عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار (10) كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب (11)}
يخبر تعالى عن الكفّار أنّهم وقود النّار، {يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافرٍ: 52] وليس ما أوتوه في الدّنيا من الأموال والأولاد بنافعٍ لهم عند اللّه، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه، بل كما قال تعالى: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} [التّوبة: 85] وقال تعالى: {لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد متاعٌ قليلٌ ثمّ مأواهم جهنّم وبئس المهاد} [آل عمران:196: 197] كما قال هاهنا: {إنّ الّذين كفروا} أي: بآيات اللّه وكذّبوا رسله، وخالفوا كتابه، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار} أي: حطبها الّذي تسجر به وتوقد به، كقوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون} [الأنبياء:98].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي مريم، أخبرنا ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد، عن هند بنت الحارث، عن أمّ الفضل أمّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قالت: «بينما نحن بمكّة قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من اللّيل، فقال: «هل بلّغت، اللّهمّ هل بلّغت = » ثلاثًا، فقام عمر بن الخطّاب فقال: نعم. ثمّ أصبح فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليظهرنّ الإسلام حتّى يردّ الكفر إلى مواطنه، ولتخوضنّ البحار بالإسلام، وليأتينّ على النّاس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه، ثمّ يقولون: قد قرأنا وعلمنا، فمن هذا الّذي هو خيرٌ منّا، فهل في أولئك من خيرٍ؟» قالوا: يا رسول اللّه، فمن أولئك؟ قال: «أولئك منكم وأولئك هم وقود النّار». وكذا رأيته بهذا اللّفظ.
وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد اللّه بن الهاد، عن هند بنت الحارث، امرأة عبد اللّه بن شدّادٍ، عن أمّ الفضل؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قام ليلةً بمكّة فقال: «هل بلّغت» يقولها ثلاثًا، فقام عمر بن الخطّاب -وكان أوّاها-فقال: اللّهمّ نعم، وحرصت وجهدت ونصحت فاصبر. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليظهرنّ الإيمان حتّى يردّ الكفر إلى مواطنه، وليخوضنّ رجالٌ البحار بالإسلام وليأتينّ على الناس زمان يقرؤون القرآن، فيقرؤونه ويعلمونه، فيقولون: قد قرأنا، وقد علمنا، فمن هذا الّذي هو خيرٌ منّا؟ فما في أولئك من خيرٍ» قالوا: يا رسول اللّه، فمن أولئك؟ قال: «أولئك منكم، وأولئك هم وقود النّار» ثمّ رواه من طريق موسى بن عبيدٍ، عن محمّد بن إبراهيم، عن بنت الهاد، عن العبّاس بن عبد المطلب بنحوه). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 15-16]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {كدأب آل فرعون} قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «كصنيع آل فرعون». وكذا روي عن عكرمة، ومجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والضّحّاك، وغير واحدٍ، ومنهم من يقول: كسنّة آل فرعون، وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون، والألفاظ متقاربةٌ. والدّأب -بالتّسكين، والتّحريك أيضًا كنهر ونهر-: هو الصّنع والشّأن والحال والأمر والعادة، كما يقال: لا يزال هذا دأبي ودأبك، وقال امرؤ القيس:

وقوفًا بها صحبي عليّ مطيّهم ....... يقولون: لا تهلك أسًى وتجمّل
كدأبك من أمّ الحويرث قبلها ....... وجارتها أمّ الرّباب بمأسل

والمعنى: كعادتك في أمّ الحويرث حين أهلكت نفسك في حبّها وبكيت دارها ورسمها.
والمعنى في الآية: أنّ الكافرين لا تغني عنهم الأولاد ولا الأموال، بل يهلكون ويعذّبون، كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاؤوا به من آيات اللّه وحججه.
{كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب} أي: شديد الأخذ أليم العذاب، لا يمتنع منه أحدٌ، ولا يفوته شيءٌ بل هو الفعّال لما يريد، الّذي قد غلب كلّ شيءٍ وذلّ له كلّ شيءٍ، لا إله غيره ولا رب سواه). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 16]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار (13)}
يقول تعالى: قل يا محمّد للكافرين: {ستغلبون} أي: في الدّنيا، {وتحشرون} أي: يوم القيامة {إلى جهنّم وبئس المهاد}.
وقد ذكر محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، عن عاصم بن عمر بن قتادة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما أصاب من أهل بدرٍ ما أصاب ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: «يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم اللّه ما أصاب قريشًا». فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تلق مثلنا؟ فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى قوله: {لعبرةً لأولي الأبصار}.
وقد رواه ابن إسحاق أيضًا، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ فذكره؛ ولهذا قال تعالى: {قد كان لكم آيةٌ} أي: قد كان لكم -أيّها اليهود القائلون ما قلتم - {آيةٌ} أي: دلالةٌ على أنّ اللّه معزٌّ دينه، وناصرٌ رسوله، ومظهرٌ كلمته، ومعلٍ أمره {في فئتين} أي: طائفتين {التقتا} أي: للقتال {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} وهم المسلمون، {وأخرى كافرةٌ} وهم مشركو قريشٍ يوم بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 17]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد ذكر محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، عن عاصم بن عمر بن قتادة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما أصاب من أهل بدرٍ ما أصاب ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: «يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم اللّه ما أصاب قريشًا». فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تلق مثلنا؟ فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى قوله: {لعبرةً لأولي الأبصار}».
وقد رواه ابن إسحاق أيضًا، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ فذكره؛ ولهذا قال تعالى: {قد كان لكم آيةٌ} أي: قد كان لكم -أيّها اليهود القائلون ما قلتم - {آيةٌ} أي: دلالةٌ على أنّ اللّه معزٌّ دينه، وناصرٌ رسوله، ومظهرٌ كلمته، ومعلٍ أمره {في فئتين} أي: طائفتين {التقتا} أي: للقتال {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} وهم المسلمون، {وأخرى كافرةٌ} وهم مشركو قريشٍ يوم بدرٍ.
وقوله: {يرونهم مثليهم رأي العين} قال بعض العلماء -فيما حكاه ابن جريرٍ: «يرى المشركون يوم بدرٍ المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم، أي: جعل اللّه ذلك فيما رأوه سببًا لنصرة الإسلام عليهم». وهذا لا إشكال عليه إلّا من جهةٍ واحدةٍ، وهي أنّ المشركين بعثوا عمر بن سعدٍ يومئذٍ قبل القتال يحزر لهم المسلمين، فأخبرهم بأنّهم ثلاثمائةٍ، يزيدون قليلًا أو ينقصون قليلًا. وهكذا كان الأمر، كانوا ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلًا ثمّ لمّا وقع القتال أمدّهم اللّه بألفٍ من خواصّ الملائكة وساداتهم.
والقول الثّاني: " أنّ المعنى في قوله: {يرونهم مثليهم رأي العين} أي: ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم، أي: ضعفيهم في العدد، ومع هذا نصرهم اللّه عليهم. وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ أنّ المؤمنين كانوا يوم بدرٍ ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلًا والمشركين كانوا ستّمائةٍ وستّةً وعشرين رجلًا. وكأنّ هذا القول مأخوذٌ من ظاهر هذه الآية، ولكنّه خلاف المشهور عند أهل التّواريخ والسّير وأيّام النّاس، وخلاف المعروف عند الجمهور من أنّ المشركين كانوا ما بين التّسعمائة إلى الألف كما رواه محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجّاج عن عدّة قريشٍ، فقال: كثيرٌ، قال: "كم ينحرون كلّ يومٍ؟ " قال: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «القوم ما بين التّسعمائة إلى الألف».
وروى أبو إسحاق السّبيعي، عن حارثة، عن عليٍّ، قال: كانوا ألفًا، وكذا قال ابن مسعودٍ. والمشهور أنّهم كانوا ما بين التّسعمائة إلى الألف، وعلى كلّ تقديرٍ فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين، وعلى هذا فيشكل هذا القول واللّه أعلم. لكن وجّه ابن جريرٍ هذا، وجعله صحيحًا كما تقول: عندي ألفٌ وأنا محتاجٌ إلى مثليها، وتكون محتاجًا إلى ثلاثة آلافٍ، كذا قال. وعلى هذا فلا إشكال.
لكن بقي سؤالٌ آخر وهو واردٌ على القولين، وهو أن يقال: ما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصّة بدرٍ: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا}؟ [الأنفال: 44] والجواب: أنّ هذا كان في حالٍ، والآخر كان في حالٍ أخرى، كما قال السّدّي، عن مرة الطّيّب عن ابن مسعودٍ في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} الآية، قال: «هذا يوم بدرٍ». قال عبد اللّه بن مسعودٍ: «وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثمّ نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا، وذلك قوله تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم}».
وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: «لقد قلّلوا في أعيننا حتّى قلت لرجلٍ إلى جانبي تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائةً. قال: فأسرنا رجلًا منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفا. فعندما عاين كلّ الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم، أي: أكثر منهم بالضّعف، ليتوكّلوا ويتوجّهوا ويطلبوا الإعانة من ربّهم، عزّ وجلّ. ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرّعب والخوف والجزع والهلع، ثمّ لمّا حصل التّصافّ والتقى الفريقان قلّل اللّه هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء، ليقدم كلٌّ منهما على الآخر».
{ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا} أي: ليفرّق بين الحقّ والباطل، فيظهر كلمة الإيمان على الكفر، ويعزّ المؤمنين ويذلّ الكافرين، كما قال تعالى: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ} [آل عمران: 123] وقال هاهنا: {واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار} أي: إنّ في ذلك لمعتبرًا لمن له بصيرةٌ وفهمٌ يهتدي به إلى حكم اللّه وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 17-18]


رد مع اقتباس