الموضوع: حرف الميم
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 06:13 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "الميم"
باب "الميم" المفردة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "الميم"
اعلم أن "الميم" تكون حرفًا مفردًا، وتكون مع غيرها من الحروف مركبة.

باب "الميم" المفردة
اعلم أن "الميم" المفردة تنقسم قسمين: قسمٌ أصلٌ وقسم بدلٌ من أصل.
فالقسم التي هي أصلٌ، لها في كلام العرب ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون أول الكلمة موضوعة في بنائها زائدةً، وذلك في كل لفظةٍ أصولها ثلاثة أحرفٍ، وفي أولها
"الميم"، وذلك في الأسماء لا غير، نحو مضرب ومشهد ومفصل ومِفتاح ومنخل ومنديل ونحو ذلك، لأنه قد ثبت بالاشتقاق أن "الميم" زائدة ولا يُسل لم ذلك لأنه مبدأ لغة فلا يُعلل.
فإن كانت أصول الكلمة أزيد من الثلاثة
"فالميم" أصلية نحو: «مرزجوش» و«مردقوش»، لأنها بوزن «غضرفوط»، وكذلك الملحق بالأربعة نحو «مهدد» في قول الشاعر:
حان الرحيلُ ولم تودع مهددا ..... والصبح والإمساء منها موعدُ
لأن مثاله من الرباعي: جعفر، فداله ملحقةً براء «جعفر»، ولو كانت زائدة لأدغم، فقيل: مهد، كما يقال : مكر مفر، لأنها من الكر والفر، ومهد من المهد والتمهيد.
الموضع الثاني: أن تكون زائدة في بناء الكلمة بين حروفها، فلا يعلل أيضًا لأنه مبدأ لغةٍ، وذلك قولهم: «دلامص» على مذهب الخليل، لأنه عنده من الدلاص وهو البراق من كل شيء، ولذلك قيل للدروع: دلاص، ومنه قول الشاعر:
إذا جردت يومًا حسبت خميصةً ..... عليها وجريال النضير الدلامصا
وقد قلبوه فقالوا: «دمالص»، وقد حذفوا "الألف" منه فقالوا: دلمص ودملص كما قالوا في هدابد: هدبد تخفيفًا، وقالوا: لبن قمارص مأخوذ من القرص وهو حدو اللسان بحمضة فيه، وقالوا: هرماس للأسد وهو من الهرس وهو الدق والعض، قال الشاعر:
وبيت أمه فأساغ نهسا ..... ضماريط استها في غير نار
والضماريط من الضرط، وكل ما ذكر من هذه الأمثلة موقوف على السماع لا يُقاس عليه غيره لشذوذه، فاعلمه.
الموضع الثالث: أن تكون في آخر الكلمة وذلك ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أن تكون زائدة لغير علة، بل لبناء الكلمة، وذلك مبدأُ لغةٍ وذلك قولهم: حلقوم من الحلق وبلعوم من البلع وسرطم من السرط وهو البلع بسهولةٍ وفرطم إتباعٌ لسرطم وهو من الإفراط، ورأس صلدم وصلادم في نحو قول الشاعر:
أجدر الناس برأسٍ صلدم ..... حازم الأمر شُجاع في الوغم
وهو من الصلد أي الشديد القوي، وقال: أسدٌ ضبارم من الضبر وهو الضغط.
النوع الثاني: أن تكون في آخر الكلمة عوضًا من
"يا" التي للنداء وذلك في «الله» خاصة، قالوا في الدعاء: اللهم اغفر لنا وارحمنا، معناه: "يا" الله، قال تعالى: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} وقال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}، والدليل على ذلك أنها لا تجتمع معها في الكلام، لا يقال: "يا" اللهم إلا في الضرورة، قال الشاعر:
وما عليك أن تقولي كلما ..... سبحت أو هللت: يا اللهم ما
اردد علينا شيخنا مسلما.
وقال آخر:
إني إذا ما حدث ألما ..... أقول: يا اللهم يا للهما
وإنما زيدت للتعظيم في هذا الاسم خاصة لاختصاصه بأشياء انفرد بها دون الأسماء ذكرتها في كتاب «التحلية في البسملة والتصلية» زيدت مشددة لأنها عوضٌ من حرفين، وهما "الياء" و"الألف" في "يا" قبلها.
وزعم الفراء أن
"الميم" منقطعةٌ من «آمنا»، كأن القائل اللهم يقول: "يا" الله آمنا، وهذا فاسدٌ لوجوهٍ، منها: أنها لو كانت "الميم" من آمنا مقتطعةٌ لجمع بينها وبين "يا" في الكلام ولم يجتمعا، ومنها: أنها لو كانت مقتطعة منها ما اجتمعت معها، وهي تجتمع معها، فيقال: اللهم آمنا، ولا يجمع بين الشيء وما اقتطع منه، ومنها: أنها يُدعى بها مع غير «آمنا» فيقال: اللهم خذ الكفار، وأنزل علينا الغيث، ونحو ذلك من الأشياء المدعو بها، [فهي] لا ترتبط مع «آمنا».
النوع الثالث: أن تكون في آخر الكلمة للتكثير، وذلك قولهم: «شدقم» للكبير الشدق، و«زرقم» للكثير الزرقة و«سُتهم» للكبير الاست، و «فُسحم» للمكان الكثير الفسحة، و«سجعم» للكثير الشجاعة، كما قال:
قد سالم الحيات منه القدما ..... الأفعوان والشجاع الشجعما
وكذلك امرأةٌ خدلم للخدلة الساق أي الممتلئتها، كما قال الشاعر:
ليست برسحاء ولكن سُتهم ..... ولا بكرواء ولكن خدلم
ومن ذلك في الضمائر نحو: "هما" و"هم"، و"كما" و"كم"، و"أنتما" و"أنتم"، زيدت دلالة على تكثير الواحد لحيز الاثنين "بالألف" بعدهما، ولحيز الجمع "بالواو" بعدها، وتلك صيغٌ موضوعةٌ للتثنية والجمع، لا مثناة حقيقةً ولا مجموعة حقيقةً لأن حقيقة المثنى ما لحقه "ألفٌ" و"نونٌ" مكسورةٌ رفعًا، و"ياءٌ" و"نون" مكسورةٌ نصبًا وخفضًا، دلالة على اثنين، وله مفرد من لفظه، وحقيقة المجموع ما ألحقته في المذكر "واوًا" و"نونًا" مفتوحةً رفعًا، و"ياءً" و"نونًا" مفتوحة نصبًا وخفضًا، إن كان مذكرًا مسلمًا، و"ألفًا" و"تاء" إن كان مؤنثًا كذلك أو غيرته عن المفرد دلالة على ذلك، وكان له مفرد من لفظه فتقول: زيدان وزيدَيْن وزيدون وزيدِين، وهندان وهندات، وزيود وهنود، فإن زال عن هذا النقيد فهو اسم جمع كرهط ونفر، أو اسم جنسٍ كماءٍ وعسل.
وأما الأفعال فلم تجئ
"الميم" فيها مزبدةً إلا في أفعال مسموعة تحفظ ولا يُقاس عليها، فمن ذلك قولهم: تمسكن الرجل من السكون، وتمدرع من الدروع، وتمندل من الندل وهو المج بالمنديل، وتمسلم إذا دخل في المسلمين في السلم، ومرحبك الله من الرحب، وهو السعة، ومسهلك من السهولة وتمخرق الرجل من الخرق وهو الاتساع وفلانٌ يتمولى علينا من الولاية.

القسم التي هي فيه بدل من أصل لها في الكلام ثلاثة مواضع.
الموضع الأول: أن تكون بدلًا من التنوين إذا التقى مع "الباء" في كلمةٍ أخرى نحو قولك: «عليمٌ بذات الصدور» و«عليمٌ بالظالمين» و«بصيرٌ بما يعملون»، وشبه ذلك، وسواءٌ كان التنوين في مرفوعٍ أو منصوبٍ أو مخفوضٍ، كان لما كان من وجوهه المذكورة في باب "النون"، لا خلاف في هذا بين العرب والقراء.
وإنما أبدل التنوين "ميمًا" في هذا الموضع لكون "النون" بعيدةً من "الباء" في المخرج، فلم يُمكنهم إدغامها فأبدلوها إلى حرف لا يُدغم فيها مراعاةً لها ويقرب منها في المخرج، إذ هما من الشفتين فصارت حالة بين حالتين لضرب من التخفيف فإذا أبدلوها "ميمًا" خالصة فيها غُنةٌ، لأنها أُخت "النون" فيها، ولذلك خُصت بالبدل منها، فينبغي أن يُنطق بها "ميمًا" بغنةٍ، كما يُنطق بها ساكنةً وحدها، ولابد من إظهار الجهرة في "الباء" مع ذلك إذ هي حرف مجهور، وإنما نبهت على هذا لأني رأيت بعض منتحلي القراءة والعلم بها يقرأها مُدغمة في "الباء" ولا يبقي لها غنة، وهو خطأ لما ذكرتُ لك فتفهمه.
الموضع الثاني: أن تكون بدلًا من "النون" في نفس الكلمة أو في آخرها إذا اتصلت بها "باءٌ" أيضًا في نفس الكلمة أو من كلمة أخرى، فالتي هي في نفس الكلمة نحو عمير في عنبر، وشمباء في شنباء، قال الله تعالى: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَمبَاءُ يَوْمَئِذٍ»، وأصله: الأنباء، فقلبت "النون" "ميمًا" مع "الباء" للعلة المذكورة في التنوين منها في الموضع قبل هذا، التي في آخر الكلمة مع "الباء" من كلمةٍ أخرى نحو: من بعد، ومن بعيد، تقول: مم بعد، ومم بعيد، وكذلك تقول في "النون" الخفيفة مع "الباء" نحو: لا تضرب بكرًا ولا تضربن بكرًا، قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، و{لَنَسْفَعًا [بِالنَّاصِيَةِ]}، فلا خلاف أيضًا في هذا بين العرب والقراء كالتنوين المذكور قبل، والعلة المذكورة في الموضعين واحدة، فتفهمها تُصب بحول الله.
الموضع الثالث: أن تكون بدلًا من "لام" التعريف، ولم يأت ذلك فيما أعلم إلا ما رُوي عن النمر بن تولب، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس من أم بر أم صيام في أم سفر»، المعنى: "ليس" من البر الصيام في السفر، قال بعضُ المحدثين: لم يرو النمر بن تولبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث فهو من الشذوذ بحيث لا يُقاس عليه). [رصف المباني:303 - 309]


رد مع اقتباس