عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قد جاءكم بصائر من ربّكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظٍ (104) وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون (105)}
البصائر: هي البيّنات والحجج الّتي اشتمل عليها القرآن، وما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم {فمن أبصر فلنفسه} مثل قوله: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها} [الإسراء: 15]؛ ولهذا قال: {ومن عمي فعليها} لمّا ذكر البصائر قال:
{ومن عمي فعليها} أي: فإنّما يعود وبال ذلك عليه، كقوله: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحجّ: 46].
{وما أنا عليكم بحفيظٍ} أي: بحافظٍ ولا رقيبٍ، بل أنا مبلّغٌ واللّه يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 312]


تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وكذلك نصرّف الآيات} أي: وكما فصّلنا الآيات في هذه السّورة، من بيان التّوحيد وأنّه لا إله إلّا هو، هكذا نوضّح الآيات ونفسّرها ونبيّنها في كلّ موطنٍ لجهالة الجاهلين، وليقول المشركون والكافرون المكذّبون: دارست يا محمّد من قبلك من أهل الكتاب وقارأتهم وتعلّمت منهم.
هكذا قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبير، والضّحّاك، وغيرهم.
وقد قال الطّبرانيّ: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، حدّثنا أبي، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عمرو بن كيسان، سمعت ابن عبّاسٍ يقرأ: {دارست} تلوت، خاصمت، جادلت
وهذا كما قال تعالى إخبارًا عن كذبهم وعنادهم: {وقال الّذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون فقد جاءوا ظلمًا وزورًا. وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها [فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا]} [الفرقان: 4، 5]، وقال تعالى إخبارًا عن زعيمهم وكاذبهم: {إنّه فكّر وقدّر. فقتل كيف قدّر. ثمّ قتل كيف قدّر. ثمّ نظر. ثمّ عبس وبسر. ثمّ أدبر واستكبر. فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر. إن هذا إلا قول البشر} [المدّثّر: 18 -25].
وقوله: {ولنبيّنه لقومٍ يعلمون} أي: ولنوضّحه لقومٍ يعلمون الحقّ فيتّبعونه، والباطل فيجتنبونه. فللّه تعالى الحكمة البالغة في إضلال أولئك، وبيان الحقّ لهؤلاء. كما قال تعالى: {يضلّ به كثيرًا ويهدي به كثيرًا [وما يضلّ به إلا الفاسقين]} [البقرة: 26]، وقال تعالى: {ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم وإنّ الظّالمين لفي شقاقٍ بعيدٍ}[الحجّ: 53]
وقال تعالى: {وما جعلنا أصحاب النّار إلا ملائكةً وما جعلنا عدّتهم إلا فتنةً للّذين كفروا ليستيقن الّذين أوتوا الكتاب ويزداد الّذين آمنوا إيمانًا ولا يرتاب الّذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الّذين في قلوبهم مرضٌ والكافرون ماذا أراد اللّه بهذا مثلا كذلك يضلّ اللّه من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربّك إلا هو} [المدّثّر: 31].
وقال [تعالى]: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82] وقال تعالى: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ} [فصّلت: 44]، إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على أنّه تعالى أنزل القرآن هدًى للمتّقين، وأنّه يضلّ به من يشاء ويهدي به من يشاء: ولهذا قال هاهنا: {وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون}، وقرأ بعضهم: {وليقولوا درست}
قال التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: "درست" أي: قرأت وتعلّمت. وكذا قال مجاهدٌ، والسّدّي والضّحّاك، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، قال الحسن: "وليقولوا درست"، يقول: تقادمت وانمحت. وقال عبد الرّزّاق أيضًا: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، سمعت ابن الزبير يقول: إن صبيانا يقرؤون هاهنا: "درست"، وإنّما هي: "درست".
وقال شعبة: حدّثنا أبو إسحاق الهمدانيّ قال في قراءة ابن مسعودٍ: "درست" بغير ألفٍ، بنصب السّين ووقفٍ على التّاء.
وقال ابن جريرٍ: ومعناه انمحت وتقادمت، أي: إنّ هذا الّذي تتلوه علينا قد مرّ بنا قديمًا، وتطاولت مدّته.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أنّه قرأها: "درست" أي: قرئت وتعلّمت.
وقال معمرٌ، عن قتادة: "درست": قرئت. وفي حرف ابن مسعودٍ "درس".
وقال أبو عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون قال: هي في حرف أبيّ بن كعبٍ وابن مسعودٍ: "وليقولوا درس". قال: يعنون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قرأ وهذا غريبٌ، فقد روي عن أبيّ بن كعبٍ خلاف هذا، قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن اللّيث، حدّثنا أبو سلمة، حدّثنا أحمد بن أبي بزّة المكّيّ، حدّثنا وهب بن زمعة، عن أبيه، عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: أقرأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وليقولوا درست}.
ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث وهب بن زمعة، وقال: يعني بجزم السّين، ونصب التّاء، ثمّ قال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 312-314]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {اتّبع ما أوحي إليك من ربّك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين (106) ولو شاء اللّه ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظًا وما أنت عليهم بوكيلٍ (107)}
يقول تعالى آمرًا لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولمن اتّبع طريقته: {اتّبع ما أوحي إليك من ربّك} أي: اقتد به، واقتف أثره، واعمل به؛ فإنّ ما أوحي إليك من ربّك هو الحقّ الّذي لا مرية فيه؛ لأنّه لا إله إلّا هو.
{وأعرض عن المشركين} أي: اعف عنهم واصفح، واحتمل أذاهم، حتّى يفتح اللّه لك وينصرك ويظفرك عليهم.
واعلم أنّ للّه حكمةً في إضلالهم، فإنّه لو شاء لهدى النّاس كلّهم جميعًا [ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 314]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولو شاء اللّه ما أشركوا} أي: بل له المشيئة والحكمة فيما يشاؤه ويختاره، لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.
وقوله: {وما جعلناك عليهم حفيظًا} أي: حافظًا تحفظ أعمالهم وأقوالهم {وما أنت عليهم بوكيلٍ} أي: موكّلٍ على أرزاقهم وأمورهم {إن عليك إلا البلاغ} كما قال تعالى: {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ * لست عليهم بمسيطرٍ} [الغاشية: 21، 22]، وقال: {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرّعد:40] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 314]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم ثمّ إلى ربّهم مرجعهم فينبّئهم بما كانوا يعملون (108)}
يقول تعالى ناهيًا لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين عن سبّ آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحةٌ، إلّا أنّه يترتّب عليه مفسدةٌ أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسبّ إله المؤمنين، وهو اللّه لا إله إلّا هو.
كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: قالوا: يا محمّد، لتنتهينّ عن سبّك آلهتنا، أو لنهجونّ ربّك، فنهاهم اللّه أن يسبّوا أوثانهم، {فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}
وقال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: كان المسلمون يسبّون أصنام الكفّار، فيسبّ الكفّار اللّه عدوًا بغير علمٍ، فأنزل اللّه: {ولا تسبّوا الّذين يدعون من دون اللّه}
وروى ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، عن السّدّي أنّه قال في تفسير هذه الآية: لمّا حضر أبا طالبٍ الموت قالت قريشٌ: انطلقوا فلندخل على هذا الرّجل، فلنأمره أن ينهى عنّا ابن أخيه، فإنّا نستحيي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: كان يمنعهم فلمّا مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان، وأبو جهلٍ، والنّضر بن الحارث، وأميّة، وأبيٌّ ابنا خلفٍ، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البختري وبعثوا رجلًا منهم يقال له: "المطّلب"، قالوا: استأذن لنا على أبي طالبٍ، فأتى أبا طالبٍ فقال: هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدّخول عليك، فأذن لهم عليه، فدخلوا عليه فقالوا: يا أبا طالبٍ، أنت كبيرنا وسيّدنا، وإنّ محمّدًا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحبّ أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، ولندعه وإلهه. فدعاه، فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له أبو طالبٍ: هؤلاء قومك وبنو عمّك. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما تريدون؟ ». قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، ولندعك وإلهك. قال له أبو طالبٍ: قد أنصفك قومك، فاقبل منهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أرأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطيّ كلمةً إن تكلّمتم بها ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم، وأدّت لكم الخراج؟» قال أبو جهل: وأبيك لأعطينكها وعشرة أمثالها [قال] فما هي؟ قال: «قولوا لا إله إلّا اللّه». فأبوا واشمأزّوا. قال أبو طالبٍ: يا ابن أخي، قل غيرها، فإنّ قومك قد فزعوا منها. قال: «يا عمّ، ما أنا بالّذي أقول غيرها، حتّى يأتوا بالشّمس فيضعوها في يدي، ولو أتوا بالشّمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها». إرادة أن يؤيسهم، فغضبوا وقالوا: لتكفّنّ عن شتم آلهتنا، أو لنشتمنّك ونشتم من يأمرك فذلك قوله: {فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ}
ومن هذا القبيل -وهو ترك المصلحة لمفسدةٍ أرجح منها -ما جاء في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «ملعونٌ من سبّ والديه». قالوا يا رسول اللّه، وكيف يسبّ الرّجل والديه؟ قال: «يسبّ أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه». أو كما قال، عليه السّلام
وقوله تعالى: {كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم} أي: وكما زيّنا لهؤلاء القوم حبّ أصنامهم والمحاماة لها والانتصار، كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ من الأمم الخالية على الضّلال عملهم الّذي كانوا فيه، وللّه الحجّة البالغة، والحكمة التّامّة فيما يشاؤه ويختاره. {ثمّ إلى ربّهم مرجعهم} أي: معادهم ومصيرهم، {فينبّئهم بما كانوا يعملون} أي: يجازيهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ، وإنّ شرًّا فشرٌّ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 314-315]


رد مع اقتباس