الموضوع: حرف القاف
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 08:19 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "القاف"
"قد"
"قد": على وجهين: حرفية، وستأتي، واسمية، وهي على وجهين: اسم فعل، وسيأتي، واسم مرادف لحسب، وهذه تستعمل على وجهين:
مبنيّة: وهو الغالب، لشبهها "بقد" الحرفية في لفظها، ولكثير من الحروف في وضعها، ويقال: في هذا "قد" زيد درهم بالسّكون، و"قدني" "بالنّون" حرصا على بقاء السّكون لأنّه الأصل فيما يبنون.
ومعربة: وهو قليل، يقال: "قد" زيد درهم بالرّفع، كما يقال: حسبه درهم بالرّفع، و"قدي" درهم بغير "نون كما يقال: حسبي،
والمستعملة اسم فعل مرادفة ليكفي، يقال: "قد" زيدا درهم، و"قدني" درهم، كما يقال: يكفي زيدا درهم، ويكفيني درهم، وقوله:
(قدني من نصر الخبيبين قدي ... )
تحتمل "قد" الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء، وأن تكون اسم فعل.
وأما الثّانية فتحتمل الأول وهو واضح، والثّاني على أن "النّون" حذفت للضّرورة، كقوله:
(إذ ذهب القوم الكرام ليسي ... )
ويحتمل أنّها اسم فعل لم يذكر مفعوله، "فالياء" للإطلاق، والكسرة للساكنين.
وأما الحرفية: فمختصة بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرّد من جازم وناصب وحرف تنفيس، وهي معه كالجزء، فلا تفصل منه بشيء، اللّهمّ إلّا بالقسم، كقوله:
(أخالد قد والله أوطأت عشوة ... وما قائل المعروف فينا يعنف)
وقول آخر:
(فقد والله بين لي عنائي ... بوشك فراقهم صرد يصيح)
وسمع "قد" لعمري بت ساهرا، و"قد" والله أحسنت، و"قد" يحذف الفعل بعدها؛ لدليل كقول النّابغة:
(أفد الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد)
أي: وكأن "قد" زالت.
ولها خمسة معان:
أحدها: التوقع، وذلك مع المضارع واضح ،كقولك: "قد" يقدم الغائب اليوم إذا كنت تتوقّع قدومه،
وأما مع الماضي: فأثبته الأكثرون قال الخليل يقال: "قد" فعل لقوم ينتظرون الخبر، ومنه قول المؤذّن: "قد" قامت الصّلاة؛ لأن الجماعة منتظرون لذلك.
وقال بعضهم تقول: "قد" ركب الأمير لمن ينتظر ركوبه.
وفي التّنزيل: {قد سمع الله قول الّتي تجادلك}، لأنّها كانت تتوقّع إجابة الله سبحانه وتعالى لدعائها، وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي، وقال: التوقع انتظار الوقوع، والماضي "قد" وقع.
و"قد" تبين بما ذكرنا: أن مراد المثبتين لذلك أنّها تدل على أن الفعل الماضي كان قبل الإخبار به متوقعا، لا أنه الآن متوقع،
والّذي يظهر لي قول ثالث وهو: أنّها لا تفيد التوقع أصلا، أما في المضارع: فلأن قولك يقدم الغائب يفيد التوقع بدون "قد" إذ الظّاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع له، وأما في الماضي: فلأنّه لو صحّ إثبات التوقع لها بمعنى أنّها تدخل على ما هو متوقع لصحّ أن يقال في لا رجل بالفتح إن "لا" للاستفهام؛ لأنّها لا تدخل إلّا جوابا لمن قال: هل من رجل؟ ونحوه، فالّذي بعد "لا" مستفهم عنه من جهة شخص آخر، كما أن الماضي بعد "قد" متوقع: كذلك وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة، فإنّه قال: إنّها تدخل على ماض متوقع، ولم يقل إنّها تفيد التوقع، ولم يتعرّض للتوقع في الدّاخلة على المضارع البتّة، وهذا هو الحق.

الثّاني: تقريب الماضي من الحال، تقول: قام زيد، فيحتمل الماضي القريب، والماضي البعيد، فإن قلت: "قد" قام، اختصّ بالقريب،
وانبنى على إفادتها ذلك أحكام:
أحدها: أنّها لا تدخل على "ليس" و"عسى" و"نعم" و"بئس لأنّهنّ للحال، فلا معنى لذكر ما يقرب ما هو حاصل، ولذلك علّة أخرى وهي: أن صيغهن لا يفدن الزّمان، ولا يتصرفن فأشبهن الاسم، وأما قول عدي:
(لولا الحياء وأن رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم)
"فعسا" هنا بمعنى: اشتدّ، وليست "عسى" الجامدة.
والثّاني: وجوب دخولها عند البصريين إلّا الأخفش على الماضي الواقع حالا، إمّا ظاهرة نحو: {وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}، أو مقدرة نحو: {هذه بضاعتنا ردّت إلينا}، ونحو: {أو جاؤوكم حصرت صدورهم}.
وخالفهم الكوفيّون والأخفش فقالوا: لا تحتاج لذلك؛ لكثرة وقوعها حالا بدون "قد والأصل: عدم التّقدير لا سيما فيما كثر استعماله.
الثّالث: ذكره ابن عصفور، وهو أن القسم إذا أجيب بماض متصرف مثبت؛ فإن كان قريبا من الحال جيء "باللاّم" و"قد" جميعًا، نحو: {تالله لقد آثرك الله علينا}، وإن كان بعيدا جيء "باللاّم" وحدها، كقوله:
(حلفت لها باللّه حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال)
انتهى.
والظّاهر في الآية والبيت عكس ما قال، إذ المراد في الآية: "لقد" فضلك الله علينا بالصبر وسيرة المحسنين، وذلك محكوم له به في الأزل، وهو متصف به مذ عقل، والمراد في البيت: أنهم ناموا قبل مجيئه، ومقتضى كلام الزّمخشريّ أنّها في نحو: والله "لقد" كان كذا للتوقع لا للتقريب، فإنّه قال في تفسير قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحًا}، في سورة الأعراف، فإن قلت: فما بالهم لا يكادون ينطقون بهذه "اللاّم" إلّا مع "قد" وقل عنهم نحو قوله:
(حلفت لها باللّه ... البيت)
قلت: لأن الجملة القسمية لا تساق إلّا تأكيدًا للجملة المقسم عليها الّتي هي جوابها، فكانت مظنّة لمعنى المتوقع الّذي هو معنى "قد" عند استماع المخاطب كلمة القسم، انتهى.
ومقتضى كلام ابن مالك: أنّها مع الماضي إنّما تفيد التّقريب، كما ذكره ابن عصفور، وأن من شرط دخولها كون الفعل متوقعا كما قدمنا، فإنّه قال في تسهيله، وتدخل على فعل ماض متوقع لا يشبه الحرف لتقريبه من الحال، انتهى.
الرّابع: دخول "لام" الابتداء في نحو: إن زيدا "لقد" قام، وذلك لأن الأصل دخولها على الاسم، نحو: إن زيدا لقائم، وإنّما دخلت على المضارع لشبهه بالاسم نحو: {وإن ربك ليحكم بينهم}، فإذا قرب الماضي من الحال أشبه المضارع الّذي هو شبيه بالاسم فجاز دخولها عليه.

المعنى الثّالث: التقليل، وهو ضربان تقليل وقوع الفعل، "قد" يصدق الكذوب، و"قد" يجود البخيل، وتقليل متعلّقه نحو قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}، أي: ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه.
وزعم بعضهم أنّها في هذه الأمثلة ونحوها للتحقيق، وأن التقليل في المثالين الأوّلين لم يستفد من "قد بل من قولك: البخيل يجود والكذوب يصدق، فإنّه إن لم يحمل على أن صدور ذلك منهما قليل كان فاسدا، إذ آخر الكلام يناقض أوله.

الرّابع: التكثير، قاله سيبويه في قول الهذليّ:
(قد أترك القرن مصفرا أنامله ... )
وقال الزّمخشريّ: في {قد نرى تقلب وجهك}، أي: ربما نرى، ومعناه تكثير الرّؤية، ثمّ استشهد بالبيت، واستشهد جماعة على ذلك ببيت العروض:
(قد أشهد الغارة الشعواء تحملني ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب)

الخامس: التّحقيق، نحو "قد" أفلح من زكاها، و"قد" مضى أن بعضهم حمل عليه قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}، قال الزّمخشريّ: دخلت لتوكيد العلم، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد.
وقال غيره في: {ولقد علمتم الّذين اعتدوا}، "قد" في الجملة الفعلية المجاب بها القسم، مثل "إن" في الجملة الاسمية المجاب بها في
إفادة التوكيد، و"قد" مضى نقل القول بالتقليل في الأولى، والتقريب والتوقع في مثل الثّانية، ولكن القول بالتحقيق فيهما أظهر.

السّادس: النّفي، حكى ابن سيدة:
(قد كنت في خير فتعرفه ... )
بنصب تعرف، وهذا غريب، وإليه أشار في التسهيل بقوله: وربما نفي "بقد"، فنصب الجواب بعدها، انتهى. ومحمله عندي على خلاف ما
ذكر، وهو أن يكون كقولك للكذوب هو رجل صادق، ثمّ جاء النصب بعدها نظرا إلى المعنى، وإن كانا إنّما حكما بالنّفي لثبوت النصب، فغير مستقيم لمجيء قوله:
( ... وألحق بالحجاز فأستريحا)
وقراءة بعضهم: (بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمَغَه).

مسألة
قيل: يجوز النصب على الاشتغال في نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو مطلقًا، وقيل: يمتنع مطلقًا، وهو الظّاهر؛ لأن "إذا" الفجائية لا يليها إلّا الجمل الاسمية.
وقال أبو الحسن وتبعه ابن عصفور: يجوز في نحو: فإذا زيد قد ضربه عمرو، ويمتنع بدون "قد"، ووجهه عندي أن التزام الاسمية مع "إذا" هذه إنّما كان للفرق بينها وبين الشّرطيّة المختصة بالفعلية، فإذا اقترنت "بقد" حصل الفرق بذلك، إذ لا تقترن الشّرطيّة بها). [مغني اللبيب: 2 / 523 - 548]


رد مع اقتباس