الموضوع: بل
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 10:37 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "بل"
اعلم أن معنى "بل" في كلا العرب الإضرابُ عن الأول إما تركًا له وأخذًا في غيره لمعنى يظهر له، وإما لأنه بداء نحو قولك: ضربتُ زيدًا "بل" عمرًا، واضرب زيدًا "بل" عمرًا، وإما لغطه بذكر لفظه وأنت تريدُ غيره، نحو: رأيت رجلًا "بل" حمارًا، وهذا لا يقع في القرآن ولا في فصيح كلام في حال تبليغ، وإما لنسيان، وهو أيضًا لا يصح في القرآن ولا في كلام مبلغ عن الله تعالى، والأمثلة في كليهما واحدةٌ، وإنما يقع الفرق بين الموضعين من جهة المعنى، وهو أن النسيان وضعُ شيءٍ على غيره من غير علمٍ به ولا خطور بالبال، والغلطُ وضعُ شيء على غيره بمضي الوهم إليه ثم يظهرُ المقصود، وأما البداء فهو وضع شيء على معنى بالقصد، ثم يتبين أن الأولى
غير ذلك الشيء، ففي المدح يؤتي بأحسن، وفي الذم يؤتى بأقبح، كقولك: هند شمس "بل" دنيا، وهند ليلٌ "بل" كابوس، أو شبه ذلك.
ودخول "بل" في هذه المواضع يصرف المراد بالأول إلى الثاني، واستعمالها دون "بل" قبيح، فإذا صح هذا فـ "بل" لها موضعان:
الموضع الأول: أن تكون حرف عطفٍ مشركًا ما بعده مع ما قبله في اللفظ، وهو الاسمية في الأسماء، والفعلية في الأفعال، والرفع والنصب والخفض والجزم، ولا تُشرك في المعنى لأن الفعل لأحدهما دون الآخر وهو الثاني، سواء كان الأول موجبًا أو منفيًا، نحو: قام زيد "بل" عمرو، وما قام زيدٌ "بل" عمروٌ، فالقيام في كلا الحالين للثاني دون الأول [و] إن ظهرت أداةُ النفي بعدها مع الفعل، فيكون الإضراب عن النفي للأول وجعله للثاني، نحو: ما قام زيدٌ "بل" ما قام عمروٌ.
وخالف أبو العباس المبرد في هذا، وزعم أن "بل" تضرب عن الأول إثباتًا وتثبته للثاني، وتضربُ عن الأول نفيًا وتثبته للثاني، فإذا قال القائل: قام زيدٌ "بل" عمروٌ، فالقائم عمروٌ لا غير، وإذا قال: ما قام زيدٌ "بل" عمروٌ، فنفي القيام عن عمروٍ، والإضرابُ عن النفي للأول.
ومذهبه لا يصح لأنه "بل" عندنا وعنده ليس حرف عطفٍ مشركًا في المعنى، وإنما هو اللفظ خاصة، فلا يُقدر بعدها غير الفعل خاصةً من غير نفي، إذ النفي هو المعنى الذي تشرك فيه الحروف المشركة في المعنى "كالواو"، فإذن لاحظ لـ "بل" في تقدير نفي بعدها، وإن كان وقع الخلافُ بين ما بعدها مع ما قبلها في الإضراب لا غير وكأن الكلام الأول لم يكن،
وإذا كان قبلها إيجابٌ أضربت عنه لا غير، وجعلته للثاني، وكأن الأول أيضًا لم يكن، وكذلك إذا كان الأول إيجابًا والثاني نفيًا أو بالعكس، وقد اتفق معنا في باب "ما" الحجازية أنا إذا عطفنا على خبرها خبرًا آخر بـ "بل" ارتفع لا غير، فتقول: ما زيدٌ قائمًا "بل" قاعدٌ، وكان ينبغي على مذهبه أن يجيز النصب في «قاعد» على تقدير "ما" أخرى، ولا يقول به، فدَّل على تناقض كلامه، وقد نص على هذا الفصل في باب "ما" من «المقتضب» له.

الموضع الثاني: أن تكون حرف ابتداءٍ وذلك إذا لم يقع تشريك بين ما بعدها وما قبلها ، وتكون عاطفةً جملةً على جملةٍ مضربٍ عن الأولى، نحو: اضرب زيدًا "بل" أنت قائم، أو قام زيدٌ "بل" عمروٌ منطلق، أو زيدٌ خارجُ "بل" أخوك منطلق، أو ما فعلت هذا "بل" عبدُ الله منطلق، قال الله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا}، و{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}، فهذا حرف ابتداءً لا غير، وقال تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}، فهذه تعطف جملةً على جملة، والإضراب لازمٌ لها على كل حال.
وذكر بعضهم أن "بل" تكون حرف خفضٍ للنكرة بمنزلة "رُب" وأنشد على ذلك:
بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
و:
بل بلدٍ ملء الفجاج قتمه
وقال الآخر:
بل من رأى البرق بت أرقبه .... .... .... .... ....
وليس كذلك "بل" ما بعدها مخفوضٌ بـ "رُب" مضمرةً، فإنها تضمر ويبقى عملها دون "بل" وغيرها من حروف العطف، كقوله:
رسم دارٍ وقفتُ في طلله .... .... .... .... ....
أراد: "رب" رسم دارٍ.
فإذا دخلت "بل" فهي حرف ابتداء كلام وإضراب عن كلام مقدر مخالفٍ لما هي فيه، ولا يلزم أن يكون بعدها إذا كانت حرف ابتداء مبتدأ ألا ترى قول الشاعر:
بل هل أريك حُمول الحي غاديةً .... كالنخل زينها ينع وإفضاح
إنه أدخلها على "هل" وليست مبتدأ، وإنما لها صدر الكلام، وكذلك في الأبيات الثلاثة المتقدمة، وهي حرف ابتداء كلام وإن كان بعدها "رب" لأنها لا يصدر بها الكلام، فإن كانت حرف جر تراها في بابها إن شاء الله).[رصف المباني: 153 - 157]


رد مع اقتباس