الموضوع: مَن
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 05:22 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب: أقسام "مَنْ"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ):(باب: أقسام "مَنْ"
اعلم أن "من" على أربعة أوجه:
تكون جزاء: كقولك: «"من" يكرمني أكرمه» وما أشبه ذلك، فـ "من" مبتدأ، وهو شرط، و«يكرمني» جزم بالشرط، و«أكرمه» جوابه، هما جميعًا خبر "من".
وتكون استفهامًا: كقولك: «"من" أبوك؟» و«"من" كلمك؟» وما أشبه ذلك، فـ "من" اسم مبتدأ، وما بعدها خبرها، كما تقول: «أزيدٌ كلمك؟».
وتكون خبرًا بمعنى "الذي" كقولك: «"من" كلمت زيد»، و«"من"كلمني عمرو»، و«"من" مر بي محمد»، و«جاءني "من" عندك»، و«رأيت "من" في الدار»، و«رأيت "من" أخوك»، و«مررت "بمن" أخوك»، وكذلك ما أشبهه، قال الله تعالى: {أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمنًا يوم القيامة}، "من" ها هنا بمعنى "الذي" كأنه قال: "أفالذي" يلقى في النار خيرٌ أم "الذي" يأتي آمنًا يوم القيامة.
وتكون نكرة بمعنى «إنسان»: ويلزمها النعت، كقولك: «رأيت "من" ظريفًا» و«مررت "بمن" ظريف» ... أي: رأيت إنسانًا ظريفًا، ومررت بإنسانٍ ظريف، وتقول: «مررت "بمن" غيرك» قال حسان:
فكفى بنا فضلًا على من غيرنا ..... حب النبي محمدٍ إيانا
فخفض «غيرنا» على النعت لـ"من"، وقد يروى بالرفع، أي: على "من" هو غيرنا، و"من" معرفة فيمن رفع، بمعنى "الذي" لأن "من" و"ما" إذا وصلتا كانتا معرفتين، وإذا نعتتا كانتا نكرتين، قال عمرو بن قميئة:
يا رب من يبغض أذوادنا ..... رحن على بغضائه واغتدين
فـ "من" ها هنا نكرة، لأنه أدخل عليها "رب" وهي لا تدخل إلا على نكرة، كأنه قال: يا "رب" إنسان، وقال الفرزدق في مثله:
إني وإياك إذ حلت بأرحلنا ..... كمن بواديه بعد المحل ممطور
فـ "من" ها هنا نكرة، لأنه وصفها بـ «ممطور» وهو نكرة، كأنه قال: كإنسان ممطور.
وقد قال الكسائي في معاني "من" وجهًا آخر، فزعم أنها قد تكون صلة: وأنشد في ذلك:
إن الزبير سنام المجد قد علمت ..... ذاك العشيرة والأثرون من عددا
أراد: الأثرون عددا.
وقال غيره: معناه: والأثرون "من" بعد عددا، فحذف الفعل واكتفى بالمصدر منه، كما تقول: «"ما" أنت إلا سيرًا» تريد "ما" أنت إلا تسير سيرًا، وأنشد أيضًا قول عنترة:
يا شاة من قنصٍ لمن حلت له ..... حرمت علي وليتها لم تحرم
أراد: يا شاة قنص، فجعل "من" في هذين البيتين بمنزلة "ما" في الصلة.
واعلم أن "من" إذا جعلتها للجزاء جزمت الفعلين، كقولك: «"من" يزرني أزره»، و«"من" يكرمني أكرمه»، قال الله تعالى: {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا}، فإن جعلتها للاستفهام رفعت الفعل الأول، وجزمت الثاني لأنه جواب الاستفهام بغير "الفاء": كقولك: «"من" يزورني أزره» فإن جعلتها بمعنى "الذي" رفعت الفعلين جميعًا، فقلت: «"من" يزرني أزوره»، والمعنى: "الذي" يزورني أزوره، ومنه قوله تعالى: {من يأتيه عذابٌ يخزيه}، وكذلك "ما" و"أي" إذا جعلتهما على هذه الوجوه، وكذلك "متى" إذا جعلتها جزاء جزمت الفعلين، كقولك: «"متى" تقم أقم» فإن جعلتها استفهامًا رفعت الأول، وجزمت الثاني، كقولك: «"متى" تقوم أقم» وتقول: «غلام "من" تضرب أضرب» تجزم الفعلين إذا جعلت "من" للجزاء، وتنصب «الغلام» بالفعل الأول، لأن الثاني جواب، فإن جعلت "من" استفهامًا رفعت الفعل الأول وجزمت الثاني، فتقول: «غلام "من" تضرب أضرب»، جزمت «أضرب» لأنه جواب الاستفهام بغير "الفاء"، ونصبت «الغلام» بالفعل الأول أيضًا، فإن جعلت "من" بمعنى "الذي" رفعت الفعلين فقلت «غلام "من" تضرب أضرب» تنصب «الغلام» بالفعل الثاني لأن الأول واقع على "هاء" مضمرة تعود على "من"، كأنك قلت: غلام الذي تضر به أضرب.
وتقول: «غلام "من" تضربه أضرب» ترفع «الغلام» بالابتداء، لأنك شغلت الفعل "بالهاء"، و"من" وحدها اسم لأنها استفهام، و"من" في الاستفهام والجزاء لا تحتاج إلى صلة.
وتقول: «"بمن" تمرر أمرر» فتجزم لأن "من" جزاءٌ: فإن قلت: «"بمن" تمر به أمر» رفعت لأن "من" خبر بمعنى "الذي" كأنك قلت: بالذي تمر به أمر، لأن ما بعد "من" قد صار جملة، وكذلك تقول: «على أيهم تنزل عليه أنزل» بالرفع، و«"بما" تجازيني به أجازيك» لأن معناه "الذي" وما بعده صلة له، وتقول: «أبا "من" تكنى؟» "من" في هذا استفهام، فأضمرت الاسم الذي يقوم مقام الفاعل في «تكنى»، ونصبت «أبا "من"» لأنه مفعول مقدم، وإنما نصبته بـ «تُكنى» وهو لا يجوز أن يتقدم عليه لأنه استفهام، وللاستفهام صدر الكلام أبدًا، ولا يجوز تقديم الفعل الذي يعمل فيه عليه إذا كان مفعولًا.
وتقول: «أبو "من" أنت تكنى به» رفعت الأول لأنك شغلت الفعل بقولك: "به" كأنك قلت: أأبو زيد أنت تكنى "به"، ولو قلت: «بأبي "من" تكنى "به"» كان خطأ، لأنك إنما توصل الفعل "بباء" واحدة، ألا ترى أنك تقول: «بعد الله مررت»، ولا يجوز «بعبد الله مررت به».
وتقول: «"من" قام إلا زيد؟» "من": استفهام في تأويل الجحد، كأنك قلت: "ما" قام إلا زيد، قال الله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله}، المعنى: ليس يغفر الذنوب إلا الله، ومثله: «"من" رأيت إلا زيدًا؟» و«"بمن" مررت إلا بزيد؟» المعنى: "ما" رأيت إلا زيدًا، و"ما" مررت إلا بزيدٍ). [الأزهية: 100 - 105]


رد مع اقتباس