عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} أي: فيهم قوّة الانتصار ممّن ظلمهم واعتدى عليهم، ليسوا بعاجزين ولا أذلّةٍ، بل يقدرون على الانتقام ممّن بغى عليهم، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا وعفوا، كما قال يوسف، عليه السّلام، لإخوته: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم [وهو أرحم الرّاحمين]} [يوسف:92]، مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه، وكما عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أولئك النّفر الثّمانين الّذين قصدوه عام الحديبية، ونزلوا من جبل التّنعيم، فلمّا قدر عليهم منّ عليهم مع قدرته على الانتقام، وكذلك عفوه عن غورث بن الحارث، الّذي أراد الفتك به [عليه السّلام] حين اخترط سيفه وهو نائمٌ، فاستيقظ، عليه السّلام، وهو في يده صلتا، فانتهره فوضعه من يده، وأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّيف من يده، ودعا أصحابه، ثمّ أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرّجل، وعفا عنه. وكذلك عفا عن لبيد بن الأعصم، الّذي سحره، عليه السّلام، ومع هذا لم يعرض له، ولا عاتبه، مع قدرته عليه. وكذلك عفوه، عليه السّلام، عن المرأة اليهوديّة -وهي زينب أخت مرحبٍ اليهوديّ الخيبريّ الّذي قتله محمود بن مسلمة- الّتي سمّت الذّراع يوم خيبر، فأخبره الذّراع بذلك، فدعاها فاعترفت فقال: "ما حملك على ذلك" قالت: أردت إن كنت نبيًّا لم يضرّك، وإن لم تكن نبيًّا استرحنا منك، فأطلقها، عليه الصّلاة والسّلام، ولكن لـمّا مات منه بشر بن البراء قتلها به، والأحاديث والآثار في هذا كثيرةٌ جدًّا، والحمد للّه). [تفسير ابن كثير: 7/ 211]

تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين (40) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ (41) إنّما السّبيل على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض بغير الحقّ أولئك لهم عذابٌ أليمٌ (42) ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور (43)}
قوله تعالى: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} كقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:194] وكقوله {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين} [النّحل:129] فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله [تعالى] {والجروح قصاصٌ فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ له} [المائدة:45]؛ ولهذا قال هاهنا: {فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه} أي: لا يضيع ذلك عند اللّه كما صحّ في الحديث: "وما زاد اللّه عبدًا بعفوٍ إلّا عزًّا" وقوله: {إنّه لا يحبّ الظّالمين} أي: المعتدين، وهو المبتدئ بالسّيّئة.
[وقال بعضهم: لـمّا كانت الأقسام ثلاثةً: ظالمٌ لنفسه، ومقتصدٌ، وسابقٌ بالخيرات، ذكر الأقسام الثّلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الّذي يفيض بقدر حقّه لقوله: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها}، ثمّ ذكر السّابق بقوله: {فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه} ثمّ ذكر الظّالم بقوله: {إنّه لا يحبّ الظّالمين} فأمر بالعدل، وندب إلى الفضل، ونهى من الظّلم]). [تفسير ابن كثير: 7/ 211-212]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} أي: ليس عليهم جناحٌ في الانتصار ممّن ظلمهم.
قال ابن جريرٍ حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيع حدّثنا معاذ بن معاذٍ، حدّثنا ابن عون قال: كنت أسأل عن الانتصار: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} فحدّثني عليّ بن زيد بن جدعان عن أمّ محمّدٍ -امرأة أبيه- قال ابن عونٍ: زعموا أنّها كانت تدخل على أمّ المؤمنين عائشة -قالت: قالت أمّ المؤمنين: دخل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعندنا زينب بنت جحشٍ، فجعل يصنع بيده شيئًا فلم يفطن لها، فقلت بيده حتّى فطّنته لها، فأمسك. وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي. فقال لعائشة: "سبّيها" فسبّتها فغلبتها، وانطلقت زينب فأتت عليًّا فقالت: إنّ عائشة تقع بكم، وتفعل بكم. فجاءت فاطمة فقال لها "إنّها حبّة أبيك وربّ الكعبة" فانصرفت، وقالت لعليٍّ: إنّي قلت له كذا وكذا، فقال لي كذا وكذا. قال: وجاء عليٌّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكلّمه في ذلك.
هكذا ورد هذا السّياق، وعليّ بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبًا، وهذا فيه نكارةٌ، والحديث الصّحيح خلاف هذا السّياق، كما رواه النّسائيّ وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء، عن عبد اللّه البهيّ، عن عروة قال: قالت عائشة، رضي اللّه عنها: ما علمت حتّى دخلت عليّ زينب بغير إذنٍ وهي غضبى، ثمّ قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكرٍ ذريّعتيها ثمّ أقبلت عليّ فأعرضت عنها، حتّى قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتّى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها، ما تردّ عليّ شيئًا. فرأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم يتهلل وجهه. وهذا لفظ النّسائيّ.
وقال البزّار: حدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا أبو غسّان، حدّثنا أبو الأحوص عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من دعا على من ظلمه فقد انتصر".
ورواه التّرمذيّ من حديث أبي الأحوص، عن أبي حمزة -واسمه ميمونٌ- ثمّ قال: "لا نعرفه إلّا من حديثه، وقد تكلّم فيه من قبل حفظه"). [تفسير ابن كثير: 7/ 212-213]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إنّما السّبيل} أي: إنّما الحرج والعنت {على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض بغير الحقّ} أي: يبدؤون النّاس بالظّلم. كما جاء في الحديث الصّحيح: "المستبّان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم".
{أولئك لهم عذابٌ أليمٌ} أي: شديدٌ موجعٌ.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا سعيد بن زيدٍ -أخو حمّاد بن زيدٍ-حدّثنا عثمان الشّحّام، حدّثنا محمّد بن واسعٍ قال: قدمت مكّة فإذا على الخندق منظرة، فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن المهلّب، وهو أميرٌ على البصرة، فقال: حاجتك يا أبا عبد اللّه. قلت حاجتي إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عديٍّ. قال: ومن أخو بني عديٍّ؟ قال: العلاء بن زيادٍ، استعمل صديقًا له مرّةً على عملٍ، فكتب إليه: أمّا بعد فإن استطعت ألّا تبيت إلّا وظهرك خفيفٌ، وبطنك خميصٌ، وكفّك نقيّةٌ من دماء المسلمين وأموالهم، فإنّك إذا فعلت ذلك لم يكن عليك سبيلٌ، {إنّما السّبيل على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض بغير الحقّ أولئك لهم عذابٌ أليمٌ} فقال صدق واللّه ونصح ثمّ قال: ما حاجتك يا أبا عبد اللّه؟ قلت: حاجتي أن تلحقني بأهلي. قال: نعم رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير ابن كثير: 7/ 213]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ إنّه تعالى لـمّا ذمّ الظّلم وأهله وشرّع القصاص، قال نادبًا إلى العفو والصّفح: {ولمن صبر وغفر} أي: صبر على الأذى وستر السّيّئة، {إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
قال سعيد بن جبيرٍ: [يعني] لمن حقّ الأمور الّتي أمر اللّه بها، أي: لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة الّتي عليها ثوابٌ جزيلٌ وثناءٌ جميلٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، حدّثنا عبد الصّمد بن يزيد -خادم الفضيل بن عياضٍ-قال: سمعت الفضيل بن عياضٍ يقول إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلًا فقل: "يا أخي، اعف عنه". فإنّ العفو أقرب للتّقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني اللّه عزّ وجلّ. فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلّا فارجع إلى باب العفو، فإنّه بابٌ واسعٌ، فإنّه من عفا وأصلح فأجره على اللّه، وصاحب العفو ينام على فراشه باللّيل، وصاحب الانتصار يقلّب الأمور.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى -يعني ابن سعيدٍ القطّان- عن ابن عجلان، حدّثنا سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه أنّ رجلًا شتم أبا بكرٍ والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ، فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يعجب ويتبسّم، فلمّا أكثر ردّ عليه بعض قوله، فغضب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقام، فلحقه أبو بكرٍ فقال: يا رسول اللّه إنّه كان يشتمني وأنت جالسٌ، فلمّا رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: "إنّه كان معك ملكٌ يردّ عنك، فلمّا رددت عليه بعض قوله حضر الشّيطان، فلم أكن لأقعد مع الشّيطان". ثمّ قال: "يا أبا بكرٍ، ثلاثٌ كلّهنّ حقٌّ، ما من عبدٍ ظلم بمظلمةٍ فيغضي عنها للّه، إلّا أعزّ اللّه بها نصره، وما فتح رجلٌ باب عطيّةٍ يريد بها صلةً، إلّا زاده اللّه بها كثرةً، وما فتح رجلٌ باب مسألةٍ يريد بها كثرةً، إلّا زاده اللّه بها قلّةً"
وكذا رواه أبو داود، عن عبد الأعلى بن حمّادٍ، عن سفيان بن عيينة -قال: ورواه صفوان بن عيسى، كلاهما عن محمّد بن عجلان ورواه من طريق اللّيث، عن سعيدٍ المقبري، عن بشير بن المحرّر، عن سعيد بن المسيّب مرسلًا.
وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى، وهو سبب سبّه للصّدّيق). [تفسير ابن كثير: 7/ 213-214]

رد مع اقتباس