الموضوع: عن
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 06:09 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("عن"
لفظ مشترك؛ تكون اسماً وحرفاً، فتكون اسماً، إذا دخل عليها حرف الجر. ولا تجر بغير "من". وهي حينئذ اسم بمعنى: جانب. قال الشاعر:
فقلت للركب، لما أن علا بهم .... من عن يمين الحبيا، نظرة قبل
وندر جرها ب "على"، في قول الشاعر:
على عن يميني، مرت الطير، سنحاً
وذهب الفراء، ومن وافقه من الكوفيين، إلى أن "عن" إذا دخل عليها "من" باقية على حرفيتها. وزعموا أن "من" تدخل على حروف الجر كلها، "سوى" "مذ" و"اللام" و"الباء" و"في".
فإن قلت: ما معنى "من" الداخلة على "عن"؟ قلت: هي لابتداء الغاية. قال بعضهم: إذا قلت قعد زيد "عن" يمين عمرو معناه: ناحية يمين عمرو، واحتمل أن يكون قعوده ملاصقاً لأول ناحية يمينه، وألا يكون. وإذا قلت من "عن" يمينه كان ابتداء القعود نشأ ملاصقاً لأول الناحية. وقال ابن مالك: إذا دخلت "من" على "عن" فهي زائدة.
وزاد ابن عصفور أن "عن" تكون اسماً، في نحو قول الشاعر:
دع عنك نعباً، صيح في حجراته .... ولكن حديثاً، ما حديث الرواحل؟
لأن جعلها حرفاً، في ذلك، يؤدي إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل. وذلك لا يجوز إلا في أفعال القلوب، وما حمل عليها. قال الشيخ أبو حيان: وفيه نظر، لأن مثل هذا التركيب قد وجد في "إلى"، كقوله تعالى: {واضمم إليك جناحك}، {وهزي إليك بجذع النخلة}، ولا نعلم أحداً قال باسمية "إلى". قلت: قال ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح: حكى أبو بكر الأنباري أن "إلى" تستعمل اسماً، يقال: انصرفت"من" "إليك"، كما يقال: غدوت "من" "عليك".
وتكون "عن" حرفاً، فيما عدا ذلك. ولها قسمان:
الأول: أن تكون حرف جر. وذكروا له معاني:
الأول: المجاوزة. وهو أشهر معانيها، ولم يثبت لها البصريون غير هذا المعنى. فمن ذلك قوله: رميت "عن" القوس: لأنه يقذف عنها بالسهم ويبعده. ولكونها للمجاوزة عدي بها: صد، وأعرض، ونحوهما، ورغب، ومال، إذا قصد بهما ترك المتعلق. نحو: رغبت "عن" اللهو، وملت "عنه".
الثاني: البدل، نحو {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً}، وقولهم: حج فلان "عن" أبيه، وقضى "عنه" ديناً، وقول الآخر:
كيف تراني، قالباً مجني؟ .... قد قتل الله زياداً، عني
الثالث: الاستعلاء. كقول الشاعر:
لاه ابن عمك، لا أفضلت في حسب .... عنى، ولا أنت دياني، فتخزوني
أي: "على". قال ابن مالك: ومنه بخل "عنه" والأصل عليه. قال: لأن الذي يسأل فيبخل يحمل السائل ثقل الخيبة، مضافاً إلى ثقل الحاجة. ففي بخل معنى ثقل، فكان جديراً بأن يشاركه في التعدية ب "على".
الرابع: الاستعانة. مثله ابن مالك بقوله: رميت "عن" القوس. ف "عن" هنا بمعنى "الباء"، في إفادة معنى الاستعانة، لأنهم يقولون: رميت بالقوس. وحكى الفراء، "عن" العرب: رميت "عن" القوس، وبالقوس، و"على" القوس.
قلت وفي هذا رد على من قال: إنه لا يقال رميت بالقوس، إلا إذا كان هو المرمي. وقد ذكر ذلك الحريري في درة الغواص.
الخامس: التعليل: كقوله تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة}، وقوله تعالى: {وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك}.
السادس: أن تكون بمعنى "بعد"، كقوله تعالى: {لتركبن طبقاً عن طبق}. قيل: ومنه {عما قليل ليصبحن نادمين} وقولهم: أطعمته "عن" جوع، أي: "بعد" جوع.
السابع: أن تكون بمعنى "في"، كقول الشاعر:
وآس سراة القوم، حيث لقيتهمولاتك، عن حمل الرباعة، وانيا
أي: "في" حمل الرباعة. هذا قول الكوفيين. وقال بعض النحويين: تعدية ونى ب "في" و"عن" ثابتة. والفرق بينهما أنك إذا قلت: ونى "عن" ذكر الله، فالمعنى المجاوزة، وأنه لم يذكره. وإذا قلت: ونى "في" ذكر الله، فقد التبس بالذكر، ولحقه "فيه" فتور وأناة.
الثامن: أن تزاد عوضاً، كقول الشاعر:
أتجزع أن نفس أتاها حمامها .... فهلا التي عن بين جنبيك تدفع
قال ابن جني: أراد فهلا "عن" التي بين جنبيك تدفع، فحذف "عن" وزادها بعد التي عوضاً. ونص سيبويه على أن "عن" لا تزاد.
واعلم أن هذه المعاني السابقة إنما أثبتها الكوفيون، ومن وافقهم، كالقتبي، وابن مالك. قال بعض النحويين: وهذا الذي ذهب إليه الكوفيون باطل. إذ لو كانت لها معاني هذه الحروف لجاز أن تقع حيث تقع هذه الحروف. فوجب أن يتأول جميع ما ذكروه، مما خالف معنى المجاوزة.
وذكر صاحب رصف المباني في معاني "عن" أن تكون بمعنى "الباء". قال: نحو قولك: قمت "عن" أصحابي، أي: بأصحابي. قال امرؤ القيس:
تصد، وتبدي عن أسيل، وتتقي .... بناظرة، من وحش وجرة، مطفل
أي: بأسيل. انتهى، والذي ذكره غيره أنها تكون بمعنى "باء" الاستعانة. وقد تقدم.
وأما القسم الثاني من قسمي "عن" الحرفية فهو أن تكون بمعنى "أن". وهي لغة لبني تميم، يقولون: أعجبني "عن" تقوم، أي: "أن" تقوم. وعلى ذلك أنشدوا بيت ذي الرمة:
أعغن توسعت، من خرقاء، منزلة .... ماء الصبابة، من عينيك، مسجوم؟
قلت: وكذلك يفعلون في "أن" المشددة. قال الزمخشري: وتبدل قيس وتميم "همزتها" "عيناً " فتقول: أشهد "عن" محمداً رسول الله. وهي عنعنة تميم). [الجنى الداني:242 - 250]


رد مع اقتباس