عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 09:57 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد جاءكم بصائر من ربّكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظٍ}.
وهذا أمرٌ من اللّه جلّ ثناؤه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول لهؤلاء الّذين نبّههم بهذه الآيات من قوله: {إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى} إلى قوله: {وهو اللّطيف الخبير} على حججه عليهم، وعلى تبيين خلقه معهم، العادلين به الأوثان والأنداد، والمكذّبين باللّه ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاءهم من عند اللّه. قل لهم يا محمّد: قد جاءكم أيّها العادلون باللّه والمكذّبون رسوله {بصائر من ربّكم}: أي ما تبصرون به الهدى من الضّلال، والإيمان من الكفر، وهي جمع بصيرةٍ، ومنه قول الشّاعر:
حملوا بصائرهم على أكتافهم ....... وبصيرتي يعدو بها عتدٌ وأى
يعني بالبصيرة: الحجّة البيّنة الظّاهرة.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قد جاءكم بصائر من ربّكم} قال: البصائر: الهدى، بصائر في قلوبهم لدينهم، وليست ببصائر الرّءوس. وقرأ: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور}، قال: إنّما الدّين بصره وسمعه في هذا القلب.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قد جاءكم بصائر من ربّكم}: أي بيّنةٌ.
وقوله: {فمن أبصر فلنفسه} يقول: فمن تبيّن حجج اللّه وعرفها وأقرّ بها وآمن بما دلّته عليه من توحيد اللّه وتصديق رسوله وما جاء به، فإنّما أصاب حظّ نفسه ولنفسه عمل، وإيّاها بغى الخير. {ومن عمي فعليها} يقول: ومن لم يستدلّ بها ولم يصدّق بما دلّته عليه من الإيمان باللّه ورسوله وتنزيله، ولكنّه عمي عن دلالتها الّتي تدلّ عليها يقول: فنفسه ضرّ، وإليها أساء لا إلى غيرها.
وأمّا قوله: {وما أنا عليكم بحفيظٍ} يقول: وما أنا عليكم برقيبٍ أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنّما أنا رسولٌ أبلّغكم ما أرسلت به إليكم، واللّه الحفيظ عليكم الّذي لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالكم). [جامع البيان: 9/ 469-470]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قد جاءكم بصائر من ربّكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظٍ (104)}
قوله تعالى: {قد جاءكم بصائر من ربّكم}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم قال: البصائر الهدى، بصائر ما في قلوبهم لدينهم، وليست ببصائر الرّؤوس، وقرأ: فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور ، وقال: إنّما الدّين بصره وسمعه في هذا القلب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة: قد جاءكم بصائر من ربّكم أي بيّنةٌ من ربّكم فمن أبصر فلنفسه.
قوله تعالى: {وما أنا عليكم بحفيظٍ}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى ثنا سلمة عن ابن إسحاق بحفيظٍ أي: حافظ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {قد جاءكم بصائر}، أي بينة {فمن أبصر فلنفسه} أي من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، {ومن عمي} أي من ضل، {فعليها} والله أعلم). [الدر المنثور: 6/ 164]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت سفيان بن عيينة يحدث عن عمرو ابن دينارٍ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ أنّه قرأ: حرّم {على قريةٍ}؛ وقرأ: دارست؛ وقرأ: {في عينٍ حمئةٍ}.
قال عمرو: وسمعت عبد اللّه بن الزّبير يقول: إنّ صبيانًا هاهنا يقرؤون: وحرم، ويقرؤون: دارست، وإنما هي {درست}، ويقولون: {حمئةٍ}، وهي حامئةٍ). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 58] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى (وليقولوا دارست) قال دارست أهل الكتاب.
قال معمر وقال الحسن درست يقول تقادمت امحت.
قال معمر وقال قتادة درست قرئت وتعلمت.
عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال أخبرني عمرو بن كيسان أن ابن عباس كان يقرؤها (دارست) تلوت خاصمت جادلت قال عمرو وسمعت ابن الزبير يقول إن صبيانا ها هنا يقرؤون (دارست) وإنما هي درست ويقرؤون (وحرْم على قرية أهلكناها) وإنما هي: {وحرام على قرية} ويقرأون: {في عين حمئة} وإنما هي حامية قال عمرو وكان ابن عباس يخالفه في كلهن). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 215-216]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس: {وليقولوا درست} قال: قرأت وتعلمت ). [تفسير الثوري: 109]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يحدّث عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: {دارست} - بالألف -، قال: قارأت .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عمرو بن كيسان، قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: {دارست} : خاصمت وتلوت.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرٍو، سمع ابن الزّبير يقول: ((إن صبياننا ها هنا (يقولون) : {دارست}، وإنما هي {درست}، ويقرؤون: {حمئة}، وإنما هي {حامية}، ويقرؤون: {وحرم} وإنما هي: {حرام}، وكان ابن عبّاس يخالفه فيهنّ كلّهنّ .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن رجلٍ من بني تميمٍ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله عزّ وجلّ: {دارست} قال: قرأت وتعلمت.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن رجلٍ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {دارست} -، قال: قرأت وتعلّمت.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهد، قال: قرأت وقرؤوا عليك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه كان يقول: {دارست}، قال: قرأت وتعلّمت.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبّاد بن عبّادٍ المهلّبي، قال: نا الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة، أنّه كان يقرأ: {دارست}، يقول: دارست أهل الكتاب: قارأتهم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا جويبر، عن الضّحّاك مثل حديث أبي بشر .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، عن عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن أنّه كان يقرأ: {درّست} مشدّدة .
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: هي قراءة عبد الله {درّست} ). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 66-76]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ):
(ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عز وجل: {درست} قال: قرأت وتعلّمت).[جزء تفسير عطاء الخراساني: 88]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: كما صرّفت لكم أيّها النّاس الآيات والحجج في هذه السّورة وبيّنتها، فعرّفتكموها في توحيدي وتصديق رسولي وكتابي، ووصّيتكم عليها، فكذلك أبيّن لكم آياتي وحججي في كلّ ما جهلتموه فلم تعرفوه من أمري ونهيي.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكذلك نصرّف الآيات} لهؤلاء العادلين بربّهم، كما صرّفتها في هذه السّورة، ولئلاّ يقولوا: درست.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة: {وليقولوا درست}، يعني قرأت أنت يا محمّد، بغير ألفٍ.
وقرأ ذلك جماعةٌ من المتقدّمين منهم ابن عبّاسٍ على اختلافٍ عنه فيه، وغيره وجماعةٌ من التّابعين، وهو قراءة بعض قرّاء أهل البصرة: (وليقولوا دارست) بألفٍ، بمعنى: قارأت وتعلّمت من أهل الكتاب.
وروي عن قتادة أنّه كان يقرؤه: (درست) بمعنى: قرئت وتليت.
وعن الحسن أنّه كان يقرؤه: (درست) بمعنى: انمحت.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه: {وليقولوا درست} بتأويل: قرأت وتعلّمت، لأنّ المشركين كذلك كانوا يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد أخبر اللّه عن قيلهم ذلك بقوله: {ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشرٌ لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيّ مبينٌ}، فهذا خبرٌ من اللّه ينبئ عنهم أنّهم كانوا يقولون: إنّما يتعلّم محمّدٌ ما يأتيكم به من غيره. فإذ كان ذلك كذلك، فقراءة: {وليقولوا درست} يا محمّد، بمعنى: تعلّمت من أهل الكتاب، أشبه بالحقّ وأولى بالصّواب من قراءة من قرأه: (دارست) بمعنى: قارأتهم وخاصمتهم، وغير ذلك من القراءات.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك على قدر اختلاف القراءة في قراءته.
ذكر من قرأ ذلك {وليقولوا درست} من المتقدّمين، وتأويله بمعنى: تعلّمت وقرأت.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ قال: حدّثنا عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وليقولوا درست} قالوا: قرأت وتعلّمت، تقول ذلك قريشٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ: {وليقولوا درست} قال: قرأت وتعلّمت.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل وافقه، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {وليقولوا درست} قال: قرأت وتعلّمت.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وليقولوا درست} يقول: قرأت الكتب.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثني عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {درست} يقول: تعلّمت وقرأت.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن عطيّة قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ قال: قلت لابن عبّاسٍ: أرأيت قوله: {درست} قال: قرأت وتعلّمت.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
ذكر من قال ذلك (دارست)، وتأوّله بمعنى: جادلت من المتقدّمين:
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، عن حميدٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: (دارست) يقول: قارأت.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرؤها: (وليقولوا دارست) أحسبه قال: قارأت أهل الكتاب.
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: (وليقولوا دارست) قال: قارأت وتعلّمت.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت التّميميّ يقول: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله: (وليقولوا دارست) قال: قارأت وتعلّمت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي المعلّى، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كان ابن عبّاسٍ يقرؤها: (دارست).
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ قال: حدّثنا شعبة قال: حدّثنا أبو المعلّى قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: (دارست) بالألف، بجزم السّين ونصب التّاء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ قال: أخبرني عمرو بن كيسان، أنّ ابن عبّاسٍ كان يقرأ: (دارست): تلوت، خاصمت، جادلت.
- حدّثنا أبو كريبٍ وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عمرو بن كيسان، قال ابن عبّاسٍ في (دارست)، قال: تلوت، خاصمت، جادلت.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في هذه الآية: (وليقولوا دارست)، قال: قارأت.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا آدم قال: حدّثنا شعبة قال: حدّثنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قرأ: (دارست) بالألف أيضًا منتصبة التّاء، وقال: قارأت.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قرأ: (دارست): أي ناسخت.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: (دارست) قال: فاقهت: قرأت على يهود وقرءوا عليك.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: (وليقولوا دارست) قال: قارأت، قرأت على يهود وقرءوا عليك.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: (دارست) يعني: أهل الكتاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: (دارست) قال: قرأت على يهود، وقرءوا عليك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وليقولوا درست} قال: قالوا دارست أهل الكتاب، وقرأت الكتب وتعلّمتها.
ذكر من قرأ ذلك (درست) بمعنى: نبّئت وقرئت، على وجه ما لم يسمّ فاعله:
- حدّثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا الحسين المعلّم، وسعيدٌ، عن قتادة: (وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست): أي قرئت وتعلّمت.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال قتادة: (درست): قرئت وفي حرف ابن مسعودٍ: (درس).
ذكر من قرأ ذلك: (درست) بمعنى: انمحت وتقادمت، أي هذا الّذي تتلوه علينا قد مرّ بنا قديمًا وتطاولت مدّته.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقرأ: (وليقولوا درست): أي انمحت.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا أبو إسحاق الهمدانيّ، قال في قراءة ابن مسعودٍ: (درست) بغير ألفٍ، بنصب السّين ووقف التّاء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت ابن الزّبير، يقول: إنّ صبيانًا ههنا يقرءون: (دارست)، وإنّما هي: (درست).
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال الحسن: (وليقولوا درست) يقول: تقادمت وانمحت.
وقرأ ذلك آخرون: (درس)، من درس الشّيء: تلاه:
- حدّثنا أحمد بن يوسف الثّعلبيّ، قال: حدّثنا أبو عبيدة، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، قال: هي في حرف أبيّ بن كعبٍ وابن مسعودٍ: (وليقولوا درس)، قال: يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ.
وإنّما جاز أن يقال مرّةً درست، ومرّةً درس، فيخاطب مرّةً ويخبر مرّةً، من أجل القول.
وقد بيّنّا أولى هذه القراءات في ذلك بالصّواب عندنا، والدّلالة على صحّة ما اخترنا منها.
وأمّا تأويل قوله: {ولنبيّنه لقومٍ يعلمون}، يقول تعالى ذكره: كما صرّفنا الآيات والعبر والحجج في هذه السّورة لهؤلاء العادلين بربّهم الآلهة والأنداد، كذلك نصرّف لهم الآيات في غيرها، كيلا يقولوا لرسولنا الّذي أرسلناه إليهم: إنّما تعلّمت ما تأتينا به تتلوه علينا من أهل الكتاب، فينزجروا عن تكذيبهم إيّاه وتقوّلهم عليه الإفك والزّور، ولنبيّن تصريفنا الآيات الحقّ لقومٍ يعلمون الحقّ إذا تبيّن لهم، فيتّبعوه ويقبلوه، وليسوا كمن إذا بيّن لهم عموا عنه فلم يعقلوه وازدادوا من الفهم به بعدًا).[جامع البيان: 9/ 471-478]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون (105)}
قوله: {وكذلك نصرف الآيات ... }
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: وليقولوا درست، (قالوا: قرأت وتعلّمت) : تقول ذلك قريشٌ.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن التّميميّ عن ابن عبّاسٍ: وليقولوا درست قال: قارأت وتعلّمت.
وفي روايةٍ عكرمة عن ابن عبّاسٍ، قال: قارأت أهل الكتاب.
- حدّثنا أبي ثنا المعلّى بن أسدٍ ثنا عبد العزيز بن المختار عن أبي المعلّى العطّار عن سعيد بن جبيرٍ قال: دارست، قال، قارأت. قال، نعم، وأنشد هذا البيت:
وجدتم دراسي كطعم الصّاب والعلقم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا سفيان- يعني ابن عيينة- عن عمرو بن دينارٍ عن عمرو بن كيسان عن ابن عبّاسٍ قال: دارست تلوت وخاصمت وجادلت.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ : قوله: وليقولوا درست، فاقهت وقرأت على يهود وقرءوا عليك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق ثنا معمرٌ وقال الحسن: درست يقول: تقادمت، امّحت.
- حدّثنا موسى ابن الكوفيّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {درست} يعني: دراسة القرآن.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم، وقرأ: درست قال: علمت.
قوله تعالى: {ولنبيّنه لقومٍ يعلمون}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن العلاء ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر ابن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عباس: يعلمون يقول: يعقلون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1365-1366]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد درست أي فاقهت قرأت على يهود وقرؤوا عليك). [تفسير مجاهد: 220-221]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {درست}.
- عن عمرو بن كيسان قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: دارست تلوت خاصمت جادلت.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 21-22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وليقولوا درست}.
- أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه والضياء في المختاره عن ابن عباس، أنه كان يقرأ هذا الحرف (دارست) بالألف مجزومة السين منتصبة التاء قال: قارأت.
- وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس درست قال: قرأت وتعلمت.
- وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس (دارست) قال: خاصمت جادلت تلوت.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (وليقولوا دارست) قال: فاقهت وقرأت على يهود وقرأوا عليك.
- وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: إن صبيانا ههنا يقرأون (دارست) وإنما هي {درست} يعني بفتح السين وجزم التاء ويقرأون {وحرم على قرية}[الأنبياء: 59] وإنما هي {وحرام} ويقرأون (في عين حمئة) وإنما هي {حامية} قال عمرو: وكان ابن عباس يخالفه فيهن كلهن.
- وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي ابن كعب قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم :{وليقولوا درست} يعني بجزم السين ونصب التاء.
- وأخرج أبو الشيخ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس دارست يقول: قارأت اليهود وفاقهتهم، وفي حرف أبي وليقولوا درس أي تعلم.
- وأخرج أبو عبيد، وابن جرير عن هرون قال: في حرف أبي بن كعب، وابن مسعود (وليقولوا درس) يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قرأ {درست} قال: علمت.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي إسحاق الهمداني قال: في قراءة ابن مسعود (درست) بغير ألف بنصب السين ووقف التاء.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن، أنه كان يقرأ (وليقولوا درست) أي انمحت وذهبت.
- وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن، أنه يقرأ (درست) مشددة.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس، أنه كان يقرأ (أدارست) ويتمثل، دارس كطعم الصاب والعلقم
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس: {وليقولوا درست} قالوا: قرأت وتعلمت تقول ذلك له قريش، قوله تعالى: {وأعرض عن المشركين}). [الدر المنثور: 6/ 164-167]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اتّبع ما أوحي إليك من ربّك لا إله إلاّ هو وأعرض عن المشركين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: اتّبع يا محمّد ما أمرك به ربّك في وحيه الّذي أوحاه إليك، فاعمل به، وانزجر عمّا زجرك عنه فيه، ودع ما يدعوك إليه مشركو قومك من عبادة الأوثان والأصنام، فإنّه {لا إله إلاّ هو} يقول: لا معبود يستحقّ عليك إخلاص العبادة له إلاّ اللّه الّذي هو فالق الحبّ والنّوى، وفالق الإصباح، وجاعل اللّيل سكنًا، والشّمس والقمر حسبانًا. {وأعرض عن المشركين} يقول: ودع عنك جدالهم وخصومتهم. ثمّ نسخ ذلك جلّ ثناؤه بقوله في براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية.
13793- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، أمّا قوله: {وأعرض عن المشركين} ونحوه ممّا أمر اللّه المؤمنين بالعفو عن المشركين، فإنّه نسخ ذلك قوله: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}). [جامع البيان: 9/ 478-479]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({اتّبع ما أوحي إليك من ربّك لا إله إلّا هو وأعرض عن المشركين (106)}
قوله: {اتّبع ما أوحي إليك من ربّك لا إله إلّا هو وأعرض عن المشركين}
- وبه عن ابن عبّاسٍ، قوله: لا إله إلا هو: توحيدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن السدي {وأعرض عن المشركين} قال: كف عنهم وهذا منسوخ نسخه القتال {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]).[الدر المنثور: 6/ 167-168]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء اللّه ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظًا وما أنت عليهم بوكيلٍ}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: أعرض عن هؤلاء المشركين باللّه، ودع عنك جدالهم وخصومتهم ومسابّتهم. {ولو شاء اللّه ما أشركوا} يقول: لو أراد ربّك هدايتهم واستنقاذهم من ضلالتهم للطف لهم بتوفيقه إيّاهم فلم يشركوا به شيئًا، ولآمنوا بك فاتّبعوك وصدّقوا ما جئتهم به من الحقّ من عند ربّك. {وما جعلناك عليهم حفيظًا} يقول جلّ ثناؤه: وإنّما بعثتك إليهم رسولاً مبلّغًا، ولم نبعثك حافظًا عليهم ما هم عاملوه وتحصي ذلك عليهم، فإنّ ذلك إلينا دونك. {وما أنت عليهم بوكيلٍ} يقول: ولست عليهم بقيّمٍ تقوم بأرزاقهم وأقواتهم، ولا بحفظهم فيما لم يجعل إليك حفظه من أمرهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو شاء اللّه ما أشركوا} يقول سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين). [جامع البيان: 9/ 479-480]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولو شاء اللّه ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظًا وما أنت عليهم بوكيلٍ (107)}
قوله تعالى: {ولو شاء اللّه ما أشركوا}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولو شاء اللّه ما أشركوا}، يقول اللّه تبارك وتعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين.
قوله تعالى: {وما أنت عليهم بوكيلٍ}
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله:
{وما أنت عليهم بوكيلٍ} أي: بحفيظٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ولو شاء الله ما أشركوا} يقول الله تبارك وتعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما أنت عليهم بوكيل} أي بحفيظ). [الدر المنثور: 6/ 168]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله عدوا بغير علم فأنزل الله عز و جل: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 215]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وللمؤمنين به: ولا تسبّوا الّذين يدعو المشركون من دون اللّه من الآلهة والأنداد، فيسبّ المشركون اللّه جهلاً منهم بربّهم واعتداءً بغير علمٍ.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}، قال: قالوا: يا محمّد، لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجونّ ربّك، فنهاهم اللّه أن يسبّوا أوثانهم فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}: كان المسلمون يسبّون أوثان الكفّار، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم اللّه أن يستسبّوا لربّهم، فإنّهم قومٌ جهلةٌ لا علم لهم باللّه.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}، قال: لمّا حضر أبا طالبٍ الموت قالت قريشٌ: انطلقوا بنا فلندخل على هذا الرّجل فلنأمره أن ينهى عنّا ابن أخيه، فإنّا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب: كان يمنعه، فلمّا مات قتلوه، فانطلق أبو سفيان، وأبو جهلٍ، والنّضر بن الحارث، وأميّة وأبيّ ابنا خلفٍ، وعقبة بن أبي معيطٍ، وعمرو بن العاص، والأسود بن البختريّ، وبعثوا رجلاً منهم يقال له: المطّلب، قالوا: استأذن على أبي طالبٍ، فأتى أبا طالبٍ فقال: هؤلاء مشيخة قومك، يريدون الدّخول عليك. فأذن لهم، فدخلوا عليه، فقالوا: يا أبا طالبٍ، أنت كبيرنا وسيّدنا، وإنّ محمّدًا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحبّ أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، ولندعه وإلهه. فدعاه، فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له أبو طالبٍ: هؤلاء قومك وبنو عمّك. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، وندعك وإلهك. قال له أبو طالبٍ: قد أنصفك قومك، فاقبل منهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« أرأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطيّ كلمةً إن تكلّمتم بها ملكتم العرب، ودانت لكم بها العجم بالخراج؟» قال أبو جهلٍ: نعم وأبيك لنعطينّكها وعشر أمثالها، فما هي؟ قال: «قولوا: لا إله إلاّ اللّه، فأبوا واشمأزّوا». قال أبو طالبٍ: يا ابن أخي قل غيرها، فإنّ قومك قد فزعوا منها، قال: «يا عمّ، ما أنا بالّذي أقول غيرها حتّى يأتوا بالشّمس فيضعوها في يديّ، ولو أتوني بالشّمس فوضعوها في يديّ ما قلت غيرها، إرادة أن يؤيّسهم». فغضبوا وقالوا: لتكفّنّ عن شتمك آلهتنا، أو لنشتمنّك ولنشتمنّ من يأمرك، فذلك قوله: {فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قال: كان المسلمون يسبّون أصنام الكفّار، فيسبّ الكفّار اللّه عدوًا بغير علمٍ، فأنزل اللّه: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ} قال: إذا سببت إلهه سبّ إلهك، فلا تسبّوا آلهتهم.
وأجمعت الحجّة من قرّاء الأمصار على قراءة ذلك: {فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}، بفتح العين وتسكين الدّال وتخفيف الواو من قوله: {عدوًا}، على أنّه مصدرٌ من قول القائل: عدا فلانٌ على فلانٍ: إذا ظلمه واعتدى عليه، يعدو عدوًا وعدوانًا، والاعتداء: إنّما هو افتعالٌ من ذلك.
روي عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ ذلك: (عدوًّا) مشدّدة الواو.
- حدّثني بذلك، أحمد بن يوسف قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن عثمان بن سعدٍ: (فيسبّوا اللّه عدوًّا) مضمومة العين مثقّلةٌ.
وقد ذكر عن بعض البصريّين أنّه قرأ ذلك: (فيسبّوا اللّه عدوًّا) يوجّه تأويله إلى أنّهم جماعةٌ، كما قال جلّ ثناؤه: {فإنّهم عدوٌّ لي إلاّ ربّ العالمين}، وكما قال: {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء}، ويجعل نصب (العدوّ) حينئذٍ على الحال من ذكر المشركين في قوله: {فيسبّوا}.
فيكون تأويل الكلام: ولا تسبّوا أيّها المؤمنون الّذين يدعو المشركون من دون اللّه، فيسبّ المشركون اللّه أعداء اللّه بغير علمٍ. وإذا كان التّأويل هكذا كان العدوّ من صفة المشركين ونعتهم، كأنّه قيل: فيسبّ المشركون أعداء اللّه بغير علمٍ، ولكنّ العدوّ لمّا خرج مخرج النّكرة وهو نعتٌ للمعرفة نصب على الحال.
والصّواب من القراءة عندي في ذلك قراءة من قرأ بفتح العين وتخفيف الواو لإجماع الحجّة من القرّاء على قراءة ذلك كذلك، وغير جائزٍ خلافها فيما جاءت مجمعةً عليه). [جامع البيان: 9/ 480-483]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: كما زيّنّا لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام عبادة الأوثان وطاعة الشّيطان بخذلاننا إيّاهم عن طاعة الرّحمن، كذلك زيّنّا لكلّ جماعةٍ اجتمعت على عملٍ من الأعمال من طاعة اللّه ومعصيته عملهم الّذي هم عليه مجتمعون، ثمّ مرجعهم بعد ذلك ومصيرهم إلى ربّهم، فينبّئهم بما كانوا يعملون، يقول: فيوقفهم ويخبرهم بأعمالهم الّتي كانوا يعملون بها في الدّنيا، ثمّ يجازيهم بها إن كان خيرًا فخيرٌ، وإن كان شرًّا فشرٌّ، أو يعفو بفضله ما لم يكن شركًا أو كفرًا). [جامع البيان: 9/ 483-484]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون (108)}
قوله: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}، قالوا: يا محمّد، لتنتهينّ عن سبّك آلهتنا أو لنهجونّ ربّك. فنهاهم اللّه أن يسبّوا أوثانهم فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا معمرٌ عن قتادة قال: كان المسلمون يسبّون أصنام الكفّار، فيسبّ الكفّار اللّه عدوًا بغير علمٍ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه.
قوله تعالى: {فيسبّوا اللّه عدوًا}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوا بغير علمٍ}، قال: لمّا حضر أبا طالبٍ الموت قالت قريشٌ: انطلقوا فلندخل على هذا الرّجل، فلنأمره أن ينهى عنّا ابن أخيه، فإنّا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب: كان يمنعه، فلمّا مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان، وأبو جهلٍ، والنّضر بن الحارث، وأميّة وأبيٌّ ابنا خلفٍ، وعقبة بن أبي معيطٍ، وعمرو بن العاص والأسود ابن البختريّ، وبعثوا رجلا منهم يقال له المطّلب، قالوا: استأذن لنا على أبي طالبٍ، فأتى أبا طالبٍ فقال: هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدّخول عليك. فأذن لهم عليه، فدخلوا، فقالوا: يا أبا طالبٍ، أنت كبيرنا وسيّدنا، وإنّ محمّدًا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحبّ أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، ولندعه وإلهه. فدعاه، فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له أبو طالبٍ: هؤلاء قومك وبنو عمّك. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ماذا يريدون؟» قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، ولندعك وإلهك. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أرأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطيّ كلمةً إن تكلّمتم بها ملكتم العرب، وادنت لكم بها العجم وأدّت لكم الخراج؟» قال أبو جهلٍ: وأبيك لنعطينّكها وعشر أمثالها، فما هي؟ قال: «قولوا: لا إله إلا اللّه. فأبوا واشمأزّوا». قال أبو طالبٍ: قل غيرها فإنّ قومك قد فزعوا منها. قال: «يا عمّ، ما أنا بالّذي يقول غيرها حتّى يأتوا بالشّمس فيضعوها في يدي، ولو أتوني بالشّمس فوضعوها في يدي، ما قلت غيرها. إرادة أن يوئسهم»، فغضبوا وقالوا: لتكفّنّ عن شتم آلهتنا أو لنشتمنّك ونشتم من يأمرك، فذلك قوله: {فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}.
قوله تعالى: {بغير علمٍ}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان بن صالحٍ ثنا الوليد ثنا سعيدٌ- هو ابن بشيرٍ- عن قتادة: قوله: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون الله} قال: كان المسلمون يسبّون أوثان المشركين، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم اللّه أن يستسبّوا لربّهم قوما جهلة لا علم لهم بربهم.
قوله تعالى: {ثمّ إلى ربّهم مرجعهم}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية: قوله: ثمّ إلى ربّهم مرجعهم، قال: يرجعون إليه بعد الحياة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1366-1368]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ... } الآية، قال: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سب أو شتم آلهتنا أو لنهجون ربك، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم {فيسبوا الله عدوا بغير علم}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال لما حضر أبا طالب الموت قالت قريش انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمره أن ينهي عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب: كان يمنعه، فلما مات قتلوه فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية وأبي ابنا خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاصي والأسود بن البختري وبعثوا رجلا منهم يقال له المطلب فقالوا: استأذن لنا على أبي طالب فأتى أبا طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك فأذن لهم عليه فدخلوا فقالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وأن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه فدعا فجاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يريدون» قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا ولندعك وإلهك، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم بها العرب ودانت لكم بها العجم الخراج» قال أبو جهل: وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي قال: قولوا: «لا إله إلا الله فأبوا واشمأزوا»، قال أبو طالب: قل غيرها فإن قومك قد فزعوا منها، قال: «يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها حتى يأتوا بالشمس فيضعوها في يدي ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها إرادة أن يؤيسهم» فغضبوا وقالوا: لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنشتمك ونشتم من يأمرك فأنزل الله: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله فأنزل الله: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله}.
- وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم في قوله: {كذلك زينا لكل أمة عملهم} قال: زين الله لكل أمة عملهم الذي يعملون به حتى يموتوا عليه).[الدر المنثور: 6/ 168-170]


رد مع اقتباس