الموضوع: حتى
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 20 ذو الحجة 1438هـ/11-09-2017م, 04:31 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "حتى"
اعلم أن "حتى" معناها الغاية في جميع الكلام، إلا أنها تكون تارة حرفًا جارًا للأسماء، وتارة ينتصبُ بعدها الفعلُ المضارعُ، وتارة عاطفة تشرك بين الأول والثاني في اللفظ والمعنى كـ "ثم" المتقدمة الذكر، وتارة تقع بعدها الجمل الاسمية والفعلية فلا تعمل فيها فترجع إلى باب العطف وإلى باب حروف الابتداء، وإذا حُققت هذه المواضع واعتبرت رجعت "حتى" فيها إلى ثلاثة أقسام: قسمٌ تكونُ حرف ابتداء، وقسمٌ تكونُ حرف عطفٍ وقسم تكون حرف جر، ولكل قسم من هذه الأقسام حكمٌ لابد من بيانه.
القسم الأول: التي هي حرف ابتداء تليها الجملة الاسمية والفعلية من غير عمل، نحو: قام القوم
"حتى" يخرجُ عمرو بالرفع، وقام القوم "حتى" عمرو خارجٌ، قال الله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} على قراءة من رفع {يَقُولُ الرَّسُولُ}، وقال الشاعر:
فيا عجبا حتى كليب تسبني ..... كأن أباها نهشلُ أو مجاشع
وقال آخر:
.... .... .... .... ..... حتى كلنا غير لابس
وقال آخر:
.... .... .... .... ..... وحتى الجيادُ ما يقدن بأرسان

القسم الثاني: التي هي حرف عطف هي التي تشرك بين المفردين والجملتين في الكلام، كقولك: قام القوم "حتى" قام زيدٌ، وبين الاسمين في اللفظ والمعنى، في اللفظ من الرفع والنصب والخفض، وفي المعنى من النفي والإثبات، ويشترط فيها في العطف شرطان:أحدهما: أن يكون الثاني جزءً من الأول أو مناسبًا له كقولك: قام القوم "حتى" زيدٌ، أو أكلت السمكة "حتى" رأسها، وأسرع القوم "حتى" حميرُهم، [الشرط] الثاني أن يكون [الثاني] عظيمًا إن كان الأول حقيرًا، أو حقيرًا إن كان الأول عظيمًا، أو قويًا إن كان الأول ضعيفًا، أو ضعيفًا إن كان الأول قويًا، لأن معناها الغاية نحو قولك: مات الناس "حتى" الأنبياء، ونهض الحاج "حتى" المشاة، وكل الناس "حتى" الركائب، وضعف الناس "حتى" السلطان، وما بعدها في هذا القسم داخلٌ فيما قبلها، قال الشاعر:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ..... والزاد حتى نعله ألقاها
على رواية من نصب «النعل».


القسم الثالث: التي تكون خافضة، تنقسمُ فيه قسمين: قسمٌ تدخل على الأعيان، وقسمٌ تدخل على المصادر.
فالتي تدخل على الأعيان تدخل عليها على معنى "إلى" فهي لانتهاء الغاية مثلها، تخالفها في أن ما بعدها لا يكون إلا داخلًا فيما قبلها اتفاقًا، إن كان الفعلُ متوجهًا عليه نحو: قام القومُ "حتى" زيد، وأكلتُ السمكة "حتى" راسها، فإن لم يتوجه الفعل عليه فلا يدخل فيه، نحو سرتُ "حتى" الليل.
والتي تدخل على المصادر لا يدخُل ما بعدها فيما قبلها نحو: سرتُ
"حتى" غروب الشمس، وقوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، وفي هذا القسم يجوز أن تدخل على الفعل المضارع فتنصبه.
واختلف في نصبه بم هو؟ فقيل: بها بنفسها، وقيل: بإضمار
"أن"، فمن قال إنها تنصبه بنفسها، فلأنه لم ير "أن" في موضعٍ من المواضع بعدها تنصبُ الفعل فجعل الحكم لها، وإنما رآها تلي الفعل وينتصب بعدها فجل الحكم في النصب لها، ومن قال: إنها تنصبُ بإضمار "أن" راعى شيئين: أحدهما أن "أن" والفعل في موضع المصدر، فإذا قلت: سار القوم "حتى" يدخلوا المدينة، فالمعنى: "حتى" دخول المدينة فردها إلى القسم الداخلة على المصادر الخافضة، والثاني: أنهم وجدوا "حتى" خافضةً ولا يخفض إلا ما يختص بالاسم فلما دخلت على الفعل علموا أنه لابد من تقدير "أن" لتصيره إلى المصدر المخفوض الذي اختصت به فخفضته، ولا تضربُ فتكون مختصة غير مختصةٍ وهذا تناقضٌ، وهذا بينٌ صحيحٌ لا مدفع فيه.
واعلم أن
"حتى" إذا دخلت على الفعل المضارع لا يلزم النصبُ فيه بل يجوز أن ينتصب تارةً بإضمار "حتى" ويجوز أن يبقى مرتفعًا، والمواضع للرفع والنصب تختلف بسبب اختلاف أحوالها، فلابد من ضبطٍ لها وحصر، حتى يعلم ما يلزم فيه النصبُ وما يلزم فيه الرفعُ، وما يجوزان فيه على السواء، والأولى بأحدهما، إن شاء الله فتقول:
لا يخلو
"حتى" وما بعدها من الفعل من أن يقعا خبرًا لذي خبرٍ، أو لا يقعا.
فإن وقعا نصبت الفعل لا غير لأن
"حتى" فيه بمعنى "إلى أن" أو "كي" نحو قولك: «كان سيري "حتى" أدخل المدينة»؛ لأن المعنى: "إلى أن" أدخل المدينة، أو"كي" أدخل المدينة، وإن لم يقعا خبرًا فلا يخلو أن يكون ما قبل "حتى" سببًا لما بعدها أو لا يكون، فإن كان فلا يخلو أن توجبه أو تنفيه، فإن أوجبته فلا يخلو أن تكثره أو تقلله أو لا تكثر ولا تقلل.
فإن كثرته كان الرفعُ في الفعل الذي بعدها أقوى من النصب نحو: كثر ما سرت
"حتى" أدخل المدينة.
وإن قلَّلته كان النصبُ أقوى من الرفع نحو: قلَّما سرتُ
"حتى" أدخل المدينة، وإن لم تقلل ولم تكثر، فلا يخلو أن تريد بالفعل بعدها الماضي أو الحال أو لا تريدُ.
فإذا أردت فالرفع نحو: سرت
"حتى" أدخل المدينة، بمعنى دخلتها أو أدخلها الآن، ومن كلامهم: «مرض "حتى" لا يرجونه»، أي: "حتى" هو الآن لا يُرجى.
وإن لم تُرد واحدًا منهما نصب، وكانت بمعنى "إلى أن" "أو" "كي" نحو: «سرت
"حتى" أدخلها غدًا»، بمعنى "إلى أن" أدخل "أو" "كي".
فإن نفيت السبب قبلها فلا يخلو أن تقدر أن النفي دخل بعد [دخول]
"حتى" أو لا تقدر، فإن قدرت فالأمر على ما كان عليه قبله من [جواز] النصب على معنى "إلى أن" أو "كي" والرفع على أن تريد الحال أو الماضي كما تقدم.
وإن قدرت أن
"حتى" دخلت في الكلام بعد [دخول] النفي لم يجز فيما بعدها إلا النصب على معنى "إلى أن" أو "كي" [نحو: ما سرت "حتى" أدخل المدينة} على التقدير الثاني والرفع على التقدير الأول.
وإن لم يكن ما قبلها سببًا لما بعدها لم يجز في الفعل الواقع بعدها إلا أن يكون منصوبًا على معنى
"إلى أن"، لأنه لا يصح أن يكون إلا مستقبلًا نحو «سرتُ "حتى" يخطب الخطيب»، المعنى: "إلى أن" يخطب.
فهذا حصرُ هذا الموضع، ويرجع الكلام فيه إلى أن تعلم أن كل موضعٍ صلحت [فيه] بمعنى
"إلى أن" أو "كي" انتصب ما بعدها وإن لم تصلح فالرفع، وقد يكون الرفع لازمًا في بعض المواضع، وقد يكون النصب لازمًا في بعضها، وقد يجوز الأمران على السواء، وقد يغلبُ الرفع ويغلب النصب على حسب التفصيل.
واعلم أن
"حتى" التي تكون خافضة لا تخفض إلا الظواهر كما ذكر، ولا تخفض المضمر إلا في الضرورة كقوله:
فلا والله لا يلقى أُناسٌ ..... فتًى حتاك يابن أبي زيد).
[رصف المباني: 180 - 185]


رد مع اقتباس