عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:05 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {لإيلاف قريشٍ * إيلافهم رحلة الشّتاء والصّيف * فليعبدوا ربّ هذا البيت * الّذي أطعمهم مّن جوعٍ وآمنهم مّن خوفٍ}.
قرأ ابن كثيرٍ، ونافعٌ، وأبو عمرٍو، وحفصٌ عن عاصمٍ، وحمزة، والكسائيّ: {لإيلاف قريشٍ * إيلافهم} على (إفعالٍ) والهمزة الثانية ياءٌ.
وقرأ ابن عامرٍ: (لإلاف) على (فعالٍ) (إيلافهم)، على إفعالٍ بياءٍ في الثانية، وقرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ بهمزتين فيهما، الثانية ساكنةٌ، فقال أبو عليٍّ: وتحقيق عاصمٍ هاتين الهمزتين لا وجه له. وقرأ أبو جعفرٍ: (إلفهم) بلامٍ ساكنةٍ.
و(قريشٌ): ولد النّضر بن كنانة، والتّقريش: التّكسّب.
تقول العرب: (ألف الرجل الأمر وآلفه غيره إيّاه). فاللّه تعالى آلف قريشًا، أي: جعلهم يألفون رحلتين في العام؛ واحدةً في الشتاء، وأخرى في الصيف، ويقال أيضًا: (ألف) بمعنى (آلف). وأنشد أبو زيدٍ:
من المؤلفات الرّمل أدماء حرّةٌ ....... شعاع الضّحى في جيدها يتوضّح
فإلفٌ وإلافٌ مصدر (ألف) وإيلافٌ مصدر (آلف).
قال بعض الناس: كانت الرحلتان إلى الشام في التجارة ونيل الأرباح. ومنه قول الشاعر:
سفرين سنّهما له ولغيره سفر الشّتاء ورحلة الأصياف
وقال ابن عبّاسٍ:
«كانت رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى بصرى من أرض الشام». وقال أبو صالحٍ: «كانت جميعًا إلى الشام». وقال ابن عبّاسٍ أيضًا: «كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظّلّ، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم، فهاتان رحلتا الشتاء والصيف».
وقال الخليل بن أحمد:
«فمعنى الآية: لأنّ اللّه تعالى فعل بقريشٍ هذا، ومكّنهم من إلفهم هذه النعمة، فليعبدوا ربّ هذا البيت».
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه:
«وذكر (البيت) هنا متمكّنٌ؛ لتقدّم حمايته في السورة التي قبلها».
وقال الأخفش وغيره:
«قوله تعالى: {لإيلاف قريشٍ} متعلّقٌ بقوله سبحانه: {فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ} أي: ليفعل بقريشٍ هذه الأفاعيل الجميلة».
وقال بعض المفسّرين:
«معنى الآية: اعجبوا لإيلاف قريشٍ هذه الأسفار وإعراضهم عن عبادة اللّه تعالى»). [المحرر الوجيز: 8/ 692-693]

تفسير قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ أمرهم تعالى بالعبادة بعد، وأعلمهم أنّ اللّه هو الذي أطعمهم وآمنهم، لا سفرهم.
والمعنى: فليعبدوا الذي أطعمهم بدعوة إبراهيم عليه السلام، حيث قال: {وارزقهم من الثّمرات}، وآمنهم بدعوته حيث قال: {ربّ اجعل هذا البلد آمنًا}. ولا تشتغلوا بالأسفار؛ فإنها طلب كسبٍ، وعرض دنيا.
وقال النّقّاش:
«كانت لهم أربع رحلٍ. وهذا قولٌ مردودٌ».
وقال عكرمة:
«معنى الآية: كما ألفوا هاتين الرحلتين لدنياهم، فليعبدوا ربّ هذا البيت لآخرتهم».
وقال قتادة:
«إنما عدّدت عليهم الرحلتان؛ لأنهم كانوا يأمنون من الناس في سفرهم، والناس يغير بعضهم على بعضٍ، ولا تمكّن قبيلًا من العرب أن يرحل آمنًا كما تفعل قريشٌ، فالمعنى: فليعبدوا الذي خصّهم بهذه الحال فأطعمهم وآمنهم».
وقوله تعالى: {من جوعٍ} معناه: أن أهل مكة قاطنون بوادٍ غير ذي زرعٍ عرضةٌ للجوع والجدب، لولا لطف اللّه تعالى، وأن جعلها بدعوة إبراهيم عليه السلام تجبى إليه ثمرات كلّ شيءٍ.
وقوله تعالى: {من خوفٍ}. أي: جعلهم لحرمة البيت مفضّلين عند العرب، يأمنون والناس خائفون، ولولا فضل اللّه تعالى في ذلك لكانوا بمدرج المخاوف.
وقال ابن عبّاسٍ والضّحّاك: {آمنهم من خوفٍ} معناه: من الجذام، فلا ترى بمكّة مجذومًا). [المحرر الوجيز: 8/ 693-694]


رد مع اقتباس