عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 03:19 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم حكى الله تعالى مقالة رجل مؤمن من آل فرعون، وشرفه بالذكر، وخلد ثناءه في الأمم، سمعت أبي رحمه الله تعالى يقول: سمعت أبا الفضل الجوهري على المنبر يقول - وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم - فأطرق قليلا ثم رفع رأسه وقال:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
ماذا تريدون من قوم قرنهم الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم، وخصهم بمشاهدته وتلقي الوحي منه؟ وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، فجعله الله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه جرد سيفه بمكة وقال: والله لا أعبد الله سرا بعد اليوم؟
وقرأت فرقة: "رجل" بسكون الجيم، كعضد وعضد، وسبع وسبع، وقراءة الجمهور: "رجل" بضم الجيم.
واختلف الناس في هذا الرجل، فقال السدي وغيره: كان من آل فرعون، وكان يكتم إيمانه، فـ"يكتم" - على هذا - في موضع الصفة دون تقديم وتأخير، وقال مقاتل: كان ابن عم فرعون، وقالت فرقة: لم يكن من أهل فرعون بل من بني إسرائيل، وإنما المعنى: وقال رجل يكتم إيمانه من آل فرعون، ففي الكلام تقديم وتأخير. والأول أصح، ولم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتكلم بمثل هذا عند فرعون، ويحتمل أن يكون من غير القبط ويقال فيه: من آل فرعون إذ كان في الظاهر على دين فرعون ومن أتباعه، وهذا كما قال أراكة الثقفي يرثي أخاه ويتعزى برسول الله صلى الله عليه وسلم:
فلا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر
يعني المسلمين إذ كانوا في طاعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقوله تعالى: "أن يقول" مفعول من أجله، أي لأجل أن يقول، وجلح معهم هذا المؤمن في هذه المقالات، ثم غالطهم بعد في أن جعله في احتمال الصدق والكذب، وأراهم أنها نصيحة. وحذفت النون من "يك" تخفيفا على ما قال سيبويه، وتشبيها بالنون في "يفعلون ويفعلان" على مذهب المبرد، وتشبيها بحرف العلة - الياء والواو - على مذهب أبي علي الفارسي، وقال: كأن الجازم دخل على "يكن" وهي مجزومة بعد فأشبهت النون الياء من "يقضي" والواو من "يدعو" لأن خفتها على اللسان سواء.
واختلف المتأولون في قوله: {يصبكم بعض الذي يعدكم} فقال أبو عبيدة وغيره: "بعض" بمعنى "كل"، وأنشدوا قول القطامي عمير بن شييم:
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقال الزجاج: هو إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس فيه نفي إصابة الكل، وقالت فرقة، أراد: يصبكم بعض العذاب الذي يذكر، وذلك كاف في هلاككم، ويظهر لي أن المعنى: يصبكم القسم الواحد مما يعد به، وذلك هو بعض ما يعد; لأنه عليه السلام وعدهم إن آمنوا بالنعيم، وإن كفروا بالعذاب، فإن كان صادقا فالعذاب بعض ما وعد به، وقالت فرقة: أراد ببعض ما يعدكم: عذاب الدنيا، لأنه بعض عذاب الآخرة، أي: وتصيرون بعد ذلك إلى الباقي، وفي البعض كفاية في الإهلاك.
ثم وعظهم هذا المؤمن بقوله: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}، قال السدي: مسرف بالقتل، وقال قتادة: مسرف بالكفر). [المحرر الوجيز: 7/ 436-438]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد * وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد}
قول هذا المؤمن: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} استنزال لهم ووعظ لهم من جهة شهواتهم، وتحذير من زوال ترفهم، ونصيحة لهم في أمر دنياهم، وقوله: {في الأرض} يريد في أرض مصر وما والاها من مملكتهم. ثم قررهم على من هو الناصر لهم من بأس الله تعالى، وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون، ولذلك استكان هو ورجع يقول: ما أريكم إلا ما أرى كما يقول من لا تحكم له. وقوله: {أريكم} من رأى، قد عدي بالهمزة، فللفعل مفعولان: أحدهما الضمير في أريكم، والآخر ما في قوله: {إلا ما أرى}، وكأن الكلام: "أريكم ما أرى"، ثم أدخل في صدر الكلام "ما" النافية وقلب معناها بـ"إلا" الموجبة تخصيصا وتأكيدا للأمر، كما تقول: "قام زيد"، فإذا قلت: "ما قام إلا زيد" أفدت تخصيصه وتأكيد أمره، و"أرى" متعدية إلى مفعول واحد، وهو الضمير الذي فيه، العائد على "ما"، تقديره: إلا ما أراه، وحذف هذا المفعول من الصفة حسن لطول الصلة.
وقرأ الجمهور: "الرشاد" مصدر "رشد"، وفي قراءة معاذ بن جبل رضي الله عنه: [سبيل الرشاد] بشد الشين، قال أبو الفتح: وهو اسم فاعل في بنيته مبالغة، وهو من الفعل الثلاثي "رشد"، فهو كعباد من عبد، وقال النحاس: هو وهم، وتوهمه من الفعل الرباعي. وقوله رحمه الله مردود، قال أبو حاتم: كان معاذ بن جبل يفسرها: سبيل الله، ويبعد عندي هذا على معاذ رضي الله عنه، وهل كان فرعون يدعي إلا أنه إله؟ ويقلق بناء اللفظة على هذا التأويل). [المحرر الوجيز: 7/ 438-439]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في المراد بقوله تعالى: {وقال الذي آمن}، فقال الجمهور: هو المؤمن المذكور أولا، قص الله تبارك وتعالى أقاويله إلى آخر الآيات، وقالت فرقة: بل كلام ذلك المؤمن قديم، وإنما أراد تعالى بالذي آمن موسى عليه السلام، واحتجت هذه الفرقة بقوة كلامه، وأنه جلح معهم بالإيمان، وذكر عذاب الآخرة، وغير ذلك، ولم يكن كلام الأول إلا بملاينة لهم.
وقوله تعالى: {مثل يوم الأحزاب} أي: مثل يوم من أيامهم; لأن عذابهم لم يكن في يوم واحد ولا عصر واحد، و"الأحزاب": المتحزبون على أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام،
و"مثل" الثاني بدل من الأول، و"الدأب": العادة، وقوله: {وما الله يريد ظلما للعباد} أي: من نفسه، أي: يظلمهم هو، فالإرادة هنا على بابها لأن الظلم منه لا يقع البتة، وليس معنى الآية أن الله لا يريد ظلم بعض العباد بعضهم لبعض، والبرهان وقوعه، ومحال أن يقع ما لا يريده الله تعالى). [المحرر الوجيز: 7/ 439]

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {يوم التناد} معناه: ينادي قوم قوما ويناديهم الآخرون.
واختلف المتأولون في التنادي المشار إليه، فقال قتادة: هو نداء أهل الجنة أهل النار: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا الآية. ونداء أهل النار لهم: أفيضوا علينا من الماء الآية، وقالت فرقة: بل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم}، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هو التنادي الذي يكون بالناس عند النفخ في الصور نفخة الفزع في الدنيا، وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي ينالهم، وينادي بعضهم بعضا، وروي هذا التأويل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة، ولها أجوبة بنداء، وهي كثيرة، منها ما ذكرناه، ومنها: يا أهل النار خلود لا موت، يا أهل الجنة خلود لا موت، ومنها نداء أهل الغدرات، والنداء لمقت الله، والنداء لمن الملك اليوم، إلى غير ذلك.
وقرأت فرقة: "التناد" بسكون الدال في الوصل، وهذا على إجرائهم الوصل مجرى الوقف في غير ما موضع، وقرأ نافع وابن كثير: "التنادي" بالياء في الوصل والوقف، وهذا على الأصل، وقرأ الباقون "التناد" بغير ياء فيهما، وروي ذلك عن نافع وابن كثير، وحذفت الياء مع الألف واللام حملا على حذفها مع معاقبها وهو التنوين، وقال سيبويه: حذفت الياء تخفيفا، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك، وأبو صالح، والكلبي: "التناد" بشد الدال، وهذا معنى آخر ليس من النداء، بل هو من ند البعير إذا هرب، وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية، وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثا أن الله تعالى إذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب، فإذا رأى العالم هول القيامة وأخرجت جهنم عنقها إلى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين إلى كل جهة، فتردهم الملائكة إلى المحشر خاسئين لا عاصم لهم، قالت هذه الفرقة: ومصداق هذا الحديث في كتاب الله تعالى قوله سبحانه: {والملك على أرجائها}، وقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا}، وقوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان}.
وقوله تعالى: {يوم تولون مدبرين} معناه على بعض الأقاويل في التنادي: تفرون هروبا من المفزع، وعلى بعضها: تفرون مدبرين إلى النار. والعاصم: المنجي). [المحرر الوجيز: 7/ 439-441]

رد مع اقتباس