الموضوع: لكن
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 10:26 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب "لكن" الخفيفة

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب
"لكن" الخفيفة
اعلم أن "لكن" تنقسم قسمين: قسمٌ تكونُ عاطفةً، وقسمٌ تكونُ مخففةً من الثقيلة المذكورة في الباب بعد هذا.
القسم الذي تكون فيه عاطفة: وهي التي تُشرك بين الاسمين والفعلين في اللفظ لا غير، وهو الاسمية في الاسمين، والفعلية في الفعلين، والرفعُ والنصب والخفضُ والجزم، نحو قولك: ما قام زيدٌ
"لكن" عمروٌ، وما رأيتُ زيدًا "لكن" عمرًا، وما مررتُ بزيدٍ "لكن" عمروٍ، وما يقومُ زيدٌ "لكن" يقعدُ عمروٌ، ولن يقومَ زيدٌ "لكن" يقعد.
ويقع قبلها النفي لازمًا، ومعناها الاستدراك، فإن أدخلت عليها "الواو" فبعض النحويين يُبقيها على عطفها، وبعضهم يخرجها عن العطف ويجعل العطف "للواو"، وقال بعضهم: العطفُ "للواو" و
"لكن" استدراك خالصٌ، وعطفت "الواو" جملةً في التقدير على جملةٍ، فكأنك إذا قلت: «ما قام زيدٌ و"لكن" عمروٌ» [فالمعنى]: و"لكن" قام عمروٌ، قال: ولا يبعدُ أن يدخل حرفُ عطفٍ على حرف عطف كما قال الشاعر:
وثمت لا يجزونني عند ذلكم .... ولكن ليجزيني إلا له فيُعقبا
وروي بيتُ زهير:
أراني إذا ما بِتُّ بِتُّ على هوى .... وثم إذا أصبحتُ أصبحتُ غاديًا
وقال أبو نواس:
البدر أشبه ما رأيت بها .... حين استوى وبدا من الحجب
وبل الرشا لم يُخطها شبهًا .... في الجيد والعينين واللبب
وأبو نواس وإن لم يكن حجة فهو معاصرٌ للعرب الأولى تقوم بهم الحجة، ولم ينقد أحدق من النقاد عليه جمع حرفي العطف إذا اختلف معنياهما، هذا معنى كلامه، ويحتاج إلى وضوح بيانٍ في إثبات كون "لكن" حرف عطفٍ معناه الاستدراك، لأنه قد ثبت أن "لكن" عند المخالف حرفُ عطفٍ إذا انفردت عن "الواو"، وأن "الواو" حرف عطف إذا انفردت عن "لكن" وثبت أيضًا أن معنى "الواو" الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في النفي والإثبات، و"لكن" بخلاف ذلك، فلو جعلنا العطف "للواو" لكانت تُشرك بين المعطوف والمعطوف عليه في النفي المصدر به، والمعنى ليس على ذلك مع "لكن" فبطل أن يكون العطف لها، وإنما يكون العطف لـ "لكن" إذ لها التشريك في اللفظ لا في المعنى و"الواو" عاطفةُ كلامٍ موجب على كلام منفي، على عادتها في عطف الجمل، إذ لا تشريك في المعنى يلزم لها فيها فاعلمه.
وأما أن تجعل المسألة من باب عطف الجمل في
"لكن" فلا، لأن "لكن" مُشركة في الإعراب، وإن كان المعنى مختلفًا، فاعلمه.
فإن عطفت بـ
"لكن" جملةً على جملةٍ فيصح أن يقع قبل "لكن" المذكورة النفي والإثبات، لكن بشرط أن تكون الجملتان مختلفتين في المعنى، نحو قولك: قام زيدٌ "لكن" لم يخرج عمرو، وما قام زيد "لكن" قام عمرو، وإذا جاء بعدها جملة قائمة بنفسها فهي عاطفة للجمل، وإلا فلا، وإذا وقع بعدها مبتدأ وخبرٌ فهي المخففة من الثقيلة المذكورة في الموضع بعد هذا.
وقد تكون
"لكن" حرف ابتداءٍ إذا كان بعدها المبتدأ كـ "الواو" و"بل" و"ثم"، نحو قولك: جاء زيدٌ "لكن" عبد الله منطلقُ، ومعناها في جميع ذلك الاستدراك ويكون معناها الإضراب إذا كانت حرف ابتداءٍ، كقوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ}.
وقد حذفوا "نونها" في الشعر ضرورةً، كما قال:
فلست بآتيه ولا أستطيعه .... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

القسم الثاني: الذي تكون [فيه] مخففة من الثقيلة: هي التي تكون بعدها الجملة الاسمية لا غير، لأن أصلها أن تكون مشددة عاملة عمل "إن" في المبتدأ والخبر نصبًا ورفعًا، فإذا خففت بطل عملها، ولم يسمع لها عملٌ مع التخفيف عند أحد من النحويين، وعلتهم في ذلك عدم اختصاص بواحد من الأسماء والأفعال [ولا يعمل] إلا ما يختص، فلما كنت تقول: ما قام زيدٌ "لكن" عمروٌ لم يقم، وما يقوم زيدٌ "لكن" يقوم عمروٌ، فتصلح مع كل واحدٍ منهما علم أنها لا تعمل شيئًا، إلا أن أبا زيدٍ السهيلي ذكر عن شيخه بن الرماك أنه حكى فيها الإعمال مع التخفيف، ولم يحك أبو زيد الكلام في ذلك للعرب، فإن كان ذلك فلا يُقاس عليه لشذوذه سماعًا، ومنعه بقلة القياس، ألا ترى قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، أن من شدد "لكن" من القراء أعملها فنصب ما بعدها، ومن خففها رفع ما بعدها، وليس في القراء من قرأ بالتخفيف مع النصب.
واعلم أن "لكن" هذه إذا تقدمها اسمٌ منصوبٌ منفي فإن ما بعدها يرتفع على الابتداء والخبر محذوف، أو على الخبر، والمبتدأ محذوف، فإذا قلت ما زيد قائمًا"لكن" عمروٌ، أي: القائم، وإذا قلت: ما زيدٌ قائمًا "لكن" قاعدٌ، أي: "لكن" هو قاعد، فهذا يدلك على عدم التشريك في المعنى، وأنها مثل "بل" في الإضراب كما ذُكر).[رصف المباني:274 - 278]


رد مع اقتباس