الموضوع: حتى
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 20 ذو الحجة 1438هـ/11-09-2017م, 05:18 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب ما أوله "الحاء"
فصل: "حتى"

قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب ما أوله "الحاء"
فصل: "حتى" لها ثمان معان وثلاثة استعمالات، أما المعاني: فتكون للغاية وهو الأغلب عليها، وتكون للتعليل، وتكون للاستثناء وهو أقلها، وقل من ذكره، وأما الاستعمالات:
فالأول منها: أن تكون حرف جر بمنزلة "إلى"، وهذه تدخل على الأسماء فتختص بمعنى الغاية "كإلى"، إلا أن ما بعدها يدخل فيما قبلها على الأصح بخلاف "إلى"، ومن شرطها:
أن يكون المجرور آخر جزء من الشيء أو ما يلاقي آخر جزء من ذلك، كقولك: أكلت السمكة "حتى" رأسها، ونمت البارحة "حتى" الصباح، ولا تقول: "حتى" نصفها أو ثلثها كما تقول: "إلى" نصفها أو ثلثها، وأما قول الشاعر:
عينت ليلة فما زلت حتى .... نصفها راجيًا فعدت يؤوسا
فليس محل الاشتراط إذ لم يقل: فما زلت في تلك الليلة "حتى" نصفها وإن كان المعنى على هذا لكنه لم يصرح به.
وتدخل على الأفعال المستقبلة فتنصبها بإضمار "أن" نحو: سرت "حتى" أدخل المدينة، ويكون الفعل و"أن" في تأويل المصدر مخفوض "بحتى".
وإذا دخلت على الأفعال المستقبلة جاءت للثلاثة المعاني.
فالغاية كقول الله سبحانه وتعالى: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}.
والتعليل كقوله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} أو قوله تعالى: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا}.
وقوله سبحانه: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} يحتمل الغاية والتعليل.
والاستثناء كقول الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحة .... حتى تجود وما لديك قليل
وكقول الآخر:
والله لا يذهب شيخي باطلًا .... حتى أبير مالكًا وكاهلًا
لأن ما بعدها ليس غاية لما قبلها ولا مسببًا عنه، وجعل بعضهم من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه» إذ زمن الميلاد لا يتطاول فتكون "حتى" فيه للغاية ولا كونه يولد على الفطرة علة لليهودية والنصرانية فتكون للتعليل.
قال ابن هشام: ولك أن تخرجه على أن فيه حذفًا، أي: يولد على الفطرة ويستمر على ذلك "حتى" يكون.
الاستعمال الثاني: أن تكون حرف ابتداء، أي: يبتدأ بعدها ومعناها على هذا الاستعمال الغاية، فتدخل على الجملة الاسمية كقول الفرزدق:
فيا عجبًا حتى كليب تسبني .... كأن أباها نهشلٌ أو مجاشع
وقول جرير:
فما زالت القتلى تمج دماءها .... بدجلة حتى ماء دجلة أُشكلُ
وتدخل على الفعلية إذا كان فعلها ماضيًا أو بتأويل الماضي نحو قوله تعالى: {حتى عفوا}، وقوله تعالى: {حتى يقولُ الرسول} على قراءة الرفع ونحو قول الشاعر:
سريت بهم حتى تكل مطيهم .... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
على رواية من رفع «تكل» وتكون قد دخلت في البيت على الجملتين.
ومعناها في هذا الاستعمال: الحال الواقع بالنظر إلى وقت الغاية، ومعناها على الاستعمال الأول: الغاية بالنظر إلى الزمن الماضي الممتد إلى وقت الغاية، ولا تخلوا من هذا المعنى أصلًا، ولهذا وجب نصب الفعل المستقبل بها حيث تخلص للاستقبال كقوله تعالى: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}، ووجب رفعه حيث تخلص للحال كقوله: سرت "حتى" أدخل المدينة إذا قلت ذلك في حال الدخول، وجاز الوجهان فيما احتمل الحال والاستقبال كقوله تعالى: {حتى يقول الرسولُ} فمن نظر إلى الحال رفع ومن نظر إلى الماضي الممتد إلى وقت الغاية، نصب.
الاستعمال الثالث: وهو قليل أن تكون عاطفة، إمَّا "كالواو" أو" كالفاء" نحو: قدم الجيش "حتى" الأتباع، ومعناها في هذا الاستعمال الغاية أيضًا، ومن شرطها أن يكون الثاني من الأول إمَّا بعضًا من جمع نحو: قدم الحجاج "حتى" المشاة، أو جزءً من كل ، نحو: أكلت السمكة "حتى" رأسها، أو كجزء من كل نحو: أعجبتني الجارية "حتى" حديثها.
وإذا كان الثاني غير الأول امتنع العطف، فلا يجوز: كلمت العرب "حتى" العجم؛ لأن "حتى" إنما دخلت لما تتناهي إليه الأشياء من أعلاها أو أسفلها مما يكون منتهي في الغاية، فإذا قلت: ضربت القوم، جاز أن يتوهم السامع أن زيدًا لم يدخل في الضرب، إمَّا لأنه أعلاهم أو لأنه أدونهم.
ومعيارها "إلا" فحيث يصح دخول "إلا" يصح العطف بها، وحيث يمتنع دخول "إلا" يمتنع العطف بها، فكما لا يجوز: كلمت أخاك "إلا" أباك، لا يجوز: ضربت أخاك "حتى" أباك.
وأجاز الفراء: إنه ليقاتل الرجالة "حتى" الفرسان، وإن كلبي ليصيد الأرانب "حتى" الظباء، خفضًا ونصبًا، قال: لأن الظباء وإن كانت مخالفة للأرانب فإنها من الصيد وهي أرفع منها.
وقال البصريون: هذا خطأ وفيه بطلان الباب.
ويقرب قول الفراء قول الشاعر:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله .... والزاد حتى نعله ألقاها
فجاز العطف هنا، وإن كان النعل غير الصحيفة والزاد، لكن قوله: ألقى الصحيفة والزاد في معنى: ألقى ما يثقله والنعل يثقله، فجاز عطفها، وهذا مذهب البصريين.
وأما الكوفيون فلا يجعلون "حتى" حرف عطف، وإنما يرفعون ما بعدها وينصبونه ويجرونه بإضمار عامل ويجعلون "حتى" ابتدائية). [مصابيح المغاني: 232 - 237]


رد مع اقتباس