الموضوع: حرف الباء
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:33 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "الباء" وما أوله "الباء"
"الباء"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب "الباء" وما أوله "الباء"
أما "الباء" فتأتي على ثمانية عشر وجهًا.
الأول: الإلصاق، قيل: وهو معنى لا يفارقها ولهذا اقتصر عليه سيبويه، وذلك مثل قولك: مسحت يدي بالأرض، وأمسكت بيد زيد، وهذا إلصاق حقيقي، وأكثر أهل العلم يقولون في: مررت بزيد إنها للإلصاق كأنه التصق المرور بمكان يقرب من زيد، وهذا إلصاق مجازي.
وعن الأخفش أن المعنى مررت على زيد، واستدل بقوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل}
قال ابن هشام: والمختار أن مجاز الإلصاق ومجاز الاستعلاء مستعملان فحيث تعين أحدهما حمل عليه، وإذا استوى التقديران فالأكثر استعمالًا أولى بالتخريج عليه، ومررت عليه وإن كان قد جاء في {لتمرون عليهم} وفي {يمرون عليها} وفي قول الشاعر:
= ولقد أمر على اللئيم يسبني =
إلا أن مررت به أكثر استعمالًا، فكان تقدير الجماعة أولى.

الثاني: الاستعانة وبعضهم يسميه الاعتمال وهي الداخلة على آلة الفعل نحو: كتبت بالقلم وضربت بالسيف وبفلان أصبت الغرض – قيل: ومنه "باء" التسمية لأن الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها وذكر ناس أن هذه والتي قبلها سواء.

الثالث: التعدية للفعل وتسمى"باء" النقل أيضًا، وهي المعاقبة "للهمزة" في تصيير الفاعل مفعولًا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر تقول: في ذهب زيد ذهبت بزيد، وأذهبته، ومنه {ذهب الله بنورهم} وقرئ: (أذهب الله نورهم).
قال ابن هشام: وقول المبرد والسهيلي أن بين التعديتين فرقًا وأنك إذا قلت: ذهبت بزيد كنت مصاحبًا له في الذهاب مردود بالآية.
وأما ورودها مع المتعدي فلقول الله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} والأصل دفع بعض الناس بعضًا.

الرابع: التسبيب والتعليل، كقوله تعالى: {إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل} وقوله تعالى: {فكلًّا أخذنا بذنبه} قال لبيد:
= غلب تشذر بالذحول =
وأما قوله تعالى: {وكانوا بشركائهم كافرين} فإنه يحتمل أن يكون المعاني كفروا بها وتبرأوا منها، ويحتمل أن تكون "باء" السبب كأنه قال وكانوا من أجل شركائهم.
وغاير ابن مالك بين العلية والسببية والفرق بينهما أن العلة موجبة لمعلولها والسببية أمارة على مسببها غير موجبة له، وهذا كقول المعتزلة:
الأعمال علة الجزاء ثوابًا وعقابًا ولا يتخلف الجزاء عن علته.
وأهل السنة يقولون: هي أسباب لمسبباتها فيجوز أن تتخلف، لكنه جعل السببية والاستعانة بمعنى واحد فقال بعد تمثيله بقوله: كتبت بالقلم.
والنحويون يعبرون عن هذه
"الباء" بالاستعانة وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله فإن استعمال السببية فيها يجوز واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز.

الخامس: المصاحبة "كمع" قال المثقب العبدي يصف فرسًا:
داويته بالمحض حتى شتا ..... يجتذب الآري بالمرود
أي "مع" المرود، والمرود الوتد، ومنه قول الله جل جلاله: {اهبط بسلامٍ منا} أي: "مع" سلام، وقوله تعالى: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}.
وقد اختلف أهل العلم في
"الباء" من قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك}، فقيل: للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول أي سبحه حامدًا له، وقيل: للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبحه بما حمد به نفسه؛ إذ ليس كل تنزيه بمحمود كتسبيح المعتزلة الذي اقتضى تعطيل كثير من الصفات.
واختلف أيضًا في: سبحانك اللهم وبحمدك، فقيل: إنها جملة واحدة و
"الواو" زائدة، وقيل جملتان و"الواو" عاطفة ومتعلق "الباء" محذوف تقديره: وبحمدك سبحتك.
وقال الخطابي: المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب على حمدك سبحتك لا بحولي وقوتي فتكون سببية على هذا القول وأقيم المسبب مقام السبب.

السادس: الظرفية كـ "في" قال الشاعر:
إن الرزية لا رزية مثلها ..... أخواي إذ قتلا بيومٍ واحد
وقول الآخر:
= ما بُكاء الكبير بالأطلال =
ومنه قوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدرٍ}، وقوله تعالى: {نجيناهم بسحرٍ}، وقوله تعالى: {السماء منفطرٌ به}، أي: "فيه".

السابع: المقابلة وهي الداخلة على الأثمان والأعواض، كاشتريته بألف، وكافأت احسانه بضعف.
وقولهم:
= هذا بذاك ولا عتب على الزمن =
ومنه قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} وإنما لم يقدروها بالعلية حذرًا من مقالة المعتزلة: إن الطاعات توجب دخول الجنة فإن المعلل لا يتخلف عن علته بخلاف المعوض فإنه قد يتخلف عن سببه.
واستشكل الفارسي دخول
"الباء" على الآيات في قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا}، لأن "الباء" دخلت على الثمن دون الثمن فلابد من أن تضمر ذا ثمن حتى لا يكون الثمن هو المشتري، قال بعضهم: وعلى رأي الفراء لا يحتاج إلى إضمار؛ لأنه قال: إذا كان المتقابلان في العقود نقدين جاز دخول "الباء" على كل واحدٍ منهما، وكذلك إذا كانا معنيين نحو: {اشتروا الضلالة بالهدى}.

الثامن: البدل، كقول الشاعر:
فليت لي بهم قومًا إذ ركبوا ..... شنوا الإغارة فرسانًا وركبانًا.
هكذا ذكره ابن هشام وغيره، ولم يظهر لي فرق بين المقابلة والمبادلة.

التاسع: المجاوزة كـ "عن" فقيل تختص بالسؤال كقوله تعالى: {فاسأل به خبيرًا}، وقوله تعالى: {سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ} بدليل قوله تعالى: {يسألون عن أنبائكم}، وكقول الشاعر وهو علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ..... بصيرٌ بأدواء النساء طبيب
وكقول عنترة:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ..... إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
أراد:"عما" لا تعلمين، وكقول الجعدي:
ســــــــألتني بأنــــــــــــــــاسٍ هلكـــــــــــوا ..... شرب الدهر عليهم وأكــــــــــــــــــــل
وقال الكوفيون: لا تختص بالسؤال؛ بدليل قوله تعالى: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم}، وقوله تعالى: {يوم تشقق السماء بالغمام}.
وكقول النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ..... بذي الجليل على مستأنس وحد
أي: وقد زال النهار "عنا"، يعني: غابت الشمس.

العاشر: الاستعلاء كـ "على" كقوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤده إليك} الآية؛ بدليل قوله تعالى: {هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} قال الشاعر:
أرب يبول الثعلبان برأسه ..... لقد ذل من بالت عليه الثعالب

الحادي عشر: التبعيض كـ "من" أثبت ذلك الأصمعي والفارسي، وابن فارس وابن مالك، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه قوله تعالى: {عينًا يشرب بها عباد الله} قال عنترة:
شربت بماء الدحرضين فأصبحت ..... زوراء تنفر عن حياض الديلم
وقال آخر:
شربن بمــــــــــــاء البحر ثم ترفعت ..... متى لجج خُضــــــــــــــــــــرٍ لهن نئيج
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فلثمت فاها آخذًا بقرونها ..... شرب النزيف ببرد مـــــــــــــاء الحشرج
قيل: ومنه قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم}، قال ابن هشام: والظاهر أن "الباء" للإلصاق، وقيل: هي في آية الوضوء للاستعانة، وإن في الكلام حذفا وقلبا فإن «مسح» يتعدى إلى المزال عنه بنفسه أو إلى المزيل"بالباء" فالأصل: امسحوا رؤوسكم بالماء، ونظيره قول الشاعر:
كنواح ريش حمامةٍ نجدية ..... ومسحت باللثتين عصف الإثمد
يقول: إن لثاتك تضرب إلى السمرة فكأنك مسحتها بمسحوق الأثمد فقلب معمولي مسح، وقيل في «شربن» إنه ضمن معنى روين.
وقال الزمخشري: في {يشرب بها} المعنى يشرب بها الخمر كما تقول: شربت الماء بالعسل.

الثاني عشر: القسم وهي أصل حروفه ولذلك خصت بدخولها على المضمر نحو: بك لأفعلن، واستعمالها في القسم الاستعطافي نحو: بالله هل قام زيد، أي: أسألك بالله مستحلفًا.

الثالث عشر: الغاية، كقول الله سبحانه: {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن}، أي: أحسن إلي، وقيل: إنه ضمن معنى لطف.

الرابع عشر: التوكيد بزيادتها، كقول الله سبحانه: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدًا}، وقوله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة}، وقوله تعالى: {وما الله بغافلٍ عما تعملون}، وقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلمٍ}، وقول الشاعر:
= سود المحاجر لا يقرأن بالسور =
وقول الشنفري:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ..... بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجلُ
وقول الآخر:
ولكن أجرًا لو فعلت بهين ..... وهل ينكر المعروف في الناس والأجرُ
وقول امرئ القيس:
فإن تنأ عنها حقبةً لا تلاقها ..... فإنك مما أحدثت بالمجرب

الخامس عشر: التشبيه "كالكاف"، قال امرؤ القيس:
فإن تنأ عنها حقبةً لا تلاقها ..... فإنك مما أحدثت بالمجرب
بكسر "الراء" كالمجرب، وقال آخر:
إنني والله فاقبل حلفي ..... بأبيل كلما صلى وصام
معناه: كأبيل وهو الراهب وبمنزلته في الدين والتقوى.

السادس عشر: تكون بمعنى "حيث"، كقوله تعالى: {فلا تحسبنهم بمفازةٍ من العذاب}، أي: "بحيث" يفوزون، وكقول امرئ القيس:
= فإنك مما أحدثت بالمجرب =
على الرواية بفتح "الراء" والمعنى بموضع التجريب).[مصابيح المغاني: 194 - 206]


رد مع اقتباس