الموضوع: لَمَّا
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 12:22 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



"لَم" و"لَمَّا" و "لِمَ"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ( وأما "لَمَّا": فقد تكون مفردة وقد تكون مركبة.
فأما المفردة فتأتي على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون حرف جزم كلم، بل هي أصلها، زيدت عليها "ما" ومعناها: النفي كلن إلا أنهما يفترقان من جهة المعنى في ثلاثة أوجه:
أحدها: أن منفي "لما" مستمر النفي إلى الحال، كقول الشاعر:
فإن كنت مأكولًا فكن خير آكلٍ ..... وإلا فأدركني ولما أمزق
ومنفي "لم" يحتمل الاتصال نحو: {ولم أكن بدعائك رب شقيًا}، والانقطاع مثل: {لم يكن شيئًا مذكورً}، ولهذا جاز أن تقول: "لم" يكن ثم كان، و"لم" يجز "لما" يكن، وقد يكون، ولأجل هذا أيضًا جاز اقتران "لم" بحرف التعقيب لاحتمالها الانقطاع، فتقول: قمت "فلم" تقم، لأن معناه: و"ما" قمت عقيب قيامي، ولا يجوز في "لما" أن تقول: قمت "فلما" تقم؛ لأن معناه: و"ما" قمت إلى الآن.
ثانيها: أن منفي "لما" لا يكون إلا قريبًا من الحال ولا يشترط ذلك في منفي "لم"، تقول: "لم" يكن زيد في العام الماضي مقيمًا، ولا يجوز "لما" يكن.
وقال ابن مالك: ولا يشترط كون منفي "لما" قريبًا من الحال مثل: عصى إبليس ربه و"لما" يندم، بل ذلك غالب لا لازم.
ثالثها: أن منفي "لما" متوقع ثبوته بخلاف منفي "لم"، ولهذا أجازوا: "لم" يقض ما لا يكون، ومنعوه في "لما" فلا تقل: "لما" يقض ما لا يكون، ألا ترى إلى قوله تعالى: {بل لما يذوقوا عذاب}، فإنه دال على أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأن ذوقهم متوقع، قال الزمخشري في قوله تعالى: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}، ما في "لما" من منعي التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد، انتهى.
وقد تقع "لما" موقع "لم" فلا تدل على التوقع، تقول: أتيتك و"لما" أصل إليك، أي: و"لم" أصل إليك، وعلة هذه الأحكام كلها ما قاله سيبويه رحمه الله تعالى في معاني حروف النفي: إن "لم" نفي لقولك: فعل، و"لما" نفى لقولك: قد فعل، و"لن" نفي لقولك: سيفعل، و"لا" نفي لقولك: يفعل و"لم" يقع الفعل، و"ما" نفي لقولك هو يفعل إذا كانت في حال الفعل.
ثم لها معنيان آخران:
أحدهما: أن تكون جوابًا وسببًا "لما" وقع و"لما" لم يقع، تقول: ضربته "لما" ذهب و"لما" لم يذهب، وبعضهم يقول: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب.
قلت: فيكون معناها: السببية والتعليل.
قال ابن هشام: وزعم ابن السراج وتبعه الفارسي وتبعهما ابن جني وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى "حين".
قلت: فيكون معناها: التوقيت، وقال ابن مالك: إنها بمعنى "إذ".
قال ابن هشام: وهو حسن؛ لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة.
قلت: فيحتمل أن يكون معناها: التوقيت أي: ضربته وقت ذهابه، ويحتمل أن يكون معناها: التعليل، أي: ضربته لأجل ذهابه، ومن ذلك قوله تعالى: {إلا قوم يونس لما آمنوا}.
والمعنى الثاني: تكون بمعنى الشرط، وتفتقر إلى الجواب، ولا تدخل "الفاء" في جوابها، كقوله تعالى: {ولما جاءت رسلنا}، وقوله تعالى: {ولما جاء أمرنا}.
الثاني: أن تكون حرف استثناء "كإلا"، تقول: ما أتاني من القوم "لما" زيد، تريد "إلا" زيد، وتقول العرب في اليمين: بالله "لما" قمت عنا، و"إلا" قمت عنا، ولا تستعمل إلا في موضعين: بعد القسم والنفي، ومنه قوله تعالى: {إن كل نفسٍ لمَّا عليها حافظ}، في قراءة التشديد، قال الشاعر:
قالت له بالله يا ذا البردين ..... لما غنثت نفسًا أو اثنين
وقال الشماخ:
منه ولدت ولم يؤشب به نسبي ..... لما كما عصب العلباء بالعود
وفيه رد لقول الجوهري: إن "لما" بمعنى "إلا" ليس يعرف في اللغة.
الوجه الثالث: أن تكون "لما" اسمًا كقول بعضهم في قوله تعالى: {وإن كلًّا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} في قراءة من شدد "النون" من "أن" و"الميم" من "لما" أن الأصل: "لمَّا" بالتنوين بمعنى جميعًا، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف، وضعف هذا أيضًا بأن استعمال "لما" في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد.
وكقول بعضهم: إنه «فعلى» من اللمم، وهو بمعناه، ولكنه منع الصرف لأجل "ألف" التأنيث، وضعف هذا بأنه لم يثبت استعمال هذه اللفظة، ولو كان فعلي لكتب "بالياء"، ولأماله من قاعدته الإمالة.

وأما المركبة فكقول الفراء في الآية:
إن الأصل: "لمن" "ما"، فأبدلت "النون" "ميمًا" وأدغمت، فلما كثرت "الميمات" حذفت منها واحدة.
وضعف هذا القول بأن حذف مثل هذه "الميم" استثقالًا لم يثبت.
واختار ابن الحاجب: أنها "لما" الجازمة حذف فعلها، والتقدير: "لما" يهملوا و"لما" يتركوا، لدلالة ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم، قال: ولا أعرف وجهًا أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل والحق ألا يستبعد ذلك، انتهى.
قال ابن هشام: وفي تقديره نظر، والأولى عندي أن التقدير: "لما" يوفوا أعمالهم، أي: إنهم إلى الآن لم يوفوها، وسيوفونها؛ لأن منفي"لما" متوقع الثبوت والتوفية متوقعة والإهمال غير متوقع.)[مصابيح المغاني: 398 - 403]


رد مع اقتباس