عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا سفيان، عن منصور، في قوله {يتلون آيات الله آناء الليل}[سورة آل عمران: 113] قال: سمعت أنه بين المغرب والعشاء). [الزهد لابن المبارك: 2/ 626-627]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حفص بن ميسرة عن أبي الحسن أنه قال في قول الله: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف}، الآية كلها، قال: ما بين المغرب والعشاء). [الجامع في علوم القرآن: 1/35]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أيّوب عن عبيد اللّه بن
[الجامع في علوم القرآن: 2/6]
زحرٍ عن سليمان عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد [اللّه بن مسعودٍ] قال: احتبس علينا رسول اللّه ذات ليلةٍ عند بعض أهله أو نسائه [فلم يأتنا لصلاة العشاء] حتّى ذهب ليلٌ، فجاء، ومنّا المصلّي ومنّا المضطجع، فبشّرنا وقال: إنّه لا [يصلّي هذه الصّلاة أحدٌ من أهل الكتاب]، فأنزلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ [يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون]}). [الجامع في علوم القرآن: 2/7]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا يقول في قول الله: {ليسوا سواء من أهل
[الجامع في علوم القرآن: 2/133]
الكتاب أمةٌ قائمةٌ}، قال: قائمة بالحق). [الجامع في علوم القرآن: 2/134]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن منصور قال بلغني أنها نزلت ليسوا سواء من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون فيما بين المغرب والعشاء). [تفسير عبد الرزاق: 1/131]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي لعن في صلاة الفجر بعد الركوع الآخرة فقال اللهم العن فلانا وفلانا ناسا من المنافقين فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/132]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ أنّ ابن عباس قال: بلغني إن هذه الآية نزلت {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله آناء الليل} ما بين المغرب والعشاء [الآية: 113].
سفيان [الثوري] عن جابرٍ عن عبد الرّحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد اللّه قال: هي كصلاة الغفلة). [تفسير الثوري: 80]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ {آناء اللّيل} قال: جوف اللّيل). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 242]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}

- أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلةً صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما إنّه ليس من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم " قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113] حتّى بلغ {والله عليمٌ بالمتّقين} [آل عمران: 115]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ليسوا سواءً} ليس فريقا أهل الكتاب، أهل الإيمان منهم والكفر سواءً، يعني بذلك: أنّهم غير متساوين، يقول: ليسوا متعادلين، ولكنّهم متفاوتون في الصّلاح والفساد والخير والشّرّ.
وإنّما قيل: ليسوا سواءً؛ لأنّ فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللّذين ذكرهما اللّه في قوله: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عن حال الفريقين، عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: {ليسوا سواءً} أي ليس هؤلاء سواءً، المؤمنون منهم والكافرون، ثمّ ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه عن صفة الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب ومدحهم وأثنى عليهم بعدما وصف الفرقة الفاسقة منهم بما وصفها به من الهلع ونخب الجنان، ومحالفة الذّلّ والصّغار، وملازمة الفاقة والمسكنة، وتحمّل خزي الدّنيا وفضيحة الآخرة، فقال: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} الآيات الثّلاث، إلى قوله: {واللّه عليمٌ بالمتّقين}.
فقوله: {أمّةٌ قائمةٌ} مرفوعةٌ بقوله: {من أهل الكتاب}
وقد توهّم جماعةٌ من نحويّي الكوفة والبصرة والمقدّمين منهم في صناعتهم أنّ ما بعد سواءٍ في هذا الموضع من قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} ترجمةٌ عن سواءٍ، وتفسيرٌ عنه بمعنى: لا يستوي من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل، وأخرى كافرةٌ، وزعموا أنّ ذكر الفرقة الأخرى ترك اكتفاءً بذكر إحدى الفرقتين، وهي الأمّة القائمة، ومثّلوه بقول أبي ذؤيبٍ:
عصيت إليها القلب إنّي لأمرها = سميعٌ فما أدري أرشدٌ طلابها.
ولم يقل: أم غير رشدٍ اكتفاءً بقوله: أرشدٌ من ذكر أم غير رشدٍ وبقول الآخر:
أزاك فلا أدري أهمٌّ هممته = وذو الهمّ قدمًا خاشعٌ متضائل
وهو مع ذلك عندهم خطأٌ قول القائل المريد أن يقول: سواءٌ أقمت أم قعدت، سواءٌ أقمت حتّى يقول أم قعدت، وإنّما يجيزون حذف الثّاني فيما كان من الكلام مكتفيًا بواحدٍ دون ما كان ناقصًا عن ذلك،
وذلك نحو ما أبالي أو ما أدري، فأجازوا في ذلك ما أبالي أقمت، وهم يريدون: ما أبالي أقمت أم قعدت، لاكتفاء ما أبالي بواحدٍ، وكذلك في ما أدري، وأبوا الإجازة في سواءٍ من أجل نقصانه، وأنّه غير مكتفٍ بواحدٍ، فأغفلوا في توجيههم قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} على ما حكينا عنهم إلى ما وجّهوه إليه مذاهبهم في العربيّة، إذ أجازوا فيه من الحذف ما هو غير جائزٍ عندهم في الكلام مع سواءٍ، وأخطئوا تأويل الآية، فسواءٌ في هذا الموضع بمعنى التّمام والاكتفاء، لا بالمعنى الّذي تأوّله من حكينا قوله.
وقد ذكر أنّ قوله: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآيات الثّلاث، نزلت في جماعةٍ من اليهود أسلموا، فحسن إسلامهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين}
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ
وقال آخرون: معنى ذلك: ليس أهل الكتاب وأمة محمّدٍ القائمة بحقّ اللّه سواءً عند اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه كان يقول في قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} قال: لا يستوي أهل الكتاب، وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود كمثل هذه الأمّة الّتي هي قائمةٌ
وقد بيّنّا أنّ أولى القولين بالصّواب في ذلك قول من قال: قد تمّت القصّة عند قوله: {ليسوا سواءً} عن إخبار اللّه بأمر مؤمني أهل الكتاب، وأهل الكفر منهم، وأنّ قوله: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} خبرٌ مبتدأٌ عن مدح مؤمنيهم، ووصفهم بصفتهم، على ما قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، وابن جريجٍ.
ويعني جلّ ثناؤه بقوله: {أمّةٌ قائمةٌ} جماعةٌ ثابتةٌ على الحقّ.
وقد دلّلنا على معنى الأمّة فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وأمّا القائمة، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناها: العادلة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} من قال: عادلةٌ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّها قائمةٌ على كتاب اللّه وما أمر به فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} يقول: قائمةٌ على كتاب اللّه وفرائضه وحدوده.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} يقول: قائمةٌ على كتاب اللّه وحدوده وفرائضه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثنّى أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} يقول: أمّةٌ مهتديةٌ قائمةٌ على أمر اللّه، لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيّعوه
وقال آخرون. بل معنى قائمةٍ: مطيعةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود، كمثل هذه الأمّة الّتي هي قانتةٌ للّه، والقائمة المطيعة.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك ما قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، ومن قال بقولهما على ما روينا عنهم، وإن كان سائر الأقوال الأخر متقاربة المعنى من معنى ما قاله ابن عبّاسٍ وقتادة في ذلك، وذلك أنّ معنى قوله: {قائمةٌ} مستقيمةٌ على الهدى، وكتاب اللّه وفرائضه، وشرائع دينه، بالعدل والطّاعة، وغير ذلك من أسباب الخير من صفة أهل الاستقامة على كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ونظير ذلك الخبر الّذي رواه النّعمان بن بشيرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: مثل القائم على حدود اللّه والواقع فيها، كمثل قومٍ ركبوا سفينةً، ثمّ ضرب لهم مثلاً فالقائم على حدود اللّه هو الثّابت على التّمسّك بما أمر اللّه به واجتناب ما نهاه اللّه عنه
فتأويل الكلام: من أهل الكتاب جماعةٌ معتصمةٌ بكتاب اللّه، متمسّكةٌ به، ثابتةٌ على العمل بما فيه، وبما سنّ له رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 5/689-695]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}
يعني بقوله: {يتلون آيات اللّه} يقرءون كتاب اللّه آناء اللّيل، ويعني بقوله: {آيات اللّه} ما أنزل في كتابه من العبر والمواعظ، يقول: يتلون ذلك آناء اللّيل، يقول: في ساعات اللّيل، فيتدبّرونه ويتفكّرون فيه، وأمّا {آناء اللّيل} فساعات اللّيل، واحدها: إني، كما قال الشّاعر:
حلوٌ ومرٌّ كعطف القدح مرّته = في كلّ إنيٍ قضاه اللّيل ينتعل
وقد قيل إنّ واحد الآناء: إني مقصورٌ، كما واحد الأمعاء: معًى.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ساعات اللّيل، كما قلنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل} أي ساعات اللّيل.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: {آناء اللّيل} ساعات اللّيل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثنّى حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال عبد اللّه بن كثيرٍ: سمعنا العرب تقول: {آناء اللّيل} ساعات اللّيل.
وقال آخرون {آناء اللّيل} جوف اللّيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يتلون آياتٍ اللّه آناء اللّيل} أمّا آناء اللّيل: فجوف اللّيل
وقال آخرون: بل عنى بذلك قومًا كانوا يصلّون العشاء الأخيرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى عن ابن أبي نجيحٍ، عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل} صلاة العتمة، هم يصلّونها، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلّيها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني يحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن سليمان، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: احتبس علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ كان عند بعض أهله ونسائه، فلم يأتنا لصلاة العشاء حتّى ذهب ليلٌ، فجاء ومنّا المصلّي ومنّا المضطجع، فبشّرنا وقال: إنّه لا يصلّي هذه الصّلاة أحدٌ من أهل الكتاب، فأنزل اللّه: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}.
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا عليّ بن معبدٍ، عن أبي يحيى الخراسانيّ، عن نصر بن طريفٍ، عن عاصمٍ، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن ننتظر العشاء يريد العتمة فقال لنا: ما على الأرض أحدٌ من أهل الأديان ينتظر هذه الصّلاة في هذا الوقت غيركم قال: فنزلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}.
وقال آخرون: بل عني بذلك قومٌ كانوا يصلّون فيما بين المغرب والعشاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، قال: بلغني أنّها نزلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} فيما بين المغرب والعشاء
وهذه الأقوال الّتي ذكرتها على اختلافها متقاربة المعاني، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره، وصف هؤلاء القوم، بأنّهم يتلون آيات اللّه في ساعات اللّيل، وهي آناؤه، وقد يكون تاليها في صلاة العشاء تاليًا لها آناء اللّيل، وكذلك من تلاها فيما بين المغرب والعشاء، ومن تلاها جوف اللّيل، فكلّ تالٍ له ساعات اللّيل غير أنّ أولى الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عني بذلك تلاوة القرآن في صلاة العشاء؛ لأنّها صلاةٌ لا يصلّيها أحدٌ من أهل الكتاب، فوصف اللّه أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّهم يصلّونها دون أهل الكتاب الّذين كفروا باللّه ورسوله.
وأمّا قوله: {وهم يسجدون} فإنّ بعض أهل العربيّة زعم أنّ معنى السّجود في هذا الموضع اسم الصّلاة لا السّجود؛ لأنّ التّلاوة لا تكون في السّجود ولا في الرّكوع، فكان معنى الكلام عنده: يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يصلّون.
وليس المعنى على ما ذهب إليه، وإنّما معنى الكلام: من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ، يتلون آيات اللّه آناء اللّيل في صلاتهم، وهم مع ذلك يسجدون فيها، فالسّجود هو السّجود المعروف في الصّلاة). [جامع البيان: 5/695-699]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون (113)
قوله تعالى: ليسوا سواء
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن بن أبي نجيحٍ، زعم الحسن بن أبي يزيد العجليّ عن ابن مسعودٍ في قوله: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يقول: لا يستوي أهل الكتاب وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يقول هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الأمّة الّتي هي قانتةٌ للّه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان النّشيطيّ، ثنا أبو الأشهب قال: ليس كلّ القوم هلك.
على الحسن: ليسوا سواءً من أهل الكتاب قال: هؤلاء أهل الهدى.
قوله تعالى: من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّدٌ: ثنا إسحاق، وحدّثني محمّدٌ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد بن عبيدٍ ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ وتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ
قوله تعالى: أمّةٌ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة يقول أمّةٌ مهتديةٌ.
قوله تعالى: قائمةٌ
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: أمّةٌ قائمةٌ يقول: قائمةٌ على أمر اللّه لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيّعوه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع قوله: أمّةٌ قائمةٌ يقول: قائمةٌ على كتاب اللّه وحدوده وفرائضه.
قوله تعالى: يتلون آيات اللّه
- وبه عن الرّبيع قوله: يتلون آيات اللّه آناء اللّيل قال: قال بعضهم:
صلاة العتمة تصلّيها أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا يصلّيها غيرهم من أهل الكتاب.
قوله تعالى: آناء اللّيل وهم يسجدون
[الوجه الأول]
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن أبي النّجود عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: أخّر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما أنّه ليس من أهل هذه الأديان أحدٌ يذكر اللّه في هذه السّاعة غيركم. قال: وأنزلت هذه الآية: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون إلى قوله: عليمٌ بالمتّقين.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا شيبان بإسناده نحوه.
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة ثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ في قوله: آناء اللّيل قال: هو جوف اللّيل. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن المثنّى، ثنا موسى بن مسعودٍ ثنا سفيان ، عن جابرٍ عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ في قوله: أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل قال: هي صلاة الغفلة.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا يزيد بن أبي حكيمٍ، قال سألت سفيان يعني الثّوريّ عن قول اللّه عزّ وجلّ: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون فحدّثني عن منصورٍ قال: بلغني أنّهم كانوا يصلّون بين المغرب والعشاء.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسين بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن قوله: آناء اللّيل قال: ساعاتٌ من أوّله وآخره
- وروي عن الرّبيع بن أنسٍ. وقتادة قالا: ساعات اللّيل.
قوله تعالى: وهم يسجدون
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن مسعودٍ أنبأ شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن الحسن بن أبي يزيد العجلي، عن ابن مسعودٍ: يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون صلاة العتمة يصلّونها). [تفسير القرآن العظيم: 2/737-739]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أمة قائمة قال عادلة). [تفسير مجاهد: 133]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ليسوا سواءً} [آل عمران: 113].
- عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن شعبة، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام، قالت أحبار يهود أهل الكفر: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلّا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم.
فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113]، إلى قوله تعالى: {من الصّالحين} [آل عمران: 114].
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 113 - 116.
أخرج ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله في ذلك {ليسوا سواء} إلى قوله {وأولئك من الصالحين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {ليسوا سواء} الآية، يقول: ليس كل القوم هلك قد كان لله فيهم بقية.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {أمة قائمة} قال: عبد الله بن سلام وثعلبة بن سلام أخوه وسعية ومبشر وأسيد وأسد ابنا كعب
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول: هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الآمة التي هي قانتة لله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {أمة قائمة} يقول: مهتدية قائمة على أمر الله لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {أمة قائمة} قال: عادلة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع {أمة قائمة} يقول: قائمة على كتاب الله وحدوده وفرائضه.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {آناء الليل} قال: ساعات الليل.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن نصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {آناء الليل} قال: جوف الليل.
وأخرج الفريابي والبخاري في تاريخه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة} قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد {يتلون آيات الله آناء الليل} قال: صلاة العتمة هم يصلونها ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلونها
وأخرج أحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني بسند حسن عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أما أنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم، ولفظ ابن جرير والطبراني وقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب، قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة} حتى بلغ {والله عليم بالمتقين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {يتلون آيات الله آناء الليل} قال: قال بعضهم: صلاة العتمة يصليها أمة محمد ولا يصليها غيرهم من أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في "سننه" عن معاذ بن جبل قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة ليلة حتى ظن الظان أن قد صلى ثم خرج فقال: أعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم
وأخرج الطبراني بسند حسن عن المنكدر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه خرج ذات ليلة
وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من اليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال: أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ثم قال: أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلم من الأمم.
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند حسن عن ابن عمر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعتم ليلة بالعشاء، فناداه عمر: نام النساء والصبيان فقال: ما ينتظر هذه الصلاة أحد من أهل الأرض غيركم.
وأخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ثم خرج فقال: ما يحبسكم هذه الساعة قالوا: يا نبي الله انتظرناك لنشهد الصلاة معك فقال لهم: ما صلى صلاتكم هذه أمة قط قبلكم وما زلتم في صلاة بعد.
وأخرج الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن المستورد قال: احتبس النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة حتى لم يبق في المسجد إلا بضعة عشر رجلا فخرج إليهم فقال: ما أمسى أحد ينتظر الصلاة غيركم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن منصور قال: بلغني أنها نزلت {يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} فيما بين المغرب والعشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله {يتلون آيات الله آناء الليل} قال: هي صلاة الغفلة). [الدر المنثور: 3/730-735]

تفسير قوله تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين}
يعني بقوله جلّ وعزّ: {يؤمنون باللّه واليوم الآخر} يصدّقون باللّه، وبالبعث بعد الممات ويعلمون أنّ اللّه مجازيهم بأعمالهم؛ وليسوا كالمشركين الّذين يجحدون وحدانيّة اللّه، ويعبدون معه غيره، ويكذّبون بالبعث بعد الممات، وينكرون المجازاة على الأعمال والثّواب والعقاب.
وقوله: {ويأمرون بالمعروف} يقول: يأمرون النّاس بالإيمان باللّه ورسوله، وتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاءهم به. {وينهون عن المنكر} يقول: وينهون النّاس عن الكفر باللّه، وتكذيب محمّدٍ، وما جاءهم به من عند اللّه: يعني بذلك: أنّهم ليسوا كاليهود والنّصارى، الّذين يأمرون النّاس بالكفر، وتكذيب محمّدٍ فيما جاءهم به، وينهونهم عن المعروف من الأعمال، وهو تصديق محمّدٍ فيما أتاهم به من عند اللّه {ويسارعون في الخيرات} يقول: ويبتدرون فعل الخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم.
ثمّ أخبر جلّ ثناؤه أنّ هؤلاء الّذين هذه صفتهم من أهل الكتاب هم من عداد الصّالحين؛ لأنّ من كان منهم فاسقًا قد باء بغضبٍ من اللّه، لكفره باللّه وآياته، وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ، وعصيانه ربّه، واعتدائه في حدوده). [جامع البيان: 5/699-700]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين (114) وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه واللّه عليمٌ بالمتّقين (115)
قوله تعالى: يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
قد تقدّم تفسيره.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: يؤمنون باللّه قال: يصدّقون بتوحيد اللّه واليوم الآخر، ويصدّقون بالغيب الّذي فيه جزاء الأعمال.
قوله تعالى: ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا شيبان، ثنا أبو الأشهب، ثنا الحسن: ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين قال: فرغوا إلى بعضهم حين تفرّقت الأمم). [تفسير القرآن العظيم: 2/739-741]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه واللّه عليمٌ بالمتّقين}
اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفة: {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه} بالياء جميعًا، ردًّا على صفة القوم الّذين وصفهم جلّ ثناؤه بأنّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وقرأته عامّة قرّاء المدينة والحجاز وبعض قرّاء الكوفة بالتّاء في الحرفين جميعًا: (وما تفعلوا من خيرٍ فلن تكفروه) بمعنى: وما تفعلوا أنتم أيّها المؤمنون من خيرٍ فلن يكفركموه ربّكم
وكان بعض قرّاء البصرة يرى القراءتين في ذلك جائزًا بالياء والتّاء في الحرفين.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه} بالياء في الحرفين كليهما، يعني بذلك الخبر عن الأمّة القائمة التّالية آيات اللّه. وإنّما اخترنا ذلك؛ لأنّ ما قبل هذه الآية من الآيات خبرٌ عنهم، فإلحاق هذه الآية إذ كان لا دلالة فيها تدلّ على الانصراف عن صفتهم بمعاني الآيات قبلها أولى من صرفها عن معاني ما قبلها.
وبالّذي اخترنا من القراءة كان ابن عبّاسٍ يقرأ.
- حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم بن سلامٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: بلغني عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرؤهما جميعًا بالياء.
فتأويل الآية إذًا على ما اخترنا من القراءة: وما تفعل هذه الأمّة من خيرٍ، وتعمل من عملٍ للّه فيه رضًا فلن يكفرهم اللّه ذلك؛ يعني بذلك: فلن يبطل اللّه ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاءٍ منه لهم عليه، ولكنّه يجزل لهم الثّواب عليه، ويسني لهم الكرامة والجزاء.
وقد دلّلنا على معنى الكفر فيما مضى قبل بشواهده، وأنّ أصله تغطية الشّيء فكذلك ذلك في قوله: {فلن يكفروه} فلن يغطّى على ما فعلوا من خيرٍ، فيتركوا بغير مجازاةٍ، ولكنّهم يشكرون على ما فعلوا من ذلك، فيجزل لهم الثّواب منه.
وبنحو ما قلنا في ذلك من التّأويل تأوّل ذلك من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: (وما تفعلوا من خيرٍ فلن تكفروه) يقول: لن يضلّ عنكم.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله
وأمّا قوله: {واللّه عليمٌ بالمتّقين} فإنّه يقول تعالى ذكره: واللّه ذو علمٍ بمن اتّقاه بطاعته، واجتناب معاصيه، وحافظٌ أعمالهم الصّالحة حتّى يثيبهم عليها، ويجازيهم بها تبشيرًا منه لهم جلّ ذكره في عاجل الدّنيا، وحضًّا لهم على التّمسّك بالّذي هم عليه من صالح الأخلاق الّتي ارتضاها لهم). [جامع البيان: 5/700-702]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما يفعلوا من خيرٍ
- حدّثنا الحسين بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وما يفعلوا من خيرٍ قال: ما فعل ابن آدم من خيرٍ.
- ذكر عبد اللّه بن أحمد الدّشتكيّ، ثنا أبي، ثنا عطّاف بن غزوان، ثنا محمّد بن مسعرٍ قال: سألت سفيان بن عيينة عن قول اللّه: وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه فوسّع اللّه عليهم في التّطوّع في اليهود والأعراب.
قوله تعالى: فلن يكفروه
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فلن يكفروه فلن يظلموه.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه يقول: لن يضلّ عنكم.
قوله تعالى: واللّه عليم بالمتقين
[الوجه الأول]
- حدثنا أبي، ثنا إسحاق بن أحمد الخزار، ثنا إسحاق بن سليمان يعني الرّازيّ، عن المغيرة بن مسلمٍ، عن ميمونٍ أبي حمزة قال: كنت جالسًا عند أبي وائلٍ، فدخل عليها رجلٌ يقال له: أبو عفيفٍ من أصحاب معاذٍ، فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيفٍ، ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبلٍ؟ قال: بلى سمعته يقول: يحبس النّاس يوم القيامة في بقيعٍ واحدٍ فينادي منادٍ: أين المتّقون؟ فيقومون في كنف الرّحمن لا يحتجب اللّه منهم ولا يستتر، قلت: من المتّقون؟ قال: قومٌ اتّقوا الشّرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا للّه العبادة فيمرّون إلى الجنّة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ المتّقين أي الّذين يحذرون من اللّه عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته بالتّصديق بما جاء منه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ المتّقين هم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/739-741]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي عمرو بن العلاء في قوله {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} قال: بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرؤهما جميعا بالتاء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فلن يكفروه} قال: لن يضل عنكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فلن يكفروه} قال: لن تظلموه). [الدر المنثور: 3/730-735]


رد مع اقتباس