الموضوع: لو
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 02:34 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("لو"
حرف، له أربعة أقسام:
الأول: "لو" الامتناعية. وعبارة أكثرهم: "لو" حرف امتناع لامتناع. أي: تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول. وهذه عبارة ظاهرها أنها غير صحيحة، لأنها تقتضي كون جواب "لو" ممتنعاً غير ثابت، دائماً. وذلك غير لازم، لأن جوابها قد يكون ثابتاً، في بعض المواضع، كقولك لطائر: "لو" كان هذا إنساناً لكان حيواناً. فإنسانيته محكوم ربه لأعطاه. فترك السؤال محكوم بعدم حصوله، والعطاء محكوم بحصوله، على كل حال، والمعنى أن عطاءه حاصل، مع ترك السؤال. فكيف مع السؤال؟ وكذا قول عمر في صهيب، رضي الله عنهما "لو" "لم" يخف الله "لم" يعصه. فعدم المعصية محكوم بثبوته، لأنه إذا كان ثابتاً، على تقدير عدم الخوف، فالحكم بثبوته، على تقدير الخوف، أولى.
وكذلك قوله تعالى: {ولو أن ما في لأرض، من شجرة، أقلام، والبحر يمده سبعة أبحر، ما نفدت كلمات الله}. فعدم النفاد ثابت، على تقدير كون ما في الأرض من الشجر أقلاماً مدادها البحر، وسبعة أمثاله. فثبوت عدم النفاد، على تقدير عدم ذلك، أولى.
فهذه الأمثلة، ونحوها، تدل على فساد قولهم: "لو" حرف امتناع لامتناع. والتحقيق، في ذلك، أن "لو" حرف يدل على تعليق فعل بفعل، فيما مضى. فيلزم، من تقدير حصول شرطها، حصول جوابها. ويلزم كون شرطها محكوماً بامتناعه إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك، فتصير حرف وجوب لوجوب، وتخرج عن كونها للتعليق، في الماضي. وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعاً، على كل تقدير، لأنه قد يكون ثابتاً مع امتناع الشرط، كما تقدم. ولكن الأكثر أن يكون ممتنعاً.
فقد اتضح بذلك أن لو تدل على أمرين:
أحدهما: امتناع شرطها، والآخر كونه مستلزماً لجوابها. ولا تدل على امتناع الجواب، في نفس الأمر، ولا ثبوته. فإذا قلت: "لو" قام زيد لقام عمرو، فقيام زيد محكوم بانتفائه فيما مضى، وبكونه مستلزماً ثبوته لثبوت قيام عمرو. وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد، أو ليس له، لا تعرض في الكلام لذلك. ولكن الأكثر كون الأول والثاني غير واقعين.
وقد عبر ابن مالك، رحمه الله، عن معنى لو بثلاث عبارات، حسنة، وافية بالمراد.
الأولى: قوله في التسهيل: "لو" حرف شرط يقتضي نفي ما يلزم لثبوته ثبوت غيره.
والثانية: قوله في بعض نسخ التسهيل: "لو" حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه.
والثالثة: قوله في شرح الكافية: "لو" حرف يدل على امتناع تال، يلزم لثبوته ثبوت تاليه.
وقال ابنه، رحمهما الله، ولا شك أن ما قال - يعني أباه - في تفسير "لو" أحسن وأدل على معنى "لو". غير أن ما قالوه، عندي، تفسير صحيح، واف بشرح معنى "لو". وهو الذي قصد سيبويه، من قوله: "لو" لما كان سيقع لوقوع غيره. يعني أنها تقتضي فعلاً ماضياً، كان يتوقع ثبوته، لثبوت غيره، والمتوقع غير واقع. فكأنه قال: "لو" حرف يقتضي فعلاً، امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته.
وهو نحو مما قاله غيره. فلنرجع إلى بيان صحته فنقول: قولهم: "لو": حرف يدل على امتناع الثاني، لامتناع الأول يستقيم على وجهين: الأول: أن يكون المراد أن يكون المراد أن جواب "لو" ممتنع، لامتناع الشرط، غير ثابت لثبوت غيره، بناء منهم على مفهوم الشرط، في حكم اللغة، لا في حكم العقل.
والثاني: أن يكون المراد أن جواب "لو" ممتنع، لامتناع شرطه، وقد يكون ثابتاً لثبوت غيره، لأنها إذا كانت تقتضي نفي تاليها، واستلزامه لتاليه، فقد دلت على امتناع الثاني، لامتناع الأول، لأنه متى انتفى شيء انتفى مساويه في اللزوم، مع احتمال أن يكون ثابتاً، لثبوت أمر آخر. فإذا قلت: "لو" كانت الشمس طالعة كان الضوء موجوداً، فلا بد من انتفاء القدر المساوي منه للشرط. فصح إذاً أن يقال: "لو" حرف، يدل على امتناع الثاني لامتناع الأول. انتهى كلامه مختصراً. وهذا الوجه الثاني هو الذي قرره في شرح الألفية. وهو كلام حسن.
وقال الشلوبين: "لو" ليست موضوعة للدلالة على الامتناع، بل موضوعها ما نص عليه سيبويه، من أنها تقتضي لزوم جوابها
لشرطها فقط. قلت: وفيها، مع ذلك، دلالة على امتناع شرطها. وذلك مفهوم من عبارة سيبويه، رحمه الله. فإنه نص على أنها للتعليق في الماضي بقوله لما كان. ومن ضرورة كونها للتعليق، في الماضي، أن يكون شرطها منفي الوقوع، لأنه لو كان ثابتاً لكان الجواب كذلك. فتكون حينئذ حرف إيجاب لإيجاب. وليس ذلك معناها.
وقال بعض النحويين: لو لها أربعة أحوال:
الأول: أن تكون حرف امتناع لامتناع. وذلك إذا دخلت على موجبين، نحو: "لو" قام زيد لقام عمرو.
والثاني: أن تكون حرف وجوب لوجوب. وذلك إذا دخلت على منفيين، نحو: "لو" "لم" يقم زيد "لم" يقم عمرو.
والثالث: أن تكون حرف وجوب لامتناع. وذلك إذا دخلت على موجب، وبعده منفي، نحو: "لو" قام زيد "لم" يقم عمرو.
والرابع: أن تكون حرف امتناع لوجوب. وذلك إذا دخلت على منفي، بعده موجب، نحو: "لو" "لم" يقم زيد قام عمرو.
وهذا لا تحقيق فيه. بل هي، في ذلك كله، حرف امتناع لامتناع. ففي المثال الأول، دلت على امتناع قيام عمرو، لامتناع قيام زيد. وفي الثاني، دلت على امتناع عدم قيام عمرو، لامتناع عدم قيام زيد. ويلزم، من امتناع عدم قيامهما، وجود قيامهما. وفي الثالث، دلت على امتناع قيام عمرة، لامتناع قيام زيد. وفي الرابع، دلت على امتناع قيام عمرو، لامتناع عدم قيام زيد. فتأمل ذلك.
وقد بسطت الكلام على معنى "لو" في غير هذا الكتاب. وأفردت له أورقاً. وفيما ذكرته هنا كفاية. ويتعلق ب "لو" الامتناعية مسائل، لابد هنا من الإشارة إليها:
الأولى: أنها مثل "إن" الشرطية، في الاختصاص بالفعل. فلا يليها إلا فعل، أو معمول فعل مضمر، يفسره ظاهر بعده، كقول همر: "لو" غيرك قالها، يا أبا عبيدة. وقال ابن عصفور: لا يليها فعل مضمر، إلا في الضرورة، كقول الشاعر:
أخلاء، لو غير الحمام أصابكم
أو نادر كلام، كقول حاتم: "لو" ذات سوار لطمتني. قلت: والظاهر أن ذلك لا يختص بالضرورة، والنادر. بل يكون في فصيح الكلام، كقوله تعالى: {قل: لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي}. حذف الفعل، فانفصل الضمير.
وانفردت "لو" بمباشرة "أن"، كقوله تعالى: {ولو أنهم صبروا}. وهو كثير. واختلف في موضع "أن" بعد "لو". فذهب سيبويه إلى أنها في موضع رفع بالابتداء. وشبه شذوذ ذلك بانتصاب غدوة بعد "لدن". وذهب الكوفيون، والمبرد، والزجاج، وكثير من النحويين، إلى أنها فاعل بفعل مقدر، تقديره: ولو ثبت أنهم. وهو أقيس، إبقاء للاختصاص. وقول ابن مالك، في شرح الكافية: وزعم الزمخشري أن بين "لو" و"أن": ثبت مقدراً، قد يوهم انفراده بذلك.
فإن قلت: إذا جعلت مبتدأ، على مذهب سيبويه، فما الخبر؟ قلت: قال ابن هشام الخضراوي: مذهب سيبويه، والبصريين، أن الخبر محذوف. وقال غيره: مذهب سيبويه أنها لا تحتاج إلى خبر، لانتظام المخبر عنه والخبر بعد "أن". وذكر ابن مالك أن "لو" قد يليها مبتدأ وخبر. كقول الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان، بالماء اعتصاري.
قيل: وهو مذهب الكوفيين. ومنع ذلك غيرهم، وتأولوا ما ورد منه. فتأول ابن خروف البيت، على إضمار كان الشأنية وتأوله
الفارسي على أن حلقي فاعل فعل مقدر، يفسره شرق، وشرق خبر مبتدأ محذوف، أي: هو شرق. وفيه تكلف.
الثانية: ذكر الزمخشري أن خبر أن الواقعة بعد "لو" يلزم كونه فعلاً. ونقل بعضهم ذلك عن السيرافي. قال الشيخ أبو حيان: وهو وهم، وخطأ فاحش؛ قال الله تعالى: {ولو أن ما في الأرض، من شجرة، أقلام}. وقال الشاعر: و"لو" أنها عصفورة لحسبتها وقال ابن مالك: وقد حمل الزمخشري ادعاؤه إضمار ثبت بين "لو" و"أن" على التزام كون الخبر فعلاً، ومنعه أن يكون اسماً، و"لو" كان بمعنى فعل، نحو: "لو" أن زيداً حاضر. وما منعه شائع، ذائع في كلام العرب، كقوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض، من شجرة، أقلام}، وكقول الراجز:
لو أن حياً مدرك الفلاح ... أدركه ملاعب الرماح
قلت: الذي ينبغي أن يحمل عليه الكلام الزمخشري أنه منع كون خبرها اسماً مشتقا، والتزم الفعل حينئذ، إمكان صوغه، قضاء لحق طلبها للفعل. وأما إذا كان الاسم جامداً فيجوز، لتعذر صوغ الفعل منه، كما فصل ابن الحاجب؛ ألا ترى قوله في المفصل: ولو قلت: "لو" أن زيداً حاضر لأكرمته، "لم" يجز. و"لم" يتعرض لغير المشتق. وإذا حمل على هذا لم يرد عليه قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض، من شجرة، أقلام}، و"لا" نحو و"لو" أنها عصفورة. وإنما يرد عليه: "لو" أن حياً مدرك الفلاح. وللمجيب عنه أن يقول: إن هذا البيت، ونحوه، من النادر، فلا يرد عليه.
الثالثة: "لو" الامتناعية تصرف المضارع إلى المضي، كقول الشاعر:
لو يسمعون كما سمعت، حديثها ... خروا، لعزة، ركعاً، وسجودا
فهي في ذلك عكس "إن" الشرطية، لأنها تصرف الماضي إلى الاستقبال. واختلف في عد "لو" من حروف الشرط. فقال الزمخشري، وابن مالك: "لو" حرف شرط. وأبي قوم تسميتها حرف شرط، لأن حقيقة الشرط إنما تكون في الاستقبال، و"لو" إنما هي للتعليق في المضي، فليست من أدوات الشرط.
الرابعة: لا يكون جواب "لو" إلا فعلاً ماضياً، مثبتاً، أو منفياً ب "ما"، أو مضارعاً مجزوماً ب "لم". والأكثر في الماضي المثبت اقترانه "باللام". وقد يحذف كقوله تعالى: {لو نشاء جعلناه أجاجاً}. وقل دخولها على المنفي ب "ما" كقول الشاعر:
كذبت، وبيت الله، لو كنت صادقاً ... لما سبقتني، بالبكاء، الحمائم
وإن ورد "ما" ظاهره خلاف ذلك جعل الجواب محذوفاً، كقوله تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة}. فالجواب محذوف، و"اللام" جواب قسم محذوف، أغنى عن جواب "لو"، خلافاً للزجاج. فإنه جعل لمثوبة جواب "لو"، قال: كأنه قيل: لأثيبوا.

القسم الثاني: "لو" الشرطية التي بمعنى "إن". فهذه مثل "إن" الشرطية، يليها المستقبل، وتصرف الماضي إلى الاستقبال. كقوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا، ولو كنا صادقين}، وكقوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم}، وقول الشاعر:
قوم، إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء، ولو باتت بأطهار
وقول الآخر:
لا يلفك الراجوك إلا مظهراً ... خلق الكرام، ولو تكون عديما
وكون "لو" بمعنى "إن" ذكره كثير من النحويين. وقال ابن الحاج، في نقده على ابن عصفور: هذا خطأ، والقاطع بذلك أنك لا تقول: "لو" يقوم زيد فعمرو منطلق، كما تقول: إلا يقم زيد فعمرو منطلق، وتأول قوله و"لو" باتت بأطهار. وقال بدر الدين بن مالك في شرح الألفية: وعندي أن "لولا" تكون لغير الشرط في الماضي، وما تمسكوا به، من نحو قوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم}، وقول الشاعر:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي، ودوني جندل، وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة، أوزقا ... إليها صدى، من جانب القبر، صائح
لا حجة فيه، لصحة حمله على المضي. انتهى.
وإذا دخلت "لو" على المستقبل فها تجزم أولا؟ زعم قوم أن الجزم بها لغة مطردة. وذهب قوم، منهم ابن الشجري، إلى أنه يجوز الجزم بها في الشعر. واستدلوا، بقول الشاعر:
لو يشأ طار، به، ذو ميعة ... لاحق الآطال، نهد، ذو خصل
وبقول الآخر:
تامت فؤادك، لو يحزنك ما صنعت ... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا
وتأول ابن مالك، في شرح الكافية هذين البيتين، وقال: لا حجة فيهما.

القسم الثالث: "لو" المصدرية. وعلامتها أن يصلح في موضعها "أن"، كقوله تعالى: {يود أحدهم لو يعمر}، ولا تحتاج إلى جواب. ولم يذكر الجمهور أن "لو" تكون مصدرية. وذكر ذلك الفراء، وأبو علي، والتبريزي، وأبو البقاء، وتبعهم ابن مالك. ومن أنكرها تأول الآية ونحوها، على حذف مفعول يود، وجواب "لو". أي: يود أحدهم طول العمر، "لو" يعمر ألف سنة لسر بذلك.
ولا تقع "لو" المصدرية غالباً، إلا بعد مفهم تمن، نحو: يود. وقل وقوعها بعد غير ذلك، كقول قتيلة بنت النضر:
ما كان ضرك لو مننت، وربما ... من الفتى، وهو المغيظ، المخنق

القسم الرابع: "لو" التي للتمني نحو: "لو" تأينا فتحدثنا، كما تقول: ليتك تأتينا فتحدثنا. ومن ذلك {فلو أن لنا كرة فنكون}. ولو هذه ك "ليت"، في نصب الفعل بعدها مقروناً "بالفاء".
واختلف فيها على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها قسم برأسه، فلا تجاب كجواب الامتناعية. نص عليه ابن الضائع، وابن هشام الخضراوي.
الثاني: أنها الامتناعية، أشربت معنى التمني. قال بعضهم: وهو الصحيح، لأنها قد جاء جوابها "باللام"، بعد جوابها "بالفاء"، في قول الشاعر:
فلو نبش المقابر، عن كليب ... فتخبر بالذنائب أي زير
بيوم الشعثمين لقرعيناً ... وكيف لقاء من تحت القبور؟
الثالث: أنها المصدرية أغنت عن التمني، لكونها لا تقع غالباً إلا بعد مفهم تمن. وهو قول ابن مالك. ونص على أن "لو"، في قوله تعالى
{فلو أن لنا كرة} مصدرية. واعتذر عن الجمع بينها وبين "أن" المصدرية، بوجهين:
أحدهما: أن التقدير: "لو" ثبت "أن".
والثاني: أن ذلك من باب التوكيد.
وذكر بعضهم ل "لو" قسماً آخر. وهو أن تكون للتقليل. كقولك: أعط المساكين و"لو" واحداً. وصل و"لو" الفريضة. قال: ومنه قوله تعالى: {ولو على أنفسكم}. وهذا، عند التحقيق، ليس بخارج عما تقدم. والله أعلم). [الجنى الداني:272 - 290]


رد مع اقتباس