الموضوع: لن
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 12:30 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "لن"
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب
"لن"
اعلم أن "لن" حرفٌ ينفي الأفعال المضارعة ويخلصها للاستقبال معنًى وإن كان في اللفظ باقيًا على احتماله للحال والاستقبال، وإنما كان ذلك لأنها كالجواب لمن قال: سيفعل، ولا تجتمع مع "السين" لأنها مختصة بالإيجاب، كما أن "لن" مختصة بالنفي فتناقضا.
وهي حرفٌ ناصب للفعل الذي بعدها بنفسها على مذهب سيبويه وأكثر النحويين، وهي عند الخليل حرفٌ مركبٌ من "لا" النافية و"أن" الناصبة، فأصلها عنده: "لا أن"، ثم خففت "همزة" "أن" بالتسهيل بالحذف فصار: "لا أن" ثم حُذفت "الألف" لالتقاء الساكنين، كما فعل في «لحْدى الكُبر»، على قراءة من حذف "الهمزة" من القراء في الشاذ.
وأصلها عند الفراء:
"لا" النافية، أُبدل من "ألفها" "نونٌ"، لأن "الألف" و"النون" في البدل أخوان، فكما تبدل "النون" "ألفًا" في الوقف في نحو «لَنَسْفَعًا» كذلك تبدل "النون" "ألفًا" في نحو زيدًا.
والصحيح من هذه المذاهب مذهب سيبويه ومن تبعه، لأن التركيب فرع عن البساطة، فلا يُدعى إلا بدليل قاطع، ويُردُ مذهب الخليل بأنها لو كانت مركبة من "لا أن" لم يجز أن يتقدم معمول معمولها [عليها] في نحو زيدًا
"لن" أضرب، وجواز ذلك وأمثاله دليل على عدم التركيب.
والوجه الثاني: أنها لو كانت من "لا أن" لكانت "لا" داخلة على مصدر مقدر من "أن" والفعل، فيكون المعنى في قول مثلًا:
"لن" يقوم زيد: "لا" قيام زيد، فتدخل "لا" على المعرفة من غير تكرير ولابد لها إذا دخلت على المعارف أو ما في تقديرها من التكرير، مع أن المبتدأ لا يكونُ له خبر، والمبتدأ لابد له من الخبر، ولم يُسمع هنا ولا في الكلام ما ينوب منابه كخبر مبتدأ "لولا" عند بعضهم، فبطل القول بالتركيب.
احتج أصحابُ الخليل للوجه الأول بأنه قالوا: إن الشيء قد يحدث له مع التركيب حكم لم يكن له قبل، ألا ترى أن
"لو" حرفُ امتناع لامتناع، وتليها الأفعال، فإذا رُكبت مع "لا" فقيل "لولا" صارت حرف امتناع لوجوبٍ ووليتها الأسماء.
والجواب لهم أنه ليس حكم التركيب [هنا كـ] حكم "لولا" لأن "لو" قبل "لا" بقي حكمها من أنها حرفُ امتناع لامتناعٍ ودخلت "لا" التي للنفي عليها فأزالت الامتناع الواحد، وصرته إيجابًا، فأن كل واحد منها باقٍ على معناه، و"لا" فيها عوضٌ من الفعل، وليست
"لن" من هذا القبيل، لأن "لن" و"لا أن" في المعنى واحد، وليس فيهما إلا التسهيل خاصةً ولا تدخل إحداهما على الأخرى لتُحدث معنًى زائدًا فلا يتناظران، فليس إلا البساطة لما تقدم وللوجه الثاني.
وأما مذهبُ الفراء فمردودٌ أيضًا من حيث إبدال الثقيل من الخفيف، لأن "النون" مقطعٌ و"الألف" صوت، والصوت أخف من المقطع، فإذا أُبدلت "النون" من "الألف" خرج من خفةٍ إلى ثقلٍ، وإذا أبدلت "الألف" من "النون" خرج من الثقل إلى الخفة، فلا ينبغي أن يُقاس أحدُ الموضعين على الآخر، مع أن ذلك البدل مختصٌ بالوقف، و"أن" مستعملةٌ في الوصل والوقف فلا منافرة بينهما ولا علةٌ جامعةٌ فبطل القياس فهذا وجهٌ.
ووجه آخر: أن "لا" لم توج ناصبة في موضعٍ من المواضع، و"أن" لم توجد غير ناصبةٍ في موضعٍ من المواضع، فكيف تُقاس "أن" على "لا" مع تناقض عملها وعدم عمل "لا"؟ ولا خفاء .... هذا القول وبطلانه.
واعلم أن من العرب من يجزمُ بـ
"لن" تشبيهًا لها بـ "لم" لأنها للنفي مثلها وأن "النون" أُختُ "الميم" في اللغة، ولذلك تبدل منها في قول الشاعر:
.... .... .... .... .... بُكاء حمامةٍ في يوم غين
أي: غيم، قال الشاعر في النصب بـ "لن".
.... .... .... .... .... فلن يحل للعينين بعدك منظرُ
أي: «يحلى» فحذف "الألف" في النصب، كما يحذفها في الجزم بـ "لم" فهو مجزوم كما قال أبو علي الفارسي وابن جني.
وأظهرُ من هذا عندي أن يكون الأصل: «يحلى» بإثبات "الألف" والنصب مقدرٌ في "الواو" المنقبلة "الألف" عنها، ثم حُذفت واجتزئ بالفتحة التي فيها قبلها في الدلالة عليها كما قال الشاعر:
وليس براجع ما فات مني .... بلهف ولا بليت ولا الواني
أراد بقوله: «يا لهفا» لأن "الألف" بدلٌ من "الياء" التي للمتكلم، لأن أصله: يا لهفي، فإذا فُعل ذلك "بالألف" المنقلبة عن الاسم فهو فيما انقلبت عن حرفٍ أولى، فاعلمه). [رصف المباني:285 - 288]


رد مع اقتباس