عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 04:39 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين كفروا ينادون لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون (10) قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروجٍ من سبيلٍ (11) ذلكم بأنّه إذا دعي اللّه وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم للّه العليّ الكبير (12) هو الّذي يريكم آياته وينزّل لكم من السّماء رزقًا وما يتذكّر إلّا من ينيب (13) فادعوا اللّه مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون (14) }
يقول تعالى مخبرًا عن الكفّار: أنّهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النّيران يتلظّون، وذلك عندما باشروا من عذاب اللّه ما لا قبل لأحدٍ به، فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض، بسبب ما أسلفوا من الأعمال السّيّئة، الّتي كانت سبب دخولهم إلى النّار، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارًا عاليًا، نادوهم [به] نداءً بأنّ مقت اللّه لهم في الدّنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان، فيكفرون، أشدّ من مقتكم أيّها المعذّبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة.
قال قتادة في قوله: {لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} يقول: لمقت اللّه أهل الضّلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدّنيا، فتركوه وأبوا أن يقبلوه، أكبر ممّا مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب اللّه يوم القيامة.
وهكذا قال الحسن البصريّ ومجاهدٌ والسّدّيّ وذرّ بن عبد اللّه الهمداني، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وابن جريرٍ الطبري، رحمهم الله).[تفسير ابن كثير: 7/ 132]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعودٍ [رضي اللّه عنه]: هذه الآية كقوله تعالى: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون} [البقرة: 28] وكذا قال ابن عبّاسٍ، والضّحّاك، وقتادة، وأبو مالكٍ. وهذا هو الصّواب الّذي لا شكّ فيه ولا مرية.
وقال السّدّيّ: أميتوا في الدّنيا ثمّ أحيوا في قبورهم فخوطبوا، ثمّ أميتوا ثمّ أحيوا يوم القيامة.
وقال ابن زيدٍ: أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم، ثمّ خلقهم في الأرحام ثمّ أماتهم [ثمّ أحياهم] يوم القيامة.
وهذان القولان -من السّدّيّ وابن زيدٍ- ضعيفان؛ لأنّه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءاتٍ وإماتاتٍ. والصّحيح قول ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ ومن تابعهما. والمقصود من هذا كلّه: أنّ الكفّار يسألون الرّجعة وهم وقوفٌ بين يدي اللّه، عزّ وجلّ، في عرصات القيامة، كما قال: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السّجدة:12]، فلا يجابون. ثمّ إذا رأوا النّار وعاينوها ووقفوا عليها، ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنّكال، سألوا الرّجعة أشدّ ممّا سألوا أوّل مرّةٍ، فلا يجابون، قال اللّه تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام:27، 28] فإذا دخلوا النّار وذاقوا مسّها وحسيسها ومقامعها وأغلالها، كان سؤالهم للرّجعة أشدّ وأعظم، {وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الّذي كنّا نعمل أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نصيرٍ} [فاطرٍ:37]، {ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 107، 108]، وفي هذه الآية الكريمة تلطّفوا في السّؤال، وقدّموا بين يدي كلامهم مقدّمة، وهي قولهم: {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} أي: قدرتك عظيمةٌ، فإنّك أحييتنا بعد ما كنّا أمواتًا، ثمّ أمتّنا ثمّ أحييتنا، فأنت قادرٌ على ما تشاء، وقد اعترفنا بذنوبنا، وإنّنا كنّا ظالمين لأنفسنا في الدّار الدّنيا، {فهل إلى خروجٍ من سبيلٍ} أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدّار الدّنيا؟ فإنّك قادرٌ على ذلك؛ لنعمل غير الّذي كنّا نعمل، فإن عدنا إلى ما كنّا فيه فإنّا ظالمون.
فأجيبوا ألّا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدّار الدّنيا. ثمّ علّل المنع من ذلك بأنّ سجاياكم لا تقبل الحقّ ولا تقتضيه بل تجحده وتنفيه؛ ولهذا قال تعالى: {ذلكم بأنّه إذا دعي اللّه وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا} أي: أنتم هكذا تكونون، وإن رددتم إلى الدّنيا، كما قال تعالى: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام: 28].
وقوله: {فالحكم للّه العليّ الكبير} أي: هو الحاكم في خلقه، العادل الّذي لا يجور، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويرحم من يشاء، ويعذّب من يشاء، لا إله إلّا هو). [تفسير ابن كثير: 7/ 133-134]

رد مع اقتباس