عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م, 03:05 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

صفات نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم

صفات
نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم

قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت:256هـ): (حدثنا عبد الله بن يوسف، قال أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشامٍ رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليَّ؛ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا؛ فيكلمني فأعي ما يقول)).
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا). [صحيح البخاري:؟؟]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ):
(قوله: (كيف يأتيك الوحي؟)

يحتمل أن يكون المسئول عنه صفة الوحي نفسه، ويحتمل أن يكون صفة حامله، أو ما هو أعم من ذلك.
وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله...
قوله: (أحيانا) جمع حين يطلق على كثير الوقت وقليله والمراد به هنا مجرد الوقت؛ فكأنه قال: أوقاتا يأتيني، وانتصب على الظرفيه وعامله يأتيني مؤخر عنه.
وللمصنِّف من وجه آخر عن هشام في بدء الخلق قال: كل ذلك يأتي الملك أي كل ذلك حالتان فذكرهما وروى بن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول: (( كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه علي كما يلقى الرجل على الرجل؛ فذاك ينفلت مني، ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا ينفلت مني )).
وهذا مرسل مع ثقة رجاله فإن صح فهو محمول على ما كان قبل نزول قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك} كما سيأتي؛ فإن الملك قد تمثل رجلا في صور كثيرة ولم ينفلت منه ما أتاه به كما في قصة مجيئه في صورة دحية وفي صورة أعرابي وغير ذلك، وكلها في الصحيح.
وأُورِدَ على ما اقتضاه الحديث وهو أن الوحي منحصر في الحالتين حالات أخرى:
- إما من صفة الوحي كمجيئه كدوي النحل والنفث في الروع والالهام والرؤيا الصالحة والتكليم ليلة الإسراء بلا واسطة.
- وإما من صفة حامل الوحي كمجيئه في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح ورؤيته على كرسي بين السماء والأرض وقد سد الأفق.
والجواب: منع الحصر في الحالتين المقدم ذكرهما وحملهما على الغالب، أو حمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد السؤال أو لم يتعرض لصفتي الملك المذكورتين لندورهما؛ فقد ثبت عن عائشة أنه لم يره كذلك إلا مرتين أو لم يأته في تلك الحالة بوحي أو أتاه به فكان على مثل صلصلة الجرس؛ فإنه بين بها صفة الوحي لا صفة حامله، وأما فنون الوحي فدوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس لأن سماع الدوى بالنسبة إلى الحاضرين كما في حديث عمر يسمع عنده كدوي النحل والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشبهه عمر بدوى النحل بالنسبة إلى السامعين، وشبَّهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه.
وأما النفث في الرُّوع فيحتمل أن يرجع إلى إحدى الحالتين؛ فإذا أتاه الملك في مثل صلصلة الجرس نفث حينئذ في روعه.
وأما الالهام فلم يقع السؤال عنه لأن السؤال وقع عن صفة الوحي الذي يأتي بحامل.
وكذا التكليم ليلة الإسراء
وأما الرؤيا الصالحة؛ فقال ابن بطال: لا تَرِد لأن السؤال وقع عما ينفرد به عن الناس؛ لأن الرؤيا قد يشركه فيها غيره).ا.ه.
والرؤيا الصادقه وإن كانت جزءا من النبوة؛ فهي باعتبار صدقها لا غير وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيا وليس كذلك.
ويحتمل أن يكون السؤال وقع عما في اليقظة أو لكون حال المنام لا يخفى على السائل؛ فاقتصر على ما يخفى عليه أو كان ظهور ذلك له صلى الله عليه وسلم في المنام أيضا على الوجهين المذكورين لا غير قاله الكرماني وفيه نظر.
وقد ذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعا فذكرها وغالبها من صفات حامل الوحي ومجموعها يدخل فيما ذكر.
وحديث: ((إن روح القدس نفث في رُوعي..)) أخرجه بن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق بن مسعود...
قوله: (( فيَفْصِم )) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يُقْلِع ويتجلى ما يغشاني، ويروى بضم أوله من الرباعي.
وفي رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمجهول.
وأصل الفصم: القطع، ومنه قوله تعالى: {لا انفصام لها}
وقيل: الفصم بالفاء القطع بلا إبانة، وبالقاف القطع بإبانة؛ فذكر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العلقة.
قوله: (( وقد وعيت عنه ما قال )) أي القول الذي جاء به، وفيه إسناد الوحي إلى قول الملك، ولا معارضة بينه وبين قوله تعالى حكاية عمن قال من الكفار {إن هذا إلا قول البشر} لأنهم كانوا ينكرون الوحي، وينكرون مجيء الملك به.
قوله: (( يتمثل لي الملك رجلا )) التمثل مشتق من المثل أي يتصور، واللام في الملك للعهد، وهو جبريل، وقد وقع التصريح به في رواية ابن سعد المقدم ذكرها، وفيه دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر). [فتح الباري:؟؟]
قالَ أحمدُ بنُ شُعيبٍ النَّسَائِيُّ (ت:303هـ): (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: (سأل الحارث بن هشام رسول الله: كيف يأتيك الوحي؟
قال: « في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني، وقد وعيت عنه، وهو أشدّه علي، وأحيانا يأتيني في مثل صورة الفتى فينبذه إلي») ). [فضائل القرآن للنَّسائي:؟؟]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات:
إحداها: أن يأتيه في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه كما في الصحيح.
الثانية: أن ينفث في روعه الكلام نفثاً كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها)).
[سقط ذكر الثالثة من أصل كتاب التحبير وهي مذكورة في الإتقان]
الرابعة: أن يأتيه فيكلمه كما في حديث ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((كان من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبياً، وإن جبريل يأتيني فيكلمني كما يأتي أحدكم صاحبه فيكلمه)).
الخامسة: أن يكلمه الله إما في اليقظة كما في ليلة الإسراء أو في النوم كما في حديث معاذ: ((أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى)) الحديث.
السادسة: أن يأتيه الملك في النوم، وفي الصحيح: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة).
قال ابن سيد الناس: وعن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وُكِّل به إسرافيل فكان يترآى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي ثم وكل به جبريل فجاءه بالقرآن والوحي، قال: فهذه حالة سادسة. وأما إتيان الملك فتارة كان يأتيه في صورته له ستمائة جناح، وتارة في صورة دحية الكلبي).
[التحبير في علم التفسير:118-119]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (فصل: وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات:
إحداها: أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمر سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تحس بالوحي؟ فقال: ((أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض)) .
قال الخطابي: والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يبين له أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك .
والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي فلا يبقي فيه مكانا لغيره وفي الصحيح أن هذه الحالة أشد حالات الوحي عليه وقيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد وتهديد .
الثانية أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن روح القدس نفث في روعي)) أخرجه الحاكم وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى أو التي بعدها بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه .
الثالثة أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه كما في الصحيح وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول زاد أبو عوانة في صحيحه: ((وهو أهونه علي)) .
الرابعة أن يأتيه الملك في النوم وعد من هذا قوم سورة الكوثر وقد تقدم ما فيه .
الخامسة أن يكلمه الله إما في اليقظة كما في ليلة الإسراء أو في النوم كما في حديث معاذ ((أتاني ربي فقال فيم يختصم الملأ الأعلى..)) الحديث وليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم نعم يمكن أن يعد منه آخر سورة البقرة لما تقدم وبعض سورة الضحى وألم نشرح فقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث عدي بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت أي رب اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما فقال: يا محمد ألم أجدك يتيما فآويت وضالا فهديت وعائلا فأغنيت وشرحت لك صدرك وحططت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي)). ). [الإتقان في علوم القرآن: ؟؟]

معنى قوله: (مثل صلصلة الجرس).
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( قوله: (( مثل صلصلة الجرس..)) في رواية مسلم (( في مثل صلصلة الجرس ))
والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين وقيل: هو صوت متدارك لايدرك في أول وهلة.
والجرس: الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب، واشتقاقه من الجَرْس بإسكان الراء، وهو الحس.
وقال الكرماني: (الجرس ناقوس صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا على البعير فإذا تحرك تحركت النحاسة فأصابت السطل فحصلت الصلصلة)ا.ه. وهو تطويل للتعريف بما لا طائل تحته.
وقوله: (قطعة نحاس) معترض لا يختص به، وكذا البعير، وكذا قوله: (منكوسا) لأن تعليقه على تلك الصورة، هو وضعه المستقيم له). [فتح الباري:؟؟]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي، قال الخطابي يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد.
وقيل: بل هو صوتُ حَفيفِ أجنحة الملَك.
والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره.
ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته الا متداركة وقع التشبيه به دون غيره من الآلات.
وسيأتي كلام بن بطال في هذا المقام في الكلام على حديث بن عباس إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها الحديث عند تفسير قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم في تفسير سورة سبأ إن شاء الله تعالى). [فتح الباري:؟؟]

إشكال وجوابه
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (فإن قيل: المحمود لا يشبه بالمذموم إذ حقيقة التشبيه إلحاق ناقص بكامل والمشبَّه الوحي وهو محمود، والمشبه به صوت الجرس وهو مذموم لصحة النهي عنه والتنفير من مرافقة ما هو معلق فيه والإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما؛ فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟
والجواب: أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخص وصف له، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما؛ فالمقصود هنا بيان الجنس؛ فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم.
والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوة، وجهة طنين.
- فمن حيث القوة وقع التشبيه به.
- ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه، وعلل بكونه مزمار الشيطان.
ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور، وفيه نظر). [فتح الباري:؟؟]

تمثّل الملَك رجلاً
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ (ت: 256هـ): (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا معتمر قال: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة؛ فجعل يتحدث فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: ((من هذا؟)) أو كما قال.
قالت: هذا دحية؛ فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل أو كما قال.
قال أبي: قلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟
قال: من أسامة بن زيد). [صحيح البخاري:؟؟]
-قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معتمر‏)‏ هو ابن سليمان التيمي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أنبئت أن جبريل‏)‏ فاعل ‏"قال‏"‏ هو أبو عثمان النهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنبئت‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، وقد عينه في آخر الحديث‏.‏
ووقع عند مسلم في أوله زيادة حذفها البخاري عمدا لكونها موقوفة ولعدم تعلقها بالباب وهي‏:‏ عن أبي عثمان عن سلمان قال: (لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق)‏ الحديث موقوف، وقد أورده البرقاني في مستخرجه من طريق عاصم عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال لأم سلمة‏:‏ من هذا‏)‏ ‏؟‏ فاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، استفهم أم سلمة عن الذي كان يحدثه هل فطنت لكونه ملكا أو لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو كما قال‏)‏ يريد أن الراوي شك في اللفظ مع بقاء المعنى في ذهنه، وهذه الكلمة كثر استعمال المحدثين لها في مثل ذلك‏.‏
قال الداودي‏: (هذا السؤال إنما وقع بعد ذهاب جبريل، وظاهر سياق الحديث يخالفه)‏.‏
كذا قال، ولم يظهر لي ما ادعاه من الظهور، بل هو محتمل للأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت هذا دحية‏)‏ أي ابن خليفة الكلبي الصحابي المشهور، وقد تقدم ذكره في حديث أبي سفيان الطويل في قصة هرقل أول الكتاب، وكان موصوفا بالجمال، وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم غالبا على صورته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما قام‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم أي قام ذاهبا إلى المسجد، وهذا يدل على أنه لم ينكر عليها ما ظنته من أنه دحية اكتفاء بما سيقع منه في الخطبة مما يوضح لها المقصود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما حسبته إلا إياه‏)‏ هذا كلام أبي سلمة، وعند مسلم ‏"‏ فقالت أم سلمة أيمن الله ما حسبته إلا إياه ‏"‏ وأيمن من حروف القسم، وفيها لغات قد تقدم بيانها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بخبر جبريل أو كما قال‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ يخبرنا خبرنا ‏"‏ وهو تصحيف نبه عليه عياض، قال النووي‏:‏ وهو الموجود في نسخ بلادنا‏.‏
قلت‏:‏ ولم أر هذا الحديث في شيء من المسانيد إلا من هذا الطريق فهو من غرائب الصحيح‏.‏
ولم أقف في شيء من الروايات على بيان هذا الخبر في أي قصة، ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة، فقد وقع في ‏"‏ دلائل البيهقي ‏"‏ وفي ‏"‏ الغيلانيات ‏"‏ من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ‏"‏ عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا وهو راكب، فلما دخل قلت‏:‏ من هذا الذي كنت تكلمه، قال‏:‏ بمن تشبهينه‏؟‏ قلت‏:‏ بدحية بن خليفة، قال‏:‏ ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبي‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة، والقائل هو معتمر بن سليمان، وقوله ‏"‏فقلت لأبي عثمان، أي النهدي الذي حدثه بالحديث، وقوله ‏"‏ممن سمعت هذا‏؟‏ قال من أسامة بن زيد ‏"‏ فيه الاستفسار عن اسم من أبهم من الرواة ولو كان الذي أبهم ثقة معتمدا، وفائدته احتمال أن لا يكون عند السامع كذلك، ففي بيانه رفع لهذا الاحتمال، قال عياض وغيره‏:‏ وفي هذا الحديث أن للملك أن يتصور على صورة الآدمي‏.‏
وأن له هو في ذاته صورة لا يستطيع الآدمي أن يراه فيها لضعف القوى البشرية إلا من يشاء الله أن يقويه على ذلك، ولهذا كان غالب ما يأتي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل كما تقدم في بدء الوحي ‏"‏ وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ‏"‏ ولم ير جبريل على صورته التي خلق عليها إلا مرتين كما ثبت في الصحيحين‏.‏
ومن هنا يتبين وجه دخول حديث أسامة هذا في هذا الباب‏.‏
قالوا وقيه فضيلة لأم سلمة ولدحية، وفيه نظر، لأن أكثر الصحابة رأوا جبريل في صورة الرجل لما جاء فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، ولأن اتفاق الشبه لا يستلزم إثبات فضيلة معنوية، وغايته أن يكون له مزية في حسن الصورة حسب، وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن قطن حين قال إن الدجال أشبه الناس به فقال ‏"‏ أيضرني شبهه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏"‏). [فتح الباري:؟؟]

ما روي في سماع الصحابة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم كدويّ النحل
قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت:241هـ): (حدثنا عبد الرزاق، أخبرني يونس بن سليم، قال: أملى علي يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدويّ النحل؛ فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: "اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا"
ثم قال: (( لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة )) ثم قرأ علينا { قد أفلح المؤمنون..} حتى ختم العشر)). [مسند الإمام أحمد:1/350-351]

قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دويّ كدويّ النحل، فمكثنا ساعة، فاستقبل القبلة ورفع يده وقال: ((اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا)) ثم قال: ((لقد أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنة)) ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون} حتى ختم العشر). [الكشاف:255-4/254]
قالَ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ الزَّيلعيُّ (ت: 762هـ): (الحديث الثّالث عشر:
عن عمر بن الخطاب: كان عليه السّلام إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دوي كدويّ النّحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه ((اللّهمّ زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنّا وأرضنا)) ثمّ قال: ((لقد أنزلت علّي عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنّة))، ثمّ قرأ {قد أفلح المؤمنون} حتّى ختم العشر آيات.
قلت: رواه التّرمذيّ في التّفسير والنّسائيّ في الصّلاة من طريق عبد الرّزّاق أنا يونس بن سليم الصّنعانيّ عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزّهريّ عن عروة ابن الزّبير عن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل ... إلى آخره قال النّسائيّ هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه غير يونس بن سليم ويونس بن سليم لا أعرفه. انتهى.
وقال ابن أبي حاتم في علله: قال أبي: يونس بن سليم لا أعرفه ولا يعرف هذا الحديث من حديث الزّهريّ. انتهى.
وكذلك رواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه أحمد وعبد بن حميد وإسحاق بن راهويه والبزّار في مسانيدهم
ورواه عبد الرّزّاق في مصنفه في فضائل القرآن كذلك
وكذلك البيهقيّ في دلائل النّبوّة
والواحدي في أسباب النّزول.
ورواه العقيليّ في ضعفاه وأعله بيونس بن سليم وقال لا يتابع عليه ولا يعرف إلّا به.
وكذلك ابن عدي في الكامل.
وتعقب الذّهبيّ في مختصره على الحاكم بتصحيحه إيّاه وقال سئل عبد الرّزّاق عن شيخه يونس بن سليم فقال أظنه لا شيء. انتهى). [الإسعاف:410-2/409]
قالَ أَحْمَدُ بنُ علِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (حديث عمر رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عنده دويّ كدويّ النحل.
الترمذي والنسائي، وعبد الرزاق، والحاكم وأحمد وإسحاق وابن أبي شيبة، وعبد، كلهم من رواية يونس بن سليم الصنعاني عن يونس عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد عن عمر.
قال النسائي: هذا حديث منكر، تفرد به يونس بن سليم ولا أعرفه.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا أعرفه ولا أعرف هذا الحديث عن الزهري.
وقال الترمذي وقال العقيلي: لا يتابع عليه يونس بن سليم ولا يعرف إلا به، وبنحوه.
قال ابن عدي: وسئل عبد الرزاق عن شيخه يونس بن سليم هذا فقال: أظنه لا شيء). [الكافي الشاف:116]


رد مع اقتباس