الموضوع: مَا
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 08:36 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب: أقسام "ما"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: أقسام "ما"
اعلم أن "ما" على اثني عشر وجهًا:
تكون جزاء: كقولك: «
"ما" تصنع أصنع مثله»، قال الله عز وجل: {وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله}، و"ما" ها هنا في موضع نصب بوقوع الفعل عليها.
وتكون استفهامًا: كقولك: «
"ما" اسمك؟» و«"ما" عندك» و«"ما" فعل زيدٌ؟» ومعنى "ما" هنا: أي شيء، ومنه قوله تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى}، {فما أصبرهم على النار}، {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم}، و"ما" في قولك: «"ما" اسمك؟» في موضع رفع بالابتداء، وفي قولك: «"ما" فعل زيد؟» في موضع نصب بوقوع الفعل عليها، فإن قلت: «"ما" جاء بك؟» فـ "ما" في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبرها، وفي «جاء» ضمير يعود إلى "ما" وهو فاعل «جاء» لأن «جاء» فعل، و«بك» في موضع نصب لأنه مفعول به.
وتكون خبرًا: بمعنى
"الذي" وتلزمها الصلة كما تلزم "الذي"، كقولك: «"ما" أكلت الخبز»، «و"ما" شربت الماء»، «و"ما" تقول أقول»، والمعنى "الذي" أكلت الخبز، و"الذي" شربت الماء، و"الذي" تقول أقول: وهي ها هنا في موضع رفع بالابتداء، و«أكلت»: صلتها و«الخبز»: خبر الابتداء، و«أكلت»: واقع على "هاء" مضمرة يريد الذي أكلته، ومنه قوله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحرٍ}، و{إنما توعدون لآت} المعنى: إن "الذي" صنعوه .. وإن "الذي" توعدونه ... وأما قوله عز وجل: {قال موسى ما جئتم به السحر} فإنه يقرأ على الاستفهام وعلى الخبر، فمن قرأ على الاستفهام فـ "ما" استفهام بمعنى "أي"، كأنه قال: "أي" شيء جئتم به السحر هو، و"ما" في موضع رفع بالابتداء، والسحر خبر الابتداء، ومن قرأه على الخبر فـ "ما" بمعنى "الذي"، كأنه قال: "الذي" جئتم به السحر، و"ما" في موضع رفع بالابتداء، وجئتم صلتها، والعائد عليها "الهاء" في "به" والسحر خبر الابتداء.
وأما قوله عز وجل: {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة}، فإن
"ما" بمعنى "الذي"، أي: "كالذي" هو لهم آلهة، ذكر ذلك الأخفش سعيد في كتاب «المسائل» وأنشد:
وجدنا الحمر من شر المطايا ..... كما الحبطات شر بني تميم
وقال: معناه كالذين هم الحبطات شر بني تميم، قال: وإن شئت جعلت "ما" زائدة، فجررت «الحبطات» "بالكاف" كما قال الأعشى:
كما راشدٍ تخذن امرأً ..... تبين ثم ارعوى أو ندم
فجر «راشدًا».
والموضع الرابع: تكون
"ما" تعجبًا، كقولك: «"ما" أحسن زيدًا، و"ما" أكرم عمرًا» ومنه قوله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره}، و"ما" ها هنا في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبرها.
وتكون جحدًا: كقولك: «
"ما" أكلت الخبز» و«"ما" خرج زيدٌ»، و«"ما" عمرو قائمًا» ومنه قوله تعالى: {ما هذا بشرًا} ولا موضع لها ها هنا لأنها حرف جحد.
وتكون صلة: كقولك: «متى
"ما" تأتني آتك»، و«غضبت من غير "ما" جرمٍ»، و«سمعت كلامًا "ما"»، و«جئت لأمرٍ "ما"»، ومنه قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم}، {فبما رحمةٍ من الله لنت لهم}، المعنى: فبنقضهم ميثاقهم وبرحمة، و"ما" صلة، وكذلك قوله تعالى: (مما خطاياهم)، و{أيًّا ما تدعوا}، {أيما الأجلين قضيت}، {جندٌ ما هنالك}، {قليلًا ما تؤمنون}، {وقليلٌ ما هم}، {عما قليلٍ ليصبحن نادمين}، {فإما تخافن من قومٍ خيانةً}، {ومن قبل ما فرطتم في يوسف}، {أن يضرب مثلًا ما بعوضة}، "ما" صلة في ذلك، والمعنى: "من" خطاياهم، و"أيَّا" تدعوا، و"أي" الأجلين قضيت، وقليلٌ هم، و"إن" تخافن من قومٍ خيانة، ويسمى بعض النحويين "ما" الصلة زائدة ولغوًا، وبعضهم يسميها توكيدًا للكلام، ولا يسميها صلة ولا زائدة، لئلا يظن ظان أنها دخلت لغير معنى البتة، وإنما يُعرف أن الحرف صلة زائدة في الكلام بأن حذفه لا يخل بالمعنى، وقال عنترة:
يا شاة ما قنصٍ لمن حلت له ..... حرمت علي، وليتها لم تحرم
أراد: يا شاة قنص، و"ما" صلة، وقال النابغة:
إلا الأواري لأيا ما أبينها ..... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
أراد لأيا أبينها، أي: بطئًا، و"ما" صلة، وقال آخر:
فإن لما كل أمرٍ قرارًا ..... فيومًا مقيمًا ويومًا فرارًا
أراد: فإن لكل أمر قرارًا، و"ما" صلة، ونصب «مقيسًا» و«فرارًا» أراد: يكن مقيمًا ويومًا يفر فرارًا، وقال الأعشى:
إما ترينا حفاة لا نعال لنا ..... إنا كذلك ما نحفى وننتعل
أراد: إن ترينا حفاة فإنا كذلك نحفي، و"ما" في الموضعين صلة.
وقال أمية بن أبي الصلت وذكر سنة جدب:
سلعٌ ما ومثله عثر ما ..... عائل ما وعالت البيقورا
الماءات كلها زوائد.
وذكر ابن قتيبة في كتاب معاني الشعر: أن الأصمعي ذكر عن عيسى بن عمر أنه قال: ما أدري ما معنى هذا البيت، ولا رأيت أحدًا يحسنه، وقال غيره: كانوا في سنة الجدب يجمعون ما يقدرون عليه من البقر، ثم يعقدون في أذنابها وبين عراقيبها السلع والعثر، ثم يعلون بها في جبل وعر ويشعلون فيها النار، ويضجون بالدعاء والتضرع، وكانوا يرون ذلك من أسباب السقيا، و«البيقور»: البقر، و«العائل» الفقير، و«عالت البيقورا» يعني سنة الجدب أثقلت البقر بما حُملت من هذا الشجر، يقال: «عالني الأمر» أي: أثقلني.
وأما قولهم:
"إما" "لا" ممالة فمعناه: "إن" "لا"، و"ما" صلة، وجعلت مع "لا" كلمة واحدة، فأميلت، ولو انفردت "لا" لم يجز فيها الإمالة، و"إما" لا تكون إلا على جواب كلام، كأن قائلًا قال: "لا" أفعل هذا، فقال الآخر: افعل هذا إمالا ممالة، يريد: "إلا" تفعل هذا فافعل هذا.
واعلم أن
"ما" إذا كانت صلة لم تمنع ما قبلها من العمل فيما بعدها كقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم}، {فبما رحمةٍ من الله لنت لهم}، خفض ما بعدها "بالباء" الزائدة، لأن "ما" صلة ملغاة.
ومنه قول الشاعر: هو عدي بن الرعلاء.
ربما ضربةٍ بسيفٍ صقيلٍ ..... دون بصرى وطعنةٍ نجلاء
خفض الضربة "برب" لأن "ما" صلة، وكذلك "ما" أشبهه.
والوجه السابع: تكون
"ما" نكرة بمعنى "شيء"، ويلزمها النعت كقولك: «رأيت "ما" معجبًا لك» أي: "شيئاً" معجبًا لك، ومنه قول الشاعر هو أمية بن أبي الصلت:
ربما تجزع النفوس من الأمــــ ..... ــــر له فرجة كحل العقال
معناه: "رب" شيء تجزع النفوس، ويروى تكره، وكذلك "ما" في قولهم: «نعم "ما" صنعت» و«بئس "ما" صنعت» بمعنى"شيء"، وتقول: «أكلت "ما" طيبًا» تريد "شيئاً"، وإن شئت قلت «أكلت "ما" طيبٌ» بالرفع، على أن تجعل "ما" بمعنى "الذي" وترفع «طيبًا» بإضمار المبتدأ، تريد: "الذي" هو طيب، ومنه قراءة من قرأ: {أن يضرب مثلًا ما بعوضة}، بالرفع أراد: "ما" هو بعوضة، أي: "الذي" هو بعوضة، جعل "ما" بمعنى "الذي"، ومن نصب جعل "ما" زائدة ونصب «بعوضة» بوقوع الفعل عليها.
والوجه الثامن: تكون
"ما" مع الفعل بتأويل المصدر كقولك: «بلغني "ما" صنع زيدٌ» أي: بلغني صنيع زيدٍ، و«أتاني بعد "ما" قال ذاك»، أي: بعد قوله ذاك «وائتني بعد "ما" تفرغ» أي: بعد فراغك، ومنه قوله تعالى: {سنكتب ما قالوا}، أي: قولهم، وقال: {حافظات للغيب بما حفظ الله}، أي: بحفظ الله، وقال: {والسماء وما بناها}، أي: وبنائها، وقال: {فاصدع بما تؤمر}، أي: فاصدع بالأمر، وقال: {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون}، المعنى: كنسيانهم لقاء يومهم هذا، وكونهم بآياتنا جاحدين، ومنه قول الشاعر:
أطوف بها لا أرى غيرها ..... كما طاف بالبيعة الراهب
خفض «الراهب» على أنه جعل "ما" من الفعل بتأويل المصدر، أراد: كطواف الراهب بالبيعة، وقال بعضهم خفض «الراهب» على الجوار.
وقال آخر: هو أبو حية النميري.
يا رب ركبٍ أناخوا بعد ما نصبوا ..... من الكلال وما حلوا وما رحلوا
الماءات فيه مع الفعل بمعنى المصدر، أراد بعد نصبهم من الكلال ومن حلولهم ومن رحيلهم.
وقال عبد بني الحسحاس في مثله:
ألكني إليها عمرك الله يا فتى ..... بآية ما جاءت إلينا تهاديا
أراد: بآية مجيئها، وأما قوله عز وجل: {قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي}، فقال الكسائي: معناه بمغفرة ربي، جعل "ما" مع الفعل بتأويل المصدر، وقال أهل التفسير: معناه: "بأي" شيء غفر لي ربي، يجعون "ما" استفهامًا، وحجة الكسائي أن "ما" هنا لو كانت استفهامًا لحذفت "الألف" لاتصالها بحرف المخفض، كما قال تعالى: {عم يتساءلون} و{فبم تبشرون} و{لم تؤذونني} وما أشبه ذلك، وحجة الآخرين أن قوله يعلمون من آلة الاستفهام، كما قال تعالى: {ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى}، وإثبات "الألف" في "ما" بمعنى الاستفهام من اتصالها بحرف الخفض لغة.
قال حسان:
على ما قام يشتمنا لئيم ..... كخنزير تمرغ في رماد
معناه: على "أي" شيء قام، وقال آخر:
إنا قتلنا بقتلانا سراتكم ..... أهل اللواء ففيما يكثر القيل
وأما قول الشاعر:
ألف الصفون فلا يزال كأنه ..... مما يقوم على الثلاث كسيرا
فإن "ما" ها هنا بمعنى "الذي" أراد: كأنه من الخيل التي تقوم على الثلاث كسيرا، فنصب «كسيرا» على الحال، وإنما لم تدخل "الهاء" في «كسير» وهو نعت لمؤنث، لأنه «فعيل» في معنى «مفعول» و«فعيل» في معنى «مفعول» لا تدخل "الهاء" في مؤنثه، كقولك: «امرأة قتيل»، وقوله: «فلا يزال كأنه» خبر «لا يزال» و«كأن» مضمران، تقديره فلا يزال صافنًا كأنه فرسٌ من الخيل التي تقوم على الثلاث كسيرًا، وفي «تقوم» ضمير يعود إلى "ما".
وإنا يعرف أن
"ما" مع الفعل بمعنى المصدر أو بمعنى "الذي" أنها إذا كانت بمعنى المصدر لم تحتج إلى عائد يعود عليها من صلتها، وإنما هي بمنزلة "أن" مع الفعل، في قولك: «بلغني "أن" أخرج زيد» ونحوه، لأنها لا تحتاج إلى عائد يعود عليها من صلتها لأنها مع الفعل بتأويل المصدر، وإذا كانت "ما" بمعنى "الذي" لم يكن بد من عائد يعود عليها من صلتها، وذلك: إذا قلت: «بلغني "ما" صنعت» تريد: "الذي" صنعت، فثم "هاء" ساقطة، والتقدير: بلغني "ما" صنعته، وإذا قلت: «بلغني "ما" صنعت» تريد المصدر أي: بلغني صنيعك لم تضمر "هاء"، فإن قلت: «فعلت "ما" فعل زيد» فمعناه "كالذي" فعل زيد، لأن فعلك لا يكون فعل غيرك.
والوجه التاسع: تكون
"ما" كافة للعامل عن عمله، وذلك في «"إنما"، و"كأنما"، و"لعلما"، و"ربما"» وما أشبه ذلك تقول: «"إن" زيدًا قائم»، فتنصب «زيدًا» بـ "أن" وتدخل على الأسماء، ولا تدخل على الأفعال، فإن وصلتها بـ"ما" قلت: «"إنما" زيدٌ قائم»، أبطلت "ما" عمل "إن"، قال الله تعالى: {إنما الله إله واحد}، وتقع على الأفعال، كقولك: «"إنما" يقوم زيد»، قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، فلولا "ما" لم يصلح أن تدخل "إن" على الفعل، وقال الفرزدق:
أعد نظرًا يا عبد قيسٍ لَعَلمَّا ..... أضاءت لك النار الحمار المتقيدا
"ما" ها هنا كافة، كفت "لعل" عن العمل، ولو كانت بمعنى "الذي" لرفع «الحمار المقيد» على خبر "لعل" وقال آخر وهو سويد بن كراع:
تحلل وعالج ذات نفسك واعلمن ..... أبا جعلٍ، لعلما أنت حالم
استأنف «أنت» لما كفت "ما" "لعل" عن العمل، وقال المرار بن منقذ الأسدي:
أعلاقة أم الوليد بعد ما ..... أفنان رأسك كالثغام المخلس
"ما" ها هنا كافة كفت "بعد" عن الخفض فرفع «أفنانًا» بالابتداء، ولولا "ما" لم يجز الابتداء، وقال النابغة الذبياني:
قالت: ألا ليت ما هذا الحمام لنا ..... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
من رفع «الحمام» جعل "ما" كافة للعامل، وهو "ليت"، ومن نصب أعمل "ليت" وجعلت "ما" لغوًا.
واعلم أن
"ما" إذا كانت كافة لم يجز إلغاؤها، لأن إلغاؤها يخل بالمعنى.
وتقول: «
"رب" رجل لقيته» فتخفض النكرة بـ"رب"، ولا تقع على المعرفة ولا على الفعل، فإن أدخلت عليها "ما" كفتها "ما" عن العمل، واستأنفت ما بعدها، وتقع بعدها المعرفة والفعل من أجل "ما"، فتقول: «"ربما" زيدٌ قائم» و«"ربما" قام زيدٌ»، و«"ربما" يقوم» قال الله تعالى: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}، فلولا "ما" لم تقع "رب" مع الفعل، و"ما" ها هنا حرف زيدت مع "رب" كما زيدت مع "إن" ليصلح بعدهما وقوع الأفعال، ولتكفهما عن عملهما، ولولا "ما" لم تدخل "رب" ولا "إن" على الفعل، وكذلك قول أبي حية النميري.
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ..... على رأسه يلقي اللسان من الفم
"ما" حرف زيدت مع "من" ليصلح بعدها وقوع الفعل، لأن "من" لا تدخل على الفعل لأنها من عوامل الأسماء، وكذلك قولهم: «قمت "كما" قمت» و«أفعل "كما" تفعل»، "ما" حرف زيدت مع "الكاف" ليصلح بعدها وقوع الفعل، لأن "الكاف" لا تدخل على الفعل، وكذلك قولهم: «"قلما" يخرج زيد» والأصل فيها "قل" و"ما" زائدة، زيدت ليصلح بعدها وقوع الفعل، لأن "قل" فعل، والفعل لا يليه فعل، لأن الفعل لا يعمل في الفعل، وإنما حق الاسم أن يقع بعدها، فإذا أرادوا أن يقع بعدها الفعل أدخلوا "ما" فقالوا: «"قل" "ما" يخرج زيد»، و«"قل" "ما" يكون كذا وكذا»، وأما قول الشاعر وهو المرار الأسدي:
صددت فأطولت الصدود وقلما ..... وصال على طول الصدود يدوم
ففيه أربعة أقوال للنحويين:
قال سيبويه:
"ما" في "قلما" في موضع فاعل، و«وصال» مبتدأ، وما بعده خبره، والمبتدأ والخبر صلة لـ "ما" والتقدير عنده: و"قل" "ما" يدوم وصال، لأنه إنما أراد تقليل الدوام.
وقال المبرد:
"ما" في "قلما" صلة ملغاة، والاسم بعدها مرتفع بـ "قل" كأنه قال: وقل وصال يدوم على طول الصدود.
وقال بعضهم:
"ما" في "قلما" ظرف بمعنى "الحين" و«الوقت» كأنه قال: و"قل" وقت يدوم فيه وصال على طول الصدود.
وقال بعضهم:
"ما" في "قلما" زائدة لتصلح أن يليها الفعل الذي لم يكن ليصلح أن يليها بغير "ما"، وإنما أولى "قلما" الاسم، فقال: «"قلما" وصال» لضرورة الشعر، ووجه الكلام أن يقال: «"قلما" يدوم وصال» فتولى "قلما" الفعل دون الاسم.
وقوله: «فأطولت» جاء به على الأصل، ولو جاء به على الإعلال لقال: «فأطلت».

واعلم أن "ما" في "ربما" على أربعة أوجه:
أحدها: أن تكون كافة زائدة ليصلح بعدها وقوع المعرفة والفعل؛ لأن "رب" تخفض ما بعدها، ولا تدخل في المعرفة ولا على الفعل، لأن حرف الخفض لا يدخل على الفعل، وإذا أرادوا أن يكفوها عن عملها، وتقع بعدها المعرفة والفعل، أدخلوا "ما" ليفصلوا بها بين "رب" والمعرفة، وبين "رب" والفعل، فقالوا: «"ربما" قام زيدٌ»، و«"ربما" زيدٌ قام»، و«"ربما" الرجل قام» و«"ربما" رجل قام» و"ما" هي في هذا الوجه مع "رب" كلمة واحدة بمعنى حرف مهيئ للفعل والمعرفة بعده، ولا يعمل شيئًا، قال الشاعر، فجاء بالفعل بعدها، وهو جذيمة الأبرش:
ربما أوفيت في علمٍ ..... يرفعن ثوبي شمالات
وقال أبو داود فجاء بعدها بالمعرفة:
ربما الجامل المؤبل فيهم ..... وعناجيج بينهن المهار
والوجه الثاني: أن تكون "ما" في "ربما" زائدة ملغاة تخفض ما بعدها بـ "رب" كقولك: «"ربما" رجلٍ أعطيته»، و«"ربما" طعام أكلته»، وقال عدي بن الرعلاء الغساني:
ربما ضربةٍ بسيفٍ صقيلٍ ..... دون بصرى وطعنة نجلاء
خفض ضربة بـ "رب" وجعل "ما" لغوًا.
والوجه الثالث: أن تكون
"ما" في "ربما" اسمًا نكرة بمعنى "شيء" كما قال الشاعر:
ربما تجزع النفوس من الأمـــ ..... ــــر له فرجة كحل العقال
أراد: "رب" شيء تجزع النفوس، وقال الكوفيون: إن "ما" في قوله عز وجل: {ربما يود الذين كفروا}، اسم بمعنى "شيء" تقديره: "رب" "شيء" يوده الذين كفروا، وقال البصريون: "ما" ها هنا حرف زيدت مع "رب" ليصلح بعدها وقوع الفعل والمعرفة.
والوجه الرابع: أن تكون
"ما" في "ربما" اسمًا نكرة بمعنى «إنسان» ويرتفع ما بعدها على إضمار المبتدأ، كما قال أبو داود:
سالكاتٍ سبيل قفرة بدًا ..... ربما ظاعن بها ومقيم
"ما" في "ربما" ها هنا نكرة بمعنى «إنسان» كما قد جاءت "ما" في موضع "من" في أماكن، منه ما حكى أبو زيد: «سبحان ما سخركن لنا»، و«سبحان ما سبح الرعد بحمده» وأشباه ذلك، و«ظاعن» رفع بإضمار «هو» تقديره: "رب" إنسان هو ظاعن بقلبه إلى أحبته الذين ظعنوا عن هذه البلدة، ومقيم بجسمه فيها، و«البد»: جمع البداء، وهي العظيمة الخلق.
والوجه العاشر: أن تكون
"ما" اسمًا بمعنى "الحين" كقوله عز وجل: {كلما خبت زدناهم سعيرًا}، و{كلما نضجت جلودهم}، و{كلما أضاء لهم مشوا فيه}، وتقول: «انتظرني "ما" جلس القاضي»، تريد: انتظرني "حين" جلوس القاضي، ووقت جلوسه، وقد يجوز أن تدخل "إن" المكسورة الخفيفة بعد "ما" ها هنا فتقول: «انتظرني "ما" "إن" جلس القاضي»، قال الشاعر:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته ..... عن السن خيرًا لا يزال يزيد
أراد: "حين" رأيته، وقوله: «عن السن» أراد: عن السن، كما تقول: فلان يزداد خيرًا على السن والكبر، فاستعمل "عن" في موضع "على" كما قال كعب الغنوي:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبٍ ..... عني ولا أنت دياني فتخزوني
يريد لم تفضل في الحسب علي، وقال آخر في "ما" بمعنى "حين":
منا الذي هو ما إن طر شاربه ..... والعانسون ومنا المرد والشيب
قال ابن السكيت: يريد "حين" طر شاربه، والعانسون جمع عانس، يقال: رجل عانس إذا أخر التزويج بعد ما أدرك.
والوجه الحادي عشر: تكون
"ما" مسلطة للعامل على الجزاء كقولك: «إذ "ما" تخرج أخرج» و«كيف "ما" تصنع أصنع»، و«"حيثما" تكن أكن» سلطت "ما" "إذ" و"كيف" و"حيث" على الجزاء، ولولا "ما" لم يجز أن يجازى بـ «"إذ" و"كيف" و"حيث"».
وقال الشاعر، وهو عبد الله بن همام السلولي:
إذ ما تريني اليوم مزجًى مطيتي ..... أصعد سيرًا في البلاد وأفرع
فإني من قومٍ سواكم وإنما ..... رجالي فهم بالحجاز وأشجع
فجزم «تريني» بـ "إذما" و"إذ" مع "ما" إذا جوزي بها حرف، وليست باسم، وهما جميعًا حرف واحد للمجازاة، وليست "ما" زائدة فيها كزيادتها في سائر حروف الجزاء.
والوجه الثاني عشر: تكون
"ما" مغيرة للحرف عن حاله كقولك في «"لو": "لوما"» غيرتها إلى معنى "هلا" قال الله عز وجل: {لوما تأتينا بالملائكة}، معناه: "هلا".
واعلم أن
"ما" إذا كانت جحدًا أو صلة أو كافة أو مسلطة أو مغيرة فهي حرف، وهي فيما سوى ذلك اسم). [الأزهية: 75 - 99]


رد مع اقتباس