الموضوع: ليس
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 05:07 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "ليس"
اعلم أن "ليس" ليست محضة في الحرفية ولا محضة في الفعلية، ولذلك وقع الخلافُ فيها بين سيبويه وأبي علي الفارسي فزعم سيبويه أنها فعل، وزعم أبو علي أنها حرف.
والموجب للخلاف بينهما فيها النظرُ إلى حدها، فتكونُ حرفًا إذ هي لفظٌ يدل على معنى في غيره لا غير، كـ «"من" و"إلى" و"لا" و"ما"» وشبهها، أو النظر إلى اتصالها "بتاء" التأنيث والضمير المرفوع والاستتار والرفع والنصب، فتقول:
"ليست" هندُ قائمة، والزيدون "ليسوا" قائمين، وزيدٌ "ليس" قائمًا، كما تقول: كانت هند قائمة، والزيدون "ليسوا" قائمين، وكان زيدٌ قائمًا، وهذه خواص الأفعال لا الحروف، فتكون فعلًا، وكل واحدٍ منهما إذا وقف على نظر الآخر تحصلت الموافقة بينهما، وانتفى الخلاف بينهما، إذ لا تصح المنازعة فيه، فالخلاف إذًا إنما هو من حيث الإطلاق لاختلاف النظرين: هل في الأصل أو هل في المعاملة؟
فالذي ينبغي أن يُقال فيها إذا وُجدت بغير خاصةٍ من خواص الأفعال، وذلك إذا دخلت على الجمل الفعلية: إنها حرفٌ لا غير، كـ
"ما" النافية كقول الشاعر:
تُهدي كتائب خُضرا ليس يعصمها ..... إلا ابتدارٌ إلى موتٍ بإلجام
فهذا لا منازعة في الحرفية في "ليس" فيه، إذ لا خاصية من خواص الأفعال فيها.
وإذا وجدت بشيءٍ من خواص الأفعال التي ذكرناها قبل قيل: إنها فعلٌ لوجود خواص الأفعال فيها، وهذا أيضًا لا تنازع فيه، ألا ترى أن أبا علي قد ذكر في كتاب «الإيضاح» وغيره أن
"ما" النافية إنما عملت بشبهها "لليس"، فجعل "ليس" أصلًا في العمل و"ما" فرعًا، وليس ذلك إلا لتغليبه عليها حكم الفعلية وتسميتها فعلًا، ولو كانت حرفًا عنده لم تكن أصلًا في العمل حتى يُشبه بها "ما"، بل كانا يكونان أصلين في ذلك فاعلمه.
فإن قيل: هلا جعلت
"ليس" في البيت [المذكور] فعلًا على حكمها إذا دخلت على المبتدأ أو الخبر، فرفعت ونصبت، فتكون شأنية، يُضمر فيها اسمها أمرًا أو شأنًا كما قال الآخر:
.... .... .... .... ..... وليس منها شفاء الداء مبذول
كأنه قال: "ليس" الأمر يعصمها، فتكون الجملة خبرًا مفسرةً لذلك الضمير، كما فسرته في قوله: شفاءُ الداء مبذولُ.
فالجواب: أن هذا لا يصح من قبل أن الجملة إذا كانت مفسرة لذلك الضمير فلابد أن تكون موافقةً له في إيجابه أو نفيه، هو في البيت منفي، فينبغي أن تكون الجملة منفية بحسبه، ولما دخلت
"إلا" في الجملة المفسرة كانت تناقض الضمير لأنه لا يُقال: يقوم "إلا" زيدٌ، حتى يتقدم النفي الفعل، ولذلك منع المحققون من النحويين أن يكون «هُو» في قوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} ضمير شأنٍ لأن "الباء" دخلت في الجملة المفسرة دون نفي تسلط عليها، إذ النفي إنما تسلط على الشأن، فلا وجه لدخول "الباء" في خبر المبتدأ، لأن المعنى والتقدير كان يكون: وما الشأن تعميره بمزحزحه من العذاب، فلا فرق بين "الباء" وإلا في هذه المسألة، فلا مدخل للشأن في البيت وإنما "ليس" لمجرد النفي خاصة كـ "ما" و"لا".
وعلى ذلك ينبغي أن يحمل قولهم: «
"ليس" الطيب "إلا" المسك» أي: "ما" الطيبُ "إلا" المسك، للعلة المذكورة بخلاف: «"ليس" خلق الله مثله» فإن الشأن يصح إضماره هنا، ولا مانع منه، فافهم هذه المسألة فإن فيها تدقيق نظر، وقد أشار إليها سيبويه في باب "ما"، وبالله التوفيق). [رصف المباني:300 - 303]


رد مع اقتباس