الموضوع: الحكيم
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 11:02 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (الحكيم
الحكيم: الذي أفعاله محكمة متقنة، لا تفاوت فيها ولا اضطراب، ومنه قيل: «بناء محكم» أي قد أتقن وأحكم، فالله عز وجل حكيم كما وصف نفسه بذلك، لإتقان أفعاله واتساقها وانتظامها وتعلق بعضها ببعض. فالحكيم على هذا التأويل فعيل بمعنى مفعل كما جاء عليم بمعنى عالم في قوله: {عليم بذات الصدور} وقد يكون حكيم بمعنى عليم لأن الفاعل للأشياء المتقنة المحكمة لا يجوز أن يكون جاهلاً بها. فيكون «حكيم» على هذا بتأويل المبالغة في الوصف بالعلم والحكمة، وقد قال الله عز وجل: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}، فقال ابن عباس وغيره: الحكمة: القرآن، سماه حكمة لأنه علم فكأنه قال: ومن يؤت القرآن فقد أوتي علمًا كثيرًا. وقد قال الله عز وجل في موضع آخر: {وآتاه الله الملك والحكمة}. قالوا: يعني: الملك والعلم.
وقال بعض أهل اللغة: إنما سمي القرآن حكمة لامتناعه عن المعارضة كأنه ممتنع من أن يؤتي بمثله أو يعارض. كما قال عز وجل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
قال: وكذلك الحكيم من الناس إنما سمي حكيمًا لأنه يمتنع من فعل القبائح ويمنع نفسه منها وإن كان [كذلك هو] عالم، لأنه ليس كل من كان منا عالمًا يمتنع من فعل القبائح. والحكيم لا يسمى حكيمًا حتى يكون عالمًا محكم الأفعال ممتنعًا من القبائح ومجانسة الجهال، وملابسة القبيح والظلم.
واشتقاق ذلك كله من حكمة اللجام وهي الحديدة التي تمنع الفرس وترده إلى مقصد الراكب، وكذلك حكم الحاكم على المحكوم عليه إنما هو أن يلزمه أمرًا واجبًا عليه، ويمنعه الخروج عنه ومخالفته، وكذلك الحاكم بين الناس إنما هو الفاصل بينهم بعلمه والملزم لهم ما لا يمكنهم مخالفته، ولا يدعهم أن يخرجوا عنه، ومنه قيل «أحكمت مرة هذا الحبل» أي شددته حتى يمتنع عن القطع والانتشار.
وقال ابن الأعرابي: تقول: حكم فلان عن الشيء إذا رجع عنه وحكمته عنه أي: منعته فرجع، وأنشد:
أبني حنيفة احكموا سفهاءكم = إني أخاف عليكم أن أغضببا
وكذلك سائر ما يتشعب من هذا إنما أصله هذا ثم يتسع ويستعمل في مقاربه ومجانسه، وكذلك أكثر كلام العرب إنما له أصل منه تشعبه ثم يستعمل في أشياء كثيرة مقاربة له ومجانسة، ولذلك قال أبو العباس المبرد: «كلام العرب إذا تقاربت ألفاظه فبعضه آخذ برقاب بعض».
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى في قوله عز وجل: {الر تلك آيات الكتاب الحكيم}. قال: الكتاب: القرآن، والحكيم: المحكم المبين الموضح. قال: والعرب قد تضع فعيلاً في معنى مفعل فقد جاء [في] آية أخرى {هذا ما لدي عتيد} أي معد. قال: وقد يكون فعيل بمعنى مفعل أيضًا كما قال الشاعر:
................... إني = غدائتذ ولم اشعر خليف
أي: مخلف وعدهم.
وقد يجوز ما قال أبو عبيدة، ويجوز أن يكون الأصل «آيات الكتاب الحكيم» أي المتقن المحكم الممتنع من المعارضة والاختلال والاختلاف والفساد. فقد بان لك أن حكيما يكون في الكلام على ثلاثة أوجه:-
يكون بمعنى مفعل بتأويل الفاعل، ومفعل بتأويل المعفول وقد يكون للمبالغة في الوصف بمنزلة كريم وعليم لا يراد به التعدي إلا وصف الذات بالحكمة كما شرحت لك فيما مضى. وينشد:
فنحكم بالقوافي من أردنا = ونضرب حين تختلط الدماء
أي نمنعه من مشاعرتنا ومفاخرتنا بالقوافي ونفحمه). [اشتقاق أسماء الله: 60-62]


رد مع اقتباس