الموضوع: نعم
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:14 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("نَعَمْ"
"نعم": بفتح "العين"، وكنانة تكسرها، وبها قرأ الكسائي، وبعضهم يبدلها "حاء"، وبها قرأ ابن مسعود، وبعضهم يكسر "النّون" إتباعا لسرة "العين" تنزيلا لها منزلة الفعل في قولهم "نعم"، وشهد بكسرتين كما نزلت "بلى" منزلة الفعل في الإمالة، والفارسي لم يطلع على هذه القراءة وأجازها بالقياس.
وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر، كقام زيد، وما قام زيد، والثّاني بعد افعل ولا تفعل، وما في معناهما، نحو: هلا تفعل، وهلا لم تفعل، وبعد الاستفهام، في نحو: هل تعطيني؟ ويحتمل أن تفسر في هذا بالمعنى الثّالث، والثّالث بعد الاستفهام، في نحو: هل جاءك زيد؟ ونحو: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا}،{إن لنا لأجرا}.
وقول صاحب المقرب إنّها بعد الاستفهام للوعد غير مطرد لما بيناه قبل.
قيل وتأتي للتوكيد إذا وقعت صدرا، نحو: "نعم" هذه أطلالهم.
والحق أنّها في ذلك حرف إعلام، وأنّها جواب لسؤال مقدّر، ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام البتّة، بل قال: وأما "نعم" فعدّة وتصديق، وأما "بلى" فيوجب بها بعد النّفي.
وكأنّه رأى أنه إذا قيل: هل قام زيد؟ فقيل: "نعم"، فهي لتصديق ما بعد الاستفهام، والأولى ما ذكرناه من أنّها للإعلام، إذ لا يصح أن تقول لقائل ذلك صدقت؛ لأنّه إنشاء لا خبر.
واعلم أنه إذا قيل: قام زيد، فتصديقه "نعم"، وتكذيبه "لا"، ويمتنع دخول "بلى" لعدم النّفي.
وإذا قيل: ما قام زيد، فتصديقه "نعم"، وتكذيبه "بلى"، ومنه: {زعم الّذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي}، ويمتنع دخول "لا"؛ لأنّها لنفي الإثبات لا لنفي النّفي.
وإذا قيل: أقام زيد، فهو مثل: قام زيد، أعني أنّك تقول إن أثبت القيام: "نعم"، وإن نفيته: "لا"، ويمتنع دخول "بلى".
وإذا قيل: ألم يقم زيد، فهو مثل: لم يقم زيد، فتقول إذا أثبت القيام: "بلى"، ويمتنع دخول "لا"، وإن نفيته قلت: "نعم"، قال الله
تعالى: {ألم يأتكم نذير قالوا بلى}،{ألست بربكم قالوا بلى}،{أو لم تؤمن قال بلى}.
وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنه لو قيل: "نعم" في جواب:{ألست بربكم} لكان كفرا، والحاصل أن "بلى" لا تأتي إلّا بعد نفي، وأن "لا" لا تأتي إلّا بعد إيجاب، وأن "نعم" تأتي بعدهما، وإنّما جاز:{بلى قد جاءتك آياتي} مع أنه لم يتقدّم أداة نفي؛ لأن {لو أن الله هداني} يدل على نفي هدايته، ومعنى الجواب حينئذٍ "بلى" قد هديتك بمجيء الآيات، أي: قد أرشدتك بذلك، مثل: {وأما ثمود فهديناهم}.
وقال سيبويه في باب النّعت في مناضرة جرت بينه وبين بعض النّحويين.
فيقال له ألست تقول كذا وكذا، فإنّه لا يجد بدا من أن يقول: "نعم"، فيقال له أفلست تفعل كذا، فإنّه قائل: "نعم"، فزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن.
وقال جماعة من المتقدّمين والمتأخرين منهم الشلوبين: إذا كان قبل النّفي استفهام، فإن كان على حقيقته، فجوابه كجواب النّفي المجرّد، وإن كان مرادا به التّقرير، فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النّفي رعيا للفظه، ويجوز عند أمن اللّبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رعيا لمعناه، ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحد، ولا الاستثناء المفرغ، لا يقال: أليس أحد في الدّار؟ ولا: أليس في الدّار إلّا زيد؟ وعلى ذلك قول الأنصار رضي الله تعالى عنهم للنّبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال لهم: ألستم ترون لهم ذلك "نعم".
وقول جحدر:
أليس اللّيل يجمع أم عمرو ... وإيانا فذاك بنا تدان
نعم وأرى الهلال كما تراه ... ويعلوها النّهار كما علاني
وعلى ذلك جرى كلام سيبويه والمخطئ مخطئ.
وقال ابن عصفور أجرت العرب التّقرير في الجواب مجرى النفي المحض، وإن كان إيجابا في المعنى، فإذا قيل: ألم أعطك درهما؟ قيل في تصديقه: "نعم"، وفي تكذيبه: "بلى"، وذلك لأن المقرّر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك، فإذا قال: "نعم" لم يعلم، هل أراد "نعم" لم تعطني على اللّفظ، أو "نعم" أعطيتني على المعنى، فلذلك أجابوه على اللّفظ، ولم يلتفتوا إلى معنى.
وأم"نعم" في بيت جحدر فجواب لغير مذكور، وهو ما قدره في اعتقاده من أن اللّيل يجمعه وأم عمرو، وجاز ذلك لأمن اللّبس، لعلمه أن كل أحد يعلم أن اللّيل يجمعه وأم عمرو، أو هو جواب لقوله: وأرى الهلال البيت وقدمه عليه.
قلت: أو لقوله: فذاك بنا تدان وهو أحسن.
وأما قول الأنصار فجاز لزوال اللّبس؛ لأنّه قد علم أنهم يريدون "نعم" نعرف لهم ذلك، وعلى هذا يحمل استعمال سيبويه لها بعد التّقرير انتهى.
ويتحرر على هذا أنه لو أجيب {ألست بربكم} بـ "نعم" لم يكف في الإقرار؛ لأن الله سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلّق بالربوبية، العبارة الّتي لا تحتمل غير المعنى المراد من المقر، ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله: لا إله إلّا الله برفع (إله)؛ لاحتماله لنفي الوحدة فقط، ولعلّ ابن عبّاس رضي الله عنهما أنما قال: إنّهم لو قالوا: "نعم"، لم يكن إقرارا كافيا.
وجوز الشلوبين أن يكون مراده أنهم لو قالوا: "نعم" جوابا للملفوظ به على ما هو الأفصح لكان كفرا، إذ الأصل تطابق الجواب والسّؤال لفظا وفيه نظر؛ لأن التفكير لا يكون بالاحتمال).[مغني اللبيب: 4 / 294 - 308]


رد مع اقتباس