الموضوع: قد
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 08:46 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب ما أوله "القاف"
"قد"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب ما أوله "القاف"
ومنه "قد"، وتأتي على وجهين:
أحدهما: تكون اسمًا وهو على ضربين:
الأول: تكون اسم فعل بمعنى "يكفي" فيقال: "قد" زيدا درهم، و"قدني" درهم، كما يقال: "يكفي" زيدًا درهم، و"يكفيني" درهم.
الضرب الثاني: تكون اسمًا مرادفًا لـ "حسب"، وفيه لغتان:
أحدهما: أن يستعمل مبنيًا وهو الغالب، لشبهه "بقد" الحرفية الآتية بعد إن شاء الله تعالى، فيقال: "قد" زيد درهم بالسكون، و"قدني" درهم، "بالنون" على غير قياس، لأن "نون" الوقاية مختصة بالأفعال، ولكنهم جاءوا بها حرصًا على بقاء السكون؛ لأنه الأصل في البناء.
الثانية: أن يستعمل معربًا وهو قليل، يقال: "قدُ" زيد درهم، بالرفع كما يقال: "حسبُه" درهم بالرفع، و"قدي" درهم، بغير "نون"، كما يقال: "حسبي".
قال طرفة يصف سيفه:
أخي ثقةٍ لا ينثني عن ضريبة .... إذا قيل مهلًا قال حاجزه قَدِي
وأما قول حميد الأرقط:
.... قَدْنِي من نصر الخبيبين قَدِي ....
فتحتم"قد"ل الأولى أن تكون مرادفة "لحسب" على لغة البناء، وأن تكون اسم فعل، وأما الثانية: فتحتمل أن تكون بمعنى "حسب" على لغة الإعراب وهو واضح، ويحتمل أن تكون بمعنى "حسب" على لغة البناء وحذفت "النون" للضرورة كقول الشاعر:
عددت قومي كعديد الطيس .... إذ ذهب القوم الكرام ليسي
ويحتمل أن تكون اسم فعل لم يذكر مفعوله و"الياء" للإطلاق والكسر لالتقاء الساكنين.
الوجه الثاني: أن تكون حرفًا وتختص بالدخول على الأفعال، وربما حذف الفعل بعد "قد" إذا دل عليه الكلام كقول النابغة:
أزف الترحل غير أن ركابنا .... لما تزل برحالنا وكأن قد
أي: وكأن "قد" زالت، وله خمسة معان:
الأول: التوقع، فتكون جوابًا لمتوقع، وهي نقيضة "ما" التي للنفي، ولا يبتدأ بها إلا أن يكون جوابًا لمتوقع قبل، وقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} على هذا المعنى؛ لأن القوم توقعوا علم حالهم عند الله تبارك وتعالى فقيل لهم: "قد" أفلح المؤمنون.
والتوقع مع المضارع واضح كقولك: "قد" يقدم الحاج إلى شهر، وأما مع الماضي فأثبته الأكثرون، وقال الخليل يقال: "قد" فعل، لقوم ينتظرون الخبر فأما إذا أخبروهم وهم لا ينتظرون الخبر لم يأت «بـ» "قد" ومنه قول المؤذن: "قد" قامت الصلاة؛ لأن الجماعة منتظرون لذلك، ومنه قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك}؛ لأنها كانت تتوقع إجابة الله سبحانه لدعائها، ومنه بعضهم مع الماضي بأنه "قد" وقع، والتوقع لا يجامع الوقوع وهذا لا يلزم المثبتين لأنهم لا يقولون بتوقعه حال وقوعه وإنما يقولون إن الإخبار بالماضي كان متوقعًا قبل وقوعه.
الثاني: تقريب الماضي من الحال، تقول: قام زيد، فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد، فإذا قلت: "قد" قام زيد، اختص بالقريب.
الثالث: التقليل، لوقوع الفعل كقولك: "قد" يصدق الكذوب، و"قد" يجود البخيل، وزعم بعضهم أنها في هذه الأفعال ونحوها للتحقيق كقوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه} وأن التقليل مستفاد في المثالين من قولك: البخيل يجود والكذوب يصدق لا من "قد" فإنه إذا لم يحمل على أن صدور ذلك منها قليل كان فاسدًا إذ آخر الكلام يناقض أوله:
الرابع: التكثير، قاله سيبويه في قول الهذلي:
قد أترك القرن مصفرًا أنامله .... كأن أثوابه مجت بفرصاد
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}، أي: "ربما" نرى ومعناه تكثير الرؤية، واستشهد جماعة على هذا المعنى بقول الشاعر:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني .... جرداء معروقة اللحيين سرحوب
الخامس: التحقيق، بمعنى "إن" ذلك كان وأنشد بعضهم على ذلك قول الهذلي:
.... قد أترك القرن مصفرًا أنامله ....
أي: "إن" ذلك من عادتي في الحرب، وفيه قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها}، وقوله تعالى: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم}، وقوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه} ). [مصابيح المغاني: 320 - 325]


رد مع اقتباس