عرض مشاركة واحدة
  #45  
قديم 22 ربيع الثاني 1435هـ/22-02-2014م, 01:16 AM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

درجات كيد الشيطان

كيد الشيطان للإنسان على درجات:

الدرجة الأولى: الوسوسة

الدرجة الأولى: الوسوسة وهي أول كيده وأصله، فإذا كفي العبد شرّها فقد سلم من بلاء وفتنة يُبتلى بها من يُبتلى.
فالسعيد من وُقي شرّ وسوسة الشيطان، وأما الوسوسة نفسها فلا يسلم منها تقيّ ولا غيره؛ فإن هذا هو أصل الابتلاء في هذه الحياة الدنيا؛ أيطيع الإنسان ربه أم يطيع الشيطان؟
فالشيطان يوسوس للناس كلهم، بل جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه)).
فتأمّل هذا الحديث العظيم ؛ الذي يدلّ على أمر جليل من أمور الغيب، وله أثر بالغ على الناس كلهم.
فالشيطان يحضرُ ابنَ آدم عند أكله وشربه ونومه ويقظته ودخوله وخروجه وعباداته ومعاملاته؛ وله في كل ذلك وساوس يوسوس بها ثم يخنس، فهو كالمحارب يكر ثم يفر ثم يكر ثم يفر ، ينتظر تأثر عدوه بضرباته وسقوطه صريعاً في أسره حتى ينقاد له فيقتاده ويورده المهالك، والعياذ بالله.
فأما إذا اتبع العبد هدى الله تعالى في شأنه كله؛ فإنه يُعصم من كيد الشيطان، وهذا يدلك على أن حاجة الإنسان إلى اتباع هدى الله حاجة عظيمة متصلة دائمة ما دام حياً.
وهو هدى ميسّر لم يجعل الله فيه علينا مشقة ولا حرجاً، فكلمة (بسم الله) عند الدخول وعند الخروج وعند الأكل وعند الشرب وعند الجماع ونحو ذلك مما ورد من مواضع التسمية، وكثرة ذكر الله عز وجل كل ذلك مما يعصم الله به العبد من كيد الشيطان.
وينبغي للعبد أن يحرص في شؤونه كلها على اتباع هدى الله جل وعلا، في عباداته ومعاملاته ؛ وفي حبه وبغضه، وفي عطائه ومنعه، وفي سائر ما يعرض له من الحوادث والأحوال يحرص فيها على أن يتبع هدى الله لأن هذا هو الضمان الوحيد الذي يُعصم به العبد من كيد الشيطان، فلا يجد الشيطان عليه مدخلاً ليتسلط به عليه.
والإفاضة في هذا المعنى يطول جداً، ويكفينا هنا التنبيه عليه.
وهذه الدرجة الأولى وهي درجة الوسوسة هي ميدان الصراع والتمانع بين المؤمن المتقي والشيطان.

الدرجة الثانية: التسلط الناقص وهو على أنواع
الدرجة الثانية: التسلط الناقص، وهذا يحصل لطائفتين:
الطائفة الأولى: عصاة المسملين؛ الذين يتبعون خطوات الشيطان حتى يستزلهم بارتكاب ما حرم الله أو ترك ما أوجب الله؛ فيحصل للشيطان بذلك نوع تسلط على العبد قد يحرمه من خير كثير ويعرضه لفتنة وعذاب أليم ، كما قال الله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم} .
فانظر كيف كانت الذنوب السابقة سبباً تسلط به الشيطان عليهم حتى ارتكبوا كبيرة من الكبائر.
ولولا عفو الله عنهم لهلكوا بسبب ذلك، لكن الله تعالى من رحمته أن فتح لعباده بابَ التوبة وجعل للعباد ما يجبرون به تقصيرهم، ويكفرون به من سيئاتهم، ويعودون إلى حماية الله وحفظه.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

والمقصود أن الذي استزلّه الشيطان إنما كان سبب ذلك مخالفته لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
فمن عقوبة العاصي العاجلة أنه يُعرّض بسبب معصيته لفتنة قد لا يوفّق فيها لاتباع هدى الله فيضل بذلك ضلالاً أعظم من ضلاله الأول، ويعصي معصية أعظم من معصيته الأولى؛ فيعاقب على ذلك عقوبة أشدّ من العقوبة الأولى؛ وهذا من الاستدراج، والعياذ بالله.
ولولا عفو الله تعالى ولطفه وكثرة ما يتجاوز به عنا ولا يؤاخذنا به؛ لحُرمنا من خير عظيم ولما تزكّت نفوسنا ولا تطهرت مما بها.
ومع هذا يجب على العبد أن يكون شديد الحذر مما يعرضه لسخط الله تعالى، وأن يعظم خشية الله في قلبه، ويتبع هداه؛ فيكون في أمان الله وضمانه؛ {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.
والخلاصة أن هذه الطائفة في هذه الدرجة وهي التسلط الناقص، على درجات متفاوتة لا يحصيهم إلا من خلقهم؛ فمنهم من يعظم تسلط الشيطان عليه حتى يرهقه جداً، ومنهم من يصيبه من ذلك تسلط وبلاء يذوق به عاقبة ما قصّر فيه من طاعة الله عز وجل وتجرأ على غشيان ما حرم الله.
وأصحاب هذه الطائفة هم عصاة المسلمين؛ فلا يتسلط الشيطان عليهم تسلطاً تاماً، ولا يسلمون منه سلامة تامة؛ بل هم وإياه في تصارع وجهاد ؛ يقوى تسلطه عليهم ويضعف بقدر ما فرّطوا فيه من اتباع هدى الله جل وعلا.
فما معهم من التوحيد والإسلام يمنعه من التسلط التام عليهم، وما في قلوبهم من حظ الشيطان باتباع خطواته سَببٌ لتسلط الشيطان عليهم.

الطائفة الثانية: أهل البلاء من المؤمنين المتقين، وهؤلاء لا يتسلط عليهم الشيطان تسلطاً تاماً، لأنهم أولياء الله تعالى، والله معهم يؤيدهم وينصرهم ما داموا على ما يحب من الإيمان والتقوى، لكنهم قد يُبتلون ابتلاءً بأذية الشياطين وكيدهم لينظر الله كيف يعملون، وهذا الإيذاء قد تقصر مدته وهو الغالب، وقد تطول ، ويكون طوله إذا طال مع ملازمة الصبر والتقوى من علامات بلوغ أهله مرتبة الإحسان.
والفرق بين هذه الطائفة والطائفة التي قبلها، أن تلك الطائفة يقع التسلط عليهم عقوبة لهم على تفريطهم في اتباع هدى الله.
وأما هذه الطائفة فيقع عليهم شيء من التسلط والأذى ابتلاء من الله عز وجل.
وإذا أردت التفصيل في ذلك فيقال: هذا الأذى الشيطاني على المؤمنين له أنواع، ولكل نوع أمثلته وأدلته وأحواله، وحسبنا في هذا المقام التعريف الموجز بذلك، وفهم يسير بإذن الله تعالى لظهور أدلته:
النوع الأول: إيذاء بالفزع والتخويف ومحاولة الإضرار، يجعل الله لعباده المؤمنين معه سبباً يعتصمون به من ذلك فلا يصيبهم منه ضرر، وإنما قد ينالهم شيء من الأذى الذي يُحتمل ويذهب أثره من الخوف أو الفزع أو الرهبة التي تقتضيها بغتة الموقف؛ ثم يزول ذلك.
ومن ذلك ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن كما في مسند الإمام أحمد ومصنف ابن أبي شيبة وغيرهما من حديث أبي التياح قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه وكان شيخاً كبيراً قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كادته الشياطين؟
قال: (جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية، وتحدرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال: (فرعب؛ جعل يتأخر).
قال: (وجاء جبريل عليه السلام؛ فقال: يا محمد قل).
قال: ((ما أقول؟)).
قال: (قل: ((أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن)) ؛ فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عز و جل).
فهذه التعويذة نافعة لمن وجد شيئاً من أذى الشياطين وتبدّيهم له وتفلتهم عليه.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ عفريتاً من الجن تفلّت البارحة))، وفي رواية ((جاء يفتك بي البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ؛ فذكرت قول أخي سليمان: {رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي}؛ فرددته خاسئاً)).
وفي الباب أحاديث أخرى.

النوع الثاني: أن يجد المسلم شيئاً من أذية الشياطين وتسلطهم عليه، وفي هذا الباب حديث لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، وحديث لخالد بن الوليد أنه كان يفزع في منامه فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن عفريتاً من الجنّ يكيدك))؛ ثم علّمه تعويذة نحو تعويذة جبريل المذكورة في حديث أبي التياح.
وحديث خالد رجاله ثقات لكن فيه انقطاع يسير في أصل الإسناد.
ومثل هذا النوع يعرض لبعض أهل العلم وفي ذلك أخبار وآثار.

النوع الثالث: النزغات والهمزات والنفخات والنفثات التي تكون من الشياطين ويكون لها شرور وآثار تستوجب الاستعاذة بالله تعالى منها.
كما قال الله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}.
وقال: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}.
فالنزغ يستعاذ بالله من شره، وقد هَدى الله عباده لأن يقولوا التي هي أحسن؛ فإن ذلك يذهب عنهم شراً كثيراً من كيد الشيطان في النزغ بينهم.
وقال تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون}
قال الإمام الشنقيطي: (الهَمَزَات: جمع هَمْزَة وهي المرة من فعل الهمز، وهو في اللغة: النخس والدفع، وهمزات الشياطين: نخساتهم لبني آدم ليحثّوهم ويحضوهم على المعاصي).

وفي مسند الإمام أحمد من حديث نافع بن جبير بن مطعمٍ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلاً. اللهم إنى أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)).
قال: قلت: (يا رسول الله ما هَمْزُه؟).
قال: ذكر كهيئة المُوتة ، يعنى يصرع.
قلت: (فما نفخه؟) قال: ((الكِبْر)).
قلت: (فما نفثه؟) قال: ((الشِّعْر)).
وروى الأمام أحمد أيضاً بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير أنه قال: قال أبو سلمة [بن عبد الرحمن]: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: ((اللهم إنى أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه)) ).
قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) ).
قالوا: (يا رسول الله! وما همزه ونفخه ونفثه؟).
قال: ((أما همزه فهذه الموتة التى تأخذ بنى آدم، وأما نفخه فالكبر، وأما نفثه فالشعر)).

جاء تفسير الهمز مسنداً ومرسلاً ، وموقوفاً على أبي سلمة بن عبد الرحمن وعمرو بن مرة وغيرهما بأنه المُوتة التي تأخذ بني آدم.
قال الزبيدي: (المُوتَةُ بالضَّمِّ: الغَشْىُ ، وفُتُورٌ في العَقْل ، والجُنُونُ؛ لأَنّه يَحْدُث عنه سُكونٌ كالمَوْتِ).
وقال أبو منصور الأزهري: (قال أبو عبيد: المُوتَةُ : الجنون، سُمِّي هَمْزا لأنه جعله من النخسُ والهمز والغمز، وكل شيء دَفَعته؛ فقد همزته.
وقال ابن شميل: المُوتة : الذي يُصرعُ من الجنون أو غيره ثم يفيقُ.
وقال اللحياني: المُوتَةُ شِبْه الغشية).

والخلاصة أن المُوتة لفظ يقع على أشياء متعددة، وتكون الموتة في الجسد وفي الروح؛ فالموتة التي تأخذ الروح يكون بسببها الغَشْي والجنون والصرع، والموتة التي تكون في الجسد يكون بسببها فتور الجسد وخموله ووهنه.
ومن أسباب ذلك همز الشيطان، والعياذ بالله من همزه.
وأما النفخ فتفسيره بالكبر للتمثيل، وكل ما كان بسببه كبر أو عُجب أو فخرٌ أو نحوهما فهو من نفخ الشيطان.
ويكون له نفخ غير ذلك ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قينة غنَّت: ((لقد نفخ الشيطان في مِنَخريها)). رواه أحمد.
والقينة: هي الأَمَة المملوكة التي تُتَّخذ للتزيّن والغناء غالباً.
قال أَبو منصور الأزهري: (إِنما قيل للمُغنّية قَيْنةٌ إِذا كان الغناءُ صناعةً لها، وذلك من عمل الإِماء دون الحرائر).
وقال ابن مسعود: (إن الشيطان ليطيف بالرجل في صلاته ليقطع عليه صلاته فإذا أعياه نفخ في دبره فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئا فلا ينصرفن حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا). رواه عبد الرزاق والطبراني.
وروى ابن أبي شيبة نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأما النفث فيكون بسببه قول الشِّعْر الذي فيه إغواء للناس كما قال الله تعالى: {والشعراء يتَّبعهم الغاوون} ، فما يلقيه الشيطان على قلوب بعض الشعراء وألسنتهم فيتكلمون به ويعبّرون عنه هو من معاني نفث الشيطان، وقد نطق بذلك بعض الشعراء كما قال الفرزدق في توبته المشهورة:

ألَمْ تَرَنِي عاهدْتُ ربي وإِنني ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قائمٌ ومَقامِ
على حَلْفَةٍ لا أشتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِماً ... ولا خارِجاً مِن فِيَّ زُورُ كَلامِ
وإن ابنَ إِبليسٍ وإِبليسَ أَلْبَنا ... لهم بعَذابِ النَاسِ كل غلامِ
هُما نَفَثا فِي فِيَّ من فمَوَيْهِما ... على النابح العاوي أشد رِجامِ
أطعتكَ يا إبليس سبعين حجةً... فلما انتهى شيبي وتمَّ تمامي
فررت إلى ربي وأيقنت أنني... ملاقٍ لأيام المنون حمامي
وكَمْ مِن قُرُونٍ قد أَطاعُوكَ أَصْبَحُوا ... أَحادِيثَ كانُوا في ظِلالِ غَمامِ


الرتاج المراد به باب الكعبة، والمقام مقام إبراهيم.
قال عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب: (وقوله : وإن ابن إبليس الخ ألبنا : سَقَيَا اللَّبَن، يريد أن إبليس وابنه سقيا كلّ غلام من الشعراء هجاءً وكلاماً خبيثاً).ا.ه.
فالشعر السَّيِّء من نفث الشيطان، ولنفث الشيطان معانٍ أخرى وردت في النصوص وسبق بيان بعضها.

النوع الرابع: التسلط الذي قد يَعْظُمُ أثره ويطول أَمَدُه ويقصر بحسب ما يقدره الله عز وجل من ذلك، كما قال الله تعالى: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنُصْب وعذاب}. وقرأ يعقوب: {بنَصَب}.
وقال الفراء بأن النُّصْبَ والنَّصَب بمعنى واحد كالرُّشْد والرَّشَد، والمراد به: ما أصابه من العناء والضرر.
ومن هذا النوع ما يحصل لبعض الصالحين من الابتلاء بالسحر والعين وتسلط الشياطين، وما يحصل لهم من الآفات التي تُضعف أبدانهم ويتسلط عليهم الشيطان بأنواع من الأذى.
فهؤلاء إن قاموا بما أوجب الله تعالى من الصبر والتقوى كان ذلك رفعة لهم واجتباء، ولم يضرهم كيد عدوهم شيئاً، وإنما هو أذى يتأذون به، ويصاحبه من لطف الله عز وجل بهم، وتيسيره ما يخفف عنهم البلاء، ثم تكون عاقبتهم حسنةً بإذن الله تعالى.
قال الله تعالى: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} فجعل الإحسان يُنال بالصبر والتقوى.
والصبر الجميل هو الذي لا تسخط معه.
وقال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}.
ومن كان سائرا في بلائه على هدى من الله ؛ فهو في أمان الله تعالى وضمانه حتى تحصل له العاقبة الحسنة، وقد قال الله تعالى: {فاصبر إن العاقبة للمتقين} وقال: {والعاقبة للتقوى}.
وهؤلاء لا يتمكن الشيطان منهم تمكناً تاماً ما بقي معهم الإيمان بالله جل وعلا والعمل الصالح، ومهما بلغ بهم الأذى فإن الله يجعل لهم مخرجاً وفرجاً، والله تعالى لا يديم البلاء على عبده.

الدرجة الثالثة: التسلط التام
الدرجة الثالثة: التسلط التام، والاستحواذ التام؛ وهذا هو تسلط الشيطان على أوليائه الذين اتخذوه وليّا من دون الله جل وعلا، لأنهم اتبعوه وتولوه وأعرضوا عن ذكر الله جل وعلا واتباع هداه حتى خرجوا من النور إلى الظلمات ، ومن ولاية الله إلى ولاية الشيطان، ومن حزب الله إلى حزب الشيطان.
فكانوا بذلك من الخاسرين والعياذ بالله.

رد مع اقتباس