عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 22 ربيع الثاني 1435هـ/22-02-2014م, 01:28 AM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

أصول في دفع كيد الشيطان

ويحسن بنا أن نذكّر بأصول عظيمة في هذا الباب ينبغي للمؤمن أن يعتني بها ، ويفقهها حق الفقه، وهي مقررة في القرآن العظيم أحسن تقرير وأبينه، فإياك ثم إياك أن تستهين بها؛ فإن الاستهانة بها قد توقع العبد في أنواع من العذاب الأليم والشقاء العظيم.


أن الشيطان عدّو مبين، وتعرف عداوته بمقاصد ما يوسوس به
الأصل الأول: أن الشيطان عدو مبين؛ فهو بيّن العداوة كما قال تعالى: {إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا}، وتعرف عداوة الشيطان للإنسان بما يأمر به ويزينه وبما يحاول أن يصد عنه؛ فإن العاقل يعرف الأمور بمقاصدها، كما نبه الله تعالى إلى ذلك بقوله: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، وقال: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم}، وقال: {إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}.
فكل ما يوسوس لك به الشيطان فغايته أن يأمرك بما فيه هلاكك وشقاؤك.

أنه يجب علينا أن نتّخذ الشيطان عدواً
الأصل الثاني: أنه يجب علينا أن نتخذه عدواً كما قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}
فمن الناس من يعلم أن الشيطان عدو لكنه لا يتخذه عدواً، بل ربما أنس لوساوسه وتزيينه الباطل والمعاصي وصدق ما يغره به من زخرف القول؛ ومن الناس من يلقّنه الشيطان دعوى التوبة بعد أن يقضي نهمته من شهواته، وهي شهوات تتزايد وتتوالد ولا يزال العبد يتبع فيها خطوات الشيطان ويعرض عن ذكر الله حتى يضلّ ضلالا بعيداً إلا أن يتداركه الله برحمة من عنده.
ولو تأملت أصل البلاء وجدته الاستهانة باتخاذ الشيطان عدواً.

أن الله أمر في مواضع من كتابه الكريم بأن لا نتبع خطوات الشيطان
الأصل الثالث: أن الله قد حرّم اتباع خطوات الشيطان كما قال تعالى في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}.
وقال الله تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم}.

لا ضمان للعبد ولا أمان له إلا باتباع هدى الله تعالى
الأصل الرابع: أنه لا ضمان للعبد ولا أمان له إلا أن يتبع هدى الله جل وعلا، كما قال الله تعالى لما أهبط أبوينا وأهبط إبليس إلى الأرض عند بدء هذه الحياة الدنيا: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}.
قال ابن جرير: (يقول: أنتما عدوّ إبليس وذرّيته، وإبليس عدوّكما وعدوّ ذرّيتكما).

اتباع هدى الله يفضي بصاحبه إلى العاقبة الحسنة
الأصل الخامس: أن اتباع هدى الله يفضي إلى العاقبة الحسنة، ومهما يكن على العبد من كيد الشيطان ووسوسته وأذيته فإن العبد المؤمن يعان على ذلك ما دام متبعاً لهدى الله جل وعلا على ما يستطيع {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، كما قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} ، وهذا يدلك على يسر الشريعة وسماحتها، فلا يكن في صدر المبتلى حرج من فوات بعض الأمور عليه، أو تعسر بعض الطاعات عليه؛ فإن ذلك إذا كان عن غير تفريط ولا تقصير فإن نيته تبلغ ، وأجره يكتب له كأنه عمله، ولا يؤاخذ العبد بما لا يطيق، وإن أطاقه غيره ممن هو في عافية من البلاء الذي هو فيه.

الشيطان يحضر ابن آدم عند كلّ شيء من شأنه
الأصل السادس: أن الشيطان يحضر ابن آدم عند كل شيء من شأنه ؛ فله وسوسة في الشؤون كلها، وقد ثبت في النصوص أن الشيطان يوسوس وينزغ ويهمز وينفخ وينفث، ويخوّف، ويعد ويمنّي ويزيّن الشهوات المحرمة، ويثير الشبهات المحيرة، بل له تصرفات في بعض أجساد الناس؛ كما صح أن التثاؤب من الشيطان، والحلم من الشيطان، والاستحاضة من الشيطان، وصراخ الطفل إذا استهل من الشيطان، والغضب من الشيطان، والعجلة من الشيطان، والالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، وأن الشيطان يوهم بعض الناس أنه خرج منه ريح وهو لم يخرج، كما في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا كان في الصلاة جاءه الشيطان فأبسّ به ، كما يبس الرجل بدابته ، فإذا سكن له أضرط بين إليتيه ليفتنه عن صلاته ، فإذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا لا يشك فيه)).
وورد أنه يبيت على خياشيم بني آدم، ويبول في آذان بعضهم إلى غير ذلك مما ورد من تصرفات الشيطان وما أقدره الله عليه.
بل قد يكون له تأثير على الناس في تصرفاتهم، في منازلهم وسفرهم وذهابهم وإيابهم بسبب وسوسته ، كما في سنن أبي داوود والنسائي من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا تفرقوا في الشعاب والأودية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن تفرقكم في الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان))؛ فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض).
فالتصرفات التي تكون أقرب إلى تحقيق مقاصد الشيطان من التفرق والتنازع والتنافر وإيذاء بعض الناس لبعض؛ سببه نزغ الشيطان ووسوسته وتزيينه.

وقد ورد في النصوص أيضاً بيان ما لا يقدر عليه الشيطان: فهو لا يفتح باباً مغلقاً، ولا يحلّ وكاءً، ولا يكشف إناء، ولا يرى من يسمي إذا دخل الخلاء، ولا يأكل مع من يسمي عند أكله، ولا يدخل مع من يسمي عند دخوله، ولا يشارك الرجل في أهله إذا سمى عند الجماع.
ولا يتمثل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام.

لا عذر للعبد إذا نزغه الشيطان فأطاعه
الأصل السابع: أن العبد لا يُعذر في مخالفته هدى الله جل وعلا فيما ينزغ له به الشيطان فيطيعه على ذلك؛ كما في الصحيحين من حديث همام عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار)).
وهذا دليل على أن نزغ الشيطان لو كان عذراً للعبد لما أوجب له هذا العذاب؛ فمن خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ورفع السلاح على أخيه ولو مازحاً فنزغه الشيطان فأصاب أخاه المسلم فلا ينفعه أن يقول: نزغني الشيطان.
وهكذا في سائر المسائل، لا يُعذر العبد بترك فريضة واجبة أو عمل محرم بحجة نزغ الشيطان له، ما دام العبد حاضر العقل مختاراً.
أما ما يفعله العبد في حال رفع القلم عنه بذهاب العقل أو النوم أو كان مكرهاً أو معذوراً أو بنسيان أو خطأ أو جهل يعذر في مثله فإن المؤاخذة ترتفع عنه إذا كان غير مفرط ولا متعدّ.

للشيطان مداخل يتسلّط بها على الإنسان ويشتدّ فيها كيده
الأصل الثامن: أن الشيطان له مداخل للتسلط على الإنسان ينبغي للمؤمن أن يحترز منها: كالغَضَبِ الشديدِ، والفَرَحِ الشَّديدِ، والانْكِبابِ على الشَّهواتِ، والشُّذُوذِ عن الجماعةِ، والوَحْدةِ، ولا سِيَّما في السَّفَرِ، ونَقْلِ الحديثِ بينَ الناسِ، وخَلْوةِ الرجُلِ بالمرأةِ، والظنِّ السَّيِّئِ، وغِشْيانِ مَواضِعِ الرِّيَبِ.
وقد شُرِعت التسميةُ في كلِّ شأنٍ من شُئونِ الإنسانِ لحُصولِ البَرَكةِ والحِفْظِ من كيدِ الشيطانِ، فيُسَمِّي العبدُ إذا أكَلَ، وإذا شَرِبَ، وإذا دخَلَ المَنْزِلَ، وإذا خَرَجَ منه، وإذا أَصْبَحَ، وإذا أمْسَى، وإذا رَكِبَ، وإذا جَامَعَ، وإذا دخَلَ الخَلاءَ، وإذا أرادَ النَّوْمَ.
وفي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((إذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطَاعَ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ في فِيهِ)).
وفي رِوَايةٍ لأحْمَدَ وعبدِ الرَّزَّاقِ: ((إذا تَثَاوَبَ أحَدُكم فَلْيَضَعْ يَدَهُ على فِيهِ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مع التَّثَاوُبِ)).

وقد سمعت بعض من تاب من السحرة يخبر عن كيفية دخول الشيطان في جسد الإنسان؛ فقال: إنه يدخل مع الشهيق السريع القوي، ولعله أخذ هذا عن بعض من كان يتعامل معهم من الشياطين، وهو موافق لما في الحديث.

هذا، والله تعالى أعلم، وأستغفر الله من الخطأ والتقصير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

رد مع اقتباس