الموضوع: حرف اللام
عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 01:31 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)

الباب الأول
ضبط حروف المعاني الأحادية

قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الأول
من الأبواب الخمسة التي تذكر في ضبط حروف المعاني، وتذكر فيه الحروف الأحادية، وهي التي وردت على حرفٍ واحد فقط، وهو البسيط الحقيقي في هذه الصناعة، وقد يطلق على المفرد الغير المركب من لفظين: "كان"، و"إذن"، "على رأي"، وجملة ما ورد من حروف المعاني أحادية، ثلاثة عشر حرفًا، وهي قسمان؛ لأن الحرف إما أن يكون محضًا بمعنى أنه لا يقع إلا حرفًا، أو مشاركًا نوعًا آخر أي من الأفعال والأسماء أو كلتيهما، فانحصرت في قسمين:
محضة: وهي ستة أحرف: "الهمزة"، و"الباء"، و"السين"، و"الفاء"، و"اللام"، و"الميم".
ومشاركة للاسم: وهي سبعة: "الألف"، و"التاء"، و"الكاف"، و"النون"، و"الهاء"، و"الواو"، و"الياء".
فإن قيل: إن بعض النحاة قد عدوا "الهمزة" و"الفاء" مما اشترك فيه الحرف والفعل، فإن كلًا منهما كما يكون حرفًا "كهمزة" الاستفهام و"كالفاء" العاطفة، كذلك يكون فعلًا، وقد عدوا "اللام" مع الحرف والفعل، ومع الاسم أخرى كما في المعرفة الموصولة نحو: الضارب والمضروب، فكيف عدتهن في الحروف المحضة.
فالجواب: أنا إنما نعتبر المشاركة بين الحرف وغيره من الأسماء والأفعال، أو بينهما معًا، إذا كان ذلك بحسب الوضع، وأما مشاركة الأحرف الثلاثة للفعل فإنما حصل بواسطة ما عرض لهن، ولذلك أنكر المحققون على من عد على مما اشترك فيه الأنواع الثلاثة أيضًا، وقالوا: إنه غلط؛ لأن على إذا كانت حرفًا واسمًا كانت "ألفها" أصلية، وإذا كانت فعلًا كانت "الألف" منقلبة عن "واو"، فلا مشاركة للفعل معهما أبدًا، وأما عدا "اللام" اسمًا فهو جهل، فإنما يراد به "ال" الموصولة، والتعبير عنها "باللام" غلط، بل قد أنكروا على من قال "الألف" و"اللام" أيضًا، فكما لا يعبر عن "هل" الاستفهامية "بالهاء" و"اللام"، فكذا لا يعبر عن الموصولة "بالألف" و"اللام"، وكأنما عنى هذا القائل ما نقل عن سيبويه أن "همزة" "ال" للوصل، ولذلك تطرح درجًا فاطرحها لفظًا وهو سهو، فإن سيبويه سمى هذه الكلمة "أل" وعدها في الحروف الثنائية، ومذهب الخليل أنها "همزة" أصلية، وحذفها وصلًا لطلب التخفيف لكثرة الاستعمال وهو الأرجح، وبعضهم يجعل "أل" حرفًا في كل مواقعها ويمنع وقوعها اسمًا، وجعل "أل" الموصولة باسم الفاعل واسم المفعول حرفًا، كما سيأتي في فصله، فكيف يجوز مع هذا كلى الإطلاق على "اللام" وحدها، وهل هذا إلا غلطٌ صريح). [جواهر الأدب: 5 - 6]

الفصل الخامس: من أول نوعي الحروف الأحادية المحضة حرف اللام
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الخامس: من أول نوعي الحروف الأحادية المحضة حرف "اللام"، وهي تخرج من أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه ما بينها وما يليها من الحنك إلا على ما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية، ويجب أن تعلم أن بعض النحاة يعبر عن "أل" المعرفة للاسم "باللام" وحدها، وليس بجيد، فإن المحققين ينكرون ذلك؛ لأن المعرف بالإجماع هو "أل"، وإنما وقع الاختلاف في أن "همزتها" أصلية من نفس الكلمة وهي مقطوعة، ولكنها تسقط درجًا طلبًا للخفة لكثرة الاستعمال، كما هو مذهب الخليل، أم زائدة للابتداء عند الابتداء بالكلمة المعرفة فتسقط درجًا للاستغناء عنها كما هو مذهب سيبويه، ففيها المذهبان، ولكن سيبويه قد سماها "أل" في كتابه، كما سماها الخليل، فالتعبير عنها "باللام" خطأ، وقد نبهنا عليه في الفصل الأول عند ذكر "الهمزة"، والمراد من "اللام" هنا إنما هي "اللام" المفردة، وهي ليست أداة التعريف، واعلم أن"اللام" لكونها حرفًا تستحق البناء لا سيما وهي على حرف واحد، وأصل المبني أن يبنى على السكون، فكان حقها البناء عليه، ولكن لما كانت معدة لصلاحية الابتداء بها، ولا يمكن الابتداء إلا بمتحرك صارت مستحقة للحركة، لكن بالنظر الثاني، وعلى مقتضى أصولهم يجب أن تحرك بالفتحة لأنها أقرب إلى السكون المستحق، وتفيد التخلص منه، وهي أخف من غيرها، لكنهم لما قسموها إلى العاملة كالجارة وإلى الهاملة كالمؤكدة أرادوا التفرقة بينهما للتمييز، ولم يكتفوا بالعمل مميزًا؛ لأنه قد لا يظهر في الكلمة إعراب، كقولك: إن الذي قام لهذا فلا يفرق بينهما إلا بحركة "اللام"، فإذا كسروها أفادت الملك، وإذا فتحوها فهي للتأكيد، وكسروا العاملة لأنها لما تغير مصحوبها بتأثره عنها غيروها في نفسها بكسرها استئناسًا في التغيير بالتغيير، فنحن أيضًا نحصر مباحثها في القسمين في بحثين.
البحث الأول: في اللام العاملة، وهي لأنها إمَّا عاملة في الأسماء أو الأفعال صنفان:
الصنف الأول: العاملة في الأسماء، ولا تعمل إلا الجر، وهو القياس؛ لأنها لا تعمل إلا إذا اختصت، وحينئذٍ فالأصل أن تعمل العمل المختص كما أشير إليه، ثم ليعلم أن بعض العرب تكسرها مطلقًا مع الظاهر والضمير، وهذا يعزى إلى خزاعة، ونقله اللحياني عن بعض العرب، وبعضهم يفتحها مطلقًا، رواه أبو عمرو في جماعة منهم يونس وأبو عبيدة، إلا مع "الياء" نحو: لي فإنهم متفقهون، على كسرها معها، ومنهم وهم الأكثرون، وهذا هو الظاهر المعمول به في رواية الجمهور، وهو أنهم يكسرون مع الظاهر ويفتحونها مع الضمير غير "الياء"، قيل: لأن الضمير برد الأشياء إلى أصولها في كثير من الأحوال، وقد بين أن أصل حركتها الفتح، فترد إليه فيقولون: المال لزيد ولك وله، وقيل: لا من اللبس، فإن صيغة المرفوع في الضمائر مباينة لصيغة المجرور؛ لأنه إذا كانت للتأكيد يقال: إن هذا لأنت، وإذا أريد الملك قيل: إن هذا لك، فلم يلقهم الفتح في اللبس، ثم إن الأكثرين يفتحونها مع الظاهر إذا كان مستغاثًا به لمشابهة الضمير، لكن بشرط أن لا يكون معطوفًا، فلو قيل: يا لزيد لعمرو، لم تفتح؛ لأنه مستغاث من أجله لا مستغاث به فبعد عن مشابهة الضمير، ويجب أن يعلم أن
"لام" الجر عبر عنها سيبويه بأنها للاستحقاق، وقال الفارسي هي للتحقيق، وعبر عنها المبرد بأنها تجعل الأول لاصقًا للثاني، وذكروا لها عدة معان تنحصر في ثلاثة أصول.
الأصل الأول: المعاني التي صرحوا في
"اللام" بأنها في معانيها وهي أربعة عشر معنى.
الأول: للملك إمَّا حقيقة كالوجود لله تعالى، وقوله تعالى: {لله ملك السموات والأرض}، أو مجازًا كقوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين}.
الثاني: شبه الملك كقولك: إنا لك ما دمت لي.
الثالث: التمليك كقولك: وهبت لزيد دارًا.
الرابع: شبه التمليك، كقوله تعالى: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}.
الخامس: الاستحقاق وهو فيما يتصور له التملك نحو: الثوب للصبي السادس الاختصاص، وهو لما لا يكون كذلك نحو هذا السرج للدابة.
السابع: النسب نحو: لزيد عم، وهو لعمرو خال.
الثامن: للتعليل كقوله تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله}.
التاسع: للتبليغ نحو قولك: قلت، أو بنيت له، واستحببت، وفسرت لك.
العاشر: للتعجب ويجيء في القسم، كقوله:
لله يبقي على الأيام ذو حيد.
وقوله: {لإيلاف قريش إيلافهم}، على أحد إلا وجه، أي: اعجبوا لإيلاف قريش.
الحادي عشر: الاستغاثة إمَّا به وإمَّا له كقولك: يا لزيد لعمرو، وقد بينا أنها تفتح في الأولى وتكسر في الثانية، وقال ابن النحاس: ويسميها الأخفش لام الدعاء.
الثاني عشر: التفسير، كقوله تعالى: {وأمرنا لنسلم لرب العالمين}.
الثالث عشر: البيان، وهي التي تدخل اسماء الأفعال، والمصادر التي تشبهها، ونحوهما، نحو: {هيهات لما توعدون}، و{هيت لك}، وسقيا له، وما أحب زيدًا لعمرو.
الرابع عشر: الصيرورة، كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا}، وقال الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب
وبعضهم يسميها "لام" العاقبة.
الأصل الثاني: ورود
"اللام" بمعنى عدة من الكلمات.
الأولى: عند، كقوله تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو}، أي: عند وقتها، وقوله سبحانه: {كذبوا بالحق لما جاءهم} بتخفيف
"الميم" وكسر "اللام"، وهي قراءة الجحدري، أي: عندما جاءهم.
وثانيها: بمعنى
"بعد"، كقوله:
ولما تفرقنا كأني ومالكًا ...... لطول اجتماع لم نيت ليلة معا
أي: "بعد" طول اجتماع.
وثالثها: بمعنى
"في"، كقوله عز وجل: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}.
ورابعها: بمعنى
"على"، كقوله تعالى: {وإذا مس الإنسان ضر دعانا لجنبه}، أي: "على" جنبه.
وخامسها: بمعنى
"إلى"، كقوله تعالى: {سقناه لبلدٍ ميت}، أي: "إلى" بلد.
وسادسها: بمعنى
"من"، كقول الشاعر:
ونحن لكم يوم القيامة أفضل، أي: منكم.
وقوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد}.
وسابعها: بمعنى
"مع"، كقولك: كن لي أكن لك، أي: "معي" أكن "معك"، وقول الشاعر:
ولما تفرقنا كأني ومالكًا ...... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
أي: "مع" طول اجتماع.
الأصل الثالث:
"اللام" الواقعة زائدة، وهو كل موضع لو أسقطت منه لبقيت الجملة صحيحة تامة، وتنقسم زيادتها إلى قياسية وسماعية.
أما القياسية: ففي موضعين:
أحدهما: المعمول الذي قدم على عامله سواء كان فعلًا أو غيره، وسواء كان الفعل متعديًا إلى واحد أو اثنين، نحو: لزيد ضربت، ولعمرو أعطيت درهمًا.
وثانيهما: أن يكون العامل غير فعل، كقوله تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}، قال ابن مالك: ولا يفعل ذلك إلا بمتعد إلى واحد؛ إذ لو فعل ذلك بمتعد إلى اثنين لم يخل من أن يزاد فيهما معًا، فيلزم تعدية فعل واحد إلى مفعولين بحرف واحد، ولا نظير له أو يزاد في أحدهما فهو ترجيح دون مرجح، وإيهام غير المقصود.
وأما السماعية:
"فكاللام" في قوله سبحانه: {ردف لكم}، فإن أصل الكلام: ردفكم، ونحوه لا يدي له، ويا بؤس للحرب فإن مذهب سيبويه أن الكلام على تقدير الإضافة، ولهذا نصب يدي، وحذفت "لامه" للإضافة، و"اللام" عنده مقحمة أدخلت بين المضافين على غير القياس.
تنبيه: قد تقع
"اللام" جوابًا لعدة من الكلمات منها جواب "لو"، كقوله تعالى: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} ومنها جواب "لولا"، كقوله تعالى: {لولا أن من الله علينا لخسف بنا}، ومنها وقوعها في جواب القسم في نحو قولك: والله لأفعلن، وقوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر = لناموا فما أن من حديث ولا صالي
ومنها "اللام" الموطئة للقسم، كقوله تعالى: {لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين}.
الصنف الثاني: من صنفي
"اللام" العاملة "اللام" العاملة في الأفعال، وهي أما جازمة أو ناصبة، ولا تعمل أداة في الأفعال رفعًا لما تقرر في موضعه أن ارتفاع المضارع إنما يكون عند تجرده عن العوامل اللفظية فبقي نوعا الإعراب فيها وهو الجزم والنصب.
أما الجازمة: فهي
"لام" الطلب، أي: التي يطلب بها الفعل، سواء كان أمرًا، كقوله سبحانه: {لينفق ذو سعة من سعته}، أو غيره، كقوله تعالى: {ليقض علينا ربك}، وتسميتها "لام" الطلب أحسن من تسميتها "لام" الأمر، فإنهم قد قسموا طلب الفعل إلى أنواع كثيرة خصوا كل واحد منهما باسم يخصه كالإباحة، نحو: تعلم الفقه أو النحو، والتهديد نحو: { من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، والتعجيز نحو: {فأتوا بسورة من مثله}، والتسخير نحو: {كونوا قردة خاسئين}، والإهانة نحو: {كونوا حجارة}، والتسوية نحو: {اصبروا أو لا تصبروا}، "واو" التمني نحو: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي.
والدعاء نحو: رب اغفر لي، والالتماس كقولك: لمن يساويك رتبة أفعل، وغير ذلك كما فصل في فمن آخر، واختلفوا في أن إطلاق الأمر عليها هل هو بالاشتراك أو بالمجاز، وميل المحققين إلى أنه بالمجاز، وقد نصوا على أن حمله على المجاز أولى؛ لأنه يحوج إلى قرينة واحدة عند جعله مجازًا، وإلا فعلى الحقيقة، وعند جعله مشتركًا يحوج في كل إطلاق إلى القرينة، فالأول أولى، وهذه
"اللام" يطلب بها الفعل من فاعل غير المخاطب؛ لأنهم استغنوا عن الطلب منه بصيغة الأمر، وهي كلمة أفعل، فتدخل "اللام" على الغائب نحو: هو ليفعل، وعلى الظاهر نحو: ليضرب زيد، وعلى المتكلم نحو: لنفعل، وما ما قرئ في الشاذ من قوله تعالى: (فبذلك فلتفرحوا) "بالتاء"، فلشذوذه لا عبرة به، وقيل: لغة رديئة، وقال الزجاجي لغة جيدة، وقد تقدم أن أصل حركتها الفتح، وقد كسرت عند الإعمال، وروى الفراء أن فتحها لغة سليم.
تنبيه: عملت
"لام" الأمر في المضارع لوجود شرطي الأعمال، وهما الاختصاص به، وعدم التنزيل كجزئه، فكان جزمًا، قال بعضهم: حملًا له على الصيغة الموقوفة كأفعل ونحوه، قال ابن أياز: هذا يؤدي إلى حمل الإعراب على البناء، قال في الأغراب: في إيراده نظر؛ إذ المراد أنه لما وجب إعمال الجازم تحقيقًا لمعناه، وكان بعض إعرابه حركة، وبعضه قطعًا للحركة، وقد شابه الموقوف جعل إعرابه بالقطع لمشابهة الصيغة لفظًا وصورة لا لفظًا وحكمًا.
وقال أبو عيسى الجزولي: الحرف إذا اختص بنوع يجب أن يعمل العمل المختص بذلك النوع، والإعراب المختص بالفعل الجزم فعمله، ولا ينتقض
"بأن" وأخواتها لما ذكر، ولذا قالوا: لا يجوز الفصل بين هذه "اللام" ومعمولها بشيء مما عمل فيه الفعل ولا بغيره، لكن يجوز أن يقدم معمول معمولها عليها نحو: زيدًا ليضرب عمرو.
وشرط بعضهم في جوازه أن يكون مما يجوز تقديمه على فعل الأمر العاري عن
"اللام"، وإذا كان الأمر بغير الصيغة كقولك: ليضرب زيد، وليعن زيد بحاجتي، وكذا إن كان فعلًا لمتكلم مفرد نحو: قولك، فلأصل بكم، أو متعدد نحو: {ولنحمل خطاياكم}، لزمت "اللام" ولم تحذف إلا في الشعر، والمبرد يمنع منه، وأجاز بعضهم أن تحذف بعد القول مطلقًا نحو: قلت لزيد يضرب عمرًا، وخص الكسائي جواز حذفها بعد الأمر بالقول، نحو قوله تعالى: {قل لبعادي يقيموا الصلاة}.
وأما الناصبة: فلها فيه معنيان:
أحدهما: أن تكون بمعنى
"كي"، وهي التي يؤتى بها للتعليل، نحو: أسلمت لأدخل الجنة، وكقوله عز وجل: {وليعلم الله من ينصره}، ونقل عن تميم أنهم يفتحون هذه "اللام" فيقولون: جئت لآخذ حقي.
وثانيهما:
"لام" الجحود وهي الداخلة على خبر كان الناقصة، وما تصرف منها بشرط وقوعه منفيًا "بما" أو "لم"، كقوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، فلو كان الخبر مثبتًا أو منفيًا بغيرهما لم تكن هذه، وروي عن بعض العرب فتحها أيضًا، وأنه قرئ: {وما كان الله ليعذبهم}، بفتح "اللام".
تنبيه: إنما أطلقنا القول بأنهما عاملتان تسهيلًا على المبتدئ؛ لأنه يرى ترتب العمل على وجودهما فيسهل فهمه عليه ولكنهم قد اختلفوا في أن العمل لهذين
"اللامين"، وأنهما الناصبان للفعل هما بنفسهما أم "بأن" مقدرة، فالبصريون حكموا بأن الناصب للفعل الداخل عليه "اللام" ليس هو "اللام"، وإنما هو "أن" مقدرة بعدها، وحجتهم أن "اللام" حرف جر داخلة للتعليل، وهي التي تدخل على المفعول له، وحرف الجر لا يعمل في الفعل فتضمر أن ليصير الفعل معها في تقدير الاسم، فتدخل "اللام" عليه، ولهذا يجوز أن تظهر أن مع "اللام" فتقول: جئت لأن تكرمني، والكوفيون حكموا بأن العمل لها نفسها، واحتجوا بوجهين أحدهما أنها بمعنى "كي"، و"كي" تعمل بنفسها، فكذلك ما هو بمعناها، وثانيهما أن جعلها جارة يفسد من جهة دخولها على الفعل، وتقدير أن لا يصحح ذلك، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: أمرتك بتكرم زيدًا مقدرًا "أن"، فيتعين أن تكون هي الناصبة، وأجيب عن الأول من وجهين: أحدهما أن "كي" حرف جر أيضًا، وأن بعدها مضمرة، فلا فرق بينهما. وثانيهما: ما ثبت من إظهار أن بعد "اللام"، ولولا تقديرها لم يجز إظهارها، ألا ترى أنك لو قلت: لن أن أضرب زيدًا، لم يجز، وأجيب عن ذلك بوجهين أيضًا: أحدهما: أنا لا نسلم كون "كي" حرف جر، وثانيهما: نسلم أن "كي" تنصب بنفسها، ولكن لم يكن "اللام" كذلك، واتفاقهما في المعنى لا يوجب اتحادهما في العمل، ألا ترى أن "أن" الناصبة للاسم مثل "أن" الناصبة للفعل في المعنى؛ إذ كل واحدة منهما مصدرية يعمل فيها ما قبلها، ولم يلزم من ذلك اتحادهما، فإن تلك تختص بالأسماء، حتى لو وقع الفعل بعدها مخففة لم تعمل فيه، بخلاف "أن" الخفيفة، ولذلك استعملت "اللام" مع صريح المصدر، ولم تستعمل "كي" معه، وإن كانوا سواء في المعنى.
وعن الثاني بالفرق، وهو أن
"اللام" تدل على غرض الفاعل، وما من فاعل إلا وله غرض في الفعل، وليس كل فعل يكون له سبب تستعمل "الباء" معه، فلما كثر استعمال "اللام" جاز أن تحذف "أن" لظهور معناها، كما كثر حذف "رب" مع "الواو" و"الباء" في القسم، وحذف لا في جوابه.
البحث الثاني: في
"اللام" المهملة، وهي المفتوحة وقد قدمنا أن "اللام" الجارة في أشهر اللغات تفتح عند دخولها على الضمائر غير "الياء"، وعلى المستغاث به المجاور لأداة النداء، فالمراد "باللام" المفتوحة ما عدا الجارة للظاهر، ولا تكون إلا مفتوحة، وليس لنا "لام" للتأكيد، وهي مكسورة إلا المزيدة في أسماء الإشارة، فإنها لتأكيد بعد المشار إليه، قلت: كيف يصح قولهم لتأكيد بعد المشار إليه؛ إذ يقتضي أنه كان فيه بعد قبل "اللام"، ثم أكد بها، وليس في اسم الإشارة بعد قبل زيادتها، فالأولى أن يقال: لبعد المشار إليه بإسقاط التأكيد في نحو: ذلك، وتلك، وهناك، وبعضهم يسمي هذه "اللام" "لام" البعد، قالوا: وإنما كسروها في هذه الكلمات لأنهم لو فتحوها لتوهم أن المراد تملك المخاطب المشار إليه، فتصير "اللام" للملك و"الكاف" اسم للمخاطب مجرور به، وأما في غير هذه الكلمات فهي مفتوحة، وتنحصر ضوابطها في مسائل.
المسألة الأولى:
"لام" الابتداء، وهي "اللام" المقوية مدلول الجملة الخبرية المجردة، وتستحق صدر الكلام، ولهذا علقت أفعال القلوب عن العمل لكيلا يتصدرن عليها عند الإعمال، فتدخل على المبتدأ الواقع أول الجملة نحو: لزيد قائم، وعلى الخبر المقدم على المبتدأ نحو: لقائم زيد، وعلى معموله الساد مسده نحو: لعندك زيد، وشذ دخولها عليه مؤخرًا كقوله:
أم الحليس لعجوز شهر به ...... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
المسألة الثانية: "اللام" الداخلة بعد "أن" المشددة المكسورة نحو: إن زيدًا لقائم، وهي "لام" الابتداء عند التحقيق، ودخلت على معمول "أن" لأنها أكدت المعنى المفهوم من الجملة، ولم تغيره وليعلم أن العرب اعتنت بتأكيد الكلام الخبري لتوثقه الاعتماد فيكررونه، كما في قوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون}، وأحسنه ما اختلف فيه المؤكد لفظً كالآية، فقصدوا عند إرادة تقوية التأكيد أن جمعوا بين "أن" و"اللام"، ولكن لم يلاصقوا بينهما بتقديم أحدهما ملاصقًا للآخر؛ لأن استثقال الجمع بين آلتي التأكيد متلاصقتين لا يتغير بتقديم وتأخير، ففرقوا بينهما بأن صدروا الكلام "بأن" وأخروا "اللام" عن مصاحبها بتوسط شيء بينهما، ورأوا تقديم "اللام" في الأصل على "أن" إبقاء لعملها لأنها لو تأخرت "اللام" لعلقت "أن" عن العمل لأنها قد علقت أفعال القلوب العاملة بالأصالة، فكانت "اللام" بتعليق "أن" أولى من تعليق علمت وأخواتها على أنهم قد نبهوا على هذا الأصل المهجور بقوله: لهنك من برق علي كريم، أي: لأنك، فلم يكن "للام" عمل فلم يكن في تقديمه محذور، وحيث نظرنا في وجوه اجتماع "أن" و"اللام" وجدناه منحصرًا في خمسة أقسام:
أحدهما: أن تدخل على اسم أن لكنهم اشترطوا أن تتوسط بين الاسم و
"أن" واسطة، ولا يجوز أن تكون خبرًا حقيقة لعدم جواز تقديم خبر "أن" على اسمها، وكذلك لا يجوز أن يكون أجنبيًا، فبقي أن يكون معمول الخبر كقولك: إن عندك لزيدًا قائم، وكذا لو أسقط قائم وحمل على العامل المطلق.
وثانيها: أن تدخل على الخبر المفرد نحو: إن زيدًا لقائم أو لقائم أبوه، أو لعندك، حيث فصل بينهما، ولا تضر شدة البعد بينهما؛ لأنه نال الصدر وما بينهما، وإن طال كالساقط، كقوله:
وإني على أن قد تجشمت هجرها ...... لما ضمنتني أم سكن لضامن
وشرط صاحب التسهيل لجواز دخول "اللام" في الخبر أن لا يكون منفيًا بأداة نفي؛ لأن أول أكثر أدوات النفي "اللام" فتجتمع الأمثال الموجب للثقل، وهي: "لا"، و"لم"، و"لن"، و"ليس"، وطرد في غيرهما كما للتعميم، وقول بعضهم أنشده ابن جني رحمه الله.
وأعلم أن تسلما وتركا ...... للامتشابهان ولا سواء
شاذ لا عبرة به.
وثالثها: معمول الخبر إذا تأخر عن الاسم وتقدم على الخبر، كقولهم: إن زيدًا لطعامك أكل؛ لأن تقدمه عليه كتقدمه على الصدر المستحق للتأكيد، فسوغ دخولها عليه، ولذا لا تدخل
"اللام"، لو أخر المعمول عنهما، فلا يقال: إن زيدًا أكل لطعامك.
ورابعها: الخبر الجملة إن كانت اسمية، فيجوز دخول
"اللام" في المبتدأ الثاني كأن يقال: إن زيدًا لأبوه قائم، فإن قدم خبره عليه جاز لحوقها له، كقولك: إن زيدًا لعندك أبوه، ولا يجوز دخولها على الخبر وهو مؤخر عن مبتدئه، فلا يقال إن زيدًا أخوه لقائم وشذ قوله:
فإنك من حاربته لمحارب ...... شقي ومن سالمته لسعيد
ولا تدخل على الجملة الشرطية لئلا تلتبس معها "باللام" الموطئة للقسم، وأما الفعلية فإن كان فعلها ماضيًا متصرفًا فلابد من توسط قد بينهما لتقربها من الحال، ويليق به التأكيد أو كان غير متصرف "كنعم" جاز دخول "اللام" على نفس "نعم"، كقولك: إن زيدًا لقد قام، أو "لنعم" الرجل، قالوا: لأن إفادته الإنشاء المقترن بالحال شابهه بالمضارع الذي أشبه الاسم؛ لأن اقترانه "باللام" جعله للحال أيضًا، وأزال الاشتراك.
تنبيه: جوز البصريون دخول
"اللام" على الجملة التي فعلها مضارع إذا صدرت بسوف لتنزلها منزلة جزء منه، ولذلك لم تعمل فيه مع اختصاصها به، فيقال: إن زيدًا لسوف يقوم؛ لأنه بمنزلة قولك: ليقوم بعد وقت، والكوفيون يمنعونه.
وخامسها: الفصل الواقع بين
"أن" وخبرها، كقوله تعالى: {وإنهم لهم المنصورون}.
المسألة الثالثة: لما كانت
"أن" المفتوحة يتغير المعنى معها لأنها صيرت الجملة في حكم المفرد لم يجز دخول "اللام" معها، وأنشد قطرب:
ألم تكن حلفت بالله العلي ...... أن مطاياك لمن خير المطى
بفتح "أن"، قيل: إنه شاذ، وقيل: يحتمل على حذف كلمة على من الكلام ضرورة، أي: ألم تكن تحلف على "أن" مطاياك، وقيل: على مذهب الكوفيين ؛ لأنهم يجيزون فتح "همزة" "أن" إذا وقعت في جواب القسم، وقرئ: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام} بفتح "أن" أيضًا، وقد زيدت مع كلمات أخرى.
منها: دخولها في خبر
"لكن"؛ لأن الجملة معها على معنى الابتداء، فلا منافاة في الكلام، وأنشدوا:
ولكنني من حبها لعميد، وإلى جوازه ميل الأكثرين.
ومنها: ما وقع في خبر "أمسى"، كقوله:
مروا عجالى فقالوا كيف سيدكم ...... فقالوا من سألوا أمسى لمجهودا
وكذلك في خبر "ما زال"، كقول كثير:
وما زلت من ليلى لدن إن عرفتها ......لكا لهائم المقصى بكل مراد
وشبهة المجوز كون "أمسى" و"ما زال" من أخوات "كان"، وهي من المختصة بالجملة الابتدائية، كان فجوزوه، والصحيح أنه شاذ لا يقاس عليه، وكذلك وردت زيادتها في بابي المفعولين كقوله:
راوك صاح لفي ضراء مؤلمة.
وكذا دخولها على الخبر المنفي "بما"، كقوله:
وما أبان لمن أعلاج سودان.
وقد جاءت بمعنى "الفاء"، كقوله تعالى: {إذا ما مت لسوف أخرج حيًا}، أي: فسوف.
المسألة الرابعة: في
"لام" القسم، وهي "لامان": موطئة، وجواب، فالموطئة أكثر دخولها على "أن" الشرطية، كقوله تعالى: {لئن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وهي غير "لام" الجواب؛ لأنها تدخل على نفس المقسم به نحو: لعمرك لأفعلن، ولأنها تستغنى عن "نون" التوكيد، كما في قوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة}، والواقعة جوابًا لا تدخل على نفس القسم، ولا تستغنى عن "النون"، والجواب هي الرابطة بين القسم والجملة الواقعة بعده، فإنه لما كان الجواب جملة مستقلة لم يكن لها بد من رابط بجملة القسم، وإلا صارت أجنبيه، و"اللام" هي الرابطة في أكثر أحواله، ولذلك سماها بعضهم "لام" المجازاة، فإن كان الجواب جملة اسمية، كان "اللام" فيها كافيًا، نحو: والله لزيد قائم، وقد يقصد زيادة التأكيد فيؤتى مع "اللام" "بأن"، فيقال: والله "إن" زيدًا لقائم، وقد تأتي "إن" وحدها لما تفهمه من التوكيد فيكفى في الجواب بها نحو: والله "إن" زيدًا قائم، فإن خلا الجواب عنهما كان نفيًا نحو: والله زيد قائم؛ لأنه يجوز حذف حرف النفي من الجواب دون رابط الإيجاب، فلو قلت: والله أحبك كنت باغضًا، ووالله أبغضك كنت محبًا، وإن كان جملة فعلية، فإن كان الفعل ماضيًا اكتفى فيه "باللام" وحده، فيقال: والله لقام زيد، وقد تقارنها قد فيقال: والله لقد قام زيد، وقد يستغنى بها عن "اللام"، كقوله تعالى: {قد أفلح من زكاها}، وإن كان مضارعًا، فلابد فيه من "اللام"، والأكثر مصاحبته "للنون" المؤكدة، كقولك: لأفعلن، وقل تجرده عنها، وتتمة مباحث القسم مذكورة في غير هذا الكتاب.
المسألة الخامسة: في التنبيه على بعض
"اللامات" الهاملة.
فمنها:
"لام" جواب "لو"، كقوله تعالى: {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم}، وقد تحذف هذه "اللام" اختيارًا، كقوله تعالى: {لو نشاء جعلناه أجاجا} بل يجوز حذف الجواب مطلقًا، كقوله تعالى: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا}، أي: لكان هذا القرآن.
ومنها:
"لا" في جواب "لولا"، كقوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا}.
ومنها:
"لام" الإيجاب، وهي الداخلة بعد "أن" الخفيفة النافية لإثبات ما يأتي بعدها، كقوله تعالى: {وإن كنت لمن الساخرين}، وعد بعض النحاة منها "اللام"، في قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته}، ورد قوله: بأن "اللام" إنما تكون للإيجاب إذا كانت بمعنى "إلا" لتثبت ما نفي "بأن"، وهنا كان الإثبات "بإلا" نفسها، فلا يكون منها، وكأنها أتت تأكيدًا للإيجاب المعلوم من "إلا"، إلا أن الإيجاب بها، فليست إياها.
ومنها:
"اللام" الفارقة، وهي الداخلة بعد الخفيفة المكسورة "الهمزة"، لتؤذن أنها المخففة من الثقيلة، وليست "أن" النافية، فإن أهملت لزمت هذه "اللام" باتفاق، وإن أعملت فقد اكتفى بعضهم بالأعمال فارقًا، وأكثر منها الأكثرون مكررًا لهذا الباب). [جواهر الأدب: 26 - 37]


رد مع اقتباس