٌ فإِنَّ الشيطانَ يَجْتَهِدُ في التلبيسِ؛ فإِنْ وَافَقَ الشرعَ فَلْيَنْظُرْ فإِنْ كَانَ فِعْلُهُ ذلكَ الحينَ أَوْلَى مِنْ غيرِ تَفْوِيتٍ لِفَضِيلَةٍ أُخْرَى هيَ أَوْلَى منهُ بَادَرَ إِليهِ، وَإِنْ كانَ الخَاطِرُ دُنْيَوِيًّا وَأَدَّى الفِكْرُ إِلى أَنَّهُ نَافِعٌ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ للشرعِ زَادَ على شِدَّةِ تَأَمُّلِهِ الاستشارةَ لِمَنْ يَثِقُ بدِينِهِ وَعَقْلِهِ، ثمَّ الاستخارةَ لاحتمالِ أنْ تَتَوَافَقَ عَلَيْهِ العقولُ وَيكونُ فيهِ خَلَلٌ لتقصيرٍ وَقَعَ في النظرِ، وَقدْ جَعَلَ بَعْضُهُم قانونَ الخاطرِ الرَّحْمَانِيِّ أَنْ يَنْشَرِحَ لهُ الصدرُ وَتَطْمَئِنَّ إِليهِ النفسُ، وَالشيطانيِّ وَالنفسيِّ أَنْ يَنْقَبضَ عندَهُ الصدرُ وَتَقْلَقُ النفسُ بشهادةِ الحديثِ النَّبَوِيِّ في البرِّ وَالإِثْمِ، وَيُعْرَفُ الشيطانيُّ بالحملِ على مُطْلَقِ المخالفةِ، فإِنَّ الشيطانَ لا غَرَضَ لهُ في مخالفةٍ بعَيْنِهَا فَإِنْ حَصَلَ الذِّكْرُ زَالَ ذلكَ، وَالنَّفْسَانِيُّ مَلْزُومُ شيءٍ بعَيْنِهِ، سَوَاءٌ كانَ نَفْعاً أَوْ ضُرًّا، وَلا يَنْصَرِفُ عنهُ بالذِّكْرِ). [نظم الدرر: 8/616-617]
قالَ مُحَمَّد جَمَال الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ):(الخامسةُ: قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: الفرْقُ بينَ الإلهامِ المحمودِ وبينَ الوَسوسةِ المذمومةِ هوَ الكتابُ والسُّنَّةُ، فإنْ كانَ مَا أَلْقَى في النفْسِ ممَّا دَلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ على أنَّهُ تَقْوَى للَّهِ، فهوَ مِن الإلهامِ المحمودِ، وإنْ كانَ ممَّا دَلَّ على أنَّهُ فُجُورٌ، فهوَ مِن الوَسواسِ المذمومِ، وهذا الفرْقُ مُطَّرِدٌ لا يُنْقَضُ.
وقدْ ذَكَرَ أبو حَازِمٍ في الفَرْقِ بينَ وَسوسةِ النفْسِ والشيطانِ، فقالَ: ما كَرِهَتْهُ نفْسُكَ لنفْسِكَ فهوَ مِن الشيطانِ، فاستَعِذْ باللَّهِ منهُ، وما أَحَبَّتْهُ نفْسُكَ لنَفْسِكَ فهوَ مِنْ نفْسِكَ، فانْهَهَا عنهُ).[محاسن التأويل: 9/ 581]

(1) هكذا في الأصل، ولعل هذه الجملة مقحمة.

رد مع اقتباس