الموضوع: حرف الواو
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 26 ذو الحجة 1438هـ/17-09-2017م, 06:52 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "الواو"
باب "الواو" المفردة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "الواو"
اعلم أن "الواو" تكون في الكلام مفردةً ومركبةً مع غيرها من الحروف.

باب "الواو" المفردة
اعلم أنها تنقسمُ قسمين: قسمٌ أصلٌ وقسمٌ بدلٌ من أصلٍ.
فالقسم الأول التي تكون فيه أصلًا تنقسم قسمين: قسمٌ في أول اللفظ زائدةً، وقسمٌ موضوعة في نفس الكلمة.
فالقسمُ الأول التي تزيدُ على اللفظ أولًا لها ستةُ مواضع:
الموضع الأول: أن تكون للعطف وهي أم حروف العطف لكثرة استعمالها ودورها فيه، ومعناها الجمعُ والتشريك، ولا تخلو عن هذين المعنيين في عطف المفردات، لأنها لا تخلو أن تعطف مفردًا على مفرد أو جملة على جملة.
فإن عطفت مفردًا على مفردٍ فإنها تشرك بينهما في اللفظ والمعنى، أما اللفظ فهو الاسمية أو الفعلية والرفع والنصبُ والخفضُ والجزمُ، فيتبعُ الثاني الأول في اسمين من ستةٍ: في واحدٍ من الاسمية والفعلية، وفي واحدٍ من الرفع والنصب والخفض والجزم.
وأما المعنى فهو الجمعُ بين الاثنين في نفي الفعل أو إثباته نحو: قام زيدٌ
"و" عمروٌ، ورأيتُ زيدًا "و" عمرًا، ومررتُ بزيدٍ "و" عمروٍ، وزيدٌ يقوم "و" يقعدُ، ولن يقوم "و" لن يقعد، ولم يقم "و" لم يقعُد، وما زيدٌ قائمٌ "و" لا عمروٌ، وما قام "و" لا قعد زيدٌ، ولا يقومُ "و" لا يقعدُ زيدٌ.
فإن جاءت عاطفةً اسمًا على فعلٍ كقوله:
فألفيته يومًا يُبير عدوه ..... وبحر عطاء يستخف المعابرا
أو فعلًا على اسمٍ كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} فعلى أن تصرف الفعل إلى الاسم، أو الاسم إلى الفعل في المعنى، فكأنه قال في البيت: فألفيته يومًا مبير عدوه، لأن مفعول «ألفيت» أصله أن يكون مفردًا، ويكون التقدير في الآية: «صافاتٍ وقابضات» لأن المعطوف على الحال حالٌ مثله، فحقه أن يكون اسمًا.
ولا تعطي الترتيب عند البصريين، فإنه قد يكون الثاني في العمل قبل الأول تارةً ومعه أخرى، فالذي قبله كقوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}، فالركوع قبل السجود، والذي معه كقوله: اختصم زيدٌ
"و" عمروٌ، فالاختصام لا يصح إلا من اثنين معًا، ومن الذي يقع قل الأول قول الشاعر:
أغلي السباء بكل أدكن عاتقٍ ..... أو جونةٍ قُدحت وفُض ختامها
ففض الختام قبل القدح وهو الغرف.
وعند الكوفيين أنها تعطي الترتيب
"كالفاء" عند البصريين، واحتجوا بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا}، وبقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}، ومعلومٌ أن إخراج الأثقال إنما هو بعد الزلزال، والسجود في الشرع لا يكون إلا بعد الركوع.
وليس في هذا رد على البصريين لأنهم لا يلزمون عدم الترتيب في
"الواو" فيلزمهم الرد بهذا، ولكن الترتيب فيها يقع بحكم اللفظ من غير قصدٍ له في المعنى، ولو كانت للترتيب موضوعة لم تكن أبدًا إلا مرتبة، فظهور عدم الترتيب في بعض الكلام عاطفةً يشهد أنها ليست موضوعة له، ولكن المتكلم يقدم في كلمه الذي هو به أعني وببيانه أهم استحسانًا لا إيجابًا.
وحُكي عن أبي زيدٍ السهيلي أن جعلها بالموضع الأول مرتبة، فذلك الحقيقة فيها، إذ أصلُ اللفظ أن يكون موازيًا للمعنى في تقديمه وتأخيره، فإذا أُخر اللفظ بعد
"الواو" – والمراد به التقديم – فذلك على طريقة المجاز، وهذا صحيحٌ لا يخالف فيه البصريون، وإنما المراد أن اللفظ يتأخرُ والمراد به التقديم بعد "الواو"، وهبه كان حقيقةً أو مجازًا، وبهذا خالفوا الكوفيين لأنهم يلزمون الترتيب لفظًا ومعنى، وهو ظاهرُ الفساد كما تقدم.
واعلم أن
"الواو" المذكورة إذا عطفت اسمًا على اسم، فاختلف فيها: هل تنوب مناب العامل في الاسم الثاني أو لا تنوب منابه ولا يكون مقدرًا بعدها، أو تنوب مناب العامل في الثاني، ولا يصح أن يظهر بعدها إذا كان الفعلُ موضوعًا لاثنين فأزيد، نحو اختصم زيدٌ "و" عمروٌ، ولا تكونُ نائبةً منابه بل يُقدر بعدها فعل.
وذهب بعضهم إلى أنها تنوب مناب العامل، واحتج بأنه إذا فُرقت المنعوتات وجميع نعتها فإنه يتبعها نعتًا نحو: قام زيدٍ
"و" عمرو "و" خالد العقلاءُ، فلولا أن "الواو" نائبة مناب العامل لم يجمع النعت لئلا يُفصل بين العامل والمعمول، ولو كان العامل مقدرًا لعمل عاملان في معمولٍ واحد.
وذهب بعضهم إلى أنها لا تنوبُ مناب العامل، ولكن يُقدر بعدها،
واحتج بظهوره في بعض المواضع نحو: قام زيد
"و" قام عمرو، وأنشد قول الشاعر:
بل بنو النجار إن لنا ..... فيهمُ قتلى وإن يره
قال: فظهور العامل في التمثيل و "إن" دليل على أنها واسطة لا تنوبُ مناب عامل، وأنه يُضمر بعدها فيُقدر، ولا يجتمعُ النائب والمنوب عنه، فدل على دعوى النيابة المتقدمة الذكر.
وذهب بعضهم إلى أنه [إن] كان الفعل لاثنين فأزيد فهي تنوب مناب العامل نحو ما مثل به، وإلا فلا تنوبُ منابه، بل يكون مقدرًا بعدها.
وهذه الأقوال كلها عندي مدخولةٌ، والذي ينبغي أن يُقال وهو الصحيحُ إن شاء الله:
إن
"الواو" في عطف المفردات واسطةٌ موصولةٌ عمل العامل قبلها إلى ما بعدها بها على معنى العطف والتشريك، كما أن "الواو" في «استوى الماء "و" الخشبة» موصلة عمل العامل فيها قبلها إلى ما بعدها بواسطتها على معنى "مع" وكما أن "الباء" في «مررتُ بزيدٍ» موصلة عمل العامل فيما قبلها لما بعدها على معناه بحسبه من مرورٍ أو غيره، وكذلك "إلا" في الاستثناء وهذا أصل مريح في العربية من خلاف بعض المواضع المُشكلة فتدبره، وحكم "الفاء" و"ثم" و"حتى" في ذلك حكم "الواو" مع المعاني التي اختصت بها.
ومن ذهب إلى أنها تنوبُ مناب العامل فيلزمه الفسادُ في جمع النعت في تفريق المنعوتات في نحو ما مثل بمثل ما أفسد به قول من يقول بتقديره بعدها، إذ النائب حكمه في العمل والفصل حكم العامل المنوب عنه.
ومن ذهب إلى أنه مقدرٌ بعدها فيلزمه من الفساد ما لزم صاحب المذهب الأول كما ذُكر، وما احتج به من الظهور لا حجة فيه لأنه إذا ظهر صارت المسألة من باب عطف الجمل ولا كلام فيها، إذ لا خلاف في
"الواو" في ذلك، فقوله: « "و" إن تره» أراد: « "و" إن لنا» فحذف «لنا» لدلالة الكلام عليه.
ومن ذهب إلى التفصيل فيلزمه في فعل الاثنين ما يلزم صاحب المذهب الأول من أن ما ينوب مناب العامل فهو في حكمه، وكأنه في معنى الظاهر، والفعل لا يصح إظهاره هناك لاحتياج الظاهر أو المقدر إلى فاعلين فأزيد، وأحرى بالفساد إذا قُدِّر بعدها على المذهب الثاني، ويلزمه فيما عدا ما يحتاج إلى فاعلين فأزيد ما لزم صاحب المذهب الثاني، ففسدت هذه المذاهب وصح ما قلنا.
والدليل عليه إجماع المعطوف والمعطوف عليه في التثنية للعامل الأول، وكذلك في الجمع، ولا اعتبار في العمل
"للواو"، فتقول إن شئت: اختصم زيدٌ "و" عمروٌ، وإن شئت: قام الرجلان، وكذلك تقول في الجمع نحو: اختصم زيدٌ "و" عمروٌ وخالد، واختصم الرجال، وقام زيدٌ "و" عمروٌ "و" خالدٌ، وقام الرجال، فاعلم ذلك.
وعلى صحة هذا القول وفساد غيره يظهر الصحيح من القولين في جواز حذف هذه
"الواو" أو عدم الجواز وهو الصحيح، لأنها موصلةٌ لمعنى العطف والتشريك، فإذا حُذفت زال هذا المعنى، فزالت فائدتها، فإن جاء من ذلك شيء فضرورة كقوله:
وكيف لا أبكي على علاتي ..... صبائحي غبائقي قيلاتي
وقوله:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ..... يزرع الوُدَّ في فُؤادِ الكريم
وكذلك يظهر على صحة الصحيح من القولين في جواز عطفها على عاملين أو عدمه، وهو ألا يُعطف لضعفها في الدلالة عليهما معًا، فلا تقول: «ضربتُ زيدًا في الدار "و" السوق عمرًا» على عطف المفردات، ولكن هذا من عطف الجمل، والعامل محذوف تقديره «"و" ضربتُ» دل على حذفه الأول، فلا تكون المسألة من هذا الموضع فلا ينبغي أن تُبنى عليه.
فإن عطفت جملةً على جملةٍ لم يلزم تشريكٌ في اللفظ ولا في المعنى، ولكن في الكلام خاصة، ليُعلم أن الكلامين فأكثر في زمان واحد أو في قصد واحد، فلذلك جاز أن يُعطف بها إذ ذاك جملة خبريةٌ على مثلها وعلى طلبية، وجملة طلبية على مثلها وعلى خبرية، فتقول: قام زيد
"و" قعد عمرو، وقام زيد "و" اقعد، وعلى هذا يجوز: بسم الله الرحمن الرحيم "و" صلى الله على سيدنا محمد "و" على آله، "فالواو" عطف طلب – وهو الدعاء – على الخبر، وحُكي من كلام البديع: «ظفرنا بصيدٍ "و" حيَّاك الله أبا زيدٍ»، وتقول: قم "و" قعد زيدٌ، وقم "و" اقعد، وقم "و" لا تقعد، "و" لا تقم "و" اقعد، وكذلك حكمُ الجملة الابتدائية مع الفعلية نحو: قام زيدٌ "و" عمروٌ قائم، زيدٌ قائمٌ "و" قعد عمروٌ، وكل ذلك جائز بما ذكرتُ لك.
والمناسبة في الجملة هو الكثير، وربما يكونُ ظاهرُ الكلام عطف المفردات وهو عطف الجمل، ومنه العطفُ على عاملين ما ذُكر، ومنه قوله تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ}، تقديره: وإن في تصريف الرياح آيات، ومنه في عطف النعوت ذا اختلف إعرابها، نحو: مررت بإخوتك الظرفاء العقلاءُ الكرام بخفض «الظرفاء» ورفع «العقلاء» ونصب «الكرام»، الأول تابعًا والثاني مرفوع على خبر ابتداءٍ مقدر، والثالث على إضمار فعل تقديره: أمدح أو أعني أو شبهُ ذلك، وعليه قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، ومنه قوله تعالى: {وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}، ثم قال: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}، ومنه قول الشاعر:
ويأوي إلى نسوةٍ عُطلٍ ..... وشُعثًا مراضيع مثل السعالي
وقوله:
لا يبعدن قومي الذين هُم ..... سمُّ العداة وآفةٌ الجزر

النازلين بكل مُعتركٍ ..... والطيبون معاقد الأُزر
الموضع الثاني: أن تكون حرف ابتداء، ومعنى ذلك أن تكون لابتداء الكلام، وسواء كان جملةً اسمية أو فعلية فلا يرتبطُ ما بعدها من الجمل بما قبلها في شيء مما ذكرنا في عاطفة المفردات أو الجمل، وذلك قولك: قام زيد "و" أنتم اخرجوا، وقام زيد "و" ضرب عبدُ الله خالدًا، وهل قام زيد "و" إنك يا عمرو لخارج، وقام زيد "و" مالي بخروج زيدٍ من علمٍ، قال الله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا}.
وقوله تعالى:{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ}، وهو كثير، ومنه قول الشاعر:
وقد أغتدي ومعي القانصان ..... وكل بمربأةٍ مقتفر
وعلى ذلك ينبغي أن يُحمل قول الشاعر:
وبلدٍ قطعه عامرٌ ..... وجملٌ نحره في الطريق
وقوله:
وبلدةٍ ليس بها أنيس ..... إلا اليعافيرُ وإلا العيس
وما كان نحو هذا مما تقدر بعده "رب"، ولا تحمل "الواو" على أنها بمعنى "رب" كما ذهب بعضهم إليه، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب "رب" وباب "بل" و"الفاء" فلا نعيده.
الموضع الثالث: أن تكون للحال ومعنى ذلك أن تجيء بعدها جملة تكون في موضع الحال من ذي حالٍ، نحو قولك: جاء زيد
"و" يده على رأسه، وخرج زيد "و" عبدُ الله جالس، وقام زيد "و" قد خرج غلامه، إلا أنها تتقدر تارةً بـ "إذ" الظرفية، وتارة بـ «في حال»، وهي في التقديرين للحال، فحيث لم يكن بعدها ضمير في الجملة الواقعة حالًا بها قُدرت بـ "إذ" نحو قولك: جاء زيد "و" الشمس طالعة، أي: "إذ" الشمس طالعة، ومنه قوله تعالى:{يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}، وقال الشاعر:
تبدو كواكبه والشمس طالعةٌ ..... لا النور نورٌ ولا الإظلامُ إظلامُ
وحيث كان في الجملة ضمير يعود على ذي الحال قدرت بـ «في حال»، نحو قولك: جاء زيد "و" قد ضرب عبده، أو: "و" هو يضرب عبده، أي: زيد يضرب، أي: في حال ضربه عبده، ومنه قوله تعالى:{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} وقوله تعالى:{لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}.
ولابد مع ذلك كله من صرف الجملة إلى تقدير المفرد: إما من اللفظ، وإما من المعنى، لأنه أصل الحال فتقديره في نحو قولك: «
"و" الشمسُ طالعةٌ»: طالعة الشمسُ في حال قيامه، وفي قولك: «"و" يضربُ عبده»: ضاربًا عبده، وعلى هذا قياس الجمل الواقعة حالًا، فاعلمه.
ويشترط في الجملة الواقعة بعد
"الواو" التي للحال أن تكون خبرية وهي التي تحتمل الصدق والكذب لصحة وقوعها، ولا تكون طلبية [لأن] "إذ" غير واقعة.
ثم لا تخلو أن تكون اسمية أو فعلية، فإن كانت اسمية فلا يخلو أن يكون فيها ضمير يعود على ذي الحال أو لا يكون، فإن كان لم تلزم
"الواو" فيها كقول الشاعر:
نصف النهار الماءُ غامره ..... ورفيقه بالغيب لا يدري
وإن لم يكن فيها ضميرٌ لزمت "الواو" نحو: جاء عمرو "و" زيد قائم، ومنه "و" الشمسُ طالعةٌ، لأن "الواو" هي الرابطة للجملتين، فلولاها لم يقع ارتباطها بينهما.
وإن كانت فعليةً فلا يخلو أن يكون فعلًا ماضيًا أو مضارعًا، فإن كان ماضيًا لفظًا ومعن لزمته
"قد"، ولا تدخل على الماضية معنًى، ولزمت "الواو"، وإن لم يكن فيها ضمير يعود على ذي الحال نحو: قام زيدٌ "و" قعد عمرو، أو لم يقعد عمروٌ.
وإن كان فيها ضميرٌ لم تلزم
"الواو" أيضًا، نحو: قام زيدٌ "قد" خرج أبوه: وربما جاء هذا بغير "قد"، كقوله تعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}، على أحد الإعرابين، وقول الشاعر:
وإني لتعروني لذكراك هزةٌ ..... كما انتفض العُصفورُ بلله القطر
وكذلك تقول: قام زيد لم يقم أبوه، "بالواو" وبغيرها.
وإن كان مضارعًا فلا بد من المضمر معه في الجملة عائدًا على ذي الحال، فيجوز إذ ذاك فيه إثبات
"الواو" وحذفها، فلا تلزم، بل الكثير حذفها نحو قولك: جاء زيدٌ يصك عينه، وقد قالوا «"و" يصك»، وكذلك قال الشاعر:
فلما خشيتُ أظافيره ..... نجوتُ وأرهنهم مالكا
وبعضهم يجعل الجملة في المثال والبيت اسمية، ويقدر المبتدأ قبل الفعل كأنه قال في المثال: «"و" هو يصك عينه» وفي البيت: «"و" أنا أرهنهم»، وإنما ذلك لكثرة وجود "واو" الحال مع الاسمية وقلتها مع الفعلية المضارع فعلها، وهو متكلفٌ لا ضرورة تدعو له.
الموضوع الرابع: أن تكون للقسم عوضًا من
"الباء" نحو قولك: «"و" الله لتخرجن» «"و" الله لتقصدن زيدًا»، والأصل "الباء" لأنها حرف جرٍ في القسم وغيره، ويجوز إظهار فعل القسم معها وحذفه، ولا يجوز ذلك في غيرها من حروفه، فدلَّ على أصالتها ونوعية غيرها في الباب، قال الله تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}، وقال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وهو في القرآن كثير.
ولا تخفض في هذا الباب إلا الظاهر بخلاف
"الباء"، فإنها تخفض الظاهر والمضمر كما تقدم في بابها وفي باب "التاء"، فدلَّ على أصالة "الباء" وفرعيَّة "الواو"، وإنما دخلت في هذا الباب وخفضت لكونها تقرب من "الباء" في خروجها من الشفتين، وقد تقدم في باب "التاء" من الكلام ما فيه كفايةُ فأغنى إعادتها هنا.
الموضع الخامس: أن تكون بمعنى
"مع" مشوبة بمعنى "باء" المفعول به، وإذا لم يكن فيها هذا الشوب كانت العاطفة المذكورة، فإذن يقع الاشتراك بين "الواوين" في مسائل هذا الموضع وصورة ما بعدها كصورة المعطوف في الاسمية إلا أن المنصوب بعدها في معنى المفعول به، فإذا قلت: قام زيدٌ "و" عمروٌ، بمعنى أن القيام وقع منهما من غير معنى زائدٍ، فذلك هو العطفُ، وإذا أردت أنه وقع منهما على أن الثاني فعل به الأول فعلًا فذلك المفعول معه فيكون منصوبًا، فكأنك قلت: قام زيد بعمرو معه، وعلى هذا قالوا: «استوى الماء "و" الخشبة» بنصب «الخشبة» وجاء البردُ "و" الطيالسة أي: ساوى الماءُ الخشبة فاستوت معه، وساق البرد الطيالسة فكانت معه، فلهذا انتصب ما بعد "الواو" مفعولًا معه، ولوجهٍ آخر: وهو أن "الواو" مقدرةٌ بـ "مع" فلما نابت "الواو" المذكورة منابها رجع نصبها إلى ما كان مخفوضًا بعدها، كما انتصب المستثنى بعد "إلا" مع كونها حرفًا، لأنها في معنى "غير" وهو منصوبٌ، إذا قلت قام القوم "غير" زيد، إلا أن نصب "مع" نصب الظروف، ونصب ما بعد "الواو" على المفعول معه للعامل قبلها بوساطتها، كما عمل ما قبل "إلا" فيما بعدها النصب بوساطتها، وقد تقدم بيان ذلك في بابها.
ويجوز أن يكون العامل فيما بعد
"الواو" المذكورة الفعل كما مثل قبل، ومعنى الفعل، نحو قولك: مالك "و" زيدًا، ومالك "و" قصعة من ثريدٍ، على تقدير الملابسة بعدها، وكذلك ما أنت وزيدًا، و«ما أنت "و" قصعةً من ثريد» على إضمار الملابسة أيضًا، ومنه قول الشاعر:
فما أنا والسير في مدلج ..... يبرح بالذكر الضابط
وقال آخر:
فما أنا والتلدد حول نجدٍ ..... وقد غصت تهامةُ بالرجال
وهذه "الواو" لا يصح أن تكون بعد مالك – فيما تقدم – عاطفةً، ويجوز في غير ذلك.
الموضع السادس: أن تكون ناصبة للفعل المضارع الواقع بعدها بإضمار
"أن" فيتخلص للاستقبال، وذلك في بابين:
الأول: في جواب الأمر والنهي والاستفهام والعرض والتمني والتحضيض والدعاء والنفي والشرط والجزاء، كما نصبت
"الفاء" في أجوبتها على ما ذُكر في بابها كقولك: قم "و" أكرمك، ولا تقم "و" أكرمك، وألا تقوم "و" أكرمك "و" ليتك تقوم "و" أكرمك، وهلا تقومُ "و" أكرمك، واغفر لزيدٍ "و" يدخل، وما يقوم زيدٌ "و" أكرمه، وإن تقم "و" تخرج أكرمك، وإن تقم أكرمك "و" أحسن إليك، وأحكامها في العطف اللفظي والمعنوي والاستئناف وإضمار "أن" وصرف ما بعدها إلى المصدر كأحكام "الفاء" فقسمها عليها تصيب، إن شاء الله.
والثاني: باب المخالفة وهي نوعان:
الأول: في اللفظ وهو أن تعطف الفعل على الاسم المصدر نحو قولك أعجبني قيامُك
"و" تقعد، وكلامك "و" تصمت، فتنصبُ ما بعدها بإضمار "أن" أيضًا ليقع الاتفاق في عطف مصدرٍ على مصدرٍ، فإذا قلت: «أعجبني قيامك "و" تقعد» فتقديره: "و" أن تقعد، ويصير إلى: أعجبني قيامك "و" قعودك. قال الشاعر:
للبس عباءةٍ وتقر عيني ..... أحب إلي من لبس الشفوف
أي: "و" أن تقر عيني، أي: "و" قر عيني، وقال آخر:
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته ..... تقضي لباناتٍ ويسأم سائم
على رواية من روى «تقضي» كأنه قال: "و" أن يسأم، أي: "و" سأمة، وإنما حكمنا أن النصب بعدها لأن ثلاثة أوجهٍ.
أحدها: عدمُ جواز العطف، عطف فعل على اسم، لأن من شرط
"الواو" العاطفة أن تشرك في العطف بين المتفقي الحد لا المختلفيه كما ذكر في بابها.
والثاني: أنه قد سُمعت مظهرةً بعدها، قال الشاعر:
أبت الروادفُ والثدي لقمصها ..... مس البطون وأن تمس ظُهورا
والثالث: أنه لو كانت ناصبةً بنفسها لنصبت في كل موضعٍ يقع بعدها الفعل في العطف.
وهذه
"الواو" في هذا الموضع- على اختلاف أنواعه عاطفةٌ في التحقيق لأنها كلها راجعةٌ إليه، ألا ترى أن المتقدمة الذكر في هذا الموضع ترجع إلى العاطفة،
لأنك إذا قلت: قم
"و" أكرمتك، فالمعنى: ليكن منك قيامٌ "و" إكرامٌ مني، وكذلك سائرُ الأجوبة، وكذلك في هذا النوع لما ذُكر، وفي النوع الآتي الآن بعد.
النوع الثاني: المخالفة في المعنى لإرادة نفي الجمع بين الشيئين كقولك: لا تأكل السمك
"و" تشرب اللبن، المعنى: "مع" أن تشرب اللبن، أي: لا تجمع بين أكل السمك وشرب اللبن لعاديتهما عليك، ومنه قول الشاعر:
لا تنه عن خُلقٍ وتأتي مثله ..... عارق عليك – إذا فعلت – عظيم
وهذه أيضًا عاطفة في المعنى لأنها تنصبُ بإضمار "أن"، و"أن" وما عملت فيه في موضع المصدر المعطوف على مصدر آخر مقدر مما قبلها، وهي بمعنى المصاحبة فهي كـ "مع".
فهذه جملة مواضع
"الواو" الزائدة على اللفظ.
وزاد بعض النحويين مواضع أخر غير ما ذكرنا، وذلك:
"الواو" التي بمعنى "رُب" وقد تقدم فساد دعوى ذلك في "الفاء" و"بل"، فلا نعيده، و"الواو" الزائدة، وهي التي دخولها كخروجها، و"واو" الثمانية، أي التي تأتي في ثامن الأسماء، و"الواو" التي بمعنى "أو"، وهذه "الواوات" إذا حُققت رجعت لما ذكرنا في مواضعها.
وأما الزائدة فهي التي في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، ثم قال:{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}، قال زائدها: إن المعنى أذنت لأنه جواب
"إذا" وكذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}، قال: المعنى: تله للجبي، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}، قال: معناه فتحت أبوابها، وقول الشاعر:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ..... .... .... .... ....
وقال الآخر:
حتى إذا امتلأت بطونكم ..... ورأيتم أولادكم شبوا

وقلبتم ظهر المجن لنا ..... إن الغدور لفاحشٌ خب
قال معناه: «قلبتم»، وهذا مذهبٌ كوفي، والبصريون يخرجون ذلك كله إلى معنى العطف والجواب مقدر وتقديره أبلغُ من ذكره، إلا قوله تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}، فإن "الواو" فيه "واو" الحال، لأن الكرامة للواصلين لدخولها أن يجدوا أبوابها مفتحةٌ لهم، فجواب {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} تقديره: ظهر الحق أو تبين الأمر أو نحو ذلك، وجواب: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} مننا عليه، أو صرفناه عن ذلك أو نحو ذلك، وجواب «فلما أجزنا» في البيت: نلتُ مقصودي أو بلغتُ مرادي، وجواب «حتى "إذا"» في البيتين: غدرتم، لدلالة «إن الغدور» عليه.
وأما
"واو" الثمانية فهي التي في نحو قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}، قال بعضهم: "الواو" هنا تدل على أن أبواب الجنة ثمانية، وقوله تعالى: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} لأنها أتت في الثامن من الأسماء التي قبلها، وقوله تعالى:{وَأَبْكَارًا} أتت في الثامن بعد السبعة الأسماء قبلها، وقوله تعالى: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}، وهذه "الواو" وإن وقعت دالة على الثمانية أو في الثامن لا يخرجها ذلك عن معنى العطف أو "واو" الحال في مثل {وَفُتِحَتْ}، كما ذُكر، ووقعت في الثامن بالعرض لا بالقصد، فاعلمه.
وأما التي بمعنى
"أو" في قوله تعالى: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} على قراءة من فتح "الواو" لأنه قد قرئ كذلك، وقرئ {أَوَآبَاؤُنَا} فبوقوع "أو" موقعها جعلها – هذا الذي زادها – بمعناها.
والصحيح أن
"الواو" للعطف جامعة مشتركة في اللفظ بين ما بعدها وبين اسم "إن" الذي هو ضميرٌ في قوله: "إنا" إلا أن "الهمزة" للاستفهام دخلت عليها، وهي في التقدير داخلة على "إن" إلا أنها أُخرت لمعنى ليس هذا موضع ذكره، ولو عكس هذا القائل القول فقال: إن "أو" في الآية بمعنى "الواو" لكان أشبه لوجود معناها فيها كما هي في قول الشاعر:
.... .... .... .... ..... أو يسرحوه .... ....
أو قول الآخر:
.... .... .... .... ..... .... .... أو عليها فجورها
وقد ذُكر ذلك في باب "أو" فإذا سقطت هذه المواضع صح ما ذكرنا من مواضع "الواو" خاصة.
القسم الثاني: التي تكون موضوعة في اللفظ لها ثمانية مواضع.
الموضع الأول: أن تكون علامة للجمع المذكر السالم وهي نوعان: نوعٌ تكون دلالةً على من يعقل من المذكرين، ونوع تكون دلالة على أن الكملة حُذفت منها أو غيرت.
النوع الأول: يكون في الجامد والمشتق قياسًا، فأما الجامد فيشترط فيه – إن كان مكبرًا – خمسة شروط، وحينئذٍ يُجمع بها وهي: الذكورية والعملية والعقل وخلوه من
"هاء" التأنيث وعدم التركيب نحو: زيدٌ "و" زيدون، وأحمد "و" أحمدون، فإن كان مؤنثًا نحو: هند فلا يجمع بها، وكذلك إن كان غير علم كالرجل، وهذا لم يجمع بها، فأما قولهم: اللذون "و" اللاؤن في جمع الذي فليس واحدٌ منهما يُجمع حقيقةً، لأنه ليس [له] مفردٌ من لفظه وإنما هو اسمٌ جمع، وكذلك الأعدادُ والعقودُ من عشرين إلى تسعين، فيوقفُ في جمعها كذلك على السماع.
وإن كان غير عاقلٍ نحو جمل وفرس لم يجمع بها، وإن كان غير خالٍ من
"هاء" التأنيث كطلحة وورقاء لم يجمع بها، وإن كان مركبًا كبعلبك "و" حضرموت لم يجمع بها ولا بغيرها.
وإن كان مصغرًا اشترط فيه ثلاثة شروط من الخمسة المذكورة: الذكورية
"و" العقل وخلوه من "هاء" التأنيث، نحو: رُجيل "و" رجيلون فإن نقص شرط منها لم يُجمع بها كعين "و" ثمرة.
وأما المشتق فيشترط فيه أربعة شروط: الثلاثة المذكورة في المصغر، والرابع: ألا يمتنع مؤنثه من الجمع "بالألف" و"التاء"، وذلك قولهم في ضارب: ضاربون، وفي قائم: قائمون، فإن نقص شرطٌ منها لم يجمع كذلك، نحو: طالق
"و" نابت "و" قائمة "و" ..... "و" حمراء، فإن «طالق» مؤنثٌ، و«نابت» لا يعقل، و«قائمة» "بتاء" التأنيث، و«حمراء» لا يُجمع "بالألف" و"التاء"، فأحمر لا يُجمع "بالألف" و"النون"، وربما أجروا ما لا يعقل مجرى من يعقل لصحة وقوع فعله منه حقيقةً أو مجازًا، كقوله:{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}.
واعلم أن الخلاف في هذا "الواو" هو الخلاف في "ألف" التثنية، وقد بينا حكميهما في موضعهما في باب "الألف" فلا نعيده هنا، وحكم "الياء" أيضًا في هذا الجمع كحكم "الواو"، فاعلمه.
النوع الثاني: أن تكون دلالة على أن الكلمة نقص حرفٌ منها أو غيرت، وذلك ثلاثة أنواع: نوعٌ حذف منه حرفُ لفظًا، ونوعٌ حُذف منه حرف توهمًا، ونوع غير توهمًا، ومنها ما هو جمعٌ حقيقة، ومنها ما هو اسم جمعٍ. وجملةٌ ما جاء من ذلك يُحفظ ولا يُقاس عليه.
النوع الأول: الذي حُذف منه حرفٌ لفظًا، قولهم: مئون في جمع مائة، وثبون في جمع ثُبة، وظُبون في جمع ظُبة، ورئون في جمع رئة، وسنون في جمع سنة، وبُرون في جمع بُرة، وعضون في جمع عِضة، وقلون في جمع قُلة، وكرون في جميع كُرة، وعزون في جمع عزة، قال الشاعر:
.... .... .... .... ..... ثلاث مئينٍ والجدود العواثر
وقوله:
عن مُبرقاتٍ بالبرين وتبـ ..... دو بالأكف اللامعات سُور
وقال آخر:
فعظناهم حتى ثنى الوعظ منهم ..... قُلبوًا وأكبادًا لهم ورئينا
وقال الله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ}، وقال الله تعالى:{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي: مثل أعضاءٍ متفرقة، وقال تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}، فهذه الألفاظ كلها لما حُذفت منها "لامتها" عوِّض منها "الواو" دلالة على ما حُذف منها وجُمع [جمعًا] مسلمًا لئلا يتغير البناء بالتكسير، فيخرجوا عما قصدوه من الدلالة على المحذوف، [و] لم يجمع "بالألف" و"التاء" لأنه يُشرك معه في ذلك ما لم يحذف منه كعائشاتٍ "و" فاطماتٍ، وهذه "الواو" إنما كانت في المؤنث، وأصلها أن تكون دلالةً على التذكير لاختصاصها بالدلالة على المحذوف لا غير.
ومن هذه الألفاظ ما "لامه" المحذوف "واو"، ومنها ما "لامه" "ياء"، ومنه ما "لامه" "هاء"، وبسطُ الكلام على تحقيق ذلك مُحكم في كتب التصريفين وليس حظنا هنا سوى الإعلام بحقيقة هذه "الواو" لا غير.
النوع الثاني: ما حُذف منه حرفٌ توهمًا، وذلك قولهم: أرضون في جمع أرض، ودهيدهون في جمع دهداه وهي القطعةُ من الإبل، وفتكرون في جمع فتكر، وأبيكرون في جمع أبيكر تصغير أبكر، والبرحون في جمع البرح، والأقورون في جمع أقور. وفتكر والبرح والأقور أسماء الدواهي.
قال الراجز:
قد وردت إلا دهيدهينا ..... قُليصات وأبيكرينا
فهذه الألفاظ جُمعت "بالواو" و"النون" دلالة على أنها قد حُذفت منها شيءٌ توهمًا وهو "التاء" التي تدل على التأنيث، فـ «أرض» مؤنثة فحقها أن تكون "بتاء" التأنيث، قال الله تعالى:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، {وَمَا طَحَاهَا}، فلما استعملت بغير "تاءٍ" بقيت "التاء" متوهمة فيها في التقدير فجعلت "الواو" تدل عليها.
وجرت "التاء" في ذلك مجرى "اللام" المحذوفة في النوع الأول، لأن بين "تاء" التأنيث و"لام" الكلمة مناسبةً من جهات:
منها: أن الاسم الذي تكون فيه "بالتاء" إذا كان رباعيًا يُصغر بغير "هاء" نحو: عٌقيرب في عقرب، وزيينب في زينب، ولا يقولون عقيربة ولا زيينبة، كما يقولون في قدرك قديرة وفي شمس: شُميسة، وإنما ذلك لأن الحرف الرابع "كتاء" التأنيث في المؤنث بها، فكما لا يدخلون على "تاء" التأنيث "تاءً" أخرى، كذلك لا يدخلونها على الحرف الرابع.
ومنها: أنهم قد عاقبوا بين "التاء" و"لام" الكلمة في بعض المواضع، فحيث ثبتت إحداهما سقطت الأخرى، وذلك قولهم ظبة
"و" ظبي، ولغة "و" لغى، وبرة "و" بُرى، فثبتت "التاء" في المفرد دون "اللام" وثبتت "اللام" في الجمع دون "التاء"، وإنما ذلك لتناسبها وأن "التاء" كلام الكلمة في اللزوم.
ومنها: أن "الواو" التي يجب قلبها "ياء" لوقوعها طرفًا كدلوٍ
"و" أدلٍ "و" حقوٍ "و" أحقٍ ثبتت قبل "تاء" التأنيث فلا تحذف، لأنها إذ ذاك لم تقع طرفًا كما في أدلٍ وأحقٍ وذلك في نحو قمحدوة "و" عرقوة، لولا "التاء" لقلبت "الواو" "ياءً" فدل ذلك على أنها كحرف من الكلمة في نحو: عضرفوط "و" منصور.
وأما «دهيدهون» فكأنه جمع دهيدهة تصغير دهداهة لأنها القطعة من الإبل، فحقها أن تكون مؤنثة "بتاء" التأنيث فروعي ذلك وجُعلت مقدرة، وجُعلت "الواو" دالة على حذفها.
وأما أبيكرون فجمع أبيكر تصغير أبكر، وكان حقه أن يكون «أبكرة» كأندية وأجرية جمع جروٍ فيؤنث على معنى القطعة، فلما توهم ذلك جُمع "بالواو" و"النون" دلالة على ذلك.
وأما «فتكرون» و«البرحون» و«والأقورون» فكل واحدٍ منهم جمع ما هو في معنى الداهية، والداهية مؤنثة، فكذلك ما في معناها، فلما توهموا ذلك جعلوا الجمع "بالواو" و"النون" دلالة على ذلك، وجمع ذلك كله على معنى التكثير في الأمر الداهي واختلاف أنواعه، فاعلمه.
ومما يجري ولم يُسمع له مفردٌ فهو جمعٌ غير حقيقي قولهم في البلاد: قنسرين وفلسطين وبيرين ونصيبين وصرفين وعاندين والسيلحون وعليون وياسمين، فكأن لفظ كل واحدس منهما مؤنثٌ على معنى البلدة أو البقعة أو القطعة، فلما رُوعي ذلك المتوهم جعل "بالواو" و"الياء" دلالة على ذلك.
وأما العقود فإنها لما كانت جمع عشرة وثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة لم ينبغ أن تدخل في هذا الباب لأن تأنيثها ظاهر، وإنما ذلك اسم جمعٍ لا جمع له، فهو مسموعٌ لا يتعلل لخروجه عن هذه الأبواب وإن كانت ملفقة التعليل.
النوع الثالث: ما غير توهمًا فدلت
"الواو" على ذلك، نحو قولهم: «إوزون» في جمع إوزة، و«إحرون» في جمع أحرة و«حرون» في جمع حرة، قال الشاعر:
تلقى إلا وزون في أكناف دارتها ..... بيضًا وبين يديها التبن منثور
وقال آخر:
.... .... .... .... ..... لا خمس إلا جندل الإحرين
وقول آخر:
.... .... .... .... ..... فما حوت نقدةُ ذات الحرِّينْ
وكان الأصل: إوززة "و" إحررة، وحررة في معنى أحرة، فجرت مجراها فلما نُقلت حركة "الزاي" الأولى و"الراء" الأولى إلى "الواو" و"الحاء" لاجتماع المثلين سُكنتا فاندغمتا فيما بعدهما، فجعل الجمع "بالواو" و"النون" عوضًا من التغير المذكور، ولا يُقاس على شيء من الثلاثة الأنواع غيرها فيما فيه الحذف والتغيير، وإنما علل من ذلك ما عُلل بعد السماع لأنه ليس بابًا يُبنى عليه.
واعلم أن ما الإعراب بالحركات في آخره من ذلك كقنسرين وفلسطين وإوزين وصرفين وياسمين لا كلام عليه لأنه مفرد، وإنما الكلام عليها إذا جرت مجرى زيدين وعمرين من الجموع، فافهمه والله المستعان.
الموضع الثاني: أن تكون علامة الجمع في الفعل الماضي والمضارع إذا تأخرت الأسماء عنها نحو: قاموا الزيدون ويضربون العمرون، ومن كلامهم: أكلوني البراغيث، ومنه عند بعضهم قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، و{عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب
"الألف"، وهذه اللغة شاذة قليلة الاستعمال.
فإذا تقدمت الأسماء على الفعلين المذكورين فهي ضمير اسم نحو: الزيدون قاموا، والعمرون يخرجون، وقد مضى الكلام على الخلاف فيه، والصحيح مما قيل في ذلك، والرد على المخالف في الباب المذكور فقس عليه.
الموضع الثالث: أن تكون دلالة على التذكير في موضع، والتذكير والجمع في موضع، فالدلالة على المفرد المذكر في الضمير نحو: ضربتهو وقتلتهو، كما دلت "الألف" على التأنيث في الضمير في نحو: ضربتها
"و" قتلتها، والدالة على التذكير والجمع في نحو: ضربتمو وقتلتمو، كما كانت "الألف" دالة على التثنية فيه في نحو: ضربتما "و" قتلتما.
وربما حُذفت هذه
"الواو" تخفيفًا فسكنت "الميم"، فقيل ضربتم وقتلتم، إذ "الميمُ" تدل على الجمع لما فيها من معنى الزيادة للتعظيم كما تقدم في باب "الميم".
الموضع الرابع: أن تكون إشباعًا للضمة كما كانت "الألف" إشباعًا للفتحة، وذلك نحو قولهم في أنظر: أنظور، وفي أشك: أشكور، ومنه قول الشاعر:
.... .... .... .... ..... .... حيثما سلكوا أدنو فأنظور
وقد ذُكر في باب "الألف" أيضًا.
الموضع الخامس: أن تكون إطلاقًا للقافية المطلقة لأجل الوزن، وذلك أن تأتي في موضع "النون" من آخر العروض السبعة التي هي: فعلون وفاعلن ومفاعيلن وفاعلانن ومستفعلن ومفاعلن ومتفاعلن، أو "الألف" من مفعولا، وكل ذلك من نفس وزن البيت، وتختص بتلك التسمية "الواو" إذا كانت زائدة على الكلمة لا احتياج إليها كقول الشاعر:
أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوصو ..... فتقصر عنها خطوةً وتبوصو
وقول الآخر:
أقفر من أهله ملحوبو ..... فالقطبيات فالذنوبو
وقوله:
عفا ذو حسى من فرتنا فالفوارعُ ..... فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
وقد تسمى "واوُ" الضمير إطلاقًا كالزائدة، وذلك بالفرض لا بالحقيقة، كقوله:
فأنت أنت وإن شطوا وإن زاروا ..... .... .... .... ....
وقد تسمى أيضًا "الواو" الأصلية إطلاقًا بالفرض نحو قوله:
سلا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ..... .... .... .... ....
وقوله فيها:
وقد كنت من سلمى سنين ثمانيًا ..... على صير أمرٍ ما يمر ولا يحلو
وإنما سميت هذه "الواو" إطلاقًا لأنها أطلقت حرف الروي، وهو الحرف الذي التزمت عليه القافية إلى الحركة من عقال التقييد وهو السكون، فكل قافية كان رويها متحركًا فهي مطلقة، وكل قافيةٍ كان رويها ساكنها فهي مقيدة، فلذلك قيل لحروف المد الثلاثة: "الواو" و"الألف" و"الياء" حروف إطلاق، لأن ما قبلها لا يكون إلا متحركًا بالضم أو الفتح أو الكسر، والمقيد هو نحو قوله:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ..... ومن الحُب جنونق مستعرٌ
"فالراءُ" هو الروي، وهو مقيدٌ بالسكون كما ترى.
الموضع السادس: أن تكون للتذكر لما مضى، فتمدها إذا وقفت على الكلمة المتحركة بالضم نحو قولك في أضربُ زيدًا، إذا وقفت على «أضربُ» دون «زيدًا»: أضربو، وذلك دلالة على أن في الكلام محذوفًا بعد الكلمة هو مرادٌ، وحكمها في ذلك حكم
"الألف"، وقد ذُكرت في بابها.
الموضع السابع: أن تكون للوقف وهو نوعان: نوعٌ في الاستثبات بـ
"من" في باب الحكاية عن النكرة المرفوعة، نحو قولك في استثبات من قال جاء رجل: "منو"، وجاء رجلان: "منو"، وجاء رجالٌ: "منو"، وجاءت امرأة: "منو"، وجاءت امرأتان: "منو"، وجاءت نساء: "منو"، وإنما ذلك دلالةٌ على اسمٍ مرفوعٍ.
ومن العرب من يجعل لـ
"من" علامات المفرد والمثنى والمجموع والمذكور والمؤنث، فيقول في جاء رجلٌ: "منو"، وجاء رجلان: "منان"، وجاء رجال: "منون"، وجاءت امرأة: "منه" بتحريك "النون"، وجاءت امرأتان: "منتان" بسكون "النون"، وجاء نساء: "منات".
فإذا وصلت كلامك في اللغتين حذفت "الواو" والعلامات فقلت: من يا هذا، ولا يُقاس على قوله:
أتواناري فقلت: منون أنتم ..... فقالوا الجن قُلت عموا ظلاما
أو قال: صباحا، على اختلاف الروايتين لأنه شاذٌ من شعرٍ في جنى.
والنوع الثاني في غير ذلك من المنوات المرفوعة عند بعض العرب فيقولُ على على لغتهم في «جاء زيدٌ» في الوقف: جاء زيدو، وفي قام رجلٌ فيه: قام رجلو، وهي لغةٌ قليلةُ الاستعمال، وكأن "الواو" في الوقف عندهم في المرفوع عرضٌ من التنوين في الوصل، فلذلك أثبتوها دلالة عليه.
فإن كان الاسمُ مبنيًا لا يفعلون ذلك فيه، ولغة هؤلاء إثباتُ "الألف" في الوقف في المنصوب، و"الياء" في الخفض، المنونين، وهذه اللغة احدى اللغات السبع في الوقف على المعرب الصحيح، واللغة الكثيرة فيه الوقف على السكون في الرفع والخفض، وعلى "الألف" في النصب، فاعلمه.
الموضع الثامن: أن تكون في بنية الكلمة فلا تعلل لأنها مبدأ لغة، ولكن يوقف فيه مع السماع، فتكون [ثانية] في مثل كوثر، وثالثة في مثل: كنهور، وخامسة في مثل كنثأو، ولم تزد أولًا، لأنها لو زيدت أولًا لأشكل أمرها، لأنه لا يعلم هل هي "همزة" أو "واو"، وإذ يجوز فيها إذا كانت أولًا غير زائدةٍ وجهان: الهمز وعدمه نحو: أجوه ووجوه.
وأما «ورنتل» "فالواو" فيه أصلية، فوزنه فعنلل كعبنقس، زيدت في نفس الكلمة للمد نحو: عجوز "و" غضرفوط، ودلالة على المفعول نحو: مضروب
"و" مقتول، وزيادتها لهذا المعنى في نفس الكلمة قياسٌ، فاعلمه.
القسم الثاني: التي هي بدلٌ من أصل، ونعني بالأصل ما كان قبل بدلها منه أصلًا بنفسه، لا أنه من نفس الكلمة ....، وهذه
"الواو" على ثلاثة أقسام: قسم بدل من "همزةٍ"، وقسم بدل من "ألف"، وقسم بدلٌ من "ياء".
فالقسم التي هي بدل من "همزةٍ" لها ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون بدلًا من "همزة" الاستفهام إذا كان بعدها "ألف" و"همزة" مسهلة نحو قولك في أآليت: وآليت، وفي
"أ" آمنتم: وآمنتم، ومنه قراءة قنبل من رواية ابن كثير: «وآمنتم به قبل أن آذن لكم»، وإنما ذلك لكراهة اجتماع "همزتين" في الأصل وإن كان بينهما "ألف".
الموضع الثاني: أن تكون بدلًا من "همزة" المضارعة في الفعل الرباعي إذا دخلت عليها "همزة" الاستفهام نحو قولك في أأكرم زيدًا: أو كرم زيدًا وفي أأنبئك بكذا: أؤنبئك، والأصل: أأكرم زيدًا وأأنبئك بكذا، وهذا من باب تسهيل "الهمزة" المضمومة بنسبة حركتها التي هي الضمة، وقرأ بعض القراء نحو قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ}، و«أونزل عليه الذكر» و«أوشهدوا خلقهم»، و«أولقي الذكر»، وكذلك حكم المكسورة إذا كان قبلها ضمةٌ في "همزةٍ" أخرى قبلها من كلمة أخرى،
"و" لأنها أصليةٌ فليست من الباب لأن كلامنا في الحروف التي لمعنى نحو: «السفهاءُ "و""لا"» في: السفهاء "إلى"، و«الشهداء "و""ذا"» في: الشهداءُ "إذا"، وهو كثيرٌ.
الموضع الثالث: أن تكون بدلًا من "همزة" التأنيث في التثنية والجمع والنسب نحو قولك في حمراوان
"و" حمراوات "و" حمراوي، وخنفساء "و" خنفساوان "و" خنفساوي، وحكم "همزة" الإلحاق في ذلك كحكم "همزة" التأنيث، نحو قولك في علباء "و" قرباء: علباوان "و" قرباوان، وعلباوات ["و" قرباوات] "و" علباوي "و" قرباوي، ولا يلزم ذلك بل فيهما لغةٌ أخرى: البقاءُ على لفظ "الهمزة" في المواضع الثلاثة، والأولى أكثر.
القسم المبدلة من "ألف" لها موضعان:
الموضع الأول: أن تكون بدلًا من "الألف" الزائدة الثانية في بنية الكلمة في التصغير وجمع التكسير، وذلك قولك في تصغير ضارب، ضويرب، وقاتل، قويتل، وفي جمعها المكسر: ضوارب وقواتل وكذلك ما كان نحو ذلك.
وإنما انقلبت "الألف" في ذلك إلى "الواو" في التصغير لأن الاسم إذا صغر لزم ضم أوله، ولا يصح أن يكون ما قبل "الألف" إلا مفتوحًا فقلبت "واوًا" لأجل الضمة قبلها.
وأما قلبها في التكسير فالجمل على التصغير، إذ ليس لها قبلها ضمةٌ توجبُ قلبها "واوًا"، وإنما حُمل التكسير على التصغير لأنه يناسبه في أن ثالثه حرف علةٍ زائدة ثالث بعده مكسور إن كان أزيد من ثلاثة بغير علامة تأنيث، نحو ضويرب وضوارب، ولأجل ذلك يُحمل التصغير على التكسير في نحو قولهم في تصغير أسود: أسيود، بإظهار "الواو"، وكان القياس قلبها "ياءً" إلا أنه لما قيل في التكسير: أساود، حُمل التصغير عليه لأنهما من "واو" واحد كما ذكرتُ لك.
الموضع الثاني: أن تكون بدلًا من "ألف" الندبة التي في مثل قولك:
"و" ازيداه، "و" اعمراه، وذلك إذا خيف التباسٌ بين التثنية والجمع في الضمير المضاف إليه نحو قولك في غلامهم و غلامكم: "و" اغلامكموه و اغلامهموه، لأنه لو بقيت "الألف" فقيل: "و" اغلامهماه، "و" اغلامكماه، لالتبس بالتثنية والجمع فقلبت "الألفُ" "واوًا" لأجل الضمة قبلهما في كونه جميعًا.
القسم المبدلة من "الياء" أيضًا لها موضعان.
الموضع الأول: أن تكون بدلًا من "الياء" الثانية والزائدة في بنية الكلمة إذا بُنيت لما لم يُسم فاعله نحو قولك في بيطر: بوطر، وفي هينم: هونم، وفي سيطر: سوطر، وكذلك تقول في تصغير الاسم .... فيه كذلك نحو قولك في صيرف: صويرف، وصيقل: صويقل، فتقلب "الياء" "واوًا" في الوجهين لأجل ضمة ما قبلها، لأن ما لم يُسم فاعله يلزم ضم أوله، وكذلك المصغر، وعلة ذلك فيهما مذكورةٌ في كتب النحويين، والضمة تناقض "الياء"، إذ هي بعض "الواو" التي تناقضها لعلو "الواو" وسفول "الياء"، فاستثقل اجتماعهما، فإذا قُلبت "واوًا" تناسبا فخف النطق بهما.
الموضع الثاني: أن تكون بدلًا من "ياء" بدل من "ألف"، وذلك [قولك] في مصدر فاعلتُ: ضيراب من ضاربت، وقيتال من قاتلتُ، فهذا النوع إذا صغرته لزم قلب تلك "الياء" "واوًا" لأجل الضمة أيضًا قبلها، فتقول: ضويريب وقويتيل، وينبغي أن تنقلب أيضًا "واوًا" في جمع التكسير فيقال: ضواريب وقواتيل، وليس ذلك تعليل إلا الحملُ على التصغير لأنهما من وادٍ واحدٍ كما ذُكر، فاعلمه). [رصف المباني:409 - 441]


رد مع اقتباس