الموضوع: لو
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 02:36 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("لو"
"لو": على خمسة أوجه:
أحدها: "لو" المستعملة، في نحو: "لو" جاءني لأكرمته، وهذه تفيد ثلاثة أمور:
أحدها: الشّرطيّة، أعني عقد السّببيّة والمسببية بين الجملتين بعدها.
والثّاني: تقييد الشّرطيّة بالزمن الماضي، وبهذا الوجه وما يذكر بعده فارقت "إن"، فإن تلك لعقد السّببيّة والمسببية في المستقبل، ولهذا قالوا الشّرط "بإن" سابق على الشّرط "بلو"؛ وذلك لأن الزّمن المستقبل سابق على الزّمن الماضي، عكس ما يتوهّم المبتدئون، ألا ترى أنّك تقول "إن" جئتني غدا أكرمتك، فإذا انقضى الغد ولم يجيء قلت: "لو" جئتني أمس أكرمتك.
الثّالث: الامتناع، وقد اختلف النّحاة في إفادتها له وكيفيّة إفادتها إيّاه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّها لا تفيده بوجه، وهو قول الشلوبين زعم أنّها لا تدل على امتناع الشّرط ولا على امتناع الجواب، بل على التّعليق في الماضي، كما دلّت "إن" على التّعليق في المستقبل، ولم تدل بالإجماع على امتناع ولا ثبوت، وتبعه على هذا القول ابن هشام الخضراوي،
وهذا الّذي قالاه كإنكار الضروريات إذ فهم الامتناع منها كالبديهي، فإن كل من سمع "لو" فعل فهم عدم وقوع الفعل من غير تردد، ولهذا يصح في كل موضع استعملت فيه أن تعقبه بحرف الاستدراك داخلا على فعل الشّرط منفيا لفظا أو معنى، تقول: "لو" جاءني أكرمته لكنه "لم" يجيء، ومنه قوله:
ولو أنما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وقوله:
فلو كان حمد يخلد النّاس لم تمت ... ولكن حمد النّاس ليس بمخلد
ومنه قوله تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنّم}، أي: ولكن "لم" أشأ ذلك فحق القول مني، وقوله تعالى: {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم}، أي: "فلم" يركموهم كذلك، وقول الحماسي:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
ثمّ قال:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشّرّ في شيء وإن هانا
إذ المعنى لكنني لست من مازن، بل من قوم ليسوا في شيء من الشّرّ وإن هان وإن كانوا ذوي عدد، فهذه المواضع ونحوها بمنزلة قوله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشّياطين كفروا}،{فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}،{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}.
والثّاني: أنّها تفيد امتناع الشّرط وامتناع الجواب جميعًا، وهذا هو القول الجاري على ألسنة المعربين، ونصّ عليه جماعة من النحويين
وهو باطل بمواضع كثيرة منها قوله تعالى: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا}،{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله}، وقول عمر رضي الله عنه: (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)، وبيانه أن كل شيء امتنع ثبت نقيضه، فإذا امتنع ما قام ثبت قام وبالعكس، وعلى هذا فيلزم على هذا القول في الآية الأولى ثبوت إيمانهم مع عدم نزول الملائكة، وتكليم الموتى لهم، وحشر كل شيء عليهم، وفي الثّانية نفاد الكلمات مع عدم كون كل ما في الأرض من شجرة أقلاما تكتب الكلمات، وكون البحر الأعظم بمنزلة الدواة، وكون السّبعة الأبحر مملوءة مدادا وهي تمد ذلك البحر، ويلزم في الأثر ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف، وكل ذلك عكس المراد.
والثّالث: أنّها تفيد امتناع الشّرط خاصّة، ولا دلالة لها على امتناع الجواب ولا على ثبوته، ولكنه إن كان مساويا للشّرط في العموم كما في قولك: "لو" كانت الشّمس طالعة كان النّهار موجودا، لزم انتفاؤه؛ لأنّه يلزم من انتفاء السّبب المساوي انتفاء مسببه وإن كان أعم ،كما في قولك: "لو" كانت الشّمس طالعة كان الضّوء موجودا، فلا يلزم انتفاؤه، وإنّما يلزم انتفاء القدر المساوي منه للشّرط، وهذا قول المحقّقين.
ويتلخص على هذا أن يقال إن "لو" تدل على ثلاثة أمور: عقد السّببيّة والمسببية، وكونهما في الماضي، وامتناع السّبب، ثمّ تارة يعقل بين الجزأين ارتباط مناسب، وتارة لا يعقل.
فالنوع الأول على ثلاثة أقسام:
ما يوجب فيه الشّرع أو العقل انحصار مسببية الثّاني في سببيّة الأول، نحو: {ولو شئنا لرفعناه بها}، ونحو: "لو" كانت الشّمس طالعة كان النّهار موجودا، وهذا يلزم فيه من امتناع الأول امتناع الثّاني قطعا.
وما يوجب أحدهما فيه عدم الانحصار المذكور، نحو: "لو" نام لانتقض وضوؤه، ونحو: "لو" كانت الشّمس طالعة كان الضّوء موجودا، وهذا لا يلزم فيه من امتناع الأول امتناع الثّاني كما قدمنا.
وما يجوز فيه العقل، ذلك نحو: "لو" جاءني أكرمته، فإن العقل يجوز انحصار سبب الإكرام في المجيء، ويرجحه أن ذلك هو الظّاهر من ترتيب الثّاني على الأول، وأنه المتبادر إلى الذّهن واستصحاب الأصل.
وهذا النّوع يدل فيه العقل على انتفاء المسبّب المساوي لانتفاء السّبب، لا على الانتفاء مطلقًا، ويدل الاستعمال والعرف على الانتفاء المطلق.
والنّوع الثّاني قسمان:
أحدهما: ما يراد فيه تقرير الجواب وجد الشّرط أو فقد، ولكنه مع فقده أولى، وذلك كالأثر عن عمر فإنّه يدل على تقرير عدم العصيان على كل حال، وعلى أن انتفاء المعصية مع ثبوت الخوف أولى، وإنّما لم تدل على انتفاء الجواب لأمرين:
أحدهما: أن دلالتها على ذلك إنّما هو من باب مفهوم المخالفة، وفي هذا الأثر دلّ مفهوم الموافقة على عدم المعصية؛ لأنّه إذا انتفت المعصية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى، وإذا تعارض هذان المفهومان قدم مفهوم الموافقة.
الثّاني: أنه لما فقدت المناسبة انتفت العلية، فلم يجعل عدم الخوف علّة عدم المعصية، فعلمنا أن عدم معلل بأمر آخر وهو الحياء والمهابة والإجلال والإعظام، وذلك مستمر مع الخوف، فيكون عدم المعصية عند عدم الخوف مستندا إلى ذلك السّبب وحده، وعند الخوف مستندا إليه فقط أو إليه وإلى الخوف معًا، وعلى ذلك تتخرج آية لقمان؛ لأن العقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفذ مع كثرة هذه الأمور فلأن لا تنفذ مع قلتها وعدم بعضها أولى، وكذا {ولو سمعوا ما استجابوا لكم}، لأن عدم الاستجابة عند عدم السماع أولى، وكذا {ولو أسمعهم لتولوا}، فإن التولي عند عدم الإسماع أولى، وكذا {لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق}، فإن الإمساك عند عدم ذلك أولى.
والثّاني: أن يكون الجواب مقررا على كل حال من غير تعرض لأولوية، نحو: {ولو ردوا لعادوا}، فهذا وأمثاله يعرف ثبوته بعلة أخرى مستمرة على التّقديرين، والمقصود في هذا القسم تحقيق ثبوت الثّاني، وأما الامتناع في الأول فإنّه وإن كان حاصلا لكنه ليس المقصود.
وقد اتّضح أن أفسد تفسير لـ "لو" قول من قال حرف امتناع لامتناع، وأن العبارة الجيدة قول سيبويه رحمه الله حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وقول ابن مالك حرف يدل على انتفاء تال، ويلزم لثبوته ثبوت تاليه، ولكن قد يقال إن في عبارة سيبويه إشكالًا ونقصا، فأما الإشكال فإن "اللّام" من قوله لوقوع غيره في الظّاهر "لام" التّعليل، وذلك فاسد فإن عدم نفاد الكلمات ليس معللا بأن ما في الأرض من شجرة أقلام وما بعده، بل بأن صفاته سبحانه لا نهاية لها، والإمساك خشية الإنفاق ليس معللا بملكهم خزائن رحمة الله، بل بما طبعوا عليه من الشّح، وكذا التولي وعدم الاستجابة ليسا معللين بالسّماع، بل بما هم عليه من العتو والضلال، وعدم معصيّة صهيب ليست معللة بعدم الخوف بل بالمهابة.
والجواب أن تقدر "اللّام" للتوقيت مثلها في: {لا يجليها لوقتها إلّا هو}،أي: إن الثّاني يثبت عند ثبوت الأول، وأما النّقص فلأنّها لا تدل على أنّها دالّة على امتناع شرطها، والجواب أنه مفهوم من قوله: ما كان سيقع، فإنّه دليل على أنه لم يقع.
نعم في عبارة ابن مالك نقص، فإنّها لا تفيد أن اقتضاءها للامتناع في الماضي، فإذا قيل "لو" حرف يقتضي في الماضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه كان ذلك أجود العبارات.

تنبيهان
الأول: اشتهر بين النّاس السّؤال عن معنى الأثر المرويّ عن عمر رضي الله عنه، وقد وقع مثله في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كلام الصّديق رضي الله عنه، وقل من يتنبّه لهما، فالأول قوله عليه الصّلاة والسّلام في بنت أبي سلمة إنّها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنّها لابنة أخي من الرضاعة، فإن حلها له عليه الصّلاة والسّلام منتفٍ من جهتين ،كونها ربيبته في حجرة، وكونها ابنة أخيه من الرضاعة كما أن معصيّة صهيب منتفية من جهتي المخافة والإجلال، والثّاني قوله رضي الله عنه لما طول في صلاة الصّبح وقيل له كادت الشّمس تطلع، "لو" طلعت ما وجدتنا غافلين لأن الواقع عدم غفلتهم، وعدم طلوعها، وكل منهما يقتضي أنّها لم تجدهم غافلين، أما الأول فواضح، وأما الثّاني فلأنّها إذا لم تطلع لم تجدهم البتّة لا غافلين ولا ذاكرين.
الثّاني: لهجت الطّلبة بالسؤال عن قوله تعالى:{ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}، وتوجيهه أن الجملتين يتركب منهما قياس، وحينئذٍ فينتج "لو" علم الله فيهم خيرا لتولوا، وهذا مستحيل.
والجواب من ثلاثة أوجه: اثنان يرجعان إلى نفي كونه قياسا، وذلك بإثبات اختلاف الوسط.
أحدهما: أن التّقدير لأسمعهم إسماعا نافعًا، و"لو" أسمعهم إسماعا غير نافع لتولوا.
والثّاني: أن تقدر و"لو" أسمعهم على تقدير عدم علم الخير فيهم.
والثّالث: بتقدير كونه قياسا متحد الوسط صحيح الانتاج، والتّقدير: و"لو" علم الله فيهم خيرا وقتا ما لتولوا بعد ذلك الوقت.
الثّاني من أقسام "لو":
أن تكون حرف شرط في المستقبل إلّا أنّها لا تجزم.
كقوله:
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة ... لصوت صدى ليلى يهش ويطرب
وقول توبة:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... عليّ ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
وقوله:
لا يلفك الراجيك إلّا مظهرا ... خلق الكرام ولو تكون عديما
وقوله تعالى:{وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم}، أي: وليخش الّذين إن شارفوا وقاربوا أن يتركوا، وإنّما أولنا التّرك بمشارفة التّرك؛ لأن الخطاب للأوصياء، وإنّما يتوجّه إليهم قبل التّرك لأنهم بعده أموات، ومثله:{لا يؤمنون به حتّى يروا العذاب الأليم}، أي: حتّى يشارفوا رؤيته ويقاربوها لأن بعده {فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون}، وإذا رأوه ثمّ جاءهم لم يكن مجيئة لهم بغتة وهم لا يشعرون، ويحتمل أن تحمل الرّؤية على حقيقتها، وذلك على أن يكونوا يرونه فلا يظنّونه عذابا مثل:{وإن يروا كسفا من السّماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم}، أو يعتقدونه عذابا، ولا يظنّونه واقعا بهم، وعليهما فيكون أخذه لهم بغتة بعد رؤيته، ومن ذلك:{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت}، أي: إذا قارب حضوره {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهن}؛ لأن بلوغ الأجل انقضاء العدة، وإنّما الامساك قبله.
وأنكر ابن الحاج في نقده على المقرب مجيء "لو" للتعليق في المستقبل، قال: ولهذا لا تقول: "لو" يقوم زيد فعمرو منطلق، كما تقول ذلك مع "إن".
وكذلك أنكره بدر الدّين ابن مالك، وزعم أن إنكار ذلك قول أكثر المحقّقين قال وغاية ما في أدلّة من أثبت ذلك أن ما جعل شرطا "للو" مستقبل في نفسه أو مقيّد بمستقبل، وذلك لا ينافي امتناعه فيما مضى لامتناع غيره، ولا يحوج إلى إخراج "لو" عمّا عهد فيها من المضيّ انتهى.
وفي كلامه نظر في مواضع:
أحدها: نقله عن أكثر المحقّقين فإنّا لا نعرف من كلامهم إنكار ذلك، بل كثير منهم ساكت عنه، وجماعة منهم أثبتوه.
والثّاني: أن قوله وذلك لا ينافي إلى آخره مقتضاه أن الشّرط يمتنع لامتناع الجواب، والّذي قرّره هو وغيره من مثبتي الامتناع فيهما أن الجواب هو الممتنع لامتناع الشّرط، ولم نر أحدا صرح بخلاف ذلك إلّا ابن الحاجب وابن الخباز.
فأما ابن الحاجب: فإنّه قال في أماليه ظاهر كلامهم أن الجواب امتنع لامتناع الشّرط؛ لأنهم يذكرونها مع "لولا"، فيقولون: "لولا" حرف امتناع لوجود، والممتنع مع "لولا" هو الثّاني قطعا، فكذا يكون قولهم في "لو" وغير هذا القول أولى؛ لأن انتفاء السّبب لا يدل على انتفاء مسببه، لجواز أن يكون ثمّ أسباب أخر، ويدل على هذا:{لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا} فإنّها مسوقة لنفي التّعدّد في الآلهة بامتناع الفساد لا أن امتناع الفساد لامتناع الآلهة؛ لأنّه خلاف المفهوم من سياق أمثال هذه الآية، ولأنّه لا يلزم من انتفاء الآلهة انتفاء الفساد لجواز وقوع ذلك، وإن لم يكن تعدد في الآلهة؛ لأن المراد بالفساد فساد نظام العالم عن حالته، وذلك جائز أن يفعله الإله الواحد سبحانه انتهى.
وهذا الّذي قاله خلاف المتبادر في مثل: "لو" جئتني أكرمتك، وخلاف ما فسروا به عبارتهم إلّا بدر الدّين، فإن المعنى انقلب عليه لتصريحه أولا بخلافه، وإلّا ابن الخباز فإنّه من ابن الحاجب أخذ، وعلى كلامه اعتمد، وسيأتي البحث معه.
وقوله المقصود نفي التّعدّد لانتفاء الفساد مسلم، ولكن ذاك اعتراض على من قال إن "لو" حرف امتناع لامتناع، وقد بينا فساده.
فإن قال إنّه على تفسيري لا اعتراض عليهم، قلنا فما تصنع بـ "لو" جئتني لأكرمتك، و {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم}؛ فإن المراد نفي الإكرام والإسماع لانتفاء المجيء، وعلم الخير فيهم لا العكس.
وأما ابن الخباز فإنّه قال في شرح الدرة، وقد تلا قوله تعالى:{ولو شئنا لرفعناه بها}، يقول النحويون إن التّقدير: لم نشأ فلم نرفعه. والصّواب: لم نرفعه فلم نشأ؛ لأن نفي اللّازم يوجب نفي الملزوم، ووجود الملزوم يوجب وجود اللّازم، فيلزم من وجود المشيئة وجود الرّفع، ومن نفي الرّفع نفي المشيئة انتهى.
والجواب أن الملزوم هنا مشيئة الرّفع لا مطلق المشيئة، وهي مساوية للرفع، أي: متى وجدت وجد، ومتى انتفت انتفى، وإذا كان اللّازم والملزوم بهذه الحيثيّة لزم من نفي كل منهما انتفاء الآخر.
الاعتراض الثّالث على كلام بدر الدّين أن ما قاله من التّأويل ممكن في بعض المواضع دون بعض، فمما أمكن فيه قوله تعالى:{وليخش الّذين لو تركوا} الآية، إذ لا يستحيل أن يقال: "لو" شارفت فيما مضى أنّك تخلف ذرّيّة ضعافا لخفت عليهم، لكنك لم تشارف ذلك فيما مضى، وممّا لا يمكن ذلك فيه قوله تعالى:{وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين}،ونحو ذلك.
وكون "لو" بمعنى "إن" قاله كثير من النّحويين في نحو:{وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين}،{ليظهره على الدّين كله ولو كره المشركون}،
{قل لا يستوي الخبيث والطّيب ولو أعجبك كثرة الخبيث}،{ولو أعجبتكم}،{ولو أعجبكم}،{ولو أعجبك حسنهنّ}، ونحو: أعطوا السّائل و"لو" جاء على فرس، وقوله:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بأطهار
وأما نحو:{ولو ترى إذ وقفوا على النّار}،{أن لو نشاء أصبناهم}، وقول كعب رضي الله عنه:
... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
فمن القسم الأول لا من هذا القسم؛ لأن المضارع في ذلك مراد به المضيّ، وتقرير ذلك أن تعلم أن خاصية "لو" فرض ما ليس بواقع واقعا، ومن ثمّ انتفى شرطها في الماضي، والحال لما ثبت من كون متعلقها غير واقع، وخاصية إن تعليق أمر بأمر مستقبل محتمل، ولا دلالة لها على حكم شرطها في الماضي، والحال فعلى هذا قوله:
... ولو باتت بأطهار
يتعيّن فيه معنى "إن" لأنّه خبر عن أمر مستقبل محتمل، أما استقباله فلأن جوابه محذوف دلّ عليه شدوا، وشدوا مستقبل، لأنّه جواب "إذا"، وأما احتماله فظاهر، ولا يمكن جعلها امتناعية للاستقبال والاحتمال، ولأن المقصود تحقق ثبوت الطّهر لا امتناعه.
وأما قوله:
ولو تلتقي ... البيت
وقوله:
ولو أن ليلى ... البيت
فيحتمل أن "لو" فيهما بمعنى "إن"، على أن المراد مجرّد الإخبار بوجود ذلك عند وجود هذه الأمور في المستقبل، ويحتمل أنّها على بابها، وأن المقصود فرض هذه الأمور واقعة، والحكم عليها مع العلم بعدم وقوعها.
والحاصل أن الشّرط متى كان مستقبلا محتملا، وليس المقصود فرضه الآن أو فيما مضى، فهي بمعنى "إن"، ومتى كان ماضيا أو حالا أو مستقبلا، ولكن قصد فرضه الآن أو فيما مضى فهي الامتناعية.
والثّالث: أن تكون حرفا مصدريا بمنزلة "أن" إلّا أنّها لا تنصب، وأكثر وقوع هذه بعد ود أو يود، نحو:{ودوا لو تدهن}،{يود أحدهم لو يعمر}، ومن وقوعها بدونهما قول قتيلة:
ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
وقول الأعشى:
وربما فات قوما جلّ أمرهم ... من التأني وكان الحزم لو عجلوا
وقول امرئ القيس:
تجاوزت أحراسا عليها ومعشرا ... عليّ حراصا لو يسرون مقتلي
وأكثرهم لم يثبت ورود "لو" مصدريّة، والّذي أثبته الفراء وأبو عليّ وأبو البقاء والتبريزي وابن مالك، ويقول المانعون في نحو: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة}، إنّها شرطيّة، وإن مفعول يود وجواب "لو" محذوفان، والتّقدير: يود أحدهم التّعمير "لو" يعمر ألف ستّة لسره ذلك، ولا خفاء بما في ذلك من التّكلّف.
ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم:{ودوا لو تدهن فيدهنون} بحذف "النّون"، فعطف يدهنوا بالنّصب على تدهن لما كان معناه أن تدهن،
ويشكل عليهم دخولها على "أن"، في نحو:{وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا}.
وجوابه أن "لو" إنّما دخلت على فعل محذوف مقدّر بعد "لو"، تقديره: تود "لو" ثبت "أن" بينها.
وأورد ابن مالك السّؤال في:{فلو أن لنا كرة}، وأجاب بما ذكرنا، وبأن هذا من باب توكيد اللّفظ بمرادفه، نحو:{فجاجا سبلا}، والسّؤال في الآية مدفوع من أصله؛ لأن "لو" فيها ليست مصدريّة، وفي الجواب الثّاني نظر، لأن توكيد الموصول قبل مجيء صلته شاذ، كقراءة زيد بن عليّ:{والّذين من قبلكم}، بفتح "الميم".
والرّابع: أن تكون للتّمنّي، نحو: "لو" تأتيني فتحدثني، قيل ومنه:{لو أن لنا كرة}، أي: فليت لنا كرة، ولهذا نصب {فنكون} في جوابها ،كما انتصب{فأفوز} في جواب "ليت" في:{يا ليتني كنت معهم فأفوز}، ولا دليل على هذا لجواز أن يكون النصب في:{فنكون}، مثله في:{إلّا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا}، وقول ميسون:
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إليّ من لبس الشفوف
واختلف في "لو" هذه، فقال ابن الضائع وابن هشام: هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشّرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب "ليت"، وقال بعضهم هي "لو" الشّرطيّة أشربت معنى التّمنّي، بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين: جواب منصوب بعد "الفاء"، وجواب "بالّلام" ،كقوله:
فلو نبش المقابر عن كليب ... فيخبر بالذنائب أي زير

بيوم الشعثمين لقر عينا ... وكيف لقاء من تحت القبور
وقال ابن مالك: هي "لو" المصدرية أغنت عن فعل التّمنّي، وذلك أنه أورد قول الزّمخشريّ، وقد تجيء "لو" في معنى التّمنّي في نحو: "لو" تأتيني فتحدثني، فقال إن أراد أن الأصل: وددت "لو" تأتيني فتحدثني، فحذف فعل التّمنّي لدلالة "لو" عليه فأشبهت "ليت" في الإشعار بمعنى التّمنّي، فكان لها جواب كجوابها فصحيح، أو أنّها حرف وضع للتّمنّي "كليت"، فممنوع لاستلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التّمنّي، كما لا يجمع بينه وبين "ليت" انتهى.
الخامس: أن يكون للعرض، نحو: "لو" تنزل عندنا فتصيب خيرا ذكره في التسهيل.
وذكر ابن هشام اللّخميّ وغيره لها معنى آخر، وهو القليل، نحو: تصدقوا و"لو" بظلف محرق، وقوله تعالى:{ولو على أنفسكم}، وفيه نظر.
وهنا مسائل:
إحداها: أن "لو" خاصّة بالفعل، وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره ما بعده، أو اسم منصوب كذلك، أو خبر "لكان" محذوفة، أو اسم هو في الظّاهر مبتدأ وما بعده خبر.
فالأول: كقولهم "لو" ذات سوار لطمتني.
وقول عمر رضي الله عنه: "لو" غيرك قالها يا أبا عبيدة.
وقوله:
لو غيركم علق الزبير بحبله ... أدّى الجوار إلى بني العوام
والثّاني: نحو: "لو" رأيته أكرمته.
والثّالث: نحو: التمس و"لو" خاتمًا من حديد، واضرب و"لو" زيدا، وألا ماء و"لو" باردًا، وقوله:
لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل
واختلف في:{قل لو أنتم تملكون}، فقيل من الأول، والأصل: "لو" تملكون تملكون، فحذف الفعل الأول، فانفصل الضّمير، وقيل من الثّالث، أي: "لو" كنتم تملكون، ورد بأن المعهود بعد "لو" حذف "كان" ومرفوعها معًا، فقيل الأصل: "لو" كنتم أنتم تملكون، فحذفا وفيه نظر للجمع بين الحذف والتوكيد.
والرّابع: نحو قوله:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
وقوله:
لو في طهية أحلام لما عرضوا ... دون الّذي أنا أرميه ويرميني
واختلف فيه، فقيل محمول على ظاهره، وإن الجملة الاسمية، وليتها شذوذا كما قيل في قوله:
... فهلا نفس ليلى شفيعها
وقال الفارسي هو من النّوع الأول، والأصل: "لو" شرق حلقي هو شرق، فحذف الفعل أولا، والمبتدأ آخرا.
وقال المتنبي:
ولو قلم ألقيت في شقّ رأسه ... من السقم ما غيرت من خطّ كاتب
فقيل لحن؛ لأنّه لا يمكن أن يقدر، و"لو" ألقى قلم، وأقول روي بنصب قلم ورفعه، وهما صحيحان، والنّصب أوجه بتقدير، و"لو" لابست قلما، كما يقدر في نحو: زيدا حبست عليه، والرّفع بتقدير فعل دلّ عليه المعنى، أي: و"لو" حصل قلم، أي: و"لو" لوبس قلم، كما قالوا في قوله:
إذا ابن أبي موسى بلالًا بلغته ...
فيمن رفع ابنا إن التّقدير: إذا بلغ، وعلى الرّفع فيكون ألقيت صفة لقلم.
و"من" الأولى تعليلية على كل حال متعلقة بألقيت لا بغيرت لوقوعه في حيّز "ما" النافية، وقد تعلق بغيرت؛ لأن مثل ذلك يجوز في الشّعر
كقوله:
ونحن عن فضلك ما استغنينا
المسألة الثّانية: تقع "أن" بعدها كثيرا، نحو:{ولو أنهم آمنوا}،{ولو أنهم صبروا}،{ولو أنا كتبنا عليهم}،{ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به}. وقوله:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ...
وموضعها عند الجميع رفع، فقال سيبويه بالابتداء، ولا تحتاج إلى خبر لاشتمال صلتها على المسند، والمسند إليه، واختصت من بين سائر ما يؤول بالاسم بالوقوع بعد "لو"، كما اختصّت غدوة بالنّصب بعد "لدن"، والحين بالنّصب بعد "لات".
وقيل على الابتداء، والخبر محذوف، ثمّ قيل يقدر مقدما، أي: و"لو" ثابت إيمانهم على حد {وآية لهم أنا حملنا}.
وقال ابن عصفور بل يقدر هنا مؤخرا، ويشهد له أنه يأتي مؤخرا بعد، أما كقوله:
عندي اصطبار وأما أنني جزع ... يوم النّوى فلوجد كاد يبريني
وذلك لأن "لعلّ" لا تقع هنا، فلا تشتبه "أن" المؤكّدة، إذا قدمت بالّتي بمعنى "لعلّ"، فالأولى حينئذٍ أن يقدر مؤخرا على الأصل، أي: و"لو" إيمانهم ثابت.
وذهب المبرد والزجاج والكوفيون إلى أنه على الفاعلية، والفعل مقدّر بعدها، أي: و"لو" ثبت أنهم آمنوا، ورجح بأن فيه إبقاء "لو" على الاختصاص بالفعل.
قال الزّمخشريّ: ويجب كون "أن" فعلا ليكون عوضا من الفعل المحذوف، ورده ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام}.
وقالوا إنّما ذاك في الخبر المشتقّ لا الجامد كالّذي في الآية.
وفي قوله:
ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر ... تنبو الحوادث عنه وهو ملموم
وقوله:
ولو أنّها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدا وأزنما
ورد ابن مالك قول هؤلاء بأنّه قد جاء اسما مشتقا، كقوله:
لو أن حيا مدرك الفلاح ... أدركه ملاعب الرماح
وقد وجدت آية في التّنزيل وقع فيها الخبر مشتقا، ولم يتنبّه لها الزّمخشريّ كما لم يتنبّه لآية لقمان، ولا ابن الحاجب، وإلّا لما منع من ذلك، ولا ابن مالك، وإلّا لما استدلّ بالشعر، وهي قوله تعالى:{يودوا لو أنهم بادون في الأعراب}، ووجدت آية الخبر فيها ظرف لغو، وهي:{لو أن عندنا ذكرا من الأوّلين}.
المسألة الثّالثة: لغلبة دخول "لو" على الماضي لم تجزم، و"لو" أريد بها معنى "إن" الشّرطيّة، وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة، وأجازه جماعة في الشّعر منهم ابن الشجري، كقوله:
لو يشأ طار به ذو ميعة ... لاحق الآطال نهد ذو خصل
وقوله:
تامت فؤادك ولو يحزنك ما صنعت ... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا
وقد خرج هذا على أن ضمة الإعراب سكنت تخفيفًا كقراءة أبي عمرو: {ينصركم} و{يشعركم} و{ويأمركم}.
والأول على لغة من يقول شا يشا "بألف"، ثمّ أبدلت "همزة" ساكنة، كما قيل العألم والخأتم، وهو توجيه قراءة ابن ذكوان: منسأته} "بهمزة" ساكنة، فإن الأصل:{منسأته} "بهمزة" مفتوحة مفعلة من نسأه إذا أخّره، ثمّ أبدلت "الهمزة" "ألفا"، ثمّ "الألف" "همزة" ساكنة.
الرّابعة: جواب "لو" إمّا مضارع منفي "بلم"، نحو: "لو" "لم" يخف الله "لم" يعصه، أو ماض مثبت، أو منفي "بما"، والغالب على المثبت دخول "الّلام" عليه، نحو:{لو نشاء لجعلناه حطاما}، ومن تجرده منها:{لو نشاء جعلناه أجاجا}، والغالب على المنفيّ تجرده منها،
نحو:{ولو شاء ربك ما فعلوه}، ومن اقترانه بها قوله:
ولو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع اللّيالي
ونظيره في الشذوذ اقتران جواب القسم المنفيّ "بما" بها، كقوله:
أما والّذي لو شاء لم يخلق النّوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
وقد ورد جواب "لو" الماضي مقرونا "بقد"، وهو غريب كقول جرير:
لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة ... تدع الحوائم لا يجدن غليلا
ونظيره في الشذوذ اقتران جواب "لولا" بها.
كقول جرير أيضا:
... لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
قيل وقد يكون جواب "لو" جملة اسمية مقرونة "بالّلام"، أو "بالفاء"، كقوله تعالى:{ولو أنهم آمنوا واتّقوا لمثوبة من عند الله خير}، وقيل هي جواب لقسم مقدّر، وقول الشّاعر:
قالت سلامة لم يكن لك عادة ... أن تترك الأعداء حتّى تعذرا
لو كان قتل يا سلام فراحة ... لكن فررت مخافة أن أوسرا ).
[مغني اللبيب: 3 / 367 - 442]


رد مع اقتباس