عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:04 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا يعقوب، عن عمرٍو، عن الأعرج، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " احتجّ آدم وموسى عليهما السّلام فقال له موسى: يا آدم، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، ثمّ قال لك: كن فكنت، ثمّ أمر الملائكة فسجدوا لك، ثمّ قال: اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا منها حيث شئتم رغدًا، ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين فنهاك عن شجرةٍ واحدةٍ فعصيت ربّك؟ فقال آدم عليه السّلام: يا موسى، ألم تعلم أنّ الله تعالى قدّر عليّ هذا قبل أن يخلقني؟ " فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد حجّ آدم موسى، لقد حجّ آدم موسى، لقد حجّ آدم موسى»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}
يعني جلّ ثناؤه: إنّ شبه عيسى في خلقي إيّاه من غير فحلٍ فأخبر به يا محمّد الوفد من نصارى نجران عندي كشبه آدم الّذي خلقته من ترابٍ، ثمّ قلت له كن فكان، من غير فحلٍ، ولا ذكرٍ، ولا أنثى يقول: فليس خلقي عيسى من أمّه من غير فحلٍ، بأعجب من خلقي آدم من غير ذكرٍ ولا أنثًى، فكان لحمًا، يقول: وأمري إذ أمرته أن يكون فكان، فكذلك خلقي عيسى أمرته أن يكون فكان.
وذكر أهل التّأويل أنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل هذه الآية احتجاجًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الوفد من نصارى نجران الّذين حاجّوه في عيسى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن عامرٍ، قال: كان أهل نجران أعظم قومٍ من النّصارى في عيسى قولاً، فكانوا يجادلون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية في سورة آل عمران: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} إلى قوله: {فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} وذلك أنّ رهطًا من أهل نجران قدموا على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان فيهم السّيّد والعاقب، فقالوا لمحمّدٍ: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ فقال: من هو؟ قالوا: عيسى، تزعم أنّه عبد اللّه، فقال محمّدٌ: أجل إنّه عبد اللّه قالوا له: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثمّ خرجوا من عنده، فجاءه جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم بأمر ربّنا السّميع العليم، فقال: قل لهم إذا أتوك {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} إلى آخر الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} ذكر لنا أنّ سيّدي أهل نجران وأسقفيهم السّيّد والعاقب، لقيا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألاه عن عيسى فقالا: كلّ آدميٍّ له أبٌ فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه هذه الآية: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ} لمّا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وسمع به أهل نجران، أتاه منهم أربعةٌ من خيارهم، منهم العاقب، والسّيّد، وماسرجس وماريحز، فسألوه ما يقول في عيسى، فقال: هو عبد اللّه وروحه وكلمته، قالوا هم: لا، ولكنّه هو اللّه، نزل من ملكه فدخل في جوف مريم، ثمّ خرج منها فأرانا قدرته وأمره، فهل رأيت قطّ إنسانًا خلق من غير أبٍ؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}.
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} قال: نزلت في العاقب والسّيّد من أهل نجران، وهما نصرانيّان
قال ابن جريجٍ: بلغنا أنّ نصارى أهل نجران قدم وفدهم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيهم السّيّد والعاقب، وهما يومئذٍ سيّدا أهل نجران، فقالوا: يا محمّد فيم تشتم صاحبنا؟ قال: من صاحبكما؟ قالا: عيسى ابن مريم، تزعم أنّه عبدٌ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أجل إنّه عبد اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، فغضبوا وقالوا: إن كنت صادقًا، فأرنا عبدًا يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، ويخلق من الطّين كهيئة الطّير، فينفخ فيه، الآية، لكنّه اللّه فسكت حتّى أتاه جبريل، فقال: يا محمّد {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم} الآية، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا جبريل إنّهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى. قال جبريل: مثل عيسى كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون، فلمّا أصبحوا عادوا، فقرأ عليهم الآيات.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ مثل عيسى عند اللّه} فاسمع {كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون، الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} فإن قالوا: خلق عيسى من غير ذكرٍ، فقد خلقت آدم من ترابٍ بتلك القدرة، من غير أنثًى ولا ذكرٍ فكان كما كان عيسى لحمًا ودمًا وشعرًا وبشرًا، فليس خلق عيسى من غير ذكرٍ بأعجب من هذا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ} قال: أتى نجرانيّان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا له: هل علمت أنّ أحدًا ولد من غير ذكرٍ فيكون عيسى كذلك؟ قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} أكان لآدم أبٌ أو أمٌّ، كما خلقت هذا في بطن هذه؟
فإن قال قائلٌ: فكيف قال: كمثل آدم خلقه، وآدم معرفةٌ، والمعارف لا توصل؟ قيل: إنّ قوله: {خلقه من ترابٍ} غير صلةٍ لآدم، وإنّما هو بيانٌ عن أمره على وجه التّفسير عن المثل الّذي ضربه وكيف كان؟.
وأمّا قوله: {ثمّ قال له كن فيكون} فإنّما قال: فيكون، وقد ابتدأ الخبر عن خلق آدم، وذلك خبرٌ عن أمرٍ قد تقضّى، وقد أخرج الخبر عنه مخرج الخبر عمّا قد مضى، فقال جلّ ثناؤه: {خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن} لأنّه بمعنى الإعلام من اللّه نبيّه أنّ تكوينه الأشياء بقوله: {كن} ثمّ قال: فيكون خبرًا مبتدأً، وقد تناهى الخبر عن أمر آدم عند قوله: كن.
فتأويل الكلام إذًا: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم، خلقه من ترابٍ، ثمّ قال له كن؛ واعلم يا محمّد أنّ ما قال له ربّك: كن، فهو كائنٌ.
فلمّا كان في قوله: {كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن} دلالةٌ على أنّ الكلام يراد به إعلام نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسائر خلقه أنّه كائنٌ ما كونه ابتداءً من غير أصلٍ ولا أوّلٍ ولا عنصرٍ استغنى بدلالة الكلام على المعنى، وقيل: فيكون، فعطف بالمستقبل على الماضي على ذلك المعنى.
وقد قال بعض أهل العربيّة: فيكون رفع على الابتداء ومعناه: كن فكان، فكأنّه قال: فإذا هو كائنٌ). [جامع البيان: 5/459-463]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون (59)
قوله تعالى: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون وذلك أنّ رهطًا من أهل نجران قدموا على محمّدٍ الطّيّب صلّى اللّه عليه وسلّم وكان فيهم السّيّد والعاقب. فقالوا لمحمّدٍ:
ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال: من هو؟ قالوا عيسى، تزعم أنّه عبد اللّه. فقال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: أجل إنّه عبد اللّه. فقالوا له: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثمّ خرجوا من عنده، فجاءه جبريل بأمر ربّنا السّميع العليم فقال: قل لهم إذا أتوك إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون. الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين
- حدّثنا محمّد بن إسحاق: إنّ مثل عيسى عند اللّه فاستمع كمثل آدم خلقه من ترابٍ فإن قالوا: خلق عيسى من غير ذكر، فقد خلقت آدم من ترابٍ بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكرٍ، وكان كما كان عيسى لحمًا ودمًا وشعرًا وبشرًا، فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا.
قوله تعالى: ثمّ قال له كن فيكون
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق ثمّ قال له كن فيكون أي لتعتبروا إذا شبّه عليهم أنّه خلق في بطن أمّه من غير ذكرٍ، قلت له بالقدرة التي خلقت بها عيسى بن مريم كن فكان كذلك، قلت لعيسى: كن فكان.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: كن فيكون فهو أمر عيسى والقيامة). [تفسير القرآن العظيم: 2/665-666]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 59 - 63
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أن رهطا من أهل نجران قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا قال: من هو قالوا: عيسى تزعم أنه عبد الله قال: أجل إنه عبد الله، قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به، ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل فقال: قل لهم إذا أتوك {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} إلى آخر الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن سيدي أهل نجران وأسقفيهم السيد والعاقب لقيا نبي الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن عيسى فقالا: كل آدمي له أب فما شأن عيسى لا أب له فأنزل الله فيه هذه الآية {إن مثل عيسى عند الله} الآية.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع به أهل نجران أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم منهم السيد والعاقب وماسرجس ومار بحر فسألوه ما تقول في عيسى قال: هو عبد الله وروحه وكلمته قالوا هم: لا ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره فهل رأيت إنسانا قط خلق من غير أب فأنزل الله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} الآية
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {إن مثل عيسى} الآية قال: نزلت في العاقب والسيد من أهل نجران.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج قال بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم السيد والعاقب وهما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا: يا محمد فيم تشتم صاحبنا قال: من صاحبكم قالوا: عيسى بن مريم تزعم أنه عبد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل إنه عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فغضبوا وقالوا: إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ويبرى ء الأكمه ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه لكنه الله، فسكت حتى أتاه جبريل فقال: يا محمد (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم) (المائدة الآية 17) الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى، قال جبريل {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}
فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات.
وأخرج ابن سعد، وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس قال: جاء أسقف نجران والعاقب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فقالا: قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتما منع الإسلام منكما ثلاث: قولكما اتخذ الله ولدا وسجودكما للصليب وأكلكما لحم الخنزير قالا: فمن أبو عيسى فلم يدر ما يقول، فأنزل الله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} إلى قوله {بالمفسدين} فلما نزلت هذه الآيات دعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة فقالا: انه إن كان نبيا فلا ينبغي لنا أن نلاعنه فأبيا فقالا: ما تعرض سوى هذا فقال: الإسلام أو الجزية أو الحرب فأقروا بالجزية). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: الّذي أنبأتك به من خبر عيسى، وأنّ مثله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له ربّه: كن، هو الحقّ من ربّك، يقول: هو الخبر الّذي هو من عند ربّك؛ {فلا تكن من الممترين} يعني: فلا تكن من الشّاكّين في أنّ ذلك كذلك.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} يعني فلا تكن في شكٍّ من عيسى أنّه كمثل آدم عبد اللّه ورسوله، وكلمة اللّه وروحه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} يقول: فلا تكن في شكٍّ ممّا قصصنا عليك أنّ عيسى عبد اللّه ورسوله وكلمةٌ منه وروحٌ، وأنّ مثله عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {الحقّ من ربّك} ما جاءك من الخبر عن عيسى، {فلا تكن من الممترين} أي قد جاءك الحقّ من ربّك فلا تمتر فيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فلا تكن من الممترين} قال: والممترون: الشّاكّون
والمرية والشّكّ والرّيب واحدٌ سواءٌ كهيئة ما تقول: أعطني وناولني وهلمّ، فهذا مختلفٌ في الكلام وهو واحدٌ). [جامع البيان: 5/463-464]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين (61)
قوله تعالى: الحقّ من ربّك
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قال: ثمّ قال لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الحقّ من ربّك ما جاءك من الخبر عن عيسى من قصّةٍ بعد ما اقتصصت عليك.
قوله تعالى: فلا تكن من الممترين
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن مباركٍ يعني ابن فضالة، عن الحسن قال: فأنزل اللّه تعالى على نبيّه: فلا تكن من الممترين قال الحسن: يقول: يا محمّد فلا تكن في شكٍّ ممّا قالا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: فلا تكن من الممترين أي قد جاءك الحقّ من ربّك فلا تمتر فيه). [تفسير القرآن العظيم: 2/666-668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {الحق من ربك فلا تكن من الممترين} يعني فلا تكن في شك من عيسى أنه كمثل آدم عبد الله ورسوله وكلمته). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى فمن حاجك من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم قال بلغني أن النبي خرج ليداعي أهل نجران فلما رأوه هابوا وفرقوا فرجعوا
قال معمر وقال قتادة لما أراد النبي أن يباهل أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة اتبعينا فلما رأى ذلك أعداء الله رجعوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/122]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر أخبرني عبد الكريم الجزري عن عكرمة قال: قال ابن عباس لو خرج الذين يباهلون النبي لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا). [تفسير عبد الرزاق: 1/123]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون (59) الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: لمّا عرض رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الملاعنة على أهل نجران، قبل ذلك منه السّيّد والعاقب، فرجعا إلى رجلٍ منهم كان نجيبًا، فقال لهما: ما صنعتما شيئًا، واللّه لئن كان نبيًّا، لا يعصيه اللّه فيكم، وإن كان ملكًا ليستبدّنّكم، فقالا له: ما ترى؟ قال: أرى أن تغدوا، فإنّه يغدو لميعادكما، فإذا غدا عليكما، فإنّه سيعرض عليكما الملاعنة، فإذا عرض ذلك عليكما، فقولا له: نعوذ بالله. وغديا، وغدا رسول اللّه - صلّى الله عليه وسلّم - أخذ بيد حسنٍ، وحسينٍ يتبعه، وفاطمة تمشي من خلفه، فقال لهما: ((هل لكما في الأمر الّذي انطلقتما عليه من الملاعنة؟)) فقالا: نعوذ باللّه، قال: فردّد ذلك عليهما، فقالا: نعوذ باللّه - مرّتين، أو ثلاثًا - فقال لهما: (( (هل لكما في الإسلام أن تسلما، ويكون لكما ما للمسلمين وعليكما ما على المسلمين؟)) فلم يقبلا ذلك وكرهاه، فقال لهما: ((هل لكما في الجزية تؤدّيانها وأنتم صاغرون كما قال اللّه عزّ وجلّ؟)) فقبلا ذلك، وقالا: لا طاقة لنا بحرب العرب). [سنن سعيد بن منصور: 3/1044-1045]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمارٍ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاصٍ، عن أبيه، قال: لمّا أنزل اللّه هذه الآية: {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم}، دعا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/75]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}
- أخبرنا عبد الرّحمن بن عبيد الله، عن عبيد الله، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال أبو جهلٍ: لئن رأيت محمّدًا يصلّي عند الكعبة أتيته حتّى أطأ على عنقه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو فعل أخذته الملائكة عيانًا، وإنّ اليهود لو تمنّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النّار، ولو خرج الّذين يباهلون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون مالًا ولا أهلًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فمن حاجّك فيه} فمن جادلك يا محمّد في المسيح عيسى ابن مريم
والهاء في قوله: {فيه} عائدةٌ على ذكر عيسى، وجائزٌ أن تكون عائدةً على الحقّ الّذي قال تعالى ذكره: {الحقّ من ربّك}.
ويعني بقوله: {من بعد ما جاءك من العلم} من بعد ما جاءك من العلم الّذي قد بيّنته لك في عيسى أنّه عبد اللّه {فقل تعالوا} هلمّوا فلندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، {ثمّ نبتهل} يقول: ثمّ نلتعن.
يقال في الكلام: ما له بهله اللّه، أي لعنه اللّه، وما له عليه بهلة اللّه، يريد اللّعن، وقال لبيدٌ، وذكر قومًا هلكوا، فقال:
نظر الدّهر إليهم فابتهل
يعني دعا عليهم بالهلاك
{فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} منّا ومنكم في آية عيسى.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} أي في عيسى أنّه عبد اللّه ورسوله من كلمة اللّه وروحه، {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} إلى قوله: {على الكاذبين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} أي من بعد ما قصصت عليك من خبره، وكيف كان أمره {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} يقول: من حاجّك في عيسى من بعد ما جاءك فيه من العلم.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} قال: منّا ومنكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: وثني ابن لهيعة، عن سليمان بن زيادٍ الحضرميّ، عن عبد اللّه بن الحارث بن جزءٍ الزّبيديّ، أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ليت بيني وبين أهل نجران حجابًا فلا أراهم ولا يروني من شدّة ما كانوا يمارون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 5/465-466]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فمن حاجّك
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: فمن حاجّك فيه يقول: من حاجّك في عيسى. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: من بعد ما جاءك من العلم
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فيما اقتصصت عليك من الخبر.
قوله تعالى: فقل تعالوا
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع فقل تعالوا فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هلمّ أداعيكم فأتيا كان الكاذب أصابته اللّعنة والعقوبة من اللّه عاجلا. قالوا: نعم
قوله: ندع أبناءنا وأبناءكم
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن مغيرة عن الشّعبيّ قال: لمّا نزلت فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحسن والحسين ثمّ انطلق. قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ نحو ذلك.
قوله تعالى: ونساءنا ونساءكم
- حدّثنا الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن مباركٍ، عن الحسن في قوله: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم قرأها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عليهما ودعاهما إلى المباهلة وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين وقال أحدهما لصاحبه: اصعد الجبل ولا تباهله فإنّك إن باهلته بؤت باللّعن قال: فما ترى؟
قال: أرى أن تعطيه الخراج ولا نباهله. قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي جعفرٍ بن عليٍّ نحو ذلك.
قوله تعالى: وأنفسنا وأنفسكم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم فأخذ بيد الحسن والحسين وفاطمة وقال لعليٍّ: اتبعنا، فخرج معهم ولم يخرج يومئذٍ النّصارى قالوا: إنّا نخاف أن يكون هذا هو النّبيّ وليس دعوة الأنبياء كغيرهم فتخلّفوا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو خرجوا إلا احترقوا، فصالحوه على صلحٍ على أنّ له عليهم ثمانين ألفا.
- حدّثنا أبي، ثنا أيّوب بن عروة الكوفيّ يعني: نزيل الرّيّ، ثنا المطّلب بن زيادٍ عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ: وأنفسنا وأنفسكم قال: النّبيّ وعليٌّ
قوله تعالى: ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لو خرج الّذين يباهلون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال لي ابن كثيرٍ: أمّا الّذين دعوا إلى الابتهال فالنّصارى.
- حدّثنا أبي، ثنا أزهر بن حاتمٍ، ومحمود بن غيلان والسّياق لأزهر، ثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن أنس بن مالكٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعرفاتٍ وهو يدعو، ورفع يديه فانفلت زمام النّاقة من يده، فتناوله فرفع يده، فقال أصحاب محمّدٍ: هذا الابتهال وهذا التّضرّع.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ ثمّ نبتهل نجتهد). [تفسير القرآن العظيم: 2/666-668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال: قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن عيسى بن مريم قال: رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، قالوا: ينبغي لعيسى أن يكون فوق هذا، فأنزل الله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} الآية، قالوا: ما ينبغي لعيسى أن يكون مثل آدم، فأنزل الله {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ليت بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أراهم ولا يروني من شدة ما كانوا يمارون النّبيّ صلى الله عليه وسلم
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه (طس) سليمان: بسم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران، إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم آذنتكم بالحرب والسلام، فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به
وذعر ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأه فقال له الأسقف: ما رأيك، فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ليس لي في النبوة رأي لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك، فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد، فأنزل الله هذه الآية {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} إلى قوله {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبه: إني أرى أمرا مقبلا إن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له: ما رأيك فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا ابدا، فقالا له: أنت وذاك، فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك قال: وما هو قال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة أن العاقب والسيد أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعده فقالوا له: نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال: قم يا أبا عبيدة، فلما وقف قال: هذا أمين هذه الأمة.
وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، عن جابر قال قدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم العاقب والسيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد
قال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام، قالا: فهات، قال: حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى الغد فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل اليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له فقال: والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا، قال جابر: فيهم نزلت {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، قال جابر: أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وأبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة
وأخرج الحاكم وصححه، عن جابر أن وفد نجران أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما تقول في عيسى فقال: هو روح الله وكلمته وعبد الله ورسوله قالوا له: هل لك أن نلاعنك أنه ليس كذلك قال: وذاك أحب إليكم قالوا: نعم، قال: فإذا شئتم، فجاء وجمع ولده الحسن والحسين فقال رئيسهم: لا تلاعنوا هذا الرجل فوالله لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين فجاؤوا فقالوا: يا أبا القاسم إنما أراد أن يلاعنك سفهاؤنا وإنا نحب أن تعفينا، قال: قد أعفيتكم ثم قال: إن العذاب قد أظل نجران.
وأخرج أبو النعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، منهم السيد وهو الكبير والعاقب وهو الذي يكون بعده وصاحب رأيهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما: أسلما قالا: أسلمنا، قال: ما أسلمتما، قالا: بلى، قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما: عبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير وزعمكما أن لله ولدا، ونزل {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} الآية، فلما قرأها عليهم قالوا: ما نعرف ما تقول، ونزل {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} يقول: من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن {فقل تعالوا} إلى قوله {ثم نبتهل} يقول: نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق وأن الذي يقولون هو الباطل فقال لهم: إن الله قد أمرني إن لم تقبلواهذا أن أباهلكم فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك، فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب: قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ولئن لاعنتموه إنه ليستأصلكم وما لاعن قوم
قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن أنتم لم تتبعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أنا دعوت فأمنوا أنتم فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس أن ثمانية من أساقف العرب من أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم العاقب والسيد فأنزل الله {فقل تعالوا ندع أبناءنا} إلى قوله {ثم نبتهل} يريد ندع الله باللعنة على الكاذب، فقالوا: أخرنا ثلاثة أيام فذهبوا إلى بني قريظة والنضير وبني قينقاع فاستشاروهم، فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه وهو النّبيّ الذي نجده في التوراة، فصالحوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ألف حلة في صفر وألف في رجب ودراهم). [الدر المنثور: 3/601-612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة {فمن حاجك فيه} في عيسى {فقل تعالوا ندع أبناءنا} الآية فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم لذلك وفد نجران وهم الذين حاجوه في عيسى فنكصوا وأبوا، وذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران ولو فعلوا لاستئصلوا عن وجه الأرض.
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولا في عيسى بن مريم فكانوا يجادلون النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه، فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران {إن مثل عيسى عند الله} إلى قوله {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} فأمر بملاعنتهم فواعدوه لغد فغدا النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال لو باهل أهل نجران رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا.
وأخرج مسلم والترمذي، وابن المنذر والحاكم والبيهقي في "سننه" عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي.
وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري قال لما نزلت هذه الآية {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير لا تلاعنوا، فانتهوا.
وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية {تعالوا ندع أبناءنا} الآية، قال: فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس !
{ثم نبتهل} نجتهد.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه وهذا الابتهال فرفع يديه مدا). [الدر المنثور: 3/601-612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قيس بن سعد قال: كان بين ابن عباس وبين آخر شيء فقرأ هذه الآية {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل} فرفع يديه واستقبل الركن {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} ). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلاّ اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ هذا الّذي أنبأتك به يا محمّد من أمر عيسى، فقصصته عليك من أنبائه وأنّه عبدي ورسولي، وكلمتي ألقيتها إلى مريم، وروحٌ منّي، {لهو القصص} والنّبأ {الحقّ} فاعلم ذلك، واعلم أنّه ليس للخلق معبودٌ يستوجب عليهم العبادة بملكه إيّاهم إلاّ معبودك الّذي تعبده، وهو اللّه العزيز الحكيم.
ويعني بقوله {العزيز} العزيز في انتقامه ممّن عصاه، وخالف أمره، وادّعى معه إلهًا غيره، أو عبد ربًّا سواه، {الحكيم} في تدبيره، لا يدخل ما دبّره وهنٌ ولا يلحقه خللٌ.
{فإن تولّوا} يعنى فإن أدبر هولاء الذين حاجوك في عيسى عما جاءك من الحق من عند ربك في عيسى وغيره من سائر ما اتاك الله من الهدى والبيان فأعرضوا عنه ولم يقبلوه {فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين} يقول فإن الله ذو علم باالذين يعصون ربهم ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه وذلك هو إفسدهم يقول تعالى ذكره فهو عالم بهم وبأعمالهم يحصيها عليهم ويحفظها حتى يجازيهم عليها جزاءهم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} أي إنّ هذا الّذي جئت به من الخبر عن عيسى، لهو القصص الحقّ من أمره.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {إنّ هذا لهو القصص} إنّ هذا الّذي قلنا في عيسى لهو القصص الحقّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} قال: إنّ هذا القصص الحقّ في عيسى، ما ينبغي لعيسى أن يتعدّى هذا، ولا يجاوز أن يتعدّى أن يكون كلمة اللّه ألقاها إلى مريم وروحًا منه وعبد اللّه ورسوله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} إنّ هذا الّذي قلنا في عيسى هو الحقّ {وما من إله إلاّ اللّه} الآية
فلمّا فصل جلّ ثناؤه بين نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين الوفد من نصارى نجران بالقضاء الفاصل والحكم العادل وأمره إن هم تولّوا عمّا دعاهم إليه من الإقرار بوحدانيّة اللّه، وأنّه لا ولد له ولا صاحبةً، وأنّ عيسى عبده ورسوله وأبوا إلاّ الجدل والخصومة أن يدعوهم إلى الملاعنة، ففعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انخزلوا، فامتنعوا من الملاعنة ودعوا إلى المصالحة.
- كالّذي: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن عامرٍ، قال: فأمر يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بملاعنتهم يعني بملاعنة أهل نجران بقوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية، فتواعدوا أن يلاعنوه، وواعدوه الغد، فانطلقوا إلى السّيّد والعاقب وكانا أعقلهم فتابعاهم، فانطلقوا إلى رجلٍ منهم عاقلٍ، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما صنعتم؟ وندّمهم، وقال لهم: إن كان نبيًّا ثمّ دعا عليكم لا يغضبه اللّه فيكم أبدًا، ولئن كان ملكًا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدًا، قالوا: فكيف لنا وقد واعدنا؟ فقال لهم: إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الّذي فارقتموه عليه، فقولوا: نعوذ باللّه فإن دعاكم أيضًا، فقولوا: نعوذ باللّه ولعلّه أن يعفيكم من ذلك، فلمّا غدوا غدا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم محتضنًا حسنًا آخذًا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه، فدعاهم إلى الّذي فارقوه عليه بالأمس، فقالوا: نعوذ باللّه ثمّ دعاهم، فقالوا: نعوذ باللّه مرارًا، قال: فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، كما قال اللّه عزّ وجلّ؛ فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون، كما قال اللّه عزّ وجلّ، قالوا: ما نملك إلاّ أنفسنا، قال: فإن أبيتم فإنّي أنبذ إليكم على سواءٍ، كما قال اللّه عزّ وجلّ، قالوا: ما لنا طاقةٌ بحرب العرب، ولكن نؤدّي الجزية، قال: فجعل عليهم في كلّ سنةٍ ألفي حلّةٍ، ألفًا في رجبٍ وألفًا في صفرٍ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتّى الطّير على الشّجر أو العصافير على الشّجر، لو تمّوا على الملاعنة
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، قال: فقلت للمغيرة: إنّ النّاس يرون في حديث أهل نجران أنّ عليًّا كان معهم، فقال: أمّا الشّعبيّ فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أميّة في عليٍّ، أو لم يكن في الحديث؟.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} إلى قوله: {فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} فدعاهم إلى النّصف وقطع عنهم الحجّة، فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر من اللّه عنه، والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمره بما أمره به من ملاعنتهم، إن ردّوا عليه؛ دعاهم إلى ذلك، فقالوا: يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه. فانصرفوا عنه، ثمّ خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح ما ترى؟ قال: واللّه يا معشر النّصارى، لقد عرفتم أنّ محمّدًا نبيّ مرسلٌ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قومٌ نبيًّا قطّ فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنّه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلاّ إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرّجل ثمّ انصرفوا إلى بلادكم حتّى يريكم زمنٌ رأيه، فأتوا رسول اللّه، فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك على دينك، ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا، فإنّكم عندنا رضًى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا عيسى بن فرقدٍ، عن أبي الجارود، عن زيد بن عليٍّ، في قوله: {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعليٌّ فاطمة والحسن والحسين.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية، فأخذ يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بيد الحسن والحسين وفاطمة، وقال لعليٍّ: اتبعنا فخرج معهم، فلم يخرج يومئذٍ النّصارى، وقالوا: إنّا نخاف أن يكون هذا هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وليس دعوة النّبيّ كغيرها فتخلّفوا عنه يومئذٍ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لو خرجوا لاحترقوا. فصالحوه على صلحٍ على أنّ له عليهم ثمانين ألفًا فما عجزت الدّراهم ففي العروض الحلّة بأربعين، وعلى أنّ له عليهم ثلاثًا وثلاثين درعًا، وثلاثًا وثلاثين بعيرًا، وأربعةً وثلاثين فرسًا غازيةً كلّ سنةٍ، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضامنٌ لها حتّى نؤدّيها إليهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا وفدًا من وفد نجران من النّصارى، وهم الّذين حاجّوه في عيسى، فنكصوا عن ذلك وخافوا. وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: والّذي نفس محمّدٍ بيده، إن كان العذاب لقد تدلّى على أهل نجران، ولو فعلوا لاستؤصلوا عن جديد الأرض.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} قال: بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج ليدعى أهل نجران، فلمّا رأوه خرج، هابوا وفرقوا، فرجعوا، قال معمرٌ، قال قتادة: لمّا أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أهل نجران أخذ بيد حسنٍ وحسينٍ وقال لفاطمة: اتبعينا، فلمّا رأى ذلك أعداء اللّه رجعوا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لو خرج الّذين يباهلون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحدٌ إلاّ أهلك اللّه الكاذبين.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا ابن زيدٍ، قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت {أبناءنا وأبناءكم}؟ قال: حسنٍ وحسينٍ.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا المنذر بن ثعلبة، قال: حدّثنا علباء بن أحمر اليشكريّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم} الآية قال، أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عليٍّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شابٌّ من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردةً وخنازير؟ لا تلاعنوا، فانتهوا). [جامع البيان: 5/467-473]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إلهٍ إلّا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62)
قوله تعالى: إنّ هذا لهو القصص الحقّ
- أخبرني محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ هذا لهو القصص الحقّ يقول: إنّ هذا الّذي قلنا في عيسى هو الحقّ، وما من إلهٍ إلا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم
قوله تعالى: وما من إلهٍ إلّا اللّه
الآية قد تقدم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن هذا لهو القصص الحق} يقول: إن هذا الذي قلنا في عيسى هو الحق). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلاّ اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين}.
...
{فإن تولّوا} يعنى فإن أدبر هولاء الذين حاجوك في عيسى عما جاءك من الحق من عند ربك في عيسى وغيره من سائر ما اتاك الله من الهدى والبيان فأعرضوا عنه ولم يقبلوه {فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين} يقول فإن الله ذو علم باالذين يعصون ربهم ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه وذلك هو إفسدهم يقول تعالى ذكره فهو عالم بهم وبأعمالهم يحصيها عليهم ويحفظها حتى يجازيهم عليها جزاءهم). [جامع البيان: 5/467-473] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين (63) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئًا ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون (64)
قوله تعالى: فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق فإن تولّوا على كفرهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/669-670]


رد مع اقتباس