عرض مشاركة واحدة
  #71  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 11:34 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الجهر والإسرار بالبسملة في الصلاة
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الجهر والإسرار بالبسملة في الصلاة
مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة من المسائل التي اشتهر فيها الخلاف بين الفقهاء واتّسع، وكثرت فيها الآثار والأقوال، وصًنّفت فيها مصنفات، وأطال كثير من الفقهاء والمفسّرين وشرّاح الأحاديث بحثها.
وسأذكر فيها خلاصة موجزة تكفي اللبيب عما وراءها إن شاء الله تعالى.
- قال الأوزاعي: كتب إليَّ قتادة حدثني أنس بن مالك قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكانوا يستفتحون القراءة بـ { الحمد لله رب العالمين } لا يذكرون { بسم الله الرحمن الرحيم } في أول القراءة ولا في آخرها). رواه الإمام أحمد ومسلم، وروى البخاري في صحيحه عن شعبة عن قتادة عن أنس نحوه.
- وقال قيس بن عباية: حدثني ابن عبد الله بن مغفل ، عن أبيه ، قال: ولم أر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أشدّ عليه حدثٌ في الإسلام منه، قال : سمعني أبي وأنا أقرأ : {بسم الله الرحمن الرحيم} قال : يا بني ، إياك والحدث ، فإني قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقول ذلك ، إذا قرأت فقل : {الحمد لله رب العالمين}). رواه ابن أبي شيبة وأحمد.
- وروى بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ { الحمد لله رب العالمين } ). رواه مسلم، وروى ابن أبي شيبة نحوه عن ابن مسعود.
- وروى ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن المرزبان ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود؛ أنه كان يخفي {بسم الله الرحمن الرحيم} والاستعاذة، وربنا لك الحمد.
- وروي عدم الجهر بالبسملة عن عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب وعمار بن ياسر وغيرهم.
ورُوي الجهر بالبسملة عن أبي هريرة وابن عباس وابن الزبير وجماعة من التابعين، وهو محمول على التعليم أو التنصيص على أن البسملة من الفاتحة.
- قال ابن عباس: (الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قراءة الأعراب). رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس.
- وقال نعيم المجمر: صليت وراء أبي هريرة فقرأ : {بسم الله الرحمن الرحيم} ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ : {ولا الضالين} قال: "آمين" ويقول كلما سجد، وإذا قام من الجلوس: "الله أكبر". ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم به، وسعيد قال فيه الإمام أحمد: (يخلط في الأحاديث).
ولذلك ضعف هذا الحديثَ بعضُ أهل العلم.
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه من طريق عمارة بن القعقاع قال: حدثنا أبو زرعة قال: سمعت أبا هريرة يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ{ الحمد لله رب العالمين } ولم يسكت).
وعلى القول بتصحيح حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة؛ فهو محمول على أنّ أبا هريرة صلى بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالغ في البيان حتى جهر بالبسملة ليعلمهم أنّها مما يقرأ في الفاتحة لا أنّها مما يُجهر به.
ويحتمل أنّ أبا هريرة رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالبسملة في صلوات لم يشهدها أنس، ويكون هذا الاختلاف من باب اختلاف التنوّع كما صحّ تنوّع صفات صلاة الخوف وأدعية التشهّد والاستفتاح وصيغ الأذان والإقامة وكما صحّت القراءات المرويّة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلها جائز كاف شافٍ.
وليس بين هذه الأحاديث تعارض بحمد الله، وأحاديث عدم الجهر بالبسملة ليس فيها نفي قراءتها، وقد ثبت من حديث أمّ سلمة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أوّل الفاتحة، وصحّ عن علي بن أبي طالب وابن عباس عدّ البسملة آية من الفاتحة.
وسواء أقلنا إنها آية من الفاتحة أم لا؛ فإنّ الإجماع قد انعقد على كتابتها في المصحف في أوّل الفاتحة وفي أوّل كلّ سورة من القرآن عدا سورة براءة، فلو قرأها القارئ تبرّكاً كما يقرأها في أوّل كلّ سورة لكان متّبعاً للسنّة، ولو لم يقرأها على أنّها آية من الفاتحة.
ومن ترك قراءتها اتباعاً لقراءة من لا يعدّها آية من الفاتحة فصلاته صحيحة.
ومما ينبغي التنبّه له أن مسألة الإسرار بالبسملة والجهر بها منفكّة عن مسألة عدّها آية من الفاتحة، ومسائل القراءات وعدّ الآي مبناها على النقل الصحيح، ولا يرجّح بينها كما يرجّح بين الأقوال الفقهية، فما صحّت القراءة به وصحّ عدّه يُحكم بصحّته، وإن صحّت قراءتان وصحّ عددان يعتقد صحتهما جميعاً.
ولذلك فإنّ من الخطأ ما يسلكه بعض فقهاء المذاهب وبعض المفسّرين من الطعن في بعض القراءات ومذاهب العدّ مما صحّ عن القرّاء المعتبرين بالأسانيد المتواترة.
والأئمة الكبار لا يقع منهم الطعن في القراءات الصحيحة الثابتة؛ كما تقدّم النقل في ذلك عن شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن الجزري، ومن رُوي عنه شيء من إنكار بعض القراءات من الأئمة المتقدّمين فإنما هو محمول على أنّ تلك القراءة لم تبلغه، كما أخذ الإمام مالك عن قرّاء المدينة وهم لا يعدّون البسملة آية من الفاتحة، ولذلك روي عنه إنكار أن تكون البسملة آية من الفاتحة.
قال النووي في المجموع: (واعلم أن مسألة الجهر ليست مبنية على مسألة إثبات البسملة لأن جماعة ممن يرى الإسرار بها لا يعتقدونه قرآناً، بل يرونها من سنته كالتعوذ والتأمين، وجماعة ممن يرى الإسرار بها يعتقدونها قرآنا، وإنما أسروا بها وجهر أولئك لما ترجح عند كل فريق من الأخبار والآثار)ا.هـ.
وقد اختلف الفقهاء في الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية على أربعة أقوال:
القول الأول: يقرأ بها سراً ولا يجهر بها، وهو قول سفيان الثوري والحكم بن عتيبة وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل ورواية عن الأوزاعي.
وعن أحمد يستحب الجهر بالبسملة أحياناً، وهو مروي عن عمر وابن عباس.
والقول الثاني: لا يقرأ بها سراً ولا جهراً ، وهو قول مالك وإحدى الروايتين عن الأوزاعي.
وعن مالك أنه إن شاء قرأ بها في قيام الليل أما في الفرض فلا.
والقول الثالث: يستحب له أن يجهر بها، وهو قول الشافعي.
والقول الرابع: إن شاء جهر وإن شاء أسرّ، وهو قول إسحاق بن راهويه ورواية عن الحكم بن عتيبة.
وأمّا الجهر بالبسملة في غير الصلاة فهي تابعة للقراءة إن جهر بالقراءة جهر بالبسملة، وإن أسرّ بالقراءة أسرّ بالبسملة). [تفسير سورة الفاتحة:144 - 148]


رد مع اقتباس