الموضوع: حرف الميم
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 06:21 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)

(حرف "الميم")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "الميم")
"ما": تأتي على وجهين: اسمية، وحرفية، وكل منهما ثلاثة أقسام:
فأحد أقسام الاسمية أن تكون موصولة بمعنى "الذي"، نحو: {ما عندكم ينفد وما عند الله باق}، وتكون مقدرة بقولك الشيء، نحو: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي}، أي: "فنعم" الشيء هي، ومنها ما يقدر من لفظ الاسم الذي يتقدمها نحو: غسلته غسلًا "نعما"، ودققته دقًا "نعما"، أي: "نعم" الغسل، و"نعم" الدق، والأصل: غسلًا مقولًا فيه "نعم" الغسل؛ لأن الإنشاء لا يوصف به، وأصل "نعما": "ما" أدغمت "الميم" في "الميم"، وكتبت متصلة.
قال في الصحاح: وإن أدخلت على "نعم" "ما" قلت {نعما يعظكم به} تجمع بين الساكنين، وإن شئت حركت "العين" بالكسر، وإن شئت فتحت "النون" مع كسر "العين"، وتقول: غسلت غسلًا "نعما" تكتفي "بما" مع "نعم" عن صلته، أي: "نعم"
"ما" غسلته.
وأجاز صاحب القاموس فيها فتح "العين".
وقال صاحب الكليات: أصل "نعما" "نعم" "ما"، فأدغم، وكسر "العين" للساكنين، وفاعل "نعم" مستتر فيه، و"ما" بمعنى شيئًا مفسر للفاعل، نصب على التمييز، أي: "نعم" الشيء شيئًا.
والثاني: أن تكون نكرة مؤولة بمعنى شيء، نحو: مررت "بما" معجب لك، أي: بشيء معجب لك، وكقوله:
لما نافع يسعى اللبيب فلا تكن ..... لشيء بعيد نفعه الدهر ساعيًا
وقد تأتي للتعجب نحو: "ما" أحسن زيدًا، المعنى: شيء حسن زيدًا، جزء بذلك جميع البصريين إلا الأخفش، فإنه جوزه وجوز أن تكون معرفة موصولة، وأن تكون نكرة موصوفة، وعليهما فخبر المبتدأ محذوف تقديره: شيء عظيم، ونحوه.
والثالث: أنهم إذا أرادوا المبالغة في الأخبار عن أحد بالإكثار من فعل الكتابة، قالوا: إن زيدًا "مما" أن يكتب، أي: أنه مخلوق من أمر الكتابة، فما بمعنى: شيء.
وزعم السيرافي وغيره أنها معرفة تامة بمعنى الشيء أو الأمر، وقد تكون نكرة مضمنة معنى الحرف وهي نوعان:
أحدهما: الاستفهامية، ومعناها: أي شيء، نحو: {ما لونها}، {وما تلك بيمينك}، ويجب حذف "ألفها" إذا دخل عليها حرف جر نحو: "فيم"، و"إلام"، و"علام"، و"حتام"، ومنهم من يكتبها "في" "م" و"إلى" "م" و"على" "م "و"حتى" .
وربما تبعت الفتحة "الألف" في الحذف، وهو مخصوص بالشعر، كقوله: يا أبا الأسود "لم" خلفتني، وقراءة عكرمة وعيسى: (عما يتساءلون) نادرة، وأما قول حسان:
على ما قام يشتمني لئيم ..... كخنزير تمرغ في دمان
فضرورة، وإذا ركبت "ما" مع "ذا" لم تحذف "ألفها" نحو: "لماذا" جئن؛ لأن "ألفها" قد صارت حرفًا، وسيأتي الكلام على "ماذا" بعد استيفاء معاني "ما". وقد تكون شرطية نحو: {ما تفعلوا من خير يعلمه الله}، {ما ننسخ من آية}، وقد تكون زمانية أثبت ذلك الفارسي وأبو البقاء وابن بري وابن مالك، كما في قوله تعالى: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}، أي: استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، وأما أوجه الحرفية:
فأحدهما: أن تكون نافية، فإن دخلت على الجملة الاسمية أعملها الحجازيون والتهاميون والنجدين عمل "ليس" نحو: {ما هذا بشرًا}، وندر تركيبها مع النكرة تشبيهًا لها "بلا"، كقوله: و"ما" بأس "لو" ردت علينا تحية.
وإذا دخلت على الفعلية لم تعمل نحو: {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله}، وأما {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقوا من خير يوف إليكم} فما فيها شرطية.
وإذا نفت المضارع تخلص عند الجمهور للحال، ورد عليهم ابن مالك بنحو: {قل ما يكون لي أن أبدله}، أجيب بأن شرط كونه للحال انتفاء قرينة خلافه.
والثاني: أن تكون مصدرية، وهي نوعان: زمانية وغير زمانية، فغير الزمانية نحو: {عزيز عليه ما عنتم}، أي: عزيز عليه عنتكم، فعزيز خبر مقدم، و
"ما" عنتم مبتدأ مؤخر، ونحو: {ما دمت حيًا}، أصله: مدة دوامي حيًا، فحذف الظرف وخلفته "ما"، وصلتها ومنه: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت}، {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقوله:
أجارتنا إن الخطوب تنوب ..... وإني مقيم ما أقام عسيب
وإنما قلنا: زمانية لا ظريفة ليشمل، نحو: {كلما أضاء لهم مشوا فيه}، فإن الزمان مقدر هنا، وهو مخفوض، أي: كل وقت إضاءة، والمخفوض لا يسمى ظرفًا، وزعم ابن خروف أن "ما" المصدرية حرف باتقاء ورد على ما نقل فيها خلافًا، والصواب مع ناقل الخلاف.

والوجه الثاني: أن تكون زائدة وهي نوعان: كافة، وغير كافة، والكافة ثلاثة أقسام.
أحدها: الكافة عن عمل الرفع ، وتتصل بثلاثة أفعال، وهي: قل، وكثر، وطال، شبهت "برب" في التقليل والتكثير، ولا يدخلن حينئذٍ إلا على جملة فعلية صرح بفعليتها، كقوله:
قلما يبرح اللبيب إلى ما ..... يورث المجد داعيًا أو مجيبًا
أي: لا يبرح اللبيب عن إحدى هاتين الحالتين؛ إذ قلما هنا في معنى النفي.
الثانية: الكافة عن عمل النصب والرفع، وهي المتصلة "بأن" وأخواتها نحو: {إنما الله إله واحد}، وهي هنا للحصر، وأما {إنما توعدون لآت}، {وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}، {إن ما عند الله هو خيرٌ لكم}، {أيحسبون أن ما نمدهم به من مالٍ وبنين}، فما في ذلك كله اسم باتفاق؛ لأنها بمعنى الذي، والحرف وهو "أن" عامل.
وأما {إنما حرم عليكم الميتة} فيمن نصب الميتة، "فما" كافة، وفي قراءة الرفع
"ما" اسم موصول، وكذلك: {إنما صنعوا كيد ساحر} من رفع كيد، "فإن" عاملة و"ما" موصولة، أي: أن الذي صنعوه ومن نصب "فما" كافة، وأما قول النابغة: قالت ألا "ليتما" هذا الحمام لنا، فيمن نصب الحمام، وهو الأرجح عند النحويين في نحو: "ليتما" زيدًا قائم، "فما" زائدة غير كافة، وهذا اسمها، ولنا الخبر.
قال سيبويه: وقد كان روبة بن العجاج ينشده بالرفع، وقيل في قوله تعالى: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف} أن
"ما" زائدة، وقيل: مصدرية.
الثالثة: الكافة عن عمل الجر، وتتصل بالأحرف والظروف، فالأحرف:
أحدها: "رب"، وأكثر
"ما" تدخل حينئذٍ على الماضي، كقوله:
ربما أوفيت في علم ..... ترفعن ثوبي شمالات
والثاني: "الكاف"، نحو: "كما" أنت، وقوله: "كما" سيف عمرو ولم تخنه مضاربه.
قيل: ومنه: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة}، وقيل:
"ما" موصولة، والتقدير: كالذي هو آلهة لهم، وقيل: لا تكف "الكاف" "بما"، وأن "ما" في ذلك مصدرية موصولة بالجملة الاسمية.
الثالث: "الباء"، كقوله:
فلئن صرت لا تحير جوابًا ..... لما قد ترى وأنت خطيب
يصف الشاعر بهذا شخصًا ميتًا، أي: إن صرت لا ترجع جوابًا لمن يكلمك فكثيرًا "ما" ترى، أي: رؤيت، وأنت خطيب في حال الحياة، وقد عبر بالمضارع عن الماضي.
الرابع: من كقول أبي حية:
وإنما لمما نضرب الكبش ضربة ..... على رأسه نلقى اللسان من الفم
قاله ابن الشجري. وأما الظروف:
فأحدها: "بعد" كقوله:
أعلاقة أم الوليد بعدما ..... أفنان رأسك كالثغام المخلس
قوله: أعلاقة، نصب على المصدرية، وأم الوليد بالنصب، مفعول، أي: أتحب أم الوليد، والمخلس بكسر "اللام" : المختلط رطبه بيابسه، وقيل: "ما" مصدرية.
والثاني: "بين" كقوله: "بينما" نحن بالأراك معا إذ أتى راكب على جمله، وقيل:
"ما" زائدة.
والثالث: "حيث"، و"إذ"، و"أين"، فتضمن حينئذٍ معنى الشرطية، فتجزم فعلين، وكذلك تزاد بعد غير الجازم نحو: {حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم}، وبين المتبوع وتابعه في نحو: {مثلًا ما بعوضة}، قال الزجاج:
"ما" حرف زائدة للتوكيد عند جميع البصريين، ويؤيده سقوطها في قراءة ابن مسعود، ويعوضه بدل، وقيل: "ما" اسم نكرة صفة لمثلًا، أو بد منه، وبعوضة: عطف بيان على "ما"، وقرأ روبة برفع بعوضة.
واختار الزمخشري كون
"ما" استفهامية مبتدأ، ويعوضه خبرها، والمعنى، أي: شيء البعوضة "فما" فوقها في الحقارة، زادها الأعشى مرتين في قوله:
أما ترينا حفاة لا نعال لنا ..... إنا كذلك ما نحفى وننتعل
وأميمة بن أبي الصلت ثلاث مرات في قوله:
سلع ما ومثله عشر ما ..... عائل ما وعالت البيقورا
قال عيسى بن عمر: لا أدري معنى هذا البيت، ولا رأيت أحدًا يعرفه، والسلع محركة ، والعشر على وزن صرد: ضربان من الشجر.
قال أبو البقاء: و
"ما" في مثل: أعطني كتابًا "ما" إبهامية وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمت إبهامًا وزادته شيوعًا وعمومًا؛ إذ المعنى: أي كتاب كان، وقد يكون للتحقير نحو: أعطه شيئًا "ما"، وللتفخيم نحو: لأمر "ما" يسود من يسود، أو للنوع نحو: اضربه ضربًا "ما"، وفي الجملة فإنه يؤكد بها "ما" إفادة تنكير الاسم قبلها، وقال أيضًا في كثيرًا "ما" كثيرًا منصوب على أنه مفعول مطلق على اختلاف الروايتين، و"ما" مزيدة للمبالغة في الكثرة ، أو عوض عن المحذوف، وفائدته التأكيد، والعامل فيه الفعل الذي يذكر بعده، وغير الكافة نوعان عوض عن كان المحذوفة وغير عوض، فالعوض في قولهم: "أما" أنت منطلقًا انطلقت، والأصل: انطلقت؛ لأن كنت منطلقًا.
والثاني: نحو قولهم: افعل هذا
"إما" لا، وأصله: إن كنت لا تفعل غيره.
وغير العوض تقع بع الرافع نحو: شتان
"ما" زيد وعمرو، وبعد الناصب الرافع نحو: "ليتما" زيد قائم، وبعد الجازم نحو: {وإما ينزغنك}، {أيًا ما تدعوا}، {أينما تكونوا}، وقول الأعشى:
متى ما تتاخى عند باب ابن هشام .....0 تراحى وتلقى من فواضله ندى
وبعض الخافض نحو: {فبما رحمة من الله لنت لهم}، {ومما خطيئاتهم أغرقوا}، و{عما قليل}، وقوله:
ربما ضربة بسيف صقيل ..... بين بصري وطعن نجلاء
وقوله: كما الناس مجروم عليه وجارم، وهذا في الحرف، ومثاله في الاسم: {أيما الأجلين}، وقول الشاعر:
من غير ما سقم ولكن شفني ..... هم أراه قد أصاب فؤادي).
[غنية الطالب: 243 - 248]


رد مع اقتباس