عرض مشاركة واحدة
  #116  
قديم 1 صفر 1439هـ/21-10-2017م, 11:10 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الحكمة من تعدية فعل الهداية بنفسه في هذه الآية
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الحكمة من تعدية فعل الهداية بنفسه في هذه الآية
تعدية فعل الهداية في القرآن له أنواع:

- فيأتي معدّى بإلى كما في قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقوله: {وهديناهم إلى صراط مستقيم} وقوله: {واهدنا إلى سواء الصراط}.
- ويأتي معدّى باللام كما في قوله تعالى: {قل الله يهدي للحقّ} وقوله: {وقالوا الحمد الله الذي هدانا لهذا}، وقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}
- ويأتي معدّى بنفسه كما في هذه الآية {اهدنا الصراط المستقيم} وقوله: {وهديناهما الصراط المستقيم}.
وقد اختلف العلماء في دلائل هذا التنويع في تعدية الفعل، وهذه المسألة من دقائق مسائل التفسير البياني، وكثير من العلماء يتجوّزون في التعبير عن الجواب؛ لأنَّ غاية المفسّر تقريب المعنى، وهذا يتأدّى بأيّ عبارة مقاربة تحصل بها الإفادة.
والقاعدة في مثل هذه المسائل مراعاة معاني الحروف، وما يحتمله السياقُ من المعاني المضمَّنة بالتعدية، وما يناسب مقاصد الآيات، وهذا يختلف من موضع لآخر.
ففي قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم} تضمّن فعل الهداية معنى الدعوة أي تهديهم وتدعوهم إلى صراط مستقيم؛ ففيه بيان أنّك على الهداية وأنّك مع اهتدائك تدعوهم إلى صراط مستقيم دعوة حقّ أنت مهتدٍ فيها؛ فكان لتعدية فعل الهدى بإلى في هذا الموضع أربع فوائد ظاهرة:
الأولى: الحكم بأنّك على الهدى.
والثانية: الحكم بأنّ دعوتك دعوة هداية.
والثالثة: الإفادة بأنك تدعوهم إلى صراط مستقيم لا إلى غيره.
والرابعة: اختصار اللفظ وحسن سبكه.
وأما في قوله تعالى عن أنبيائه صلى الله عليهم وسلم، { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} فيضمّن الفعل ما يناسب السياق من معنى الإيصال والأخذ بأيديهم إلى ما تقرّ به أعينهم من المراتب العالية في الهداية.
فليس كلّ تعدية بحرف يكون المعنى جامداً عليها؛ إذ لا بدّ من مراعاة السياق.
وأما تعدية فعل الهداية باللام فهو لتحقيق ثمرة الهداية وبيان اختصاصها بالمهتدي، فقوله تعالى عن أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}
فالمشار إليه ما هم فيه من النعيم الذي هو من ثمرات هدايتهم.
وقوله: {قل الله يهدي للحق} أي يهدي من استهداه حتى يكون على الحقّ، ولو قال: يهدي إلى الحق، لكان المعنى محتمل الاختصاص بهداية الدلالة والبيان، لكن المراد هنا تحقيق ثمرة الهداية وأن الله {يهدي للحق} أي يهيّئ لعبده ما يتحقّق به أنّه على الهدى.
وأنت إذا عرض لك عارضٌ ثمَّ اتّبعت هدى الله فحصلت لك الطمأنينة وفرّج الله عنك كربك ووجدت ثمرة اتّباعك للهدى من السكينة والطمأنينة وانشراح الصدر قلتَ: الحمد لله الذي هداني لهذا، أي هيأ لي هذا الذي أنعم به، واختصّني به.
وكذلك قول الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} أي يتحقّق لمن اتّبع هداه أقوم الأمور في كلّ شيء من شؤونه؛ وهذه الثمرة تتفاضل بتفاضل اتّباع الهدى؛ فمن كان أحسن اتّباعاً لهدى القرآن كان نصيبه من ثمرة الهداية أعظم.
وأمَّا قوله تعالى هنا : {اهدنا الصراط المستقيم} فهو معنى جامع لكل ما تقدّم من البيان والدلالة والإلهام والتوفيق والتهيئة.
قال ابن القيّم رحمه الله: (فالقائل إذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هو طالبٌ من الله أن يُعرِّفَه إيَّاه ويبّينه له ويلهمه إياه ويقدره عليه؛ فيجعل في قلبه علمَه وإرادتَه والقدرةَ عليه؛ فجَرَّدَ الفعلَ من الحرف، وأتى به مجرَّدا معدىً بنفسه ليتضمَّن هذه المراتب كلَّها، ولو عُدِّيَ بحرفٍ تعيَّن معناه وتخصَّص بحسب معنى الحرف؛ فتأمَّله فإنه من دقائق اللغة وأسرارها)ا.هـ). [تفسير سورة الفاتحة:212 - 215]

رد مع اقتباس