الموضوع: لولا
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 03:59 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("لولا"
"لولا": على أربعة أوجه:
أحدها: أن تدخل على جملتين اسمية وفعلية لربط امتناع الثّانية بوجود الأولى، نحو: "لولا" زيد لأكرمتك، أي: "لولا" زيد موجود، فأما قوله عليه الصّلاة والسّلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسّواك عند كل صلاة»، فالتقدير: "لولا" مخافة أن أشق على أمتي لأمرتهم، أي: أمر إيجاب، وإلّا لانعكس معناها، إذ الممتنع المشقّة والموجود الأمر، وليس المرفوع بعد "لولا" فاعلا بفعل محذوف، ولا "بلولا" لنيابتها عنه، ولا بها أصالة خلافًا لزاعمي ذلك، بل رفعه بالابتداء، ثمّ قال أكثرهم يجب كون الخبر كونا مطلقًا محذوفا، فإذا أريد الكون المقيد لم يجز أن تقول: "لولا" زيد قائم، ولا أن تحذفه بل تجعل مصدره هو المبتدأ، فتقول: "لولا" قيام زيد لأتيتك، أو تدخل "أن" على المبتدأ، فتقول: "لولا" أن زيدا قائم، وتصير "أن" وصلتها مبتدأ محذوف الخبر وجوبا، أو مبتدأ لا خبر له، أو فاعلا بثبت محذوفا على الخلاف السّابق في فصل"لو".
وذهب الرماني وابن الشجري والشلوبين وابن مالك إلى أنه يكون كونا مطلقًا كالوجود والحصول فيجب حذفه، وكونا مقيّدا كالقيام والقعود فيجب ذكره إن لم يعلم، نحو: «لولا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة». ويجوز الأمران إن علم.
وزعم ابن الشجري أن من ذكره {ولولا فضل الله عليكم ورحمته}، وهذا غير متعيّن لجواز تعلق الظّرف بالفضل.
ولحن جماعة ممّن أطلق وجوب حذف الخبر المعري في قوله في صفة سيف:
يذيب الرعب منه كل عضب ... فلولا الغمد يمسكه لسالا
وليس بجيد لاحتمال تقدير يمسكه بدل اشتمال على أن الأصل "أن" يمسكه، ثمّ حذفت "أن" وارتفع الفعل، أو تقدير يمسكه جملة معترضة.
وقيل يحتمل أنه حال من الخبر المحذوف، وهذا مردود بنقل الأخفش أنهم لا يذكرون الحال بعدها؛ لأنّه خبر في المعنى وعلى الإبدال والاعتراض والحال عند من قال به يتخرّج أيضا قول تلك المرأة:
فواللّه لولا الله تخشى عواقبه ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
وزعم ابن الطراوة أن جواب "لولا" أبدا هو خبر المبتدأ، ويرده أنه لا رابط بينهما، وإذا ولي "لولا" مضمر فحقه أن يكون ضمير رفع، نحو: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}، وسمع قليلا "لولاي"، و"لولاك"، و"لولاه" خلافًا للمبرد.
ثمّ قال سيبويه والجمهور هي جارة للضمير مختصّة به، كما اختصّت "حتّى" و"الكاف" بالظّاهر، ولا تتعلّق "لولا" بشيء، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء والخبر محذوف.
وقال الأخفش الضّمير مبتدأ و"لولا" غير جارة، ولكنهم أنابوا الضّمير المخفوض عن المرفوع كما عكسوا، إذ قالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا، وقد أسلفنا أن النّيابة إنّما وقعت في الضمائر المنفصلة لشبهها في استقلالها بالأسماء الظّاهرة، فإذا عطف عليه اسم ظاهر نحو "لولاك"، وزيد تعين رفعه؛ لأنّها لا تخفض الظّاهر.

الثّاني: أن تكون للتحضيض والعرض، فتختص بالمضارع أو ما في تأويله، نحو: {لولا تستغفرون الله}، ونحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب}، والفرق بينهما أن التحضيض طلب بحث وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدب.

والثّالث: أن تكون للتوبيخ والتنديم، فتختص بالماضي، نحو: {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء}،{فلولا نصرهم الّذين اتّخذوا من دون الله قربانا آلهة}، ومنه {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا}، إلّا أن الفعل أخر، وقوله:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
إلّا أن الفعل أضمر، أي: "لولا" عددتم، وقول النّحويين "لولا" تعدون مردود، إذ لم يرد أن يحضهم على أن يعدو في المستقبل، بل المراد توبيخهم على ترك عده في الماضي، وإنّما قال تعدون على حكاية الحال، فإن كان مراد النّحويين مثل ذلك فحسن، وقد فصلت من الفعل "بإذ" و"إذا" معمولين له، وبجملة شرطيّة معترضة، فالأول نحو: {ولولا إذ سمعتموه قلتم}، {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا}، والثّاني والثّالث نحو: {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها}،
المعنى: "فهلا" ترجعون الرّوح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا أو بالملائكة، ولكنّكم لا تشاهدون ذلك، و"لولا" الثّانية تكرار للأولى.

الرّابع: الاستفهام، نحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب}،{لولا أنزل عليه ملك}، قاله الهرويّ وأكثرهم لا يذكره، والظّاهر أن الأولى للعرض، وأن الثّانية مثل: {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء}.
وذكر الهرويّ أنّها تكون نافية بمنزلة "لم"، وجعل منه: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلّا قوم يونس}.
والظّاهر أن المعنى على التوبيخ، أي: "فهلا" كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجيء العذاب فنفعها ذلك، وهو تفسير الأخفش والكسائيّ والفراء وعلي بن عيسى والنحاس ويؤيّده قراءة أبي وعبد الله.
"فهلا" ويلزم من هذا المعنى النّفي؛ لأن التوبيخ يقتضي عدم الوقوع، وقد يتوهّم أن الزّمخشريّ قائل بأنّها للنّفي، لقوله والاستثناء منقطع بمعنى لكن، ويجوز كونه متّصلا، والجملة في معنى النّفي، كأنّه قيل ما آمنت، ولعلّه إنّما أراد ما ذكرنا، ولهذا قال والجملة في معنى النّفي، ولم يقل و"لولا" للنّفي، وكذا قال في: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا}، معناه: نفي التضرع ولكنه جيء "بلولا" ليفاد أنهم لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلّا عنادهم، وقسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم الّتي زينها الشّيطان لهم، انتهى.
فإن احتج محتج للهروي بأنّه قرئ بنصب {قوم} على أصل الاستثناء، ورفعه على الإبدال، فالجواب أن الإبدال يقع بعد ما فيه رائحة النّفي.
كقوله:
... عاف تغير إلّا النؤي والوتد
فرفع "لما" كان تغير بمعنى "لم" يبق على حاله، وأدق من هذا قراءة بعضهم {فشربوا منه إلّا قليلا منهم}، "لما" كان شربوا منه في معنى "فلم" يكونوا منه بدليل {فمن شرب منه فليس مني}، ويوضح لك ذلك أن البدل في غير الموجب أرجح من النصب، وقد أجمعت السّبعة على النصب في {إلّا قوم يونس}، فدلّ على أن الكلام موجب، ولكن فيه رائحة غير الإيجاب، كما في قوله:
... عاف تغير إلّا النؤي والوتد
تنبيه
ليس من أقسام "لولا" الواقعة في نحو قوله:
ألا زعمت أسماء أن لا أحبها ... فقلت بلى لولا ينازعني شغلي
لأن هذه كلمتان بمنزلة قولك: "لو" "لم"، والجواب محذوف، أي: "لو" "لم" ينازعني شغلي لزرتك، وقيل بل هي "لولا" الامتناعية، والفعل بعدها على إضمار "أن" على حد قولهم، تسمع بالمعيدي خير من "أن" تراه). [مغني اللبيب: 3 / 443 - 464]


رد مع اقتباس