الموضوع: إلّا
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 05:39 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح ابن نور الدين الموزعي (ت: 825هـ)


"إلا" بالكسر والتشديد
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (وأما "إلا" بالكسر والتشديد
فإنها تستعمل على وجهين مفردة ومركبة فأما المفردة فهي أم حروف الاستثناء وتأتي على خمسة أوجه:
الأول: الاستثناء: وهو إخراج المستثنى مما دخل فيه المستثنى منه فقد يكون من موجب كقوله تعالى: {فشربوا منه إلا قليلًا منهم}، وقد يكون من منفي كقوله تعالى: {ما فعلوه إلا قليلٌ منهم}، ويكون فيها من المعنى تحقيق ما نفي عن الاسم الذي قبلها، وخالف الحنفية في هذا، وخالف المتأخرون منهم في النوعين: الاستثناء من الإثبات ومن النفي، وقالوا: الكل سواء في عدم إثبات نقيض المحكوم به بعد "إلا".
وصورة المسألة: أنا إذا قلنا: قام القوم "إلا" زيدًا، فقد اتفق الفريقان على أن "إلا" مخرجة، وزيدًا مخرجٌ، وما قبل "إلا" مخرج منه غير أنه تقدم قبل "إلا" شيئان القيام والحكم به، والقاعدة العقلية أن من خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر، فمن خرج من العدم دخل في الوجود وبالعكس.
واختلفوا في إن زيدًا هل هو مخرج من القيام وهو مذهب الشافعية والمالكية أو من الحكم به وهو مذهب الحنفية، فعندنا لما خرج من القيام دخل في عدم القيام فهو غير قائم، وعندهم خرج من الحكم بالقيام فدخل في عدم الحكم به فهو غير محكوم عليه.
لنا أنه لو كان كذلك لم تفد كلمة الشهادة الإسلام، لأنه يلزم أن يكون الله سبحانه غير محكوم له باستحقاق الألوهية، لأنه حينئذٍ مستثنى من الحكم فهو غير محكوم له بشيء من الإلاهية، وتعالى الله سبحانه عن ذلك.
ولأنه لو قال عند الحاكم، ليس له عندي "إلا" مائة درهم، يلزم أن يكون غير معترف، فلا يلزمه الحاكم شيئًا؛ لأنه نفي لغير المائة والمائة غير محكوم عليها.
وأجابوا بأن الإلاهية إنما تثبت والمائة إنما لزمت بقرائن الأحوال الدالة على ثبوت ذلك الحكم لذلك المستثنى لا باللفظ لغة بل عرفًا، وربما احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بطهور».
«لا نكاح إلا بولي» ونحو ذلك فقالوا: لو كان الاستثناء من النفي إثباتًا لزم ثبوت صحة الصلاة عند الطهور، وصحة النكاح عند وجود الولي وهو خلاف الإجماع.
والجواب: أن الاستثناء من الشروط ليس محل النزاع، فإنه لا يلزم من القضاء بالنفي لأجل عدم الشرط أن يقتضي بالوجود لأجل وجوده لما تقرر عند الجميع أن الشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم فلينتبه لذلك.
والاستثناء متصل نحو: قام القوم "إلا" زيدًا، ومنفصل نحو: ما في الدار أحد "إلا" حمارًا. وهو مقدر "بلكن" عند البصريين، ويسوى عند الكوفيين، وفي كلام التقديرين معنى المغايرة، لن رجح البصريون تقديرهم بأن "لكن" حرف، و"سوى" اسم، وتقدير الحرف بالحرف أولى من تقديره بالاسم، وقد ورد به القرآن الكريم واللسان العربي كثيرًا، قال الله سبحانه {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}.
وقال تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا}، وقال تعالى: {فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ فإنه يسلك}.
وقال الشاعر:
كذب الشباب عليَّ إلا أنني ..... أضربت عن لذاته فقلاني
والاختيار نصب المستثنى على كل تقدير لانقطاعه من الذي قبله، قال الله تعالى: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن}، وقال الشاعر:
وقفت فيها أصيلًا كي أسائلها .... عيت جوابًا وما بالربع من أحد
إلا أواري لأيا ما أبينها .... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
وبنو تميم يبدلونه مجازًا فيقولون: ما في الدار أحدٌ "إلا" حمار، ولكن ضبطهما أعني المتصل والمنفصل مشكل، فإن كثيرًا من الفضلاء يعتقد أن المنقطع هو الاستثناء من غير الجنس، وليس كذلك فإن قوله: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} منقطع، وقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةٍ عن تراض منكم}، منقطع، مع أن المحكوم عليه بعد "إلا" هو عين الأموال التي حكم عليها قبل "إلا"، فينبغي أن يعلم أن المتصل عبارة عن: الحكم على جنس ما حكم عليه أولًا بنقيض ما حكم به أولًا فمتى انخرم قيد من هذين القيدين كان منقطعًا فيكون المنقطع هو: الحكم على غير جنس ما حكم عليه أولًا، أو الحكم بغير نقيض ما حكم به أولًا، وعلى هذا يكون الاستثناء في الآيتين منقطعًا للحكم فيهما بغير النقيض، فإن نقيض {لا يذوقون فيها الموت}: يذوقون فيها الموت ولم يحكم به، وإنما حكم بالذوق في الدنيا لا في الآخرة، ونقيض {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}: كلوها بالباطل ولم يحكم به، فافهم ذلك.
واختلف أهل العلم بالأصول في المنقطع هل هو استثناء على سبيل الحقيقة أو على سبيل المجاز على مذهبين.
وفي الاستثناء مسائل:
الأولى: يجوز أن يتقدم الاستثناء على المستثنى منه، قال الكميت:
ومالي إلا آل أحمد شيعةٌ ..... ومالي إلا مشعبَ الحق مشعبُ
الثانية: يجوز استثناء الأقل من الأكثر، والكثير مما هو أقل منه، ويجوز استثناء الأكثر.
يقول الله عز وجل: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}، والغاوون أكثر بدليل قوله تعالى: {ولقد صدَّق عليهم ابليس ظنه}، مع قوله تعالى: {ولا تجد أكثرهم شاكرين}، وقال قوم: لا يجوز استثناء الأكثر.
ثم اختلف هؤلاء في المساوي فجوزه قوم ومنعه آخرون وهو قول مالك والقاضي أبي بكر الباقلاني وقول البصريين، وابعد قوم فقالوا: لا يجوز استثناء عقد تام، وإنما يجوز الكسر، فلا يجوز عشرة "إلا" واحدًا بل إلا نصف واحدٍ أو كسر من كسوره، وكذلك لا يجوز مائة "إلا" عشرة، و"إلا" ألف "إلا" مائة، لأن نسبة الواحد إلى العشرة كنسبة العشرة إلى المائة وكنسبة المائة إلى الألف، وزعموا أنه لم يقع في الكتاب والسنة إلا مذهبهم
قال الله تعالى: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا» والصحيح الأول.
الثالثة: إذا تعقب الاستثناء جملًا، فإن منع الدليل من رجوعه إلى الجمل الأخيرة رجع إلى الجملة الأولى، كقوله تعالى: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا}، وذلك لأن من أصابهم فضل الله ورحمته لا يتبعون الشيطان "إلا" كلهم ولا بعضهم، والمردود إليهم الأمر المصون بالاستنباط لا يخرج منهم أحد عن علمه، فتعين رجوعه إلى الإذاعة وقد قيل: إن الاستثناء راجع إلى الجملة الوسطى وهي المردود إليهم، وكقوله تعالى: {فاسر بأهلك بقطعٍ من الليل ولا يتلفت منكم أحدٌ إلا امرأتك} على قراءة النصب.
وإن دل الدليل على عوده إلى الجميع رجع كقول الله سبحانه: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم} إلى قوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
وإن دل الدليل على قصره على الجملة الأخيرة قصر عليها، كقوله تعالى: [فأسر بأهلك بقطعٍ من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتُك] على قراءة الرفع وتكون على هذه القراءة قد خرجت معهم ثم رجعت فهلكت، نقله بعض المصنفين عن المفسرين، وأنكر أبو عبيد الرفع على البدل من أحد لما فيه من إباحة الإلتفات لها وذلك لا يجوز، ولا يصح البدل "إلا" إذا رفعت «يلتفت» على النفي ولم يقرأ به أحد، وقال المبرد: مجاز هذه القراءة بأن المراد بالنهي المخاطب وإن كان اللفظ لغيره، فالنهي للوط عليه الصلاة والسلام أي: لا تدعهم يلتفتون "إلا" امرأتك وذلك كقوله: لا يقم أحدٌ "إلا" زيدٌ، معناه: انههم عن القيام "إلا" زيدًا، والأجود أن يقال: إن الاستثناء منقطع؛ لأن "لا" معناها النهي لا النفي، واستعمال المنقطع أحسن من التأويل.
وإن لم يدل الدليل على شيء من ذلك جاز رجوعه إلى الجميع عند الشافعية والمالكية، ويختص بالأخيرة عند الحنفية، وفصل بعضهم فقال: إن تنوعت الجملتان بأن تكون إحداهما خبرًا والأخرى أمرًا عاد إلى الأخيرة فقط، وإن لم تتنوع الجملتان في الأخرى فكذلك أيضًا، و"إلا" عاد إلى الكل، واختاره الإمام فخر الدين وتوقف القاضي أبو بكر في الجميع، وجعل الحكم للدليل، فإن دل على رجوعه إلى الجميع رجع، أو إلى البعض رجع إلى ذلك البعض، وإن لم يدل رجع إلى الأخيرة وتوقف فيما عدا ذلك.
الرابعة: إذا تكررت "إلا" بعد حرف العطف أو تلاها اسم مساو لما قبلها أو أكثر فهي زائدة للتوكيد، ويعود الاستثناء إلى أصل الكلام، كقولك: له عشرة "إلا" ثلاثة و"إلا" اثنين، وقولك: له عشرة "إلا" ثلاثة و"إلا" أربعة هذا في الأكثر، والمساوي: له عشرة "إلا" ثلاثة، و"إلا" ثلاثة؛ لأن "إلا" تقتضي الإخراج والعطف يقتضي الضم وهما متناقضان فجعل الحكم بالعطف، وفي غير ذلك لا تكون زائدة كقولك: قام القوم "إلا" زيدًا "إلا" عمرًا "إلا" بكرًا، بل تكون على حكم الاستثناء، ثم ينظر فإن كان الاستثناء لا يمكن استثناء بعضه من بعض كزيد وعمرو وبكر فالثاني تابع للأول، فإن كان المستثنى الأول داخلًا في الحكم فما بعده داخل وذلك إذا استثنى من غير موجب، وإن كان المستثنى الأول خارجًا فما بعده خارج وذلك إذا كان استثناء من موجب.
وإن كان يمكن استثناء بعضه من بعض كقولك: له عندي عشرة "إلا" اثنين "إلا" واحدًا، فقال قوم: الحكم كذلك ويكون الجميع مستثنى من أصل العدد فالمقر به ثلاثة، وقال البصريون والكسائي والجمهور: كل من الأعداد مستثنى مما قبله فيكون المقر به سبعة، وصحح هذا المذهب لحمله على الأقرب فإن الحمل على الأقرب متعين عند التردد، و"إلا" كان فيه ترجيح للبعيد على القريب، ولأن الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، ويدل له قوله تعالى: {إنا أرسلنا إلى قومٍ مجرمين إلا آل لوطٍ إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته}، فلا يجوز أن تكون مستثناة من المجرمين، وقيل: المذهبان محتملان فالمقر به محتمل للثلاثة والسبعة.
واحتج من قال بعوده على أصل الكلام أن أصل الاستثناء أن يكون عائدًا على ما صدر به الكلام فعوده على الاستثناء خلاف الأصل، ولأن أصل الكلام قابل للتنقيح والتخليص البيان فيرد الاستثناء عليه، ,وأما الاستثناء فقد تعين أنه غير مراد لإخراجه مما كان ظاهره الإرادة، فلو استثني منه عاد ناقضًا، وكلما زاد استثناؤه زاد نقضه لكلامه بخلف العود على أصل الكلام ليس فيه "إلا" نقض واحد فقط.
وذلك في معرفة التحصيل على القول الثاني طريقتان:
احداهما: أن تسقط الأول وتجبر الباقي بالثاني وتسقط الثالث، وعلى هذا كلما كثرت الاستثناءات.
والثانية: أن تحط الآخر مما قبله، ثم باقيه مما قبله وهكذا يعمل إلى الأول.

الوجه الثاني: أن تكون "إلا" بمنزلة "غير" في الوصف بالمغايرة وخلاف المماثلة ويتبع ما بعدها ما قبلها في الإعراب كما تجري "غير" إذا أردت بها النعت فتقول: قام القوم "إلا" زيد، فيرفع ما بعد "إلا" في الموجب لأنها نعت بمعنى "غير"، كما تقول: قام القوم "غيرُ" زيدٍ، فترفع "غيرا" بعد الموجب إذا أردت بها النعت لا الاستثناء قال عمرو بن معدي كرب:
وكل أخٍ مفارقه أخوه .... لعمر أبيك إلا الفرقدان
وقال الآخر:
أنيخت فألقت بلدةً فوق بلدٍ .... قليلٌ بها الأصوات إلا بغامها
وقال آخر:
لو كان غيري سُليمى الدهر غيره..... وقع الحوادث إلا الصارم الذكر
فقوله: "إلا" الصارم الذكر صفة لغيري، ومنه قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
ومن شرطها: أن يوصف بها حيث يصح بها الاستثناء فتقول: عندي درهم "إلا" دانق، كما تقول: عندي درهم "إلا" دانقًا، وحيث لا يصح بها الاستثناء ولا يجوز، فلا تقل: عندي درهم "إلا" جيد، كما لا تقل: عندي درهم "إلا" جيدًا، هكذا قاله جماعة من النحاة، وشرط ابن الحاجب فيها تعذر الاستثناء وجعل قوله:
= وكل أخٍ مفارقه أخوه =
من الشذوذ.

الوجه الثالث: أن تكون عاطفة بمنزلة "الواو" في الجمع والتشريك، ذكره الأخفش والفراء وأبو عبيدة، قال الشاعر:
وارى لها دارًا بأغدرة السيدان ..... لم يدرس لها رسم
إلا رمادًا هامدًا دفعت .....عنه الرياح خوالدٌ سحم

يريد: أرى لها دار ورمادًا، وجعلوا منه قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا}، وقوله تعالى: {لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوءٍ}، أي: "ولا" الذين ظلموا، "ولا" من ظلم وتأوله الجمهور على الاستثناء المنقطع.

الوجه الرابع: أن تكون زائدة، قاله الأصمعي، وابن جني واستدلا بقول ذي الرمة:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة .... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرًا
وزيادته غلط من ذي الرمة، وقيل من الرواة، وأن الرواية "آلًا" بالتنوين أي شخصًا، نعم تكون زائدة إذا تكررت وتلاها اسم هو بدل كل من كل، أو جاءت بعد حرف عطف، وقد وقع الأمران في قولهم:
مالك من شيخك إلا عمله .... إلا رسيمه وإلا رمله
فالرسيم بدل من العمل وهو ضرب من السير فوق الذميل، والرمل عطف على الرسيم وهو الهرولة.

الوجه الخامس: أن تكون بمعنى "إمَّا"، كقولك: "إمَّا" أن تكلمني و"إلا" فاسكت، تقديره: "إمَّا" أن تكلمني و"إمَّا" أن تسكت.
ومن تأمل ما ذكرناه وجد معانيها تؤول إلى ستة:
الإخراج فقط، ويدخل فيه التي بمعنى "غير"، وإن خالفتها في حكم الإعراب والإخراج مع التحقيق للمنفي في النفي، والاستدراك وهو الاستثناء المنقطع والتبيين، والتأكيد بالزيادة، والشرط.
وأما المركبة: فنحو قول الله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله}.
فهي مركبة من "إن الشرطية" و"لا النافية" ولهذا ترتب عليها "فاء" الجزاء).[مصابيح المغاني: 108 - 122]


رد مع اقتباس