عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 09:00 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)

الباب الثاني: في الحروف الثنائية
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الثاني: في الحروف الثنائية وهي التي كل واحدٍ منها على حرفين من حروف الهجاء بالوضع، واعلم أن جماعة لم تتعرض لها وهم أكثر النحاة ومنها طائفة لم يتعرضوا لها عند عدهم الحروف ونبهوا عليها في أماكن أخرى، ونحن نأتي إن شاء الله تعالى على عدّ جميعها ونذكر في كل واحد منها ما يليق ذكره بهذا التعليق، ونستمد من الله سبحانه حسن التوفيق، فنقول: إن جملة الحروف الثنائية التي اسقصينا حصرها ثلاثون حرفًا منها ما لم تجر عادتهم بذكره بين الحروف وهي ستة: "النون" الشديدة للتأكيد، و"الألف" و"النون" في نحو: يفعلان الزيدان، وتفعلان المرأتان، و"الواو" و"النون" في: يفعلون الزيدون إذا أسندت إلى الظاهر المرتفع بعدهما بالفاعلية على لغة أكلوني البراغيث، أي: قول من يجعل هذه العلامة للدلالة على نوعية الفاعل "كتاء" التأنيث الدالة على تأنيثه، ولفظة "نا"، و"كم"، و"ها"، الملحقة "بأيا" ضمير النصب المنفصل على رأي سيبويه في جعل المردفات حروفًا دالة على التفريع فإذا طرحنا هذه الستة بقي جميع الحروف المتداولة بين النحاة أربعة وعشرون حرفًا، وهي على حالتين كما قدمناه، فإنها إمَّا أن تكون حروفًا محضة، أي: تقع في جملة مواقعها وقاطبة استعمالاتها إلا حروفًا، وإمَّا أن تكون مشتركة بين الاسمية والحرفية، ولا يجوز أن يشارك الحرف الثنائي شيئَا من الأفعال لما تقدم من أنه لم يوضع فعل على أقل من ثلاثة أحرف أصول، فلذلك وضعنا هذا الباب أيضًا على نوعين: ملازم لمحض الحرفية، وغير ملازم، والله الموفق). [جواهر الأدب: 85]

النوع الأول: الحروف المحضة التي لا تشارك شيئًا من القسمين الآخرين
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الأول: الحروف المحضة التي لا تشارك شيئًا من القسمين الآخرين وهي ثمانية عشر حرفًا، وذكرها على مقتضى الترتيب الطبيعي والاصطلاحي هو هكذا "آ" "أو" "أم" و"إن" و"أن" و"أو" و"أي" و"إي" و"بل" و"في" و"كي" و"لا" و"لم" و"لن" و"لو" و"من" و"هل" و"وا" و"ما" و"نحن" نذكر كل واحدٍ من هذه الحرف في فصل مفرد على هذا الترتيب المذكور ونذكر في كل فصل منها ما نرى ذكره لائقًا بذلك الموضع مستمدين من الله سبحانه ولطفه حسن التوفيق ومتوكلين على كرمه في إصابة الحق بالتحقيق إن شاء الله تعالى). [جواهر الأدب: 85 - 86]



الفصل الثالث: "أن" المخففة المفتوحة "الهمزة"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الثالث: من النوع الأول من الحروف الثنائية المحضة "أن" المخففة المفتوحة "الهمزة"، ويجب أن تكون "أن" هذه من الحروف المحضة، وبعضهم قد عدها مما اشترك فيه الحروف والأسماء، وعد الاسم المشارك للحرف فيها "أن" الضمير في نحو: "أنت" واخواته على مذهب من جعل الضمير "أن" و"التاء" حرفًا خطابيًا، وهذا القول هو الصحيح، وأما الضمير الذي هو للمتكلم المفرد مذكرًا كان أو مؤنثًا، فهو "أن" "بنون" مبنية على الفتح، وإذا وقفت عليها أشبعت فتحها "ألفًا"، فقلت: الضارب زيدًا أنا، وقد تشبع فتحها "ألفًا" درجًا أيضًا فلا تسكن، وإنما تسكن عند اتصالها "بتاء" الخطاب وتكون "التاء" مفتوحة عند مخاطبة المفرد المذكر، ومكسورة عند مخاطبة المفردة المؤنثة، وإذا تعدد المخاطب ألحقت "التاء" من المردفات بما يدل على التعدد وهو لفظة ما للمثنى مذكرًا أو مؤنثًا نحو: "أنتما"، و"الميم" عند كونه لجماعة الذكور العاقلين نحو: "أنتم"، ولفظة "نون" مشددة عند كونه لجماعة الإناث نحو: "انتن"، وتسكن "النون" عند إلحاق "التاء" به من "أن" لشدة الامتزاج بين الكلمتين فهو عارض لا يعتد به، فإذن الضمير من هذه الكلمات إنما هو أن المحركة "النون"، وما اتصل بها زوائد، فأنتما ثلاث كلمات: الضمير، وحرف الخطاب، ما أردفه لبيان التعريف، وإن جرى في عبارة بعضهم أن "أنتما" ضمير للمثنى، فليس على وجه التحقيق، ثم نقول: إن "أن" الخفيفة المفتوحة "الهمزة" قد تكون مخففة من الثقيلة وتلك تذكر في فصل المثقلة، وقد تكون مستقلة بنفسها وهي المبحوث عنها في هذا المحل،
وهذا على أربعة أقسام:
أحدها: أن تكون مصدرية، وهي التي تكون هي وما اتصل بها في معنى المصدر، وحروف المصدرية "أن" هذه، و"أن" المشددة، و"ما"، و"كي"، و"لو"، و"الذي"، وقد تسمى موصولة أيضًا وتفيد أيضًا فيقال: موصول حرفي، والفرق بين الموصول الحرفي والاسمي "أن" الموصول الاسمي لابد وأن يكون في الصلة ضمير يعود إلى الموصول، والحرفي لا يحتاج إلى الضمير، فإذا قلت: أعجبني "ما" صنعت، "إن" قدرت ضميرًا محذوفًا أي: صنعته كانت "ما" موصولة اسميًا مقدرة بالذي صنعته، وإن لم تقدره كانت حرفيًا، أي: صنيعك، فإذا كانت مصدرية قدرت بمصدر الفعل الذي دخلت عليه فتقع فاعلة ومفعولة ومبتدأ وخبر أو غير ذلك بحسب الموضوع، كما تقول: أعجبني "أن" تقوم، وكرهت "أن" تقوم، {وأن تصوموا خيرٌ لكم}، وفضلك "أن" تجود، ونحو ذلك، ومنه قولهم: تسمع بالمعيدي خير من "أن" تراه، تقديره: "إن" تسمع، أي: سماعك، وأكثر الرواية برفع تسمع، وجاء نصبه "بأن" محذوفة وبعضهم قدر تسمع بسماعك من غير "أن" يقدر له "أن" محذوفة، ويجعله مما أوقع فيه الفعل موقع الاسم من غير تقدير "أن".

وثانيها: الناصبة للفعل المضارع ولا تقع إلا بعد أفعال الطمع والرجاء، وتخصص الفعل الاستقبال، وتعد في حروفه، و"أن" هي أقوى الحروف الناصبة، ولذلك عملت ظاهرة ومقدرة، وإنما عملت نصبًا في الأفعال تشبيهًا لها "بأن" المشددة لفظًا وتأويلًا بالمصدر في عملها في الأسماء، ويجب أن يعلم أنه قد ورد جزم الفعل بعدها في لغة بعض بني حنيفة وأنشدوا:
إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا .... تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب
وبعض العرب يرفع بعدها، كقوله:
أن تقرآن على أسماء ويحكما .....مني السلام وأن لا تشعرا أحدا
وقرأ ابن محيص: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} بالرفع، وعند الفراء أنها محمولة على "ما"، فقال أبو البقاء: مراده "ما" النافية، وغلطه الأكثرون، وقالوا: مراده "ما" المصدرية لكونهما للمصدر وحرفين، وقال ثعلب: مراده "ما" الموصلة فإن "أن" موصولة أيضًا مثلها، والفعل يرتفع بعد "ما" الموصولة، فكذلك بعدها، وقال بعضهم: أهملها لنقص عملها، وليعلم أن عملها ليس أصيلًا، وقال أبو الفتح في الخصائص: إن "أن" في قوله "أن" يتم الرضاعة هي المخففة من الثقيلة، وهو بعيد؛ لأنها تلي الفعل دون عوض، قال بعض المغاربة: الضمة هي علامة على "واو" محذوفة، وأصله يتموا، وهو مستبعد جدًا، وتدخل على الماضي والأمر والنهي نحو: أعجبني "إن" قمت، وكتبت إليه "أن" قم، وكتبت إليه "أن" لا تفعل، على مذهب سيبويه، فإن غيره يمنع دخول "أن" على الجملة الطلبية قياسًا على سائر الحروف المصدرية، فإنهم اتفقوا على امتناع دخولها على الطلبية، وخالفهم سيبويه في "أن" وحدها، ووافقه أبو علي.
قلت: لما وجب "أن" تفيد المصدر المؤول به "أن" مع الفعل "ما" مع ذلك الفعل، وإلا فليسا مؤولين به، ألا ترى أن معنى {بما رحبت} وبرحبها شيء واحد، وكذا معنى: علمت أنك قائم: وعلمت قيامك، بخلاف المصدر المؤول به "أن" مع الأمر والنهي؛ إذ لا يفيد قولك: كتبت إليه "أن" قم، ما أفاده القيام فقط، ولذلك اشترط كون الفعل متصرفًا؛ لأن غير المتصرف لا مصدر له ليكون "أن" مع الفعل الغير المتصرف في تأويل المصدر، وقال بعضهم: "إن" التي تدخل على الماضي غير الناصبة للمضارع فتكون هذه الناصبة نوعًا من المصدرية؛ لأن المصدرية تدخل على المضارع والماضي أيضًا، وهذه عند دخولها على المضارع، تختص بأحكام تنفرد بها.
منها: أن تختص بالدخول على أفعال الطمع والرجاء، كقوله تعالى: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} وقوله سبحانه: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} فمتى وقعت بعد فعل بمعنى العلم أو اليقين كانت المخففة من الثقيلة وليست هذه، وفي التنزيل: {علم أن سيكون منكم مرضى}، و{أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولًا}؛ لأن المخففة لما أفادت التحقيق كالمشددة لم تقع إلا بعد فعل محقق مطلقًا، بخلاف هذه، فإنها لا تقع إلا بعد فعل غير محقق كالطمع والرجاء والإرادة، فإن كان الفعل محتملًا للأمرين جاز فيها الاعتباران، وعليه قرئ: {وحسبوا أن لا تكون فتنة} برفع تكون ترجيحًا لجانب الفعل بأنها مخففة، ونصبه ترجيحًا لجانب الظن والرجاء بأنها الناصبة.
ومنها: أن لا يتقدم معمولها عليها ولا معمول معمولها عليها ولا عليه، فلا يجوز: أريد تضرب "أن" زيدًا، ولا: أريد زيدًا "أن" تضرب، ولا: أريد "أن" زيدًا تضرب.
قال أبو البقاء رحمه الله: لأن الصلة لا تتقدم على الموصول.

تنبيه:
قال أبو البقاء: إذا حذفت "أن" فالجيد أن لا يبقى عملها إلا أن يكون ثم ما يدل عليها مثل "الواو" و"الفاء"، وقال الكوفيون: يبقى عملها، وحجة الأولين قوله تعالى: {تأمروني أعبد} بالرفع، وبأن عوامل الأفعال ضعيفة فلا تعمل محذوفة، واحتج الآخرون بأشياء جاءت في الشعر وهي شاذة، أو مؤولة، وقد قاسوا ذلك على عوامل الأسماء، وهو قياس فاسد؛ لأنها أقوى من عوامل الأفعال، ولو جاز ذلك لجاز: يضرب زيد وأنت تريد ليضرب.

وثالثها: أن تكون حرف تفسير، كقوله تعالى: {وأوحينا إليه أن اصنع الفلك}، وأنكر الكوفيون وقوعها مفسرة أبدًا، ولها شروط:
أحدها: أن تقع بعد جملة تامة لأنها نفس الجملة، ولذلك لم يكن "أن" {الحمد لله رب العالمين}، في قوله تعالى: {وآخر دعواهم} من هذا الباب؛ لأن قوله: {أن الحمد لله} خبر عن {آخر دعواهم} لا مفسر.
قلت: يظهر للمتأمل في: {وأوحينا إليه أن اصنع الفلك}، وأمثاله أن المفسر ليس هو الجملة وإنما هو مفعول محذوف تقديره: وأوحينا إليه أمرًا "أن" اصنع الفلك، فاشتراط تقدم الجملة التامة ليمكن تقدير مفعول محذوف تفسره أن لا "أن" المفسر هو الجملة، ويؤيده ما نص عليه الرضي من أن الفرق بين "أي" و"أن" وإن يفسر كلًا من المفرد والجملة كما سيأتي، وأن "أن" لا يفسر إلا مفعولًا مقدرًا بلفظ دال على معنى القول مؤد معناه: كقوله تعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم}، مقولة: {أن يا إبراهيم} مفسر لمفعول نادينا المقدر، "أي": ناديناه بلفظ هو قولنا يا إبراهيم، وكذا قولنا: كتبت إليه "أن" قم، "أي": كتبت إليه شيئًا هو قم، وأما كون الحمد لله رب العالمين ليس مفسرًا فعلة عدم تفسيره مفعولًا لعدم تقدم الجملة.
وثانيها: أن يتقدم جملة فلا يقع فيما دونها.
وثالثها: أن لا تكون معمولة لما تقدمها فنحو: أمرته "بأن" قم، "الباء" متعلقة بالفعل، فهي من صلته، فلا تكون مفسرة لوجوب كونها من صدر جملة أخرى.
ورابعها: أن تكون بعد معنى القول دون صريحة، فيشترط أن لا يكون في السابقة أحرف القول إلا أن يكون القول بمعنى الأمر، كقوله تعالى: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله}، أي: ما أمرتهم "إلا" "ما" أمرتني به، فعلى هذا يجوز أن تكون "أن" هذه مفسرة، مع أنها واقعة بعد القول، والمفسر هو الضمير في "به" لا "ما" في "ما" أمرتني؛ لأنه مفعول صريح القول.
فإن قيل: قيدتم المفعول المفسر بكونه مقدرًا وهذا يناقضه.
قلت: ليس هذا على سبيل الوجوب فإنه قد فسر المفعول به الظاهر في اللفظ، ومنه قوله تعالى: {فأوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت}، بل الغالب الكثير التقدير، وبعضهم أجاز وقوعها بعد صريح القول أيضًا، وجعل: {أن اعبدوا الله} في الآية مفسرًا لما في: {ما أمرتني} لا للمجرور في به، وتمسك في ذلك بقوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا}، وأجيب إمَّا بأن "أن" زائدة، أو بأن القول المقدر كالفعل المؤول بالقول في عدم الظهور، أو بأن انطلق متضمن لمعنى القول؛ لأن المنطلقين عن مجلس يتفاوضون فيما جرى فيه.
وقيل: "إن" هنا مصدرية، قلت: يصح على رأي من جوز دخول الحروف المصدرية على الجملة الطلبية، وجوز صاحب هذا المذهب كون جميع "أن" المفسرة مصدرية إذا دخلت على أمر أو نهي متصرف؛ لأن له إذن مصدرًا، وربما وقعت في مكان يجوز فيه تقدير "أن"، كقوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون} "إن" جعل أوحى بمعنى القول، فهي مفسرة، و"إن" جعل بمعنى الإلهام فهي مصدرية، ومنع بعضهم جواز كونها مفسرة وإنما هي مصدرية؛ إذ ليس المراد بالوحي إلا الإلهام، وليس فيه معنى القول.

ورابعها: أن تكون زائدة، وكثرت زيادتها في أماكن.
منها: وقوعها بعد "لما" بمعنى "حين"، وهي المسماة بالتوقيتية كقوله تعالى: {ولما أن جاءت رسلنا لوطًا}.
ومنها: أن تقع بين "لو" والقسم، كقول الشاعر:
وأقسم أن لو التقينا وأنتم .... لكان لكم يومًا من الشر مظلم
وقد تزاد مع حذف فعله كقوله: أما والله "أن" "لو" كنت حرًا خلافًا لسيبويه، فإنها عنده موطئة للقسم، قيل: إن "أن" موطئة للقسم، ولكثرة مجيئها بعد زعم بعضهم أنها حرف يربط ما بعده بالقسم، ورد بأنها لو كانت رابطة لما حذفت؛ لأن حرف الربط زيادته لأمر لفظي فلا يجوز حذفه.
ومنها: زيادتها بين "كاف" الجر ومجرورها كقوله:
ويوم تلاقينا بوجه مقسم .... كان ظبية تعطو إلى وارق السلم
بجر ظبية تقديره كظبية، وزيادتها هنا قليل، وجعل بعضهم "أن" في قوله تعالى: {وأن عسى أن يكون قد اقترب}، {وأن لو استقاموا}، {وأن أقم وجهك} زائدة، والأكثر على أنها في الأولتين مخففة من الثقيلة، وفي الثالثة مصدرية.

تنبيه:
الكوفيون على أنها تأتي بمعنى "إذ"، كقوله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى}، أي: "إذا" جاءه، والأظهر تقدير حرف التعليل وهو "اللام" أو "من"؛ لأن المعنى عليه، وحذف حرف الجر عندهم عنها قياس مطرد وأنا تأتي شرطًا كأختها المكسورة، ورجحه بعضهم لتواردهما على محل واحد كثيرًا، كقوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذك إحداهما الأخرى}، {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم}، و{أفنضرب عنكم الذكر صفحًا أن كنتم قومًا مسرفين}، ولمجيء "الفاء" بعدهما كثيرًا،
كقوله:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر .... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
وقوله:
أما أقمت وأما أنت مرتحلًا .... فالله يكلا ما تأنى وما تذر
فلو كانت مصدرية للزم منه عطف المفرد على الجملة، وتأتي بمعنى "لو" كقوله تعالى: {لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا أن كنا فاعلين} بفتح "أن"، أي: "لو" كنا فاعلين، وعند البصريين: "اللام" محذوفة، أي: لأن كنا فاعلين.

تذنيب:
جوز بعضهم الحكم بزيادة المفسرة مطلقًا إمَّا بتأويل الفعل الذي بمعنى القول بالقول، فيؤول أمر "أن" قم يقال: "إن" قم، أو بتقدير القول بعده فيقول أمر قال قم، قال المجوز: وهذا مطرد في كل مثال). [جواهر الأدب: 89 - 95]

الفصل الرابع: "أن" المكسورة "الهمزة"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الرابع: من النوع الأول من الحروف المحضة "أن" المكسورة "الهمزة"، وجعلها بعضهم مشاركة للفعل، وهو و"آي"، "ياء" مؤكدة "بالنون" بمعنى وعد وهو سهو لما تقرر من "أن" المشاركة بحسب الوضع إنما هي "أن" بمعنى وعد، وهي مشاركة بالحذف لا بالأصالة، وأما "أن" فلا تكون إلا محضة، وقد تكون مستقلة ومخففة من الثقيلة، والمخففة تذكر عند أصلها، والمستقلة المبحوث عنها في هذا الفصل لها ثلاث مواقع نذكر كلًا منها في بحث.
البحث الأول: الشرطية، وهي التي تعلق فعلًا متقدمًا طبعًا على فعل آخر، أو معناه: ليكون لازمًا له، ويسمى الأول شرطًا والثاني جزاء وجوابًا، ويلزم أن يليها الفعل لفظًا أو تقديرًا؛ لأنه مقتضى وضعها، ولذلك لو وقع بعدها اسم رفع بأنه فاعل لفعل محذوف كما في قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك}، فإن أصل الكلام: و"إن" استجارك أحدٌ من المشركين فأجره، فحذف الفعل من الموضع الذي يجب وقوعه فيه ليحصل له إيهام، فإذا فسر كان أوقع في النفس من ذكره غير مفسر من أول الأمر، فلما ذكر بعده المفسر علم أن المحذوف فعل مثله، ولذلك وجب الحذف لامتناع الجمع بين العوض والمعوض، وذهب بعضهم إلى أن ارتفاع أحد على الابتداء وجوز "أن" يلي حرف الشرط الجملة الاسمية وهو مخالف لجمهور النحاة، والصحيح أنها مختصة بالأفعال، ولذلك عملت فيها، وكان عملها جزمًا؛ لأنه الأصل في العمل المختص بالأفعال أو لأنها لما اقتضت فعلين خففت بجعل عملها الجزم، وقال المازني: لا عمل لها؛ لأنها لما كانت مختصة بالأفعال ووقع الشرط والجزاء الموقع المختص بالأفعال تأكدت الفعلية فجذبته إلى أصالته، وهي البناء، فالشرط والجزاء مبنيان لا معربان وهو ضعيف لأنه يستلزم بناء ما وقع بعد أدوات النصب والجزم كلها؛ لأنها من خواصه وهو خلاف المتفق عليه، وإذا قلنا بالإعراب فعمل الأداة في الشرط مجمع عليه، وأما العامل في الجزاء ففيه أربعة مذاهب:
أحدها وهو الأظهر: أنه أداة الشرط؛ لأنها اقتضت الجزئين اقتضاء واحدًا فوجب عملها فيهما وإلا يلزم الإهمال أو الترجيح دون مرجح، وهذا مختار ابن الحاجب والجزولي وأكثر المتأخرين.
وثانيها: قول يعزى إلى سيبويه وهو "أن" الأداة عملت في الشرط والأداة، والشرط عملًا في الجزاء؛ لأن أداة الشرط أضعف من حروف الجر لكون الجازم فرعًا على الجار، فإذا لم يعمل الأصل أعني الجار في شيئين فبالأولى أن لا يعمل الفرع في شيئين، وقال بعض المتأخرين أن مذهب سيبويه "أن" الأداة هي العاملة في الشرط والجزاء لاقتضائها إياهما معًا، لكن عملها في الشط بغير واسطة، وفي الجزاء بواسطة الشرط، فعلى هذا النقل يكون الشرط شرطًا لعمل الأداة في الجزاء لا جزءً من العمل فيه.
وثالثها: قول يعزى إلى الأخفش وهو "أن" الأداة تعمل في الشرط والشرط يعمل في الجزاء.
ورابعها: قول يعزى إلى الكوفيين وهو "أن" أداة الشرط عملت في الشرط وحده، وأما الجواب فهو مجزوم على الجواب كما يجزم في جواب الأمر والنهي وغيرهما مما له جواب، وضعفوه بأن جزم الجواب في الأمور المعروفة المقتضية للجواب إنما هو بتقدير كونه جوابًا للشرط الذي عليه أحد الأشياء المقتضية الجواب، فيعود الكلام إلى مذهب أصحابنا.
وخامسها: قول بعضهم: "إن" الأداة عملت في الشرط، وأما الجواب فإنه مجزوم على المجاورة، وضعفوه بأن المضارع المعطوف على الجواب المقرون "بالفاء" يجوز جزمه مع عدم المجاورة، فلولا أن الجواب المقرون "بالفاء" موضعه الجزم بعامل يقتضيه لما جاز جزم المعطوف عليه، وليعلم أن لفعل الشرط والجزاء أربعة أحوال.
أحدها: أن يكونا مضارعين نحو: من يكرمني أكرمه، فيجب جزم الشرط حقًا لوجود العامل وعدم المانع، وكذا الجواب إلا أن ينوي بالثاني التقديم أو حذف "الفاء"، كقوله:
إنك أن يصرع أخوك تصرع
فيجوز رفعه، فعند سيبويه على أنه خبر "أن"، وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره: إنك تصرع "إن" يصرع أخوك، وعند المبرد على أنه خبر لمبتدأ محذوف مع "الفاء" تقديره: فأنت تصرع، فحذف المبتدأ أو "الفاء".
وثانيها: أن يكونا ماضيين نحو: "إن" أكرمت زيدًا أكرمتك، فيحكم بجزم موضعها؛ لأن الأداة أثرت معنى لقلبها معنى الفعل من المضي إلى الاستقبال ولا أثر لها في اللفظ لكون الماضي مبنيًا لا يقبل الإعراب، ولا يكفي وجود السبب بحصول المسبب والمانع غير مرتفع.
وثالثها: أن يكون الشرط ماضيًا والجزاء مضارعًا وهو كثير لكثرة تقدم السبب وتأخر المسبب، فيكون الشرط متأثرًا معنى لا نقلًا به إلى المستقبل لا لفظًا لبنائه، كقوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم}، وأما الجزاء فيجوز جزمه كالآية لقبوله تأثير العامل وهو موجود، ويجوز رفعه؛ لأنه لما لم تؤثر الأداة في الشرط وهو أقرب إليها جاز إهمال عملها في الجزاء وهو البعيد، كقوله:
وإن أتاه خليل يوم مسألة .... يقول لا غائب مالي ولا حرم
تقديره: فهو يقول، فحذفت "الفاء" والمبتدأ وبقي يقول مرفوعًا على خبرية المحذوف ويجوز جزمه لوجود المؤثر وارتفاع المانع.
ورابعها: أن يكون الشرط مضارعًا والجزاء ماضيًا وهو قليل، حتى قالوا: لم يكد يوجد إلا في الشعر ولا بد فيه من جزم الأول لوجود العامل وارتفاع المانع مع قربه،
كقوله:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحًا .... مني وإن سمعوا من صالح دفنوا
تنبيه:
قد يرد الشرط وليس المراد منه التعليق لكونه من الأمور الواقعة المحققة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد زار المقبرة: «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» قيل: ذلك كان يفعله أدبًا حتى لا ينفس نفسًا ولا يخبر خبرًا إلا بالتفويض والتسليم وتعليمًا للأمة الاستناد إلى ربهم في كل حال، وقيل: وإن كان أصله التعليق فقد صار بذكر المشيئة تبركًا وأدبًا، وكذا قوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين}، فإنه ليس للتعليق، وقيل: إن معنى "إن" هنا وفي أمثاله "كقد" وهو قول قطرب، وقيل: بمعنى "إذ"، وقيل: معناه التهييج وإثارة الهمة التحريض على المطلوب، وكذا في قوله: أتغضب "إن" أذنا قتيبة حزنا فقيل: معناه أتغضب "إن" افتخر أحد بذلك أو أن الكلام على معنى التبيين، أي: تبيين الحال الماضية، كقول الآخر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
يريد: أنه "إذا" انتسب تبين أنه كذا، وكذلك أنشدوا قوله:
إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن .... عارًا عليك ورب قتل عار
ووجه بأنه "إن" يفتخروا بقتلك، أو "إن" تبين أنهم قتلوك فليس قتلك عارًا، وأما قوله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى}، فقيل فيه كما مر، وقيل: يجوز تقدير معطوف محذوف تقديره: و"إن" لم ينفع، كما قيل في قوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر}، أي: والبرد، فحذف المعطوف والعاطف لظهور المعنى قيل: ولا يقدر في مثله إلا "الواو"، لأنه أصل أحرف العطف، وقيل: ذلك إظهارًا لذمهم واستبعادًا لانتفاعهم بها، كقولهم: خاطب فلانًا في كذا "إن" نفع خطابه استبعادًا للانتفاع بالخطاب.

البحث الثاني: الواقعة نافية بمعنى "ما"، وتدخل على الجملتين أما الاسمية فكقوله تعالى: {إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} وأما الفعلية، فكقوله: {إن يقولون إلا كذبًا}، ويكثر إثبات "إلا" بعدها كالمثال، أو "لما" بمعنى "إلا"، كقوله تعالى: {إن كل نفسٍ لما عليها حافظ}، وقد تأتي دونهما كقوله تعالى: {قل إن أدري أقريب ما توعدون} خلافًا لمن أوجبه لكثرة ورودها دونهما، وإذا دخلت هذه النافية على الجملة الاسمية فالقياس يقتضي إهمالها لعدم الاختصاص، والأكثرون رووا أن الإعمال رأي سيبويه، وعليه أكثر البصريين، وثبت بالنقل أن الإهمال لغة أهل العالية، ومنه قولهم: "إن" أحد خيرًا من أحد "إلا" بالعافية، فيجب قبوله، وقد أعملت في المعرفة والنكرة، وأنشد الكسائي:
إن هو مستوليًا على أحد .... إلا على أضعف المجانين
وفي رواية: إلا على حزبه الملاعين، ومنه قول بعض العرب: "إن" قائمًا أصله: "إن" أنا قائمًا، حذفت "همزة" أنا اعتباطًا وأدغمت "النونان"، وفي المحتسب أن سعيد بن جبير رضي الله عنه قرأ (إن الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم) منصوبًا صفة لعبادًا، ويجب أن تلغى إذا بطل نفيها، كقوله تعالى: {إن أنتم إلا بشرٌ مثلنا}، أو تقدم الخبر على اسمها، كقولك: "إن" منطلق زيدًا، ومعمول الخبر نحو: "إن" عندك زيد منطلق، فيبطل العمل اتفاقًا؛ لأن "ما" الأصلية في العمل لمشابهة ليس كذلك فبالأولى هذه، ويقال على لغة الإهمال كما هو مختار الأكثرين: "أن" قائم، أي: "ما" أنا قائم، فحذفت "الهمزة" وأدغمت "النونان" كما مر، وتدخل "أن" هذه على "ما" الحجازية فيبطل عملها، وأوردوا عليه ناشدين قوله:
بني غدانة ما أن أنتم ذهبا ... ولا صريفًا ولكن أنت الخزف
ورد بأنه مخرج على أن الأعمال "لما" و"أن" مؤكدة لها لا زائدة، فلا يبطل عمل ما بذلك.

البحث الثالث: الواقعة زائدة، وكثرت زيادتها بعد "ما" النافية فيبطل عمل "ما" عند من أعملها، كقوله:
وما إن طبنا جبن ولكن .... منايانا ودولة آخرينا
وشذ إعمال "ما" مع وجودها، وحملوها على التوكيد دون الزيادة كما قدمناه، وقال الفراء: هما حرفا نفي ترادفا تأكيدًا كان و"اللام" في "إن" زيدًا لقائم، وضعفوه بأنه لم يجتمع حرفان لمعنى واحد للتأكيد دون فاصل، ولذلك قيل: "إن" زيدًا لقائم، ولم يقل: "إن" لزيدًا قائم، وتضعيفهم ضعيف لقوله: ولا "للما" بكم أبدًا شفاء، وكذا قوله: بني غدانة "ما" "إن" أنتم ذهبا، لا سيما في رواية النصب، فإنه أبلغ، وزيدت بعد "ما" المصدرية كقولك: انتظرني "ما" "إن" جلس زيد، ومنه قوله:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته .... على الشر خيرًا لا يزال يزيد
وبعد "ما" الاسمية، كقوله تعالى: {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} لمشابهتها النافية، وبعد "ألا" الاستفتاحية، كقوله:
ألا إن سرى ليلى فبت كئيبًا .... أحاذر أن تنأى النوى بغضونا
قالوا: وزيادتها بعد هذه الثلاثة قليلة، وبعد "لما" التوقيتية نحو: "لما" "أن" جاء زيد أكرمتك، وبعد "لما" الإيجابية نحو: "لما" "أن" جا زيد، ذكره ابن الحاجب ونسبه بعضهم إلى السهو، وقال: "إن" الزائدة بعدها هي المفتوحة، وقال ابن القواص: وزيادة "أن" بعد "لما" نادر.

فائدة:
قد شبهت "بأن" الشرطية في إفادة معناها من الشرط عدة من الأسماء، وهي قسمان: ظروف، وغير ظروف، فغير الظروف أربعة وهي: "من"، و"ما"، و"أي"، و"مهما"، وألحق الكوفيون "كيف"، وقد ألحق بهن "إذا" في الضرورة، والظروف غير "إذا" خمسة، فللزمان منها ثلاثة، وهي: "متى"، و"أيان"، و"إذما"، وللمكان ثنتان: "أينما"، و"حيثما"، وهما لازمتان للظرفية، وبنيت كلها لتضمنها معنى الحرف "لا" أي، فإنه منعها البناء ما فيها من لزوم الإضافة بمعنى بعض، ونقيضه كل، ولذلك اشترط في إضافتها إلى المعرفة أن تكون بمعنى بعض، ونقيضه كل، ولذلك اشترط في إضافتها إلى المعرفة أن تكون المعرفة مثناة أو مجموعة، حتى لو كانت المعرفة مفردة لوجب، أما تنزلها منزلة النكرة، أو أن يكون المراد بعض أجزائها من اليد إلى الوجه أو الرجل، لتكون في الحقيقة مضافة إلى متعدد أيضًا دون النكرة لشيوعها وشمولها كل فرد على جهة البدلية، فقابل ذلك ما أخرجها لمشابهة الحرف عن أصل الإعراب فأعربت، فإن عرض لإضافتها ما نقصها من حذف صدر صلتها، كما في قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد}، أي: "أيهم" هو أشد، فسيبويه حكم ببنائها على الضم؛ لأنه نقص فضلها بما عرض لها من الحذف، وكذلك قول الشاعر:
إذا ما لقيت بني مالك.... فسلم على أيهم أفضل
ببنائها على الضم لملاحظة المحذوف، فهي كقبل وبعد، والخليل وجماعة حكموا بالإعراب، إمَّا عملًا بالاستصحاب، أو لأن المقتضى للإعراب موجود حقيقة، وأما الآية والبيت فقد منعوا "أن" تكون ضمة، أي: فيهما بنائية، وقالوا: "أن" "أيا" استفهام، ورفعها "أما" على الحكاية، أو "أن" الجملة مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها، ومفعول ننزع، أما محذوف، و{من كل شيعة} صفة، أو {من كل شيعة} هو المفعول، ومن زائدة، والزمخشري وابن الحاجب وأثر المتأخرين على الأول، وكذلك إذا عرض لها ونوعها موصوفة، وتكون في النداء، فإنها تكون مبنية إمَّا لأنها غير مضافة، أو لتأكد الأمر المقتضي للبناء بدخول حرف النداء عليها، والحاصل "أن" "أيا" على ثلاثة أضرب معربة مطلقًا إذا كانت استفهامية أو جزائية مبنية مطلقًا في النداء منقسمة إلى معرب ومبني إذا كانت موصولة فإعرابها إذا تمت صلتها وبناؤها إذا حف صدرها، والله أعلم). [جواهر الأدب: 95 - 101]


رد مع اقتباس